صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







باب ما يلبس المحرم من الثياب

خالد بن سعود البليهد

 
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ ، وَلَا الْعَمَائِمَ ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ ، وَلَا الْبَرَانِسَ ، وَلَا الْخِفَافَ ، إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ، وَلَا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ } . وَلِلْبُخَارِيِّ { وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ . وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ }.
بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث اللباس المحرم على المُحرم. وقد أجاب السائل بعكس مسألته لسهولة الحصر وهذا من بلاغته صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر أن المحرم على الرجل خمسة أنواع. الأول: القميص وهو اللباس المفصل على سائر البدن كالثوب. والثاني: العمامة وهو ما يلف على الرأس. والثالث: السروال وهو اللباس المفصل على العورة من السرة إلى أسفل الركبة وفي معناه التبان السروال القصير ونحوه. والرابع: البرنس وهو الثوب المتصل به ما يغطي الرأس يشبه لباس المغاربة اليوم. والخامس: الخف وهو ما يستر الرجل إلى وسط الساق وفي حكمه الجورب. وكل هذه الأنواع تدخل في معنى المخيط المنهي عنه وهو كل لباس فصل على عضو من أعضاء البدن فيلحق بهذه الأنواع ما كان من جنسها. أما الأشياء التي لا تشبهها فيجوز استعمالها كالنظارة والساعة والحزام والكمام واللباس إذا لف على البدن. ودل الحديث على نهي المحرم عن استعمال ثوب مسه الطيب من ورس وزعفران وغيره وهذا يدل على أن مباشرة الطيب بعد الإحرام من المحظورات سواء استعمل في اللباس أو البدن أو الطعام أو الفراش فكل ما كان طيبا عرفا دخل في النهي وما كان لا يقصد طيبا عادة أو كان يسيرا تابع لغيره لا يبقى أثره لم يدخل في النهي كالفواكه وأزهار البراري والنعناع والهيل والصابون والشامبو المعطر ونحوها. أما وضع المحرم للطيب قبل الدخول في النسك واستدامته أثناء النسك من غير إصابة ثياب الإحرام فجائز كما ورد في الصحيحين من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن أصاب ثوبه وجب غسله كما ورد في حديث يعلى. وفي الحديث دليل على تحريم انتقاب المرأة والنقاب في عرف الشرع هو ستر الوجه وإخراج العينين أو إحداهما. ووهم بعض الفقهاء وظنوا أن المحظور هو الستر مطلقا فقالوا إحرام المرأة في وجهها والتحقيق أن الحديث سكت عن ستر الوجه كاملا ونهى عن لبسة خاصة وتصرف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في استتارهن عن الرجال في الطواف يدل على أن المرأة لا تنهى عن ستر الوجه عند حضرة الرجال. ويحرم عليها لبس القفاز وهو ما فصل لستر اليد من قماش وغيره. والمرأة يباح لها لبس المخيط وتغطية الرأس وستر القدمين. وفيه إشارة إلى أن النقاب والقفاز لبسة مشهورة في الصدر الأول فلا وجه لإنكاره. وفيه دليل على مشروعية قطع الخف لمن لم يجد النعلين وفيه اختلاف بين الأئمة. وإذا احتاج المحرم للبس محظور لمرض ونحوه لبس وفدى. ولعل الحكمة في نهي المحرم عن المخيط ليكون ذليلا متخشعا لربه ذاكرا لأحوال الآخرة متجردا من الترف وزينة الدنيا.

4- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ : مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ : لِلْمُحْرِمِ }.

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المحرم إذا عدم النعلين واضطر للبس الخفين أبيح له ذلك شرعا للضرورة. وقد أفاد الحديث أنه لا يلزمه القطع في هذه الحالة وظاهر الحديث يعارض حديث القطع السابق وهذا مستشكل فاختلف نظر الفقهاء في ذلك فذهب الجمهور إلى أن هذا الحديث مطلق والآخر مقيد فيحمل المطلق على المقيد ويصار إلى القول بالقطع. وذهب أحمد إلى أن القطع منسوخ لأن حديث ابن عمر متقدم قاله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وحديث ابن عباس متأخر قاله في عرفة بقرينة أنه خاطب فيه عامة الناس من أهل الأمصار ممن لا يشهدونه غالبا في غير الموسم بخلاف حديث ابن عمر الذي قاله لأهل المدينة خاصة فلو كان القطع هو المحفوظ لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن العامة. ويؤيد ذلك أن القطع من إضاعة المال ، ويؤيده أيضا أن من عدم الإزار جاز له لبس السروال بغير قطع كما دل عليه الحديث وأخذ به المخالف في الخف. وفيه دليل على أن المحرم إذا عدم لباس الإحرام جاز له لبس المخيط ضرورة ولا يفدي لأن الشارع أذن له في ذلك ولا فدية فيما أذن فيه الشرع.

5- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ } . قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ " .

هذا الحديث في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم. وقد دلت السنة على أن المشروع للمحرم أن يلبي حال إحرامه من حين دخوله فيه إلى أن يستلم الركن أو يشرع في الطواف في العمرة لما روي في الترمذي وهو مذهب الجمهور ويقطع التلبية في الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة. وقد اختلف الفقهاء في حكم التلبية فذهب أبو حنيفة إلى ركنيتها فلا يصح الإحرام إلا بها وذهب مالك إلى وجوبها يأثم ويذبح بتركها وذهب الشافعي وأحمد إلى سنيتها وهو الصحيح لأنه ذكر مستحب كسائر أذكار الحج ولم يرد في النصوص ما يدل على وجوبها. فإذا أحرم المحرم بقلبه ولم يتلفظ بالتلبية صح نسكه وليس عليه شيء. والتلبية شعار المحرم وزينة النسك ومعنى التلبية الإجابة والإقامة فيكون مراد بقوله (لبيك اللهم لبيك): إجابة بعد إجابة وإقامة على طاعتك ولزوما لنسكك. وقوله (إن الحمد والنعمة لك). يعني: إن الثناء والمدح كله خالصا وتاما لك لا يستحقه أحد سواك والنعم لك أنت خالقها ومصرفها والمنعم بها. وقوله: (لك الملك). يعني أن الكون وما فيه كله ملك لك تحت قهرك وتدبيرك تعطي وتمنع تعز ونذل سبحانك لا ينازعك أحد في ملكك. وقوله: (لا شريك لك). ختم التلبية بالتوحيد فنفى الشريك والند والنظير في أسمائه وأفعاله وعبادته فلما ذكر ما يدل على الربوبية ذكر الألوهية لأنه المقصود الأعظم. وفي هذا الذكر يتجلى تذلل العبد وافتقاره وإجلاله وانقياده وتألهه لمولاه. والتلبية من خصائص الإحرام لا يشرع للحلال أن يلبي. والسنة الجهر ورفع الصوت بالتلبية كما ورد في البخاري إلا المرأة فتسر بها بحضرة الرجال ولا يشرع لها الجهر إجماعا. ويسن الإكثار من التلبية عند الصعود والنزول وتغير الأحوال. وفي زيادة عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على التوسعة في هذا الذكر فلا يكره ذلك لأن المقام مقام ذكر وثناء وإخلاص إلا أن السنة المواظبة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن خلط المحرم بين التلبية والتكبير والذكر وتلاوة القرآن فحسن لعمل الصحابة وإقرار النبي لهم. والمهم أن لا يظل المحرم صامتا أو غافلا حال إحرامه والصمت حال الصوم والإحرام ليس عبادة مشروعة كما يظن بعض الجهال وإنما يكون محمودا عند ترتب المصلحة الراجحة.

6- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَهَا حُرْمَةٌ } . وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ " لَا تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " .

في هذا الحديث نهي للمرأة عن السفر بلا محرم وهذا يدل على تحريم ذلك. وقد اختلفت الأحاديث في تحديد المدة تارة يوم وتارة ليلة وتارة يومين وتارة ثلاث ليال وتارة فوقها ولا مفهوم لهذا العدد فالنهي عام في كل سفر طال أم قصر كما ورد إطلاقه في حديث ابن عباس. وإنما نهى الشرع عن ذلك لأن سفرها بلا محرم مظنة الفتنة والفساد وتعرض الفساق لها خاصة عند فساد الزمان. ويشترط المحرم في السفر الذي يبلغ مسافة القصر ما يعادل ثمانين كيلا أما ما دون ذلك فلا يشترط إلا إذا خيفت الفتنة. والمحرم هو كل ما يحرم على المرأة من نسب وسبب مؤبد كالأب والجد والابن والأخ والعم والخال والزوج وأبوه وابنه. ويشترط في المحرم أن يكون بلغ سن الرشد أما الصغير فلا يجزئ وأن يكون عاقلا. وقد أدخل المصنف هذا الحديث في الحج لأنه يشترط على المرأة في وجوب الحج عليها وجود محرم لها. وقد اختلف الأئمة في اشتراط ذلك فذهب مالك والشافعي إلى عدم اشتراط ذلك في وجوب المرأة فلا يدخل المحرم عندهم في الاستطاعة ورخصوا لها السفر مع امرأة أو رفقة آمنة أو جماعة في تفصيل عندهم. وذهب أبوحنيفة وأحمد إلى اشتراط ذلك فلا يجب عليها الحج إلا مع وجود محرم ويسقط عنها مع عدمه لأنها غير مستطيعة ونفقة المحرم عليها ولا يلزم زوجها ذلك وهذا هو الصحيح لعموم الخبر وحديث ابن عباس في الصحيحين في قصة الرجل الذي أراد الجهاد فأمره النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق بامرأته التي خرجت حاجة. قال ابن المنذر: (تركوا القول بظاهر الحديث واشترط كل منهم ما لا حجة له عليه). والحكم في الحديث عام في كل امرأة سواء كانت شابة تشتهى عادة أم كبيرة من القواعد ومن خصه بالشابة فتحكم بلا دليل. واختلاف الأئمة في الحج الفرض أما حج التطوع فقد اتفقوا على تحريم سفر المرأة بلا محرم. والمرأة إذا حجت بلا محرم كانت آثمة ولكن حجها صحيح لأن النهي لا يعود إلى ذات العبادة أو شرطها المقتضي صحتها.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
15/11/1431

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية