اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/227.htm?print_it=1

شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 245 في الاقتصار على استلام الركنين

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
ح 245

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ .

فيه مسائل :

1= تقدّم معنى الاستلام ، وأنه المسح باليَدِ عليه .

2= الاستلام باليد للركنين : اليماني والحجر الأسود ، وينفرد الحجر الأسود بالتقبيل مباشرة ، أو تقبيل اليد ، أو ما يستلم به ، وتقدّم هذا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
وأما الركن اليماني فيُقتصر فيه على المسح باليد دون مسح الوجه بها ، ودون تقبيله ، أو تقبيل اليد بعد استلامه .
قال ابن عبد البر : إنما يُعرف تَقبيل الحجر الأسود ، ووضع الوجه عليه ، وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود . اهـ .

3= تسمية الركن اليماني بهذا الاسم : تقدّم أن سبب ذلك لكونه جهة اليمن ، وهو يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الكعبة .
بينما يُطلق على الركنين الشماليين : الركنان الشاميان ؛ لأنهما جهة الشام .

4= مشروعية استلام الركن اليماني ، دون تقبيل أو مسح للوجه .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلاَّ الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين . رواه مسلم .
وروى مسلم أيضا من طريق نافع عن عبد الله ذَكَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلاَّ الحجر والركن اليماني .

وتقدّم قول ابن عبد البر : وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود .

5= سبب عدم استلام بقية الأركان :
لأن بقية الأركان ليست على قواعد إبراهيم ، وسبق بيان ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة في الكعبة .

ففي الصحيحين من طريق عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا . قَالَ : وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ ؟ قَالَ : رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنْ الأرْكَانِ إِلاّ الْيَمَانِيَّيْنِ ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلاّ الْيَمَانِيَّيْنِ .
وروى الإمام أحمد من طريق أبي الطفيل قال : كنت مع معاوية وابن عباس وهما يطوفان حول البيت ، فكان ابن عباس يستلم الركنين ، وكان معاوية يستلم الأركان كلها ، فقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَستلم إلاّ هَذين الركنين : اليماني والأسود ، فقال معاوية : ليس منها شيء مهجور .
وفي رواية للإمام أحمد : فقال ابن عباس : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، فقال معاوية : صَدَقْتَ .

قال ابن عبد البر : قوله : " رأيتك لا تَمَسّ من الأركان إلاّ اليمانيين " فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار أن ذينك الركنين يُستلمان دون غيرهما .
وروينا عن ابن عمر أنه قال : ترك رسول الله استلام الركنين الذين يليان الْحِجْر أن البيت لم يَتمّ على قواعد إبراهيم . اهـ .
وقال أيضا : والصحيح عن ابن عباس أنه كان لا يَستلم إلاّ الركنين الأسود واليماني ، وهما المعروفان باليمانيين ، وهي السنة ، وعلى ذلك جماعة الفقهاء ، منهم : مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري ، وحجتهم حديث ابن عمر هذا ، وما كان مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . اهـ .

6= ترجيح ما وافق السنة إذا وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم .
ولا يُظنّ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تقديم الأقوال أو الآراء على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُظنّ بهم أنهم رأوا في الأمر سَعة ، أو الظنّ بالراوي أنه أتى بما قال مِن قِبَل نفسه .
وفي رواية أحمد ما يقطع هذا الاحتمال ، وهو تصديق معاوية لابن عباس رضي الله عنهم .

7= اختلاف الصحابة في فهم النصّ ، وخفاء بعض المسائل على بعض الصحابة .
ولابن القيم تفصيل جميل في هذه المسألة يُراجع في : " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ، ونقله مع زيادة عليه: القاسمي في " محاسن التأويل " في تفسير قوله تعالى : (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) .
ويُنظر لذلك أيضا : أضواء البيان ، للشيخ الشنقيطي في تفسير قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) في سورة " محمد " .


 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية