صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







( الفتاوى العامة والفتاوى الخاصة ) !!

سلطان بن عثمان البصيري


يرى كثيرٌ من الناس متأثرين بمن يكتب في الصحافة ومن يُرى أنه من طلّاب العلم الشرعي أن وجود ما يسمّى بالفتاوى العامة والفتاوى الخاصة للعالم الشرعيّ هو نفاق أو تشّهي ، وذلك عندما يقول العالم الشرعي في مجلسه الخاص مع طلابه ما لا يُعلنه للناس ، ولكن في الحقيقة هذا الفعل هو عينُ العقل والحكمة التي جهلها من ينتقدُها ، ووجه ذلك أنه من البدهيّ حتى في غير الأمور الشرعيّة أن العامي لا يُدركُ ويفهمُ مثلَ إدراك وفهم المتخصّص ، وقد يوقعه فهمُه فيما يضرّه ويضرّ غيرَه ، ومما يشهد على صحّة هذا التصرّف من العالم فعلُ المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد ذلك في وقائع كثيرة منها ما ورد في الأثر المشهور الذي رواه البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه والذي قال فيه : ( كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم على حمار فقال لي : يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ، فقلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ، قال : لاتبشرهم فيتكلوا ) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد خصّ معاذاً بهذا الكلام وغيره من أصحابه كما في وقائع أخرى ولكنه نهاه عن نقل الكلام للعامة حتى لا يُسيئوا الفهم بارتكاب ما حرّم الله اتكالاً على أنهم يُفردونه بالعبادة ، وهذا يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيتكلوا ) ، وقد أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث قبل موته خشيةً من كتمان العلم.
بل حتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ساروا على هذا النهج النبوي الحكيم ففي صحيح البخاري قال علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله ) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ما أنت محدثا قوماً حديثاً لا تبلغه عقولُهم إلا كان لبعضهم فتنةً ) رواه مسلم.
وقبل الختام أضرب مثالاً يُبيّن أن العاميّ قد يفهم فهماً مغلوطاً ليس كفهم المتخصّص ، وهذا المثال يتعلّق بحكم أكل لحم الميتة ، ولاشكّ أن الجميع يعلم أنه محرّم بنصّ القرآن ، يقول تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة البقرة 173 ، ولكن لو أن شخصاً أشرف على الموت ولم يكن لديه ما يأكله إلا لحم ميتة فهل يجوز له أكله ؟ نعم ، وهذا الجواب بنص القرآن للمضطر في الآية نفسها ، لكن هل العامة يفهمون هذا لو قيل لهم ؟!! ، لا .. لو قيل لهم ذلك لقالوا : يعني لحم الميتة نأكله أو ما نأكله ؟ .. فعقولهم لا تحتمل التفصيل.
وقُلْ مثل ذلك في باقي المحرّمات التي يضطر لها الإنسان بحيث لو تركها لفات عليه أمر من ضرورات الحياة مثل الحفاظ على روحه.
وبما تقدّم لعلّها اتضحّت الحكمة من الفتاوى العامة والفتاوى الخاصة ، وأختم بقول الإمام مالك رحمه الله : ( ليس كل ما يُعلم يُقال ) .
 

سلطان بن عثمان البصيري
www.sbusairi.blogspot.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية