اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/binbulihed/333.htm?print_it=1

حال المؤمن عند نزول المطر

خالد بن سعود البليهد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن نزول المطر نعمة عظيمة يفرح بها المؤمن ويتحقق به مصالح كثيرة على البلاد والعباد وهو من أعظم الدلائل على كمال رحمة الله وقدرته ولطفه بعباده قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).

وقلب المؤمن يحيا ويشرق ويهتدي للحق بالقرآن والذكر كما أن الأرض الميتة تحيا بنزول المطر عليها قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). فالله يلين القلوب بعد قسوتها كما يحيي الأرض بعد موتها. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا).

ويسن للمؤمن عند نزول المطر أن يقول: (اللهم صيبا نافعا) لحديث عائشة رضي الله عنها: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ كانَ إذا رَأى المَطَرَ، قالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نافِعًا). رواه البخاري. ويقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) لما ثبت في الصحيحين. ويقول: (رحمة) لحديث عائشة    رضي الله عنها: (ويقولُ، إذا رَأى المَطَرَ: رَحْمَةٌ). رواه مسلم.

ويحرم على المؤمن أن ينسب نزول المطر للأمور الكونية من الكواكب والنجوم والرياح والبحار وغير ذلك متابعة للكفار ويعد هذا من الشرك الأصغر وإنما خالق المطر ومنزله هو الله عز وجل وقد جعل له أسبابا تيسر نزوله قال جل جلاله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ). وقال جل جلاله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وعن زيد الجهني رضي الله عنه قال: (صَلَّى لَنَا رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ). متفق عليه. وروى مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ. وقالَ: النَّائِحَةُ إذا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِها، تُقامُ يَومَ القِيامَةِ وعليها سِرْبالٌ مِن قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ). فاعتقاد أن النجوم لها أثر وسبب في نزول المطر من اعتقاد أهل الجاهلية وليس من اعتقاد الموحدين المخلصين لله عز وجل.

ويسن للمؤمن أن يكشف ثوبه ليصيب المطر شيئا من بدنه لأنه ماء مبارك قال أنس رضي الله عنه: (أَصَابَنَا وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قالَ: فَحَسَرَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ، حتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى). رواه مسلم.

وإذا اشتد المطر وخشي منه الضرر يستحب له أن يدعو بهذا: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ). متفق عليه.

وإذا أصاب الناس قحط ومنع القطر يستحب الاستسقاء بالدعاء لما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أنَّ رَجُلًا، دَخَلَ المَسْجِدَ يَومَ جُمُعَةٍ مِن بابٍ كانَ نَحْوَ دارِ القَضاءِ، ورَسولُ اللَّهِ ﷺ قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قائِمًا، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأمْوالُ وانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا). متفق عليه. والاستسقاء بالصلاة لما في الصحيحين عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلى القِبْلَةِ يَدْعُو وحَوَّلَ رِداءَهُ، ثُمَّ صَلّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِراءَةِ).

وأعظم القحط أن ينزل الله المطر الكثير ولكن ينزع منه البركة فلا تنبت الأرض شيئا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الأَرْضُ شيئًا). رواه مسلم.

والاستغفار والتوبة الصادقة أعظم سبب في نزول المطر وخروج بركات الأرض قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً).

واستحب أهل العلم الدعاء عند نزول المطر ليتعرض المؤمن لنفحات رحمة الله روى ابن أبي شيبة عن مكحول عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الدعاء كان يستحب عند نزول القطر وإقامة الصلاة والتقاء الصفين). وقال الشافعي: (حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث). وقد روي في الباب جملة من الأحاديث في أسانيدها مقال.

أما الذكر عند سماع الرعد فلا يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جاء التسبيح فيه عن السلف عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: (أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول: إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض). رواه البخاري في الأدب المفرد. وأما قول بعض الناس عند سماع الرعد: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح). فلم يرد في نصوص الشرع. وأما رؤية البرق فلم يرد فيه دعاء خاص في السنة فلا يسن عند رؤيته ذكر خاص.

ومن الخرافات المنتشرة عند العامة دعاؤهم بنزول المطر على القبور واستبشارهم بنزوله على قبور أقاربهم واعتقادهم أنه سبب لغفران ذنوبهم وغسل خطاياهم والميت إنما ينتفع بالدعاء والصدقة كما ثبت في صحيح مسلم: (إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عَلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ). ولا ينتفع بنزول المطر على قبره وكل ما ينتشر من الأدعية في هذا الباب فمنكر لا أصل له في الشرع.

ويسن الجمع بين الصلاتين عند نزول المطر إذا كان يبل الثياب ويحصل به نوع مشقة والأولى جمع تقديم لأنه الأرفق بالناس قال ابن عباس رضي الله عنه: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَال: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ). رواه مسلم. وهذا مذهب جمهور الفقهاء. وكذلك يشرع الجمع في الوحل الذي يغلق الطريق ويشق معه الحضور إلى المسجد.

وينبغي للمؤمن أن يتفكر ويعتبر حال نزول المطر واخضرار الأرض في ثلاثة أمور:

الأول: أن الله الذي أحيا الأرض الميتة وأخرج منها الزرع والثمار قادر على أن يحيي الأموات يوم القيامة قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

الثاني: أن الحياة الدنيا ببهجتها ولهوها ولذاتها وزينتها ستفنى عن قريب وتذهب ولن يخلد فيها الإنسان كالزرع الجميل المخضر المنتشر من جراء المطر ثم يصفر ثم يجف ويكون هشيما ويزول وهكذا الدنيا تزول فلا يتعلق بها المؤمن إذا ذكر الآخرة وأما الكافر فمفتون بها حتى آخر رمق من الدنيا قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

الثالث: سعة رحمة الله وكثرة إحسانه بخلقه يرزقهم وينعم عليهم ويهديهم إلى أرزاقهم وهم يعصونه بالليل والنهار ولو حبس عنهم القطر بالكلية لهلكوا قال تعالى: (لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا).

 

الفقير إلى الله

خالد بن سعود البليهد

10/1/1444


 

 
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية