صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التصوير والفضائيات .. هل تغيّرت الفتوى ؟

سلطان بن عثمان البصيري


كثُر المتعالمون في زمننا هذا .. يُخطئون مشايخَنا ويلمزونهم بالرجعيّة والتزمّت والتشدّد ، وربّما بالمزاجية ، ولم يتأدبوا معهم ، ولاغرو فالناس أعداء ما جهلوا.
وتجد هؤلاء المتعالمين وفي صورة مكررّة لكلامهم الذي أشبه ما يكون بتسجيل صوتي وزّعوا نسخَه بينهم ليُتحِف كلُّ واحدٍ منهم سامعيه به يدندنون حول مسائل التصوير والفضائيات وجوال الكاميرا .. الخ من المسائل ، في مظهر أن المشايخ يُفتون بأمزجتهم فهم بالأمس يحرّمونها أما اليوم فهم لا يرون بها بأساً !!
ولكني أجمل ردّي على هؤلاء فيما يلي :

- قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن العلماء أكثر خشيةً له من غيرهم من الناس فقال : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء .. الآية ) ، والمقصود علماء الشريعة وذلك لارتباط حياتهم بالكتاب والسنة ، فهم أعرف الناس بربهم وخطابه ومقاصد شرعه ، ومن كان هذا حاله فلن يجرؤ على أن يقول على الله ما لا يعلم ، لا سيّما وهو يقرأ قول الله تعالى : ( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم يُنزّل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) وقوله : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الكذب إن الذين يفترون على الكذب لا يُفلحون ).

- إن النصوص الشرعيّة لا تتبدّل ولكن يختلف اجتهاد المشايخ في فهمها واستنباط الأحكام منها ، مع اعتقادنا أن الصواب واحد من أقوالهم إلا أنه غير معيّن ، وكلُّ مجتهدٍ له أجر اجتهاده ، فإن أصاب كان له أجر الإصابة أيضاً ، كما في الحديث : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ،وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ).

- بالنسبة لكلام المشايخ في التصوير فهو بحاله ، من المشايخ من يرى أن الأدلة الواردة في التصوير تعمّ جميع أنواعه ، ولم يَقُل بهذا العموم من فراغ ، بل بعد دراسة ونظر في الأدلة الواردة في تحريمه ، فرأى أنها جاءت بمختلف صيغ العموم ، ومنها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين : ( من صوّر صورة في الدنيا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ ) فقوله ( صورة ) لفظ نكرة في سياق الشرط ، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم كما يُقرّره الأصوليون ، فلفظ ( صورة ) عام يشمل الصور بأنواعها إلا ما استثناه الشرع كصور الجمادات فقد استثنيت من التحريم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، هذا رأي بعض المشايخ ، وبعضهم نظر من جهة أخرى وهي علّة التحريم فوجدها في أمرين وهما المضاهاة لخلق الله وتعليق الصور ، فجوّزوا التصوير الفوتوغرافي لأنه لا يشتمل على المضاهاة لخلق الله مع أنهم منعوا من تعليق الصور لأن تعليق الصور وسيلة للشرك بالله ، ولأجل هذا تكلّم العلماء عن تعليق الصور في كتب التوحيد.

- وأما بالنسبة لخروج المشايخ في الفضائيات فبعضهم يرى عدم الخروج بسبب عدّة أمور ؛ الأول أن التصوير محرّم ، فإن التصوير التلفزيوني في حقيقته ملايين من الصور الفوتوغرافية لا تُرى بالعين المجرّدة ؛ أُثبتت على شريط إذا مرّ بآلة تُحرّك الآلةُ تلك الصور بإشارات كهرومغناطيسية كما يذكر المختصّون ، وقد تقدّمت الإشارة إلى أن من المشايخ من يرى أن التصوير الفوتوغرافي داخلٌ في التصوير المحرّم ، والأمر الثاني أ ن ظهور المشايخ في القنوات التي تبثّ ما يُخالف الشريعة ولو كان بقصد الدعوة إلى الله تعالى قد يفهم عامة الناس منه موافقة المشايخ لتلك المخالفات ، والأمر الثالث أن مشاركة المشايخ في تلك القنوات يجرئ إدارات تلك القنوات لكي تستمرّ في بثّ تلك المخالفات. وأما بالنسبة للبعض الآخر من المشايخ الذين لا يرون بأساً في مشاركتهم بالفضائيات فهم لا يرون بالتصوير التلفزيوني الذي أصله تصوير فوتوغرافي بأساً كما تقدم ، ويرون في ظهورهم في عموم القنوات مصلحة أعظم من الفهم المغلوط لدى العامة ، وهذه المصلحة هي بيان الحق لكثير من المسلمين الذين لا يُتابعون إلا تلك القنوات ، استئناساً بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من غشيان لنوادي المشركين وأسواقهم من أجل دعوتهم.

- وأما جهاز الجوال الذي يحمل كاميرا فلا يخفى على عاقل منصف أن أصحاب النفوس الدنيئة أساؤوا استخدامه في نشر كل ما يسوء إما عبر التصوير المباشر أو استخدام التقنيات الحديثة التي يتميّز ذلك الجهاز بها كالبلوتوث ، فقد رأى بعض المشايخ أن هذا الجهاز وإن كان استخدامه في الأصل مباحاً قد يُستخدم في نشر الفساد والإفساد فيُمنع منه عندئذ ، مثله مثل بيع السلاح على المسلم وقت الفتنة ، فبيع السلاح على المسلم في الأصل مباح ، ولكنه لا يجوز وقت الفتنة. ومن المشايخ من يرى أن استخدام الجوال ذي الكاميرا نافع في أمور الخير والأمور المباحة فلم يمنع منه ، ورأى أن من يسيء استخدامه قد يؤدب.
والمسائل كثيرة ، ولكن المقصود أن ما من أحد من مشايخنا يفتي بهواه كما يردّد بعض الجاهلين.


سلطان بن عثمان البصيري

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلطان البصيري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية