صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الرد على من سوَّى في الحكم بين السينما والتلفاز

خالد بن سعود البليهد

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد فلا شك في تحريم السينما وكثرة أخطارها ونتائجها السيئة في المجتمع المسلم. وقد حذر العلماء المعتبرون منها منذ زمن بعيد وأصدروا فيها الفتاوى والمقالات المتنوعة. ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.

والحديث في هذا الموضوع في نظري لا ينبغي أن يتوجه إلى أولئك المتغربين المفتونين بثقافة الغرب الذين يرتكزون في أطروحاتهم وأفكارهم وبرامجهم على نظريات وأيدلوجيات دخيلة على ديننا الحق. فإن هؤلاء لا يردعهم الخطاب الشرعي ولا يحجزهم عن باطلهم فتاوى العلماء الربانيين اللهم إلا النصيحة والموعظة عل الله يهديهم ويخرجهم من الغواية. وحالهم كحال المريض الذي لا يستلذ بشراب العسل والحلوى. ولا يوجد علاج ناجع لهم كمثل ردع السلطان وأطرهم على الحق أطرا فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

وإنما الحديث يتوجه إلى فئة من أهل الدعوة والفضل صدرت عنهم فتاوى وأطروحات تسهل أمر السينما وتشبهها في الحكم بالتلفاز فأقول ردا على هذه الفرية على سبيل الاختصار ليسترشد الجاهل ويستيقظ الغافل ويعي طالب العلم أن هذا القول لا تصح نسبته للشريعة من جملة الأوهام الكثيرة التي ابتلينا بها في زماننا المتأخر وليكون هذا الجواب أنموذجا ومثالا في رد الأقوال الغريبة والفتاوى الشاذة الأخرى. والحق أحق أن يتبع والخطأ مردود على صاحبه ولو كان ذو منزلة رفيعة.

والحديث هنا عن السينما المعهودة التي تعنى ببث الأفلام السينمائية التي تكون لها دور خاصة ويحضرها الجمهور لغرض المتعة والترفيه واللهو فهي محل النزاع بين الأطراف أما شاشات العرض الخاصة بالأطفال أو الوثائقية التي تعرض في مراكز خاصة لغرض التعليم فهذه لا ينطبق عليها حقيقة وثقافة السينما والخطب فيها أهون مع وجوب التزامها بالضوابط الشرعية. وإطلاق القول بذكر الأنواع في معرض الجواب عدم التزام بالإنصاف وتعمية بالحكم على السامع وإجمال مذموم في مقام التفصيل فيه واجب.

فأقول مستعينا بالله أن التسوية بين السينما والتلفاز في الحكم غلط وقياس فاسد من وجوه:

الوجه الأول: أن مشاهدة التلفاز في البيوت والاستراحات وإن كان منكرا إلا أنه في حكم الإسرار بالمعصية لأنه في مكان خاص يفعله فئة معينة مستترة وإن علم بهم غيرهم فلا يخرج الصورة من حكم الإسرار كمن علم أن فلانا يعمل الفاحشة في بيته ليس هو بمنزلة من أظهره علانية. أما فتح دور السينما لعامة الناس وإظهاره في المجتمع فهذا من باب المجاهرة بالمنكر والعياذ بالله والاستخفاف بالله وإشاعة الرذيلة وسبب لنزول العذاب. وهذا المفهوم دلت عليه النصوص الشرعية قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه). متفق عليه. وعلى هذا جرى تصرفات الأئمة الفقهاء في باب النهي عن المنكر يفرقون بين الجهر بالمعصية والاسرار بها قال الخلال: (وأخبرني أبو بكر المروذي أنه قال لأبي عبد الله في الطنبور إذا كان مغطى قال : « إذا ستر عنك فلا). وورد عنهم النهي عن الإنكار عمن استتر بمعصيته في بيته لأنه لم يجاهر بها.

الوجه الثاني:
أن المتكلم بهذا يجهل أو يتجاهل ثقافة السينما المبنية على إشاعة الحب والرومانسية والرذيلة ولذلك فهي في الأصل مقصدا للعشاق والمحبين في سائر البلاد ويشتهر عند مرتادي السينما تبادل القبل والأفعال المشينة. أما التلفاز في البيت وإن كان فيه محاذير إلا أنه متنوع الثقافة والمحتوى من سياسة ورياضة وأفلام ومسلسلات وببرامج ثقافية حوارية وغيرها فلا تتمحض فيه ثقافة تزيين الفاحشة والرذيلة كالسينما ولذلك يلاحظ في السينما الانفتاح الشديد في عرض المشاهد المخالفة للدين والعرف والذوق العام.

الوجه الثالث:
أن فتح دور السينما وإشاعتها في البلاد لا تتحقق إلا بالاختلاط بين الرجال والنساء فالعادة والعرف المتبع فيها الاختلاط فهي مادة حية ومشروع ناجح وبرنامج عملي للاختلاط كما هو معلوم عند روادها في كل مكان. أما التلفاز بحد ذاته فلا يدعو للاختلاط أبدا وقد وجد في مجتمعنا لأكثر من أربعين سنة ومع ذلك واقعيا لم يؤد للاختلاط لأنه طبيعته وإمكاناته وثقافته مخصصة لفئة معينة.

الوجه الرابع:
أن فتح دور السينما والإذن بها يؤدي بقوة إلى السماح بإقامة معاهد للتمثيل واستقبال خبراء السينما والمتخصصين وخلق جو لإنتاج الأفلام السينمائية السعودية ودخول العنصر النسائي في هذا المجال وهذا من أشد المخاطر. بينما التلفاز لا يؤدي إلى ذلك ولم يؤد يوما إلى ذلك لأنه مجرد مشاهدة خاصة مبنية في الأفلام على استيراد المواد فقط دون صناعتها لعدم وجود بيئة إنتاجية وسوق استثمارية.

الوجه الخامس:
أن محتوى السينما ومنتج الأفلام التي تعرض فيها تدور بين المفسدة الخالصة والمفسدة الراجحة لأن إنتاجها مقتصر على شركات عالمية مشبوهة التوجه غربية كافرة أو عربية فاسدة فلا يمكن واقعيا ضبطها أو وضع لها قيود أو شروط لأن ما بني على باطل فهو باطل لا يمكن استصلاحه فذكر الشروط هنا والضوابط لغو لا فائدة فيه ولا يمكن أصلا تطبيقها لأن مادة الأفلام مبنية على الأفكار والتصورات الخاطئة والموسيقى والمشاهد الماجنة والمناظر الخليعة والنظريات الاجتماعية وإشاعة العلاقات المحرمة الخارجة عن حكم الشرع فلا تتحقق المصلحة بقص بعض المشاهد الشاذة . أما التلفاز مع وجود الشر فيه فالرقابة فيه فعالة إلى حد ما ويمكن بث برامج نافعة خالصة أو راجحة خالية من الفتنة مع التحفظ على هذا الموضوع.

وبهذا يتبين أن إطلاق هذا القول على عواهنه خطأ مخالف للشرع وتيسير ليس في محل التيسير وغير موافق للواقع الصحيح ولا ينتفع منه إلا أصحاب المشروع الغربي المنادين بفتح دور السينما في بلادنا وغيرها من أماكن الفتنة. والفقيه الحصيف هو الذي يغلق على الناس باب فتنة ويمنع أهل الشهوات من تمرير مشاريعهم من طريقه يتذرعون بفتواه ويخاصمون بها أهل الحق.
وأسال الله أن يوفقنا جميعا للصواب ويأخذ نواصينا للحق ويجنبنا الزلل.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
26/6/1430

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية