صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 171 في الوقوف من جنازة المرأة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسطِهَا.

في الحديث مسائل :

1= قوله : " في نُفاسِها " هذا وصْف غير مُؤثِّر في الْحُكم ، فإن الوَصْف إما أن يَكُون مؤثِّرا في الْحُكْم أو لا يكون مؤثِّرا .
وفي هذا الحديث وَصْفَان : الأول كونها امرأة ، وهذا وصْف مُؤثِّر في الْحُكْم ، وكونها ماتت في نُفاسها ، هذا وصْف غير مُؤثِّر في الْحُكْم .
قال ابن دقيق العيد : وَالْوَصْفُ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ - وَهُوَ كَوْنُهَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا - وَصْفٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالاتِّفَاقِ ، وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ أَمْرٍ وَاقِعٍ . وَأَمَّا وَصْفُ كَوْنِهَا امْرَأَةً : فَهَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لا ؟ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَلْغَاهُ ، وَقَالَ : يُقَامُ عِنْدَ وَسَطِ الْجِنَازَةِ ، يَعْنِي مُطْلَقًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ ، وَقَالَ : يُقَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ .

2 = هل يُفَرَّق بين الرَّجُل والمرأة ؟
نعم .
وعند أبي داود أن أنس بن مالك رضي الله عنه صلَّى على رَجُل فقام عِند رأسه ، وصَلَّى بَعْدَه على امرأة فقام عند عَجِيزَتِها ، فَصَلَّى عليها نحو صَلاته على الرَّجُل ، ثم جلس ، فقال العلاء بن زياد : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي على الجنازة كصلاتك ؛ يُكَبِّر عليها أربعا ويَقُوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم .
والحديث صَحَّحَه الشيخ الألباني .
ولا تَعَارُض بَيْن حَدِيث البَاب وفيه ذِكْر وسَط المرأة ، وحديث أنس وقيامه عند عَجِيزتِها ؛ لأن " عَجِيزَتِها هي وَسطها " كما قال الشوكاني .
قال النووي في حديث الباب : وفيه إثبات الصلاة على النفساء ، وأن السُّنَّة أن يَقِف الإمام عند عَجِيزَة الْمَيِّتَة .
ولَم يُفرِّق بعض أهل العِلْم بين الرَّجل والمرأة ، بل يقولون : يقِف عند وسط الميت ، رجلا كان أو امرأة . والْحديث حُجَّة في التَّفْرِيق بين الرَّجل والمرأة .
قال النووي : السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف للحديث ولأنه أبلغ في صيانتها عن الباقين وفي الرجل وجهان (الصحيح باتفاق المصنفين وقطع به كثيرون وهو قول جمهور أصحابنا المتقدمين نه يقف عند رأسه ...
وقد ذَكر البغوي في كتابه " شرح السنة " عن الشافعي وأحمد وإسحاق أنه يقف عند رأسه [يعني : الرَّجُل] ، والخنثى كالمرأة ، فيقف عند عجيزته ، فلو خالف هذا فوقف عند عجيزة الرَّجل أو غيرها ، أو رأس المرأة والخنثى أو غيره ؛ صَحَّت صلاته لكنه خلاف السنة . اهـ .
وقال الشوكاني : وقد عَرَفْت أنَّ الأدِلَّة دَلَّتْ على ما ذَهَب إليه الشافعي ، وأنَّ مَا عَدَاه لا مُسْتَنَد له .

3 = سَبَب التفريق بين الرَّجُل والمرأة :
أن قِيَام الإمام مُقابِل وسَط المرأة لِيَسْتُرَها مِن الناس .
ويَدُلّ عليه فِعْل الصحابة رضي الله عنهم في تقْدِيم جنازة الصّبي مما يَلي الناس دُون المرأة .
ومِن أهْل العِلْم مَن عَلَّل التَّفْريق بأن المرأة النفساء كانت حاملا ، وهذا تَعليل عَليل ؛ لأن وَصْف النُّفاس لا يَقْتَضي بقاء الْحَمْل ، وليس في الحديث ذِكْر لِبقاء الجنين .
وقد سبق الـنَّقْل عن ابن دقيق العيد الاتِّفَاق على أنَّ وَصْف النُّفَاس غير مُعتبر . فلا تأثير له في الْحُكم .
قال ابن الْمُلَقِّن بعد أن أوْرَد ما جاء عن أنس في صلاته على الرَّجل والمرأة ، والتَّفْرِيق بينهما : وهذا الحديث يَدُلّ على أن مشروعية مقام الإمام كذلك ، وهو يُبْطِل التأويل السَّالِف مقامه عليه الصلاة والسلام وسط الجنازة ، إنما كان مِن أجْل جنينها ، حتى يَكون أمَامَه . بل كان ذلك لأنه حكم بِمشروعية ذلك .

4 = لو سُتِرت جنازة المرأة .. هل يبقى الْحُكْم ؟
الظَّاهِر بقاء الْحُكْم ، كمَا بَقِي حُكم الرَّمل في الأشواط الثلاثة الأولى في طَواف القُدُوم ، وقد انْتَفَتِ عِلَّة الرَّمَل ، وكما تبقى المرأة في الصفّ المؤخَّر ، وإن سُتِر مُصلّى النساء .

5 = في الحديث مُعامَلة شَهِيد الآخِرَة مُعاملة سائر الموتى ، من حيث التغسيل والتَّكْفِين والصلاة عليه ، وإن أُطلِق عليه شهيد .
ففي الحديث عَدّ المرأة تَمُوت بِجمْع – يَعني بِنُفاس – مِن الشُّهَداء ، ومع ذلك صلَّى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يُفعَل ببقية شُهداء الآخِرَة .
قال القاضي عياض : وقوله : " والمرأة تموت بجمع شهيد " أكثر الروايات فيه بِضّم الجيم ، ورواه بعضهم بالفتح ، وهما صحيحان ، ورُوي بِجِمع بالكسر فيها ، وهو صحيح أيضا . قيل : معناه تموت بولدها في بطنها . وقيل : بل مِن نُفَاسِه . اهـ .

6 = قوله : " فَقَامَ فِي وَسطِهَا " ضُبِطَتْ بِسُكُون السِّين وفَتْحها .
قال ابن حجر : قوله : " فقام وسطها " بفتح السين في روايتنا ، وكذا ضبطه ابن التين ، وضبطه غيره بالسكون .
إلا أن الشوكاني قال : قوله : " وسْطها " بِسُكُون السِّين . وقد تَبِع في ذلك النووي .

7 = رواية البخاري : فقام وسطها .
ورواية أخرى له : فقام عليها وسطها .
ورواية مسلم : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها .
ورواية أخرى له : فقام عليها للصلاة وسطها .
والمعنى واحد .

8 = في صحيح مسلم تسْمِيَة المرأة ، وهي أمّ كَعْب .

9 = تكريم المرأة في الإسلام ؛ حيث يُصلّي أشرف الخلق على امرأة ماتت في نفاسها .
ومهما كانت المرأة المسلِمة ، فإنه يُصلَّى عليها .

10 = فيه أن سَتْر المرأة مُتعيّن حتى بعد وفاتها .
قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء ، أن يُطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة ؟ فَـدَعَـتْ بجرائد رطبة فَـحَـنَـتْـها ثم طَـرَحَـتْ عليها ثوبا ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : ما أحسن هذا وأجمله .
وجاء في رواية - ذَكَرها ابن عبد البر - أن فاطمة قالت : فإذا أنا مِتّ فاغْسلينِي أنتِ وعلِيٌّ، وَلا تُدْخِلِي عَلَيَّ أَحَدًا . فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائَشَةُ تَدْخُلُ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لا تَدْخُلِي . فَشَكَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذِهِ الْخَثْعَمِيَّةَ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جَعَلَتْ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسِ- فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ، ما حملك على أن مَنَعْتِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَى بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلْتِ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسِ؟ فَقَالَتْ: أَمَرَتْنِي أَلا يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَأَرَيْتُهَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُ، وَهِيَ حَيَّةٌ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ لَهَا . قَالَ أَبُو بَكْرٌ:
فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ وَأَسْمَاءُ .
قال ابن عبد البر : فاطمة رضي اللَّه عنها أول من غطي نعشها من النساء فِي الإسلام عَلَى الصفة المذكورة فِي هَذَا الخبر . اهـ .
وهذا الخبر فيه ضَعف ، إلاّ أنه يُستأنس به في القصص .

وذَكَر الإمام مالك أنه سمع أهل العلم يقولون : إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ، ولا مِن ذوي الْمَحْرم أحَدٌ يَلِي ذلك منها ، ولا زوج يَلِي ذلك منها ، يُمِّمَت ، فَمُسِح بوجهها وكفيها مِن الصعيد .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الْمَرْأَةُ أُمِرَتْ أَنْ تَجْتَمِعَ فِي الصَّلاةِ وَلا تُجَافِيَ بَيْنَ أَعْضَائِهَا ، وَأُمِرَتْ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا ، فَلا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ حَائِضٍ إلاّ بِخِمَارِ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي جَوْفِ بَيْتٍ لا يَرَاهَا أَحَدٌ مِنْ الأَجَانِبِ ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِسَتْرِ لا يُؤْمَرُ بِهِ الرَّجُلُ ، حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا بَشَرٌ .

والله تعالى أعلم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية