صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
حديث 175 في فرض الزكاة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ - : إنَّك سَتَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ . فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ , فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ , فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ . وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ .

في الحديث مسائل :

1= الوصية للدُّعاة والوُلاة ولو كانوا مِن أولي العِلْم ، فمعاذ رضي الله عنه سيّد العلماء ، ومع ذلك أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2= أهمية مَعْرِفة الدَّاعي بأحوال الْمَدْعُوِّين ، فإن ذلك أدْعَى لِقَبُول دعوته .

3= في الحديث أنَّ دعوة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة لأهل الكِتاب وغيرهم ، إذ هي دَعوة للناس كافَّة .

4= فيه أنه لا يُقبَل مِن أهل الكِتاب الإيمان بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلاَّ باتِّبَاعه عليه الصلاة والسلام
وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ .

5= مِن مُقْتَضَى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمَر . ولذلك تَقْدَح المعاصي في التوحيد بِقَدْرها .

6= " وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْكُفَّار يُدْعَوْنَ إِلَى التَّوْحِيد قَبْل الْقِتَال . وَفِيهِ أَنَّهُ لا يُحْكَم بِإِسْلامِهِ إِلاَّ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَهَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة . قاله النووي .

7= الـتَّدَرُّج في دَعوة الكُفَّار إلى الإسلام حتى لا يَنْكُصوا على أعقابهم ، ولا يستثقلوا الدخول في الدِّين ابتداء .
وفي المسند من طريق عن نصر بن عاصم عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسْلَم على أنه لا يُصَلِّي إلاَّ صلاتين ، فَقَبِل ذلك منه .
وفي المسند أيضا من طريق أبي الزبير قال : سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بَايَعَتْ ؟ فقال : اشْتَرَطَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صَدقة عليها ولا جِهاد .
قال ابن رجب : وأخَذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث ، وقال : يصح الإسلام على الشرط الفاسِد ثم يُلْزَم بِشَرائع الإسلام كلها ، واستدل أيضا بأن حكيم بن حزام قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخِرّ إلاَّ قَائما . قال أحمد : معناه أن يسجد من غير ركوع . اهـ .

8= فرض الزّكاة على الأغنياء في أموالهم الزكوية .
ولذا قال : " فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً " والمقصود بالصَّدَقة هنا : الزكاة .
وفي الزكاة مُؤازرة الأغنياء للفقراء ، وعدم نسيان حقّ الله في المال ، مع ما فيه مِن بركة ونماء لأموال الأغنياء
والزكاة رُوعي فيها الغني والفقير ، فلم يُضَرّ بالفقير ، ولم يُجحَف الغنيّ في مالِه ، وإنما هي نسبة قليلة إلى عموم مالِه .

9= اخْتُلِف في قوله : " تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ " ، هل المقصود به فقراء البلَد أو عموم فقراء المسلمين ؟
قال البخاري : وَقَالَ طَاوُسٌ : قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَهْلِ الْيَمَنِ : ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ، أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ . اهـ .

وهذا التعليق وَصَلَه ابن أبي شيبة في المصنف .
وفيه دليل على جواز نَقْل الصدقة مِن البَلَد إذا وُجِد مَن هو أحْوَج ، ولولا ذلك لَمَا جَاز إخراج الزكاة لأهل الثغور .
إلاَّ أن يُراعى في ذلك مصلحة فقراء ذلك البلد .

10= هل تُخرَج العَيْن بدَل الزَّكاة الواجبة في المال ؟
قال العيني في شرح تبويب البخاري السابق : احتج به أصحابنا في جواز دفع القِيم في الزكوات ، ولهذا قال ابن رشيد : وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم ، لكن قاده إلى ذلك الدليل . اهـ .
وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية جَواز إخراج الزكاة عَيْنًا بَدَل الْمَال لِمصلحة الفقير .

11= قال النووي : وَفِيهِ : أَنَّ الزَّكَاة لا تُدْفَع إِلَى كَافِر . اهـ .
لأنه نصّ أن الزكاة تؤخذ مِن أغنياء المسلمين وتُدفَع إلى فقرائهم .

12= ما المقصود بِـ " كرائم أموالِهم " ؟
قال القاضي عياض : كرائم المال خياره وأفضله .
وقال ابن الأثير : " كرائم أموالهم " أي : نفائسها التي تتعلق بها نَفس مالكها ، ويختصها لها حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها ، وواحدتها كريمة .
وقال النووي : أَمَّا الْكَرَائِم فَجَمْع كَرِيمَة . قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع : هِيَ جَامِعَة الْكَمَال الْمُمْكِن فِي حَقّهَا مِنْ غَزَارَة لَبَن ، وَجَمَال صُورَة ، أَوْ كَثْرَة لَحْم أَوْ صُوف . اهـ .
والمعنى : أن لا تُؤخذ نفائس الأموال في الزكاة .
قال ابن الأثير : " وتَوقّ كرائم أموالهم " أي : تَجَنبها لا تأخذها في الصدقة ؛ لأنها تَكرم على أصحابها وتَعُزّ، فَخُذْ الوسط ، لا العالي ولا النازل . اهـ .

13= ما العلاقة بين اتِّقاء كرائم أموالِهم واتِّقاء دعوة المظلوم ؟
لأن أخْذ كرائم الأموال ونفائسها مِن الظُّلْم ، فإذا فَعَل الْجَابِي ذلك فقد ظَلَم وعَرَّض نفسه لِدعوة المظلوم .

14= لَم يُنصّ على بقية أركان الإسلام .
وذلك لأمور :
الأول : أنّ مَن صلّى فقد أدى أعظم العبادات البدنية ، والزكاة أعظم الحقوق المالية ، ومَن فعلها فهو لِمَا سِواها أسرع .
وفي معناه قوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ . رواه البخاري ومسلم .
والبَرْدَان : الفجر والعّصْر ، أي : أن مَن صلّى هذين الفَرْضَين مع ثقلهما بعد تعب ونوم فهو لَما سِواهما أسرع أداء ، وليس معناه أن من صلى هذين الفَرْضَين وتَرَك بقية الفروض دَخَل الجنة !

الثاني : أن الإنسان إنما يُخاطَب بالصيام وبالحج إذا حضر وقته ولَزِم وُجوبه .

الثالث : أنه – كما تقدّم – تُرِك ألأمر بها آنذاك مِن باب التّدرُّج في دعوة القوم .

الرابع : أن ما في هذا الحديث ونظائره مُوافَقَة لَظاهر القرآن ، فإن الله جَعَل الحدّ الفاصل لِقبول توبة الكفار أداء الصلاة والزكاة ، فقال : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) .
وهذا راجِع إلى معنى ما تقدَّم من أن من أقام الصلاة وأدّى الزكاة فهو لِمَا عداها أسرع أداء .

والله تعالى أعلم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية