صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مسائل حول قيادة المرأة وحملة يونيو

سلطان بن عثمان البصيري

 
قيادة المرأة للسيارة موضوع قديمٌ متجددٌ ؛ قديمٌ في طرْحه ومتجددٌ في طرْقه.
وسأحاول في هذا المقال الإدلاء بشيء أرجو أن يُسْهم في بيان بعض المسائل المتعلّقة بالموضوع ، ولا أعني بكلامي هذا إلا من يُناقش الموضوع للوصول إلى الحق ، أما من كان هدفه غير الوصول إلى الحق فهذا لا يُريد إلا ما يهدف إليه ، فأقول :

1 – قيادة المرأة للسيارة وإذ لم يرد في حكمها لفظٌ صريحٌ من الكتاب أو السنة فتُعتبر مسألة اجتهادية يستنبط لها علماء الشريعة الإسلامية حكماً حسبما عرفوه من مقاصد الشريعة الإسلاميّة وائتمنهم الله عليه.

2 – حيث إن قيادة المرأة للسيارة أمر يدور النقاش حول إقراره وعدم إقراره فيحسن بنا النظر في مآل إقراره وعدمه ، لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية باستحضار المصالح والمفاسد للأمرين جميعاً ؛ الإقرار وعدمه ، ثم الحكم بناءً على ما يُحقق المصالح ويدرأ المفاسد ، مع ملاحظة أن درْءَ المفاسد مُقدّمٌ على جلب المصالح عندما تتساوى المصالح والمفاسد ، فليس من الحكمة أن يُصلح المرء أمراً من جهة ويُفسده من أخرى ، وكذلك فإن الأمر يُترك لو كانت المفاسد فيه أرجح من المصالح من باب أولى ، وأما إذا كانت المصالح فيه أرجح من المفاسد فإنه لا يُترك ، ويُحرص فيه أيضاً على درء المفاسد التي فيه وتقليلها ، ولا أعلم أحداً خالف في هذه القاعدة من المذاهب الإسلامية كما تُبيّنه كتب أصول الفقه في كل مذهب.
ولا ننس أيضاً أن المصالح والمفاسد حسب الشريعة الإسلامية تكمن في المجالات كافّةً - لاسيّما ما يرجع للضرورات الخمس ، وهي مُرتّبة الدينُ والنفسُ والعقلُ والعِرضُ والمالُ – كمجال الأخلاق والإدارة والاجتماع والاقتصاد وغيرها.
ثم إنه ولتسهيل استعراض المصالح والمفاسد لأيّ أمر فلا يمنع من الاستفادة من الاستعراض بالطريقة الإدارية التقليدية في الدراسات المستقبلية أو ما تسمى بالإستراتيجية ، وذلك برسم جدول من حقلين وسجلّين ، ويُكتب في أحد المربعين في الأعلى مصالح التطبيق وفي الآخر الذي بجانبه مفاسد التطبيق ، وكذلك يُكتب في أحد المربعين في الأسفل مصالح عدم التطبيق وفي الأخر الذي بجانبه مفاسد عدم التطبيق.
ولإسقاط موضوع قيادة المرأة للسيارة على الجدول حسب الرسم السابق ندون فيه المصالح والمفاسد للقيادة وعدمها كما يلي :

مصالح قيادة المرأة للسيارة

قضاء شؤونها بنفسها ، لاسيّما إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك ، ولكي لا تُجهد نفسها في البحث عمن يقود بها السيارة ، كما أن من المصالح ألّا تلجأ الأسر لاستقدام سائق أجنبي عنها ليقوم بقيادة السيارة عند عدم وجود الوليّ أو عدم تفرّغه لذلك ، ولا ننسَ أن الأسرة ستتكبّد كُلفة مالية لدفه أجرة السائق ، بالإضافة إلى أن من السائقين من قام بالتحرّش بنساء وأطفال الأسرة التي يقود لها السيارة।

مفاسد قيادة المرأة للسيارة

فتح المجال للاختلاط مع الرجال في محطات البنزين وورش الصيانة وغيرها ، لاسيّما عندما تتعطّل السيارة أثناء القيادة ، ناهيك عمن سيُبادر بمساعدتها بزعمه من كل صفيق وجه وقليل أدب يتحرّش بالنساء ويتصيّدهنّ بدعوى المساعدة ، كما أن من المفاسد أن المرأة ستُسافر دون محرم نظراً لتقارب المدن والمحافظات ، ولاشكّ في أن هذا مما يأباه الشرع والعقل ، فمن يضمن لها في طريقها السلامة ، وكذلك من المفاسد ازدحام السيارات في الطرق التي ضاقت بالرجال خصوصاً في بعض الأماكن والمناسبات ، ومن المفاسد فتح باب تجنيد النساء في إدارات المرور وغيرها للتعامل مع قائدات السيارات ، ومن المفاسد مطالبة البعض وربما صدور الموافقة لهم لاستقدام سائقات بعد السماح للمواطنات !!
مصالح عدم قيادة المرأة للسيارة
عكس مفاسد قيادة المرأة للسيارة

مفاسد عدم قيادة المرأة للسيارة
عكس مصالح قيادة المرأة للسيارة

وبعد استعراض المصالح والمفاسد للقيادة وعدمها نقول هل مصالح قيادة المرأة للسيارة أرجح من المفاسد لنُقرّها ؟ هل قضاء المرأة لشؤونها بنفسها وعدم لجوء الأسر لاستقدام سائق أجنبي عنها ليقوم بقيادة السيارة عند عدم وجود الوليّ أو عدم تفرّغه لذلك وما يكون أثراً لذلك من الكُلفة المالية المترتبة على أجرة السائق وما قد يحصل من بعضهم من تحرش بنساء وأطفال الأسرة التي تستقدمه مصالح أرجح من المفاسد التي تحصل بقيادة المرأة للسيارة من فتح المجال للاختلاط مع الرجال في محطات البنزين وورش الصيانة وغيرها ، لاسيّما عندما تتعطّل السيارة أثناء القيادة ناهيك عمن سيُبادر بمساعدتها بزعمه من كل صفيق وجه وقليل أدب يتحرّش بالنساء ويتصيّدهنّ بدعوى المساعدة ؟ وأرجح كذلك من سفر المرأة دون محرم نظراً لتقارب المدن والمحافظات ، ولاشكّ في أن هذا مما يأباه الشرع والعقل ، فمن يضمن لها في طريقها السلامة ؟ وهل هي أرجح كذلك من ازدحام السيارات في الطرق التي ضاقت بالرجال خصوصاً في بعض الأماكن والمناسبات ؟ وأرجح كذلك من فتح باب تجنيد النساء في إدارات المرور وغيرها للتعامل مع قائدات السيارات ؟ وكذلك أرجح من استقدام البعض لسائقات ؟
أم أن المفاسد أرجح من المصالح لنؤكّد على عدم قيادة المرأة للسيارة ؟
الجواب الذي ينطق به العاقل أن المفاسد أرجح وأعمّ فإن كانت المصالح ربّما تحققت لبعض النساء فالمفاسد تحققها سيكون عاماً على المجتمع رجالاً ونساءً ، من قادت ومن لم تقد ، والرجال كذلك ، لأن أثرها على الأخلاق بيّن ، والأخلاق أوّل ثلاثة أمور تسقط بها المجتمعات والدّول قبل الأمن والمال لمن استقرأ التأريخ.
وفي حماية العرض يقول الشاعر العربي :

أصون عرضي بمالي لا أدنّسهُ *** لا بارك الله بعد العرض في المالِ

ثم إن الواقع في الدول التي سُمح فيها للمرأة بقيادة السيارة أن استقدام السائقين في تزايد ! فلن تُزيل قيادة المرأة للسيارة الإشكال المترتّب على استقدام السائقين.

3 – عدم ربط الواقع بالفقه عند الفتوى ، وذلك عند بعض طلاب العلم المؤيدين لقيادة المرأة للسيارة ، إذ يكتفون بالنظر في المسألة مجرّدة عن النظر في واقع النّاس الذي ربّما تتغيّر الفتوى من أجله ، ولذا قال الإمام ابن القيّم – رحمه الله – كما في ( أعلام الموقعين 1 / 88 ) : ( ولا يتمكّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم ، أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه … ( أي حال الناس ) والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع … ( أي أحكام الشريعة ). انتهى.

4 – القياس مع الفارق لدى البعض كمن يقيس قيادة المرأة للسيارة على قيادة المرأة للجمل والحمار في السابق ، فالسيارة ربّما تتعطّل بالمرأة ويحصل لها مما يُكره مما أشيْر إليه سابقاً ، والجمل والحمار ليس كذلك ، كما أنّ الطرق ليست مأمونة في زماننا على الأحداث فكيف النساء ؟ فأرجو ألّا ننظر إلى آلة القيادة فقط بل كلّ ما يتعلّق بالأمر ، مع أن المحققين من أهل التأريخ لا يرون أنّ المرأة كانت في جُلّ الوقائع التاريخية تتولى قيادة الجمل بنفسها وإنما كانت تُحمل في الهودج فوق الجمل ، وهناك من يقودها.

5 – التفريق بين المحرم لذاته كالزنا ، والمحرم لغيره أي بسبب آخر ، مما يعني أنه مباح في الأصل ولكنّ تحريمه كان بسبب أمر آخر ، ومثال ذلك بيع السلاح ، فهو مباح في الأصل ، لكنّه محرّم إذا علم البائع أن نفساً معصومةً ستُقتل به ، وهكذا قيادة المرأة للسيارة محرّمة لا لذاتها وإنما بسبب ما تُفضي إليه من البلايا.

6 – يحسب البعض أن نظام المرور ليس في مواده ما يمنع من قيادة المرأة للسيارة ، إذ اللفظ المستعمل عام وهو : ( قائد المركبة ) ، ولعل من الواضح أنهم لا يعرفون المتقرر من الشرع والنظام أو القانون من أن العرف يفسر الغموض الذي يعتري النص النظامي إذا لم تسعف اللوائح التابعة له في تفسيره ، فلا أعلم أحـداً من فقهاء الشريعة والأنظمة أو القانون خالف في هذه المسألة ، ففقهاء الأنظمة أو القانون كفقهاء الشريعة .. إذا لم يسعفهم النص النظامي أو القانوني وما يتبعه من أنظمة ولوائح في توضيح مسألة ما رجعوا إلى العرف ، بل إن بعض فقهاء القانون لا يرى أن العرف يفسّر الغموض الذي يعتري النص القانوني فقط وإنما قد يكمّل النقص الذي يعتريه ويرى آخرون أنه قد يعدّله أيضاً !! ، ولا يقبلون من هذه الأقسام إلا ما كان لا يعود بمخالفة للنص القانوني ، شأنهم في ذلك شأن فقهاء الشريعة الذين لا يقبلون من الأعراف إلا ما كان لا يعود بمخالفة للنص الشرعي.
فتقرير أنه لا شيء يقيّد اللفظ العام الوارد في النظام ليس صحيحاً ، بل أقول إن بعض فقهاء القانون في هذا العصر لازال يعدّ العرف مصدراً رسمياً مع أنه قد انتشر تدوين الأنظمة كما يذكر ذلك الدكتور سليمان مرقس في كتابه المدخل للعلوم القانونية ، فالعرف من القانون.
ومن الأمثلة في رجوع أهل القانون إلى العرف المثال التقليدي لهذه المسألة وهو استناد الانجليز إلى أعرافهم في دستورهم ، حتى إنهم عندما اتجهوا لتدوين وثائقهم الدستورية ضمنوها ما تعارفوا عليه كما يذكر الدكتور محمد كامل ليله في كتابه القانون الدستوري.
وبناءً على ما سبق أقول إن نظام المرور إذا لم تسعف اللوائح التابعة له في تفسيره فإن المتّبع قانوناً الرجوع إلى العرف عند عدم وجود النصّ المكتوب ، وحيث إن المملكة تستمد أحكامها من الكتاب والسنة كما في المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم فلا يُقبل إلا العرف الذي لا يعود بمخالفة للكتاب والسنة.
وعلاوة على بيان جهل البعض بأن العرف من القانون أجد بعضهم تعامل مع عبارة ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) وهي إحدى مواد النظام الأساسي للحكم عندنا في المملكة العربية السعودية بفهمهم لقوانين العقوبات الوضعية ، فالنصّ يُقصد به في القوانين الوضعيّة العبارة التي تكون في القانون نفسه فقط ، بينما النصّ في الشريعة الإسلامية وفي هذا الصدد العبارة التي تكون في الكتاب والسنة ، وقد زاد النظام الأساسي للحكم السعودي النصّ النظامي على النصّ الشرعي ، باعتبار أن النصّ النظامي مردّه أمر ولي الأمر الذي أوجب الشرع طاعته ، وقد ألمحت للفرق بين فلسفة التشريع الجنائي في الإسلام وغيره في مقال سابق قلت فيه :
يُفاجأ المعنيون بملاحقة المجرمين في أغلب دول العالم بأن المجرمين يفلتون من إدانتهم على جرائمهم لأن جرائمَهم مستجّدةٌ في حدوثها ، ومن الطبيعي أن القانون الجنائي في تلك البلاد لا يُجرّمها ، فالجرائم توجد أوّلاً ثمّ تُسنّ القوانين التي تُجرّمها وتُحدّدُ العقوبةَ لها.
ولذا فليس غريباً في تلك البلاد أن تكون جريمةٌ تنتهي بالقتل في صورةٍ غيرِ مباشرةٍ ولا توجّه تهمةٌ للقاتل لأن صورةَ الجريمةِ التي ارتكبها الجاني لم يُجرّمها القانون !
ولكن بتقويم كل دولة لفلسفة التشريع الجنائي أو التقنين الجنائي فيها تكفلُ ألّا تفلت أيّ جريمة من الملاحقة !!
ووجه التقويم أن تعمد كل دولة لقانونها الأساسي أو ما يُسمّى بالدستور فتجعل ما يُجرّم كل فعل من شأنه أن يكون جريمةً مثل الفعل الضارّ بمصلحة الآخرين ، وتُسند للهيئة الحاكمة أو السلطة القضائية مَهَمَّة تقدير العقوبة المناسبة لكل فعل.
وبهذا التقويم لن تفلت أيّ جريمة من الإدانة ، وهذه الفكرة هي من فلسفة التشريع الجنائي الإسلامي الذي يُجرّم أيّ فعلٍ يمسّ حريّات الآخرين ومن شأنه أن يكون معصيةً ، ويُسندُ العقوبةَ لكل فعلٍ للحاكم فيما يُسمى بعقوبة التعزير.
والخلاصة من هذا أن نقول : ما أجمل النظام الإسلامي في شموله وصلاحيّته لكل زمانٍ ومكان ، فيا أرباب القانون دونكم النظام الإسلامي فطبّقوه تجدوا ما ترومون ، والموفق من وفّقه الله.
نعم .. قد يكون شيءٌ من قصور المعنيين بالملاحقة في إجراءات الملاحقة أو الادعاء لكن ذلك لا يجعل المجرمَ بريئاً.
لذا فقد أخطأ من استدل بالمادة ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) على الخطأ في معاقبة من تقود سيارتها ولمّا يُسمح لها بذلك.
وهنا تبرز أهمية دراسة الشريعة الإسلامية لمن يدرس القانون.
مع التأكيد على أن إبلاغ الناس بالنظام ونشره أمرٌ لابدّ منه قبل مؤاخذتهم ، كما قال الله : ]وَمَا كُنّا مُعَذِّبِيْنَ حَتَى نَبْعَثَ رَسُوْلاً [ }الإسراء 15 {.

7 – قدر صدر من وزارة الداخلية تعميم بمنع قيادة المرأة للسيارة ، وهذا التعميم وإن كان قديماً فلم يصدر ما ينقضه ، ومن المتقرر عندنا وعند غيرنا أن النظام إذا سُنّ أو القرار إذا صدر ولم يأتِ ما ينقضه فإنه يُعمل به ، فلا أدري من أين لمن يزعمون أنهم يعرفون الأنظمة أن ليس ما يمنع من قيادة المرأة للسيارة ، وهذا نصّ التعميم : ( تود وزارة الداخلية أن تعلن لعموم المواطنين و المقيمين أنه بناء على الفتوى الصادرة بتاريخ 20/4/1411 هـ من كل من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ صالح بن محمد بن لحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ووجوب معاقبة من يقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر والمحافظة على الحرم ومنع بوادر الشر؛ لما ورد من أدلة شرعية توجب منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن.
ونظراً إلى أن قيادة المرأة للسيارة يتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي الغيور على محارمه، فإن وزارة الداخلية توضح للعموم تأكيد منع جميع النساء من قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية منعاً باتاً، ومن يخالف هذا المنع سوف يطبق بحقه العقاب الرادع، والله الهادي إلى سواء السبيل ).(من صحيفة الجزيرة في عددها 6621، الصادر يوم الأربعاء 27 ربيع الثاني 1411 هـ ).

8 – بالمصطلح النظامي أو القانوني فإن من يقود سيارته بدون حمل رخصة يُقال عنه مخالف وليس مجرماً ، بدليل أن تلك المخالفة لا تسجّل كجريمة في صحيفة السوابق على المخالف ، تبقى عاراً عليه ، وتمنعه من أن يتبوأ وظيفة حسّاسة أو منصباً رفيعاً ، فلماذا بعض الحقوقيين خلطوا في حديثهم عن واقعة التي قادت السيارة بين المخالفة و الجريمة ؟! أم لا يعرفون الفرق بين المخالفة والجريمة !!
وحيال ذات الواقعة أقول : من المتبادر للذهن أن الإيقاف لم يكن لأجل المخالفة بعدم حمل رخصة القيادة ، بل لجريمة تعارف العالمُ على عظم جرمها وهي الخروج على النظام العام للبلد وسياسته.

9 – يعمد المطالبون بقيادة المرأة للسيارة ببيان أن من مستنداتهم المساواة بين الرجل والمرأة ، ولتجلية الغشاوة في أمر المساواة نقول لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالمسـاواة بين الرجل والمرأة في الثواب ، إذ قال الله تعالى : [وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] {النساء:124} ، وقال : [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {النحل:97} ، وقال : [وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ] {غافر:40}
وكذلك المساواة في أصل التكليف ، كما قال الله تعالى : [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] {الذاريات:56} ، وقال : [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] {الأحزاب:36} ، وفي الحديث المرفوع : ( النساء شقائق الرجال ) رواه أهل السنن.
لكن ولِمَا تقرّر من الفرق بين الرجل والمرأة في البنية الجسدية والعقلية كما قال الله تعالى : [وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى] {آل عمران:36} ، فإن الشريعة الإسلامية من تمام عدلها جعلت للرجل تكاليف تختلف عن تكاليف المرأة ، فالرجل مثلاً مكلّف بالإنفاق على المرأة إذا كانت زوجة ، كما قال الله تعالى : [لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ] {الطَّلاق:7} ، لأن الرجل قادر على جلب المال من أي عملٍ يعمله ، وأما المرأة فليست مكلّفة بالإنفاق على زوجها ، وذكر الأمثلة على الفوارق بين الرجل والمرأة يطول ، بيْد أن بيت القصيد إثبات الفرق بين الرجل والمرأة ، فالقياس في هذا أي قياس المرأة على الرجل يُسمّى قياساً في معنى الأصل ، والمراد به كما نقل ابن القيّم عن ابن تيميّة رحمهما الله : ( القياس بإلغاء الفارق وهو ألا يكون فرقٌ بين الصورتين مؤثّر في الشرع ) والمقصود بالصورتين صورة الأصل وصورة الفرع ، وحيث وجد الفارق بين الصورتين – ففرقٌ بين الرجل والمرأة – فإن القياس لا يصحّ.
ثم من جهة ثانية أليس الغرب الذي يؤمه كثير ممن يُطالب بقيادة المرأة للسيارة أدرك الفرق بين الرجل والمرأة فجعل للنساء أحكاماً خاصة في قوانين العمل تُبيّن عدد ساعات عملهن وتهيئة مكان عملهن بما يوائم طبيعتهن ، فلمَ العتب على منع المرأة من قيادة السيارة ؟!!

10 – يُدندنون حول المرأة ؛ كاشيرة ومحامية ولاعبة وطيّارة وخيّالة وو .. الخ ، هؤلاء الذين يُطالبون بقيادة المرأة للسيارة ، هم يريدون أن تخرج من بيتها بأي وسيلة ، وحول ذلك كتب الشيخ عبد العزيز الطريفي حفظه الله ضمن مقالته عن قيادة المرأة ما نصّه : ( كثيراً ما يتحدث كُتاب عن قضايا المرأة بمسوغات شرعية ، وتأصيلات علمية ، من غيرٍ تمحيص لحقائق تلك الأقوال ، وسلامة قول قائليها ، فالحديث عن الغيرة على الأعراض كالخلوة مع السائقين ، حقٌ في ذاته فالخلوة حرام ، ولكن يجب أن لا ننظر إليه كما ينظر أحدنا من ثقب الباب ليحكم على طريق طويل ممتد ، فاليد التي أقرت تأنيث بيع الملابس النسائية الداخلية غيرةً على المحارم ، هي نفس اليد التي تقف سداً منيعاً أمام تأنيث طب النساء والولادة ، وطب التجميل ، فتكشف المرأة كل جسدها على فراش العيادة الرجالية ، بتصريح نظامي ، بينما تثور الغيرة على بيع قطع الألبسة وتؤسس لها حملات إعلامية كبيرة ورسومات كاريكاتيرية ، وتقوم قناة سعودية بإظهار فتيات سافرات الوجه وباديات الشعر وبارزات نصف الصدر يتحدثن عن خجلهن من شراء الملابس من رجال ، لكن أن يرى آلاف الرجال جسدها السافر جائز ولا حياء ثم ، وأما أن يرى لباسها المُلقى على الأرفف فيجب أن يُمنع ، القضية إنما هي تحايل لفتح مزيد من الأبواب ، يجب أن يتحدث هؤلاء عن حرمة رؤية الأجساد قبل رؤية الأقمشة ، إن الدعاوى التي يُصورها كثير من الكتاب بالصورة الشرعية المبتورة ، يجب أن نضعها في ميزان الدقة والتمحيص ، وأن نتجاوز الحكم على الأفعال والأقوال متجردة عن سياقاتها ونظائرها ولوازمها ، لذا لا يمكن أن يتحدث الإعلام عن تحريم الخلوة وخطورتها مجرداً ليحذر الرجال والنساء من جميع صورها كما في المستشفيات وفي الخارج ، إلا عندما يكون موصلاً إلى فتح بابٍ آخر كالقيادة. وقد حُدّثت عن مقدم برنامج ومقدمةٍ معه متجاورين في قناة يبينان أهمية قيادة المرأة للسيارة بديلاً عن خطورة الاختلاط بالسائقين الأجانب ، وكأنهما إخوة أشقاء.
يجب أن نرى من يتحدث عن قضايا صغيرة يتحدث بصورة أشد في قضايا من جنسها أكبر منها ، وأما أن يعظ كاتب امرأةً متحجبة وسط عاريات أن تغطية الوجه خلافية ، فهذا لا يستقيم فهمه إلا إذا نظرت إليه من ثقب باب لا يُريك إلا المتحجبة ، وإلا فالمسألة تدَرُّج إلى غايات باطنة.
كثيرٌ من التأصيلات الشرعية مدخولة، إذا نظرنا إلى أصحابها، وعند تمحيص لوازم أقوالهم لا نجد وجهاً يستقر عليه قولهم، إلا إذا سوّغنا فصل الأسباب عن مسبباتها، وأصبح الجمع بين المتناقضات ممكناً، وكثيرٌ من الأيدي التي تدعي الطهر، غير صادقة بدعواها عند المحك والنظر حولها ) انتهى.

11 – ومما يعجب له العاقل : كيف يجني ابن البلد على أهله ، وهذه كلمات أوجهها للمُطالبين بقيادة المرأة للسيارة وهي للملك عبد العزيز رحمه الله في بيان أعلنه رحمه الله عام 1356 هـ: ( إنَّني لأعجب أكبر العجب ممن يدَّعي النور والعلم وحب الرقي لبلاده ، من الشبيبة التي ترى بأعينها وتلمس بأيديها ما نوَّهنا عنه من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم ، ثم لا ترعوي عن ذلك ، وتتبارى في طغيانها ، وتستمر في عمل كلِّ أمر يخالف تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والعربية ، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاءنا به نبينا محمد رحمة وهدى لنا ولسائر البشر ) انتهى من كتاب المصحف والسيف وفيه مجموعة من خطابات وكلمات ومذكرات وأحاديث الملك عبد العزيز رحمه الله من جمع وإعداد محيي الدين القابسي ص 322

12 – حملة يونيو من الملاحظ أن وراءها الرافضة ، وقد تعوّدنا من الرافضة إحداث ما من شأنه الفوضى في البلد والنيل من أهله و ما ثورة حنين منا ببعيد ، وبعض القرائن تدل على ذلك ، ومنها :
1 – أن السابع عشر من يونيو سيوافق هذا العام الخامس عشر من رجب وهو يوم مقدّس لدى الرافضة ، والتظاهر في اليوم المقدّس سيُضفي ابتهاجاً لدى المتظاهرين يزيد حماستهم ، فقد صرّحت قناة العالم الرافضية قائلة : إن قرار بعض النساء بعمل حملات على موقع الفيسبوك للقيام بقيادة جماعية يوم 17 يونيو القادم يهدف في الأساس إلى التحرر من سلطة الوهابيين خاصة وأنه يوم مقدس عند جميع نساء العالم الإسلامي حيث يوافق الخامس عشر من شهر رجب وهو نفس اليوم الذي توفيت فيه السيدة زينب عليها السلام.
2 - أن شخصاً رافضياً هو من قام بتنزيل مقطع الفيديو على اليوتيوب للترويج لمقطع من قدحت أول فتيل للفتنة بقيادتها للسيارة في محافظة الخُبَر ، وهذا ظاهر من خلال استعراض مواد القناة التابعة لمن قام بتنزيل المقطع ، فجُلّها تروّج لمذهب الرافضة وتسب السعودية وأهلها.

3 – كثرة الكتابات من الروافض في الفيسبوك التي تُصرّح بأنهم سيستغلون الحملة لإحداث فوضى في السعودية انتقاماً من الحكومة السعودية وخصوصاً قوات درع الجزيرة ، وانظروا هذا الرابط :
http://youtu.be/do-jd4GCm3Q 

وبعد : وحيث اتضح أن هدف الحملة أبعد من قيادة المرأة للسيارة لا كما يظنّ مؤيدو قيادة المرأة للسيارة فنحن نهيب بكل مواطن عاقل أن يُسهم في معارضته لهذه الحملة التي تُماثل سابقتها ( ثورة حنين ) ، كما إن المواطنين في شوق أن يقطع المسؤلون على هؤلاء الروافض طريق الفتنة بصدور ما يؤكد على ما تضمنه تعميم وزارة الداخلية عام 1411هـ من منع قيادة المرأة للسيارة.


سلطان بن عثمان البصيري


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية