اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/binbulihed/k/f15.htm?print_it=1

شرح رسالة فضل علم السلف على الخلف 15

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن سعود البليهد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


(والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل: ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك اتباعاً لطريقة مقاتل فلا يقتدى به في ذلك).

بين المصنف أن الحق في باب الأسماء والصفات هو ما سار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أئمة السنة والحديث من إثبات الأسماء والصفات كما وردت في القرآن والسنة فيثبتون لله ما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق به من غير تحريف ولا تعطيل لمعناها ولا تكييف ولا تمثيل لها فحقيقة مذهبهم إثبات معنى الصفة إثباتا حقيقيا من غير التعرض لتكييفها أو تمثيلها كما قال ابن مندة: (إن الأخبار في صفات الله عز وجل جاءت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات لله عز وجل والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله عز وجل به في تنزيله وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابه مع اجتناب التأويل والجحود وترك التمثيل والتكييف). وهذا هو مراد المصنف في قوله: (من غير تفسير) أي من غير تفسير الكيف أو إخراجها عن معناها وليس مراده ألبتة من غير إثبات المعنى فهذا تفويض وهو مذهب باطل مخالف للكتاب والسنة ولغة العرب وأقوال أئمة السنة المجمع عليها عند العارفين بمذهب السلف وهكذا يحمل هذا المعنى على كل استعمال للسلف لنفي التفسير ومن زعم أن مراد السلف تفويض معاني الصفات فقد أخطأ وخالف جادتهم وتعدى عليهم ولهذا قال الإمام مالك حين سئل عن صفة الاستواء: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة). وقال القاسم بن سلام: (هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهي عندنا حق لا نشك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسر). ومذهب السلف الصالح في باب الصفات وسط بين النفاة المعطلة وبين المثبتة المشبهة قال ابن تيمية: (فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف وإنما القصد في السلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين دين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه). فهم وقافون عند دلالات الكتاب والسنة بفهم الصحابة وعدم تحكيم العقل والمنطق في هذه المسائل لأنها من الغيب التي لا يمكن معرفتها والإحاطة بها إلا عن طريق خبر معصوم.
ومذهب السلف في جميع الصفات يقوم على ثلاثة قواعد:
الأولى: تنزيه الرب عن مشابهة المخلوق قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
الثانية: إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة. قال تعالى: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
الثالثة: نفي الكيفية لصفات الله. قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).
ثم بين المصنف رحمه الله أن مذهب السلف في الصفات هو الثابت عن جميع أئمة السنة المحفوظ عنهم كما نقله تلاميذهم الثقات في أصولهم المعتمدة ولا يثبت عن أحد منهم خاصة الإمام أحمد القول بالتأويل أو التشبيه وما يحكيه عنهم مخالفوهم من نسبة التأويل لهم فغلط خارج عن أصولهم وجادتهم وهو إما أن تكون الرواية شاذة لا تثبت أو يكون الناقل فهم هذا الفهم الخاطئ اجتهادا منه وقوله مردود لا يلتفت إليه ومن هذا ما روى البيهقي عن الحاكم عن عمرو بن السماك عن حنبل: (أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى: {وجاء ربك} أنه جاء ثوابه). وهذه الرواية مشكلة شاذة مخالفة للمستقر الثابت عن الإمام أحمد في إثباته الصفات وخاصة المجيء والنزول ونهيه عن التأويل نهيا شديدا ووصفه بالبدعة والرد على أهل التأويل والواجب رد المشكل إلى المحكم فلا يعرض عن الروايات المتكاثرة المحفوظة عند أصحابه ويؤخذ بالرواية النادرة المخالفة لمذهبه الرسمي فلعله قال ذلك من باب التنزل في معارضة الخصم قال ابن رجب في تخريج هذه الرواية: (ومنهم من قال : إنما قال ذلك إلزاماً لمن ناظره في القرآن فأنهم استدلوا على خلقه بمجيء القرآن فقال إنما يجيء ثوابه كقوله (جاء ربك) أي كما تقولون أنتم في مجيء الله أنه مجيء أمره
وهذا أصح المسالك في هذا المروي). ثم إن حنبل تكلم العلماء فيما ينفرد به من مسائل فليس هو من كبار متقني أصحابه. قال ابن القيم عن حنبل: (وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه وإذا تفرد بما يخالف المشهور عنه فالخلال وصاحبه عبد العزيز لا يثبتون ذلك رواية). ثم إن الإمام أحمد كان مرضي المعتقد عند أئمة السنة سائرا على طريقتهم ولم يحفظ عن أحد من السلف الطعن والانتقاد على شيء من معتقده فلو كان تأويل هذه الصفة ثابتا عنه لصاحوا به ولم يجاملوه كما نقدوا طائفة ممن تلبسوا ببدعة القدر أو التشيع أو الإرجاء أو الخروج وغيرها والحاصل أنه لا يثبت عنه رحمه الله التأويل أو التفويض ومن زعم ذلك فقد خالف المعتمد عند محققي أصحابه المتبعين لمذهب السلف. قال ابن رجب: (ومنهم من يقر ذلك ويمره كما جاء ولا يفسره ويقول هو مجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه وهذا هو الصحيح عن أحمد ومن قبله من السلف وهو قول إسحاق وغيره من الأئمة).
ثم ذكر المصنف أن بعض المثبتة للصفات المنتسبين لمذهب أحمد بالغوا في الإثبات حتى تأثروا بمذهب مقاتل فوقعوا في التشبيه وأثبتوا لوازم ذلك في المخلوقات ظنا منهم أن هذه هي طريقة أحمد ونقلوا عنه روايات منكرة لا تصح أسانيدها عنه فأدخلوا في صفات الله شيئا من صفات المخلوقين وهذا مسلك مذموم موافق لطريقة المبتدعة المشبهة وإنما وقع ذلك منهم بسبب ضعف صناعتهم في الحديث وعدم تمييزهم بين الصحيح والضعيف في الروايات وقلة رسوخهم في فهم مذهب السلف وغلوهم في الإثبات وليس في هؤلاء من عرف بالإمامة في العلم ومع قلة وقوع ذلك من الحنابلة إلا أن المعطلة استغلوا ذلك فنسبوا التجسيم والتشبيه لمذهب الحنابلة لينفروا الناس من اتباعه وهذا كذب وزور عليهم والحنابلة أشد الناس اتباعا للسنة وأقلهم بدعة ولهم دور مشهود في حراسة العقيدة ونصرة مذهب السلف والرد على أهل البدع. وليس كل من انتسب لأئمة السنة كان موافقا للحق والسنة ولا تنفعه تلك النسبة إنما العبرة بتحري موافقة الكتاب والسنة ومذهب السلف المحفوظ عنهم وكثير من متأخري أتباع الأئمة الأربعة مخالفون لطريقة السلف في الاعتقاد والسلوك فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء والألقاب فكثير من متأخري الحنفية ماتوريدية في الصفات ومتأخري المالكية والشافعية أشاعرة ودخل على كثير من أتباع المذاهب بدعة التصوف في السلوك وبدعة الغلو في القبور والأضرحة وانتشر التأله والتقرب لغير الله في كثير من الممارسات والصور والله المستعان.

(إنما الإقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك. ومالك. والثوري والأوزاعي. والشافعي. وأحمد. واسحق. وأبي عبيد. ونحوهم. وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة: ولم يدخل ذلك في كلام من سلم من قدح وجرح وقد قال أبوزرعة الرازي كل من كان عنده علم فلم يصن علمه واحتاج في نشره إلى شيء من الكلام فلستم منه).

بين المصتف رحمه الله أصلا مهما في باب الاقتداء والتلقي في مسائل الاعتقاد أن التلقي إنما يكون عن أئمة السنة وذلك للوجوه الآتية:
1-لسلامة منهجهم من البدع وصحة معتقدهم.
2-لشهادة الأمة لهم بحسن القصد وكمال العلم والإمامة في الدين.
3-لاتباعهم لمذهب السلف وسيرهم على جادة الصحابة.
4-لعدم دخولهم في علم الكلام المحدث واقتصارهم على دلائل الشرع. ولذلك أجمعت الأمة على الثناء عليهم والأخذ عنهم في مسائل الأصول والفروع.
والعبرة في هذا الباب بما اتفقوا عليه وأجمعوا على القول به وكان على الجادة أما ما انفرد فيه إمام مما وقع فيه اشتباه أو تردد أو شذوذ وأنكره الجماعة فلا حجة فيه ولا يعمل به ولا يعتبر من ثوابت السلف ويكون زلة عالم يرد على قائله مهما كان ويعتذر عنه ويحسن الظن به وتحفظ حرمته ومكانته والمعصوم من عصمه الله.
وقد بين المصنف ذم الدخول في الكلام وهو الأقيسة الفاسدة والطرق العقلية والمقدمات المنطقية التي يستدل بها أهل الكلام في إثبات المسائل الغيبية كما بينه ابن القيم في إعلام الموقعين بقوله: (الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا فقابلوا النوع الأول بالتكذيب والنوع الثاني: بالتحريف والتأويل). وقد أجمع السلف على ذم الكلام لأن مسائل الاعتقاد لا تثبت إلا بالأدلة السمعية الثابتة عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا مدخل للعقل ألبتة في إثباتها لأنه لا يحيط بها ولا يدرك كنهها قال عمر بن الخطاب: (اتقوا الرأي في دينكم). وقال عبد الله بن مسعود: (علماؤكم يذهبون ويتخذ الناس رؤوسا جهالا يقيسون الأمور برأيهم). وقال ابن رجب: (فتبين بذلك أن النهي عن الكلام إجماع من جميع أئمة الدين من المتقدمين من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وأنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من أئمة المسلمين). وكل من دخل في علم الكلام فسد علمه وذهب دينه لأنه بنى مقالته على القياس الفاسد والتخرص والظن بلا حجة وجره ذلك إلى تحريف وتعطيل وتأويل الحقائق الشرعية الواردة في باب الصفات وغيره وقد جر علم الكلام ويلات عظيمة ومفاسد جسيمة وشرور مستطيرة على المسلمين في زمن مبكر وفتح لهم باب الاختلاف والفتن وسفك الدماء وساعد في نشر البدع وذهاب السنن في كثير من أمصار المسلمين. ولذلك أورد المصنف كلام أبي زرعة الرازي وكان إماما في السنة وحافظا للحديث من سادات أهل الورع أثنى عليه الإمام أحمد وكلامه عظيم في الذب عن السنة وقد بين أبوزرعة رحمه الله أن من رزق علما شرعيا ولم يصن علمه ويحفظه وأدخل فيه وخلطه بعلم الكلام حتى ينشر علمه فينبغي على أهل السنة أن يتبرأو منه ولا يأخذوا عنه الدين لأنه سلك سبيل أهل البدع وشاب علمه بالبدعة وهذا يبين لنا خطر الكلام على العلم الأثري. وما ذكره أبوزرعة يعتبر ميزانا للعالم الذي يصلح ويصح الأخذ عنه في كل زمان فمن كان متبعا للسنة صائنا علمه من البدع والهوى أخذ عنه واقتدي به ومن خلط علمه بالبدع وتأثر بمسلك أهل الهوى والعصرنة لم يؤخذ عنه العلم ولم يلتفت لكلامه ولو كان واسع العلم لأنه يجر القلوب للبدعة ويفتن الناس عن السنة فلا ينبغي للمؤمن أن يغتر بكل متكلم وليتحقق من سلامة العالم من مسلك أهل الأهواء والبدع.


 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية