صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح عمدة الأحكام (42)

خالد بن سعود البليهد

 
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب فكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض).

هذا الحديث في معاشرة الحائض. وفيه مسائل:
الأولى: الحديث دليل على جواز اغتسال الزوجين متجردين من إناء واحد وهذا يقتضي جواز نظر كل واحد منهما إلى عورة الآخر. وفي سنن أبي داود: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك). والشارع قد أباح الوطء فما كان دونه من الاستمتاع جائز كالنظر وغيره من باب طريق الأولى وقد دل على ذلك شواهد متعددة وقد كره بعض الفقهاء ذلك ولا وجه للكراهة لأن ما روي في هذا الباب منكر لا يصح منه شيء. كحديث: (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى). أنكره أبو حاتم وغيره من أئمة الحديث. وهذا الحديث يدل على أن الأصل في باب اللهو والاستمتاع بين الزوجين التوسعة والإباحة مالم يشتمل على محظور شرعي أما العادات والأعراف فلا تحرم شيئا ولا تقيد ما أطلقه الشرع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوسع في لهوه مع عائشة في مسابقته لها والإذن لها بالنظر إلى الحبشة الذين يلعبون في المسجد وإقرارها على الفرح في العيد وغير ذلك من الشواهد.

الثانية:
وفيه إباحة معاشرة الرجل للحائض واستمتاعه بها من غير وطء في الفرج لأن الوطء في الفرج حينئذ محرم لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ). أما الاستمتاع بما دون الفرج فالسنة للحائض إذا أرادها الرجل أن تلبس شيئا فوق عورتها فيباشرها الرجل من وراء ذلك الحائل وقد اتفق الفقهاء على جواز هذه الصورة ولكن اختلفوا هل يحل للرجل أن يباشرها ويستمتع ببدنها من غير حائل على قولين فمنع الجمهور ذلك استدلالا بحديث عمر قال: (قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال ما فوق الإزار). رواه أبوداود. وذهب أحمد إلى إباحة ذلك وهو الصحيح لأن حديث النهي ضعيف لا تقوم به حجة كما نص ابن رجب وغيره على ذلك ولأن مقصود الشارع من النهي هو مباشرة القذر في الإيلاج في الفرج كالدبر دون ما سواه مما ينتف فيه هذه العلة وهذا يدل على إباحة الاستمتاع في غير الفرج وقد جاء ذلك مفسرا في السنة في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). رواه مسلم. ولا شك أن في ذلك فيه توسعة على الزوج وتيسير. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه محمول على الاستحباب والكمال. فعلى هذا يجوز للرجل أن يستمتع بالإليتين والفخذين وغير ذلك من بدن الحائض مابين السرة إلى الركبة بلا حائل دون إيلاج في الفرج لكن إن كان يخشى الوقوع في الفرج امتنع وأمر زوجه بوضع حائل. وجاء عن عائشة وابن عباس وغيرهما من السلف الترخيص في ذلك. قال الشعبي: (إذا لفت على فرجها خرقة يباشرها). وقال الشيباني: (إذا كفت الحائضة عنها الأذى فاصنع بها ما شئت).

الثالثة:
وفيه دليل بين على طهارة بدن الحائض وعرقها وريقها وغير ذلك لكون عائشة رضي الله عنها وهي حائض تغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وترجله ولما طلب منها مناولة الخمرة اعتذرت بكونها حائضا فقال لها: (إن حيضتك ليست في يدك). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب مكان فيها من الإناء وهي حائض. قال ابن عبد البر في الاستذكار: (وفي ترجيل عائشة لرأس رسول الله وهي حائض دليل على طهارة الحائض وأنه ليس منها شيء نجس غير موضع الحيض). فدلت هذه التصرفات على أن نجاسة الحيضة خاصة بالفرج لا تتعدى إلى سائر البدن فلا يتنجس الرجل بملامسة الحائض ولا مساكنتها ومؤاكلتها ولا حرج في أكل طعامها ومعاشرتها ولا يتنجس الثوب الذي ترتديه الحائض إلا إذا أصابه الدم ولا يتنجس طعاما أو أثاثا أو شيئا مسته الحائض وقد حكى غير واحد الإتفاق على ذلك كابن جرير وغيره. والتشديد والتنطع في اجتناب المرأة حال حيضها من عادة اليهود لعنهم الله الذين كانوا يعتزلون مؤاكلة الحائض ومساكنتها وقد أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم. وقد كان ابن عباس يعتزل فراش امرأته إذا حاضت فأنكرت عليه خالته ميمونة وبينت له أن السنة مباشرتها والنوم معها في لحاف واحد فرجع عن ذلك كما في مسند أحمد.

الرابعة:
وفيه إشارة ظاهرة إلى أن الحائض لا يحل لها المكث في المسجد كالجنب لاتصافهما في الحدث الأكبر وقد دل على ذلك نصوص أخرى كحديث أم عطية رضي الله عنها قالت : (أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين). متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري). متفق عليه. وهذا القول هو المشهور عند الأئمة الأربعة وغيرهم وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. فلا ينبغي للحائض التساهل في دخول المسجد والبقاء داخل المسجد وساحته المتصلة به المحوطة بالسور سواء كان لسماع الخطبة أو الدروس أو حلقة القرآن أو غيره. أما إذا كان البناء في غرفة خارجة عن المسجد منفصلة عنه فيجوز لها البقاء فيها لأنها غير داخلة في حكم المسجد ولا يثبت لها أحكام المسجد.

الخامسة:
فيه أدب عظيم من آداب العشرة بين الزوجين وهو اعتناء المرأة بطهارة الرجل وزينته وثيابه كما كانت عائشة رضي الله عنها تبالغ في تطهير الرسول صلى الله عليه وسلم وتعتني به وهذا يدل على كمال عقل المرأة وحسن تربيتها وانكسارها للزوج وتواضعها ولا يخفى ما لهذا السلوك الاجتماعي من أثر عظيم في محبة الزوج لامرأته وتعلقه بها وإيثار رضاها ومحبتها على كل أحد والتفقد لحوائجها. والزوجة تنشأ على هذا السلوك تأثرا بسلوك أمها فإن كانت أمها محتسبة متبعلة معتنية بأبيها كانت كذلك وإلا فلا. وقارن بين نساء السلف وبعض نساءنا اليوم والله المستعان. والذي يظهر من خلال التأمل في النصوص وقواعد الشرع أن خدمة المرأة لزوجها واجبة عليها بحسب عرف قومها تلام وتؤاخذ على تركها شرعا. وحتى لو نظرنا من جهة الأدب والذوق العام فإنه يقبح ولا يسوغ للمرأة العاقلة الصالحة أن تعرض عن خدمة زوجها مع استطاعتها وتلقي بهذه المسؤولية على الغير مع قيامه بسائر حقوقها من النفقة والسكنى ورعاية صحتها الجسدية والنفسية وهي تبذل له فقط خدمة الاستمتاع فإن احتاج للطعام أو غسل الثياب أو نظافة البيت أو رعاية الولد قالت لا يجب علي ذلك فالشريعة لا تأتي بمثل هذا السلوك الذي لا يقوم على الإنصاف والعدل. فلا شك أن هذا القول ضعيف مخالف للشرع يترتب عليه مفاسد ويفضي إلى الخصومات وانهدام البيوت وإن قال به بعض الفقهاء مع كونه أيضا مخالفا لما روي من الآثار في خدمة نساء الصحابة لأزواجهن.

السادسة:
وفيه أنه يباح للمعتكف غسل رأسه وبدنه وترجيله ولا يكره ذلك له ويجوز للمعتكف أن يخرج بعض بدنه من المسجد وأن ذلك لا يبطل به الاعتكاف لأن الذي يبطل به الاعتكاف هو أن يخرج جميع بدنه لغير حاجة أما إخراج بعض البدن فلا يمنع منه المعتكف لأنه ليس في معنى خروج كل البدن. و الصحيح أن المعتكف إذا احتاج للاغتسال للجنابة أو إزالة الوسخ أو التبرد من الحر جاز له الخروج من المسجد كما رخص الفقهاء بذلك. والترجيل هو بل الشعر بالماء ثم يمشط ويقوم مقامه استعمال الكريمات العصرية التي تصلح الشعر وتطيب رائحته. وفيه أن مس المعتكف لبدن المرأة ومسها لبدنه من غير شهوة جائز لا يبطل الاعتكاف ولا يدخل في معنى المباشرة المنهي عنها حال الاعتكاف.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
15/4/1430

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية