صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







( تعليم المرأة للصبيان بين المصالح والمفاسد )

سلطان بن عثمان البصيري


عندما كتبت مقالي السابق في أسلوب قصة خياليّة – وأسلوب القصة الخياليّة واحد من أساليب القصص ، فمن أساليب القصص الواقعيّة والرمزيّة والحواريّة – ، كنت أهدف لبيان أن الطفل يكون بدء النضج لديه قبل سنّ السابعة ، فيُفرّق بين انتمائه لجنس الذكور في مقابلة جنس الإناث ، كما يُقرّره علماء النفس والتربية المسلمين وغيرهم ، لكن كانت المفاجأة من كثيرين أنهم تعاملوا مع القصّة على أنها واقعيّة ، وأخذوا في التفكير في واقعيّتها ، لاسيّما كيف انتهت ؛ الأمر الذي جعلهم يُبعدون في الوقوف على الهدف ، ولذا فقد سطّرت هذه النقاط حول الموضوع ، وهي :

النقطة الأولى : ( تزاحم المصالح والمفاسد ).

إن أيّ أمر يشتمل على مصالح ومفاسد فإنه يُنظر فيه ، فإن كانت المصالح والمفاسد فيه مستوية فإنه يُترك ، وهذا ما يقتضيه العقلُ والشرعُ ، فدرْءُ المفسدة مُقدّمٌ على جلب المصلحة ، وليس من الحكمة أن يُصلح المرء أمراً من جهة ويُفسده من أخرى ، وكذلك فإن الأمر يُترك لو كانت المفاسد فيه أرجح من المصالح من باب أولى ، وأما إذا كانت المصالح فيه أرجح من المفاسد فإنه لا يُترك ، ويُحرص فيه أيضاً على درء المفاسد التي فيه وتقليلها ، ولا أعلم أحداً خالف في هذه القاعدة من المذاهب الإسلامية كما تُبيّنه كتب أصول الفقه في كل مذهب.
وتأسيساً على ما تقدّم لو قيل : إن الطفل يتقبّل التوجيه من المرأة أكثر من تقبّله من الرجل ، ولذا ففي تعليم المرأة للطفل مصلحة ، لقلنا : لو سَلَّمَ العاقلُ جدَلاً بذلك لكانت المفاسد كفيلةٌ لإثبات أن تعليم المرأة للطفل يُصلِحُ من جهة ويُفسِدُ من جهاتٍ أخرى ، ومثله مثل الدواء إذا تناوله المريض بدون وصْفه من الطبيب ، فقد يكون نافعاً من جهة وغير نافع من أخرى ، ولو لم يكن الدواء كذلك لما كانت هناك حاجة للطبيب في وصْف الدواء للمريض فيَنْظر هل الداوء ينفع له أو ربما يضرّه ، ولما احتيج أيضاً لورقة تُرفق غالباً مع العلاج توضّح فيها دواعي الاستعمال وموانعه.

النقطة الثانية : ( المصلحة المزعومة في تأنيث تعليم الصبيان ).

إن المصلحة المزعومة في تعليم المرأة للطفل هي أنه يتقبّل منها أكثر من تقبّله من الرجل ، وهي نفس المصلحة التي قيلت في البلدان العربية في بداية دخول الاختلاط لمدراسها وجامعاتها ، كما هو مبثوث في بعض كتابات من كتب في الموضوع عبر الكتب والمجلات ، وكذلك في الانترنت عن التعليم في البلدان العربية ، وكما حدثني غير واحد من أهلها أيضاً.

النقطة الثالثة : ( نُضج الطفل وبداية العاطفة لديه )

الولد من حين أن يُولدَ تُولدُ العاطفةُ معه ، فهو يحنّ لحجْرِ أمّه ، حتى إذا بلغ سنَّ السابعة بدأت تتفتق العاطفةُ لديه ليحنّ إلى من يُحبّ ، حتى إذا ما بلغ الحُلُمَ ثار بُركان العاطفة فإما أن يوجهها لما يُرضي الله أو لما يُغضبه ، وهذا مصداق قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع ) ، بل إن الطفل كما تقدّم يبدأ النضج لديه قبل السنّ السابعة بحيث يُفرّق بين انتمائه لجنس الذكور في مقابلة جنس الإناث ، وفي هذا الصدد نجد عدداً من علماء النفس والتربية حتى من غير المسلمين يؤكدون على أن الهوية الجنسيّة لدى الطفل – ويدعونها بقولهم : gender Identity ويُريدون بها : إدراك الطفل لجنسه ، أهو ولد أم بنت ؟ – تكون من السنّ الثانية إلى الثالثة ، وهذا الأمر تتحكم فيه عوامل بيولوجية مثل الهرمونات ، وعوامل بيئية كالأسرة.
وما تقرر من المنطق السابق يُصدّقه الواقع من جنوح بعض طلاّب المراحل الأولية لبعض التصرّفات العاطفيّة مع بعضهم كما يعرف معلموهم ذلك تماماً لاسيّما عند غياب الرقيب ، إذاً فالعاطفة التي تقودالطفل للتأثّر موجودة لديه.

النقطة الرابعة : ( استهواء الطفل للتقليد ).

إن الطفلُ يستهويه التقليد لمن يُحِبّ ، بل يتخذه قدوةً له ، ولذا فكثيرٌ هم الأطفال الذين يُقلّدون آباءهم في جميع تصرفاتهم كالحديث واللباس والمشي والجلوس وغيره ، وهذا أمْر لا يُنكره أحدٌ ، وكما قيل :
بأبهِ اقتدى عديٌ في الكرَمْ --- ومن يُشابهْ أبهُ فما ظلَمْ
وقد أدرك العربُ أن الطفل يتأثّر بالبيئة التي يعيش فيها فقد كانوا يبعثون به للعيش في البادية ليأخذ من مكارم الصفات كالشجاعة ، كما إن كثيراً من الناس يعرف من أخلاق الطفل وتصرّفاته ما رُبّي عليه .
وبالإشارة إلى الهوية الجنسية للطفل gender Identity نقول إن إدراك الطفل لهويته بداية للسلوك المعبّر عن جنسه لتجده ُيحاكي سلوك أبيه إن كان ذكراً أو عكس ذلك ، ويُسمى الدور الجنسي gender role
هذا ومن ينظرحال التعليم الابتدائي اليوم في المراحل الأولية يجد أن المعلم فيه لا يتولى تعليم مادة واحدة فقط كالسابق ، بل هو معلم للصفّ بأكمله ، أي إن المعلّم سيعيش مع الطفل قريباً من رُبع اليوم ، فهل تُرى لو كان المعلّم امرأة ألن يتأثر الطفل بشخصيّتها ؟ بلى ، وربّما يكون لديه ازدواجيّة ؛ فالعوامل البيولوجية تقرّر أنه ذكر ، والبيئية تُصادم ذلك ، وإذا كان ذلك فهل تُراه سينشأ بشخصيّة رجوليّة كأبيه أم بشخصيّة أنثوية أو لا هذه ولا تلك ؟ هل سيكون رجلاً يعيش كرجل بمعنى الكلمة ، فيه من معاني الرجولة ما يؤهله ليعيش كأب يُربي جيلاً ويرعى أُسْرة ، أم يُحاكي الأنثى في مشيتها وكلامها وذوْقها واهتماماتها وسائر ما يتعلّق بها وهو في الصورة ذكر ؟

النقطة الخامسة : ( تربية الطفل ).

وجد العالم بيتر بيرمان أن ضعف التربية الجنسية gender socializing تكون في مراحل الطفولة الأولى ، ويُقصد بالتربية الجنسية تربية كل طفلٍ بما يتناسب مع جنسه ، واستشهد بيتر على رأيه كدليلٍ واضحٍ عندما يكون لدى الأبوين توأمان مختلفان في الجنس فيربيانهما معاً بنفس الطريقة ، فوجد أنه يؤدي إلى مشاكل نفسية وسلوكية في الكبر ومنها ازدواج شخصيّة الذكر وشخصيّة الأنثى.
وبالتالي فإن المدرسة هي أهم بيئة مؤثرة على الطفل خلال فترة نضجه الجنسي ، أي نُضج عقله من حيث الإدراك والمفاهيم والأدوار المتوقعة منه ، بل على مستوى الجانب النفسي لديه المتعلق بالميول والرغبات ، وحينها هل نقول إن تعليم الإناث كتعليم الذكور ؟ فالمعلمة تُعلّم الذكور كما تُعلّم الإناث ؟
وقد يقول قائلٌ إن الأم هي التي تربي في البيت فما المشكلة من تربية امرأة ؟
فالجواب أن الأمر هنا يتعلق بالبيئة بمعناها الكبير ، من يخالط الطفل وماذا يرى ويسمع ؟ وكيف يتفهم الأشياء ؟ فالطفل يُدرك انتماءه لمدرسة بنات وتُعلّمه النساء ؟ وربّما غداً مُحاطاً بزميلات ؟ ثم سؤالٌ بعد هذا لنقول : من الأقدر في نقل الدور الجنسي بكفاءة ؟ أهو الذي من نفس الجنس أم من الجنس الآخر ؟

النقطة السادسة : ( زمان التربية ).

ليس من الحكمة اعتبار أن الزمان واحد ، فما رُبّي عليه أولاد الأمس لا يصلح لأولاد اليوم ، ولذا كان مما يؤثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( لا تقسروا أبناءكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لغير زمانكم ) ، وإن اعتبرنا الطفل بالأمس قد تخفى عليه أمور لا يعرفها إلا الكبار ، فهو اليوم بفضل الانفتاح الفضائي والانترنت يعرفها !! ، بل إن من يُسمّون في فصول المدرسة ( شلل آخر الفصل ) الذين غالباً ما يكونون أشقياء خلُق لا يُقصّرون في تغذية أفكار بقيّة طلّاب الفصْل ، ولذا فإن الطفل لو كان دخل المدرسة وهو يجهل كثيراً من الأمور التي لا يعرفها إلا الكبار لكانت شلل آخر الفصل مُستعدة لتعليمه !!
أتُراه لن يعرف مفاتن المرأة عندئذٍ ؟!! ولن يَصدر منه إلا كلّ فعل بريء ؟!!
أتًراه لن يتفرّس بالنظر على الأقلّ !!
يحفظ لنا التاريخ في ذاكرته احتجاب بعض الصحابيات رضي الله عنهن من صبيّ لم يبلغ الحُلُم عندما سمعنه يقول عن إحداهن : فلانة تُقبل بأربع وتُدبر بأربع !!
بل النساء تعرف الطفل الذي يُحدّ النظر في مفاتن المرأة فينفرن منه من الطفل الذي ليس كذلك ، ولا تُنْكر هذا إلا مُكابِرة.

النقطة السابعة : ( بصمات في ذاكرة الطفل ) :

أربع سنوات على الأقلّ كان فيها أحياناً يبكي فتمسح معلّمتُه دموعَه وتضمّه لتُخفّف عنه كأمّه الحنون ..
وأحياناً ينسى ما يأكلُه في المدرسة فتشتري له ما يُريد ..
وأحياناً يجتهد فتكتب له في دفتره عبارات الثناء ، وربّما دفعت إليه هديّة ..
أتُراه سينساها بعد هذه السّنيّ !!
ولذا لن يرتضِ الطفلُ تعليمَ الرجالِ ( الأجلافِ في نظرِه ) له بقيّة عمره ، فمن شبّ على شيء شابَ عليه ، وربّما بقيت معه الذكريات أمَداً طويلاً.

النقطة الثامنة : ( من شبّ على شيء شابَ عليه ).

قديماً قيل : ( من شبّ على شيء شابَ عليه ) ، فالطفل الذي سيعيش رُبع اليوم مع المرأة ولمدّة أربع سنوات على أقلّ تقدير – إذا ما حسبنا التمهيدي مع المراحل الأولية في الابتدائي – فإنه سيأخذ على أسلوب أن تُعلّمه امرأة ، وهل من العقل نقله مباشرة بعد هذه السنوات ليُعلمه رجلٌ ؟
وهل سنجد عندئذٍ من يقول : لمصلحة تعليمه دعوا المرأة تُعلّمه بقيّة مراحل الابتدائي ؟!!
إن الغيور يخشى ذلك لأنها قيلت في البُلدان المُجاورة من قبل.

النقطة التاسعة : ( معاناة مُعلّمة الصبيان ).

إن من يسمع ويقرأ على الأقلّ ما تكتبنه معلمات الابتدائي في بعض الدول العربية في الانترنت من معاناتهن من طلاب الابتدائي عموما بجميع مراحله ، كحدّة النظر والكلام النابي وربّما اللمّس ، وكذلك التقبيل والمُعانقة في بعض المناسبات بحجة التحيّة ، لَيُدرك أن ضررَ تأنيث تعليم الصبيان ليس على الطفل فقط ، بل يلحق المعلمةَ في خلْق جوّ غير مُريح في العمل.

النقطة العاشرة : ( بداية الطريق نحو الاختلاط في التعليم ).

لم يكن الاختلاط في التعليم قد تمّ في البُلدان الإسلامية والعربية في عشيّة وضُحاها ، بل كان على مراحل ؛ التعليم في المراحل الأولية ثم فوق الأولية ثم المتوسطة أو الاعدادية .. وهكذا ، فالبدء بالمراحل الأولية قد يتساهل فيه أولياء الأمور باقتناعهم أن الدارسين فيها أطفال ، ومن وضَع قدمه في أمر سهُل عليه وضْع الأخرى ، لاسيّما وكما تقدّم أنّ الأطفال سيعتادون على الأمر ولن يروا بأساً في استمراره.

النقطة الحادية عشرة : ( الشيطان يُشْعل فتيل الميْل ).

النار من مستصغر الشرر ، وما من مؤمن بالله يقعُ في ذنبٍ إلا يُدرك أن مقارفته للذنب كانت في حال غَيَابِ العقل وطغيان حبّ فعل الذنب على الفكر ، لذا فقد يكون التلميذ والمعلمة على قدْرٍ كبيرٍ من التربية الصالحة ، ولكن ماذا تتوقع إن أوقدت ناراً بجانب وقود.

النقطة الثانية عشرة : ( استغراب المُشربين بالهوى ).

قد يحمد بعض الناس تأنيث تعليم الصبيان ، ولا يرى به بأساً ، مع أن مفاسده أظهر وأعمّ من مصالحه إن كان فيه مصالح ، وهؤلاء لا يُعوّل على رأيهم من جهتين ؛ الأولى أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال عن الأولاد : ( وفرّقوا بينهم في المضاجع ) في إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى ما يُحدثه الميول ، ولاشك أن نبينا أعلم منهم بتربية النشء ، والجهة الثانية أن من رأى حالهم في اتباع الهوى والسيْر بلا مبادئ عرَف أنهم يرون المُنكر معروفاً والمعروف منكراً ، وهذه حال من اُشْرب الهوى.
ولعلّه بعرض ما تقدّم تبيّنت الحالُ والسبيلُ ، واتضح أن تأنيث تعليم الصبيان ليس من الصواب في شيء.
ونسأل الله صلاح الأحوال.


سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية