صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 165 في الصلاة على القبر بعد الدَّفن

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ , فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا .

في الحديث مسائل :

1= صِفة صلاة الجنازة :
قال أبو أمامة : السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مُخَافتة ، ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الآخرة . رواه الضياء في " المختارة " .

قال ابن قدامة : والواجب في صلاة الجنازة النية ، والتكبيرات ، والقيام ، وقراءة الفاتحة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأدنى دعاء للميت ، وتسليمة واحدة .

وقال الخرقي : والصلاة عليه [أي : على الميت ] يُكبِّر الأولى ويقرأ "الحمد لله" ، ويُكبِّر الثانية ويُصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يُصلي عليه في التشهد ، ويُكبِّر الثالثة ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت .
قال ابن قدامة : وجملة ذلك أن سُنة التكبير على الجنازة أربع ، ولا تُسن الزيادة عليها ، ولا يجوز النقص منها ، فيُكبِّر الأولى ، ثم يستعيذ ، ويقرأ الحمد ، ويبدؤها بـ بسم الله الرحمن الرحيم ...
قال ابن قدامة : ولنا ، أن صلاة الجنازة شُرع فيها التخفيف ، ولهذا لا يُقرأ فيها بعد الفاتحة بشيء ، وليس فيها ركوع ولا سجود ، والتعوّذ سُنة للقراءة مُطلقا في الصلاة ، وغيرها ؛ لقول الله تعالى : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، إذا ثبت هذا فإن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة ، وبهذا قال الشافعي ، وإسحاق .
ورُوي ذلك عن ابن عباس وقال الثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وأبو حنيفة : لا يقرأ فيها بِشيء مِن القرآن ؛ لأن ابن مسعود قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها قولا ولا قراءة . ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه ، كسجود التلاوة .
ولنا ، أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال : إنه مِن السنة .
أو : مِن تمام السنة . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ...

وقال ابن قدامة : ويُسِرّ القراءة والدعاء في صلاة الجنازة ، لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ، ولا يقرأ بعد أم القرآن شيئا .
وقد رُوي عن ابن عباس أنه جَهر بفاتحة الكتاب . قال أحمد : إنما جهر ليُعَلّمهم . اهـ .

روى البخاري مِن طريق طلحة بن عبد الله بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب قال : ليعلموا أنها سنة .
وفي رواية أبي داود : إنها مِن السنة .
وفي رواية الترمذي : إنه مِن السنة أو مِن تمام السنة .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم مِن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم ؛ يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ، وهو قول الشافعي و أحمد وإسحاق . اهـ .
وقول ابن عباس هذا له حُكم المرفوع .
قال النووي : إذا قال الصحابي : السنة كذا ، أو : مِن السنة كذا ؛ فهو في الحكم كَقَوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا . هذا مذهبنا ومذهب المحدثين وجماهير السلف والخلف . اهـ .

2= هل يُشرع دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة ؟
قال ابن قدامة : ولا يُسن الاستفتاح .
قال أبو داود : سمعت أحمد يُسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " ؟ قال : ما سمعت .
قال ابن المنذر : كان الثوري يَستحب أن يَستفتح في صلاة الجنازة ، ولم نجده في كتب سائر أهل العلم ، وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري ، لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح ، كسائر الصلوات . اهـ .

ولا يصح اعتباره بدعة ؛ لوُرُودِه عن السلف ، ولاحتماله في حديث أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبّر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ، ما تقول ؟ قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد . رواه البخاري ومسلم .
فهذا مُحتَمِل لصلاة الجنازة ؛ لاشتمالها على تكبير وقراءة .

وقول الإمام أحمد لَمّا سُئل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة ، فقال : ما سمعت . فيه : أن العالِم ينتهي إلى ما سَمِع .
قال سعيد بن جبير : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع .

3= حُكم الصلاة على الميت في المقبرة .
جاء النهي عن الصلاة في المقابر ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ، ولا تتخذوها قبورا . رواه البخاري ومسلم .
وبوّب عليه الإمام البخاري : باب كراهية الصلاة في المقابر .

وهذا نَهي عام ، فيشمل كل صلاة ، سواء صلاة الجنازة أو غيرها مِن الصلوات .

قال ابن عبد البر : واخْتَلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة ، فجاء وقد فُرغ مِن الصلاة عليها ، أو جاء وقد دُفنت .
فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : لا تُعاد الصلاة على الجنازة ، ومن لم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يُصَلّ عليها ولا على القبر .
وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والليث بن سعد .
قال ابن القاسم : قلت لِمَالِك : فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة ؟ قال : قد جاء هذا الحديث ، وليس عليه العمل .
قال ابن عبد البر : ما رواه بن القاسم عن مالك في أنه لا يُصلَّى على القبر ، هو تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه .
وذكر عبد الرزاق عن معمر قال : كان الحسن إذا فاتته الصلاة على الجنازة لم يُصَلّ عليها .
وكان قتادة يُصلِّي عليها .
وكان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلِّي عليها ، دعا وانصرف .

وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء الذين رأوا الصلاة على القبر جائزة أنه لا يُصلّى على قبر إلاّ بِقرب ما يُدفن ، وأكثر ما قالوا في ذلك شهر .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يُصلَّى على جنازة مرتين إلاّ أن يكون الذي صلى عليها غير وَلِيها ، فيعيد وَلِيَّها الصلاة عليها إن كانت لم تُدفن ، وإن كانت قد دفنت أعادها على القبر .
وقال عيسى بن دينار - فقيه أهل بلدنا - : مَن دُفن ولم يُصَلّ عليه مِن قَتيل أو ميت فإني أرى أن يُصلي على قبره . اهـ .
وقال ابن عبد البر في شرح حديث " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " : وقد احْتَجَّ مَن كَرِه الصلاة في المقبرة بهذا الحديث ، وبِقوله عليه السلام : إن شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد . اهـ .

وقال الرافعي : أما المقبرة فالصلاة فيها مكروهة بكل حال . ولم يَرَ مالك بالصلاة في المقبرة بأسا ، وحكى أبو مصعب عن مالك كراهة الصلاة في المقبرة كقول الجمهور ، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الصلاة في المقبرة سواء كانت مقابر المسلمين أو الكفار ، وحكى ابن حزم عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك وهُم : عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس رضي الله تعالى عنهم ، وقال : ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة . وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها ، والنهي عن ذلك إنّما هو سدّ لذريعة الشرك ، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة ، لأنه لا يتناول اسم المقبرة ، وإنّما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا . وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق ، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد مِن القبور ، وهو الصواب ، والمقبرة كل ما قُبر فيه .
وقال رحمه الله : وَنَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة عموما ، فقال : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام . رواه أهل السنن ، وقد رُوي مسندا ومُرسلا ، وقد صحح الحفاظ أنه مُسنَد ؛ فإن الحمام مأوى الشياطين ، والمقابر نُهي عنها . اهـ .

وقال ابن رجب : ووجدنا في كتاب مصنف على مذهب سفيان الثوري ، قال : ولا تعجبني الصلاة على الجنازة في المقبرة .
وهذا قول الشافعي وإسحاق ورواية عن أحمد ؛ لعموم النهي عن الصلاة في المقبرة . اهـ .
وقال ابن رجب : وقال أبو بكر الأثرم في كتاب " الناسخ والمنسوخ " : إنما كُرِهت الصلاة في المقبرة للتَّشَبه بأهل الكتاب ؛ لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد .

وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على القبر المنبوذ ، وعلى المرأة – أو الرجل - الذي دُفن ليلا ، وما جاء في حديث الباب أنه صلّى على قبر .
فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام بعد ما صلّى على القبر : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم . رواه مسلم . وأصله في الصحيحين .
وفي حديث يزيد بن ثابت : أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى قبرا جديدا ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذه فلانة مولاة بني فلان ، فعرفها رسول الله صلى الله عليه و سلم ماتت ظهرا وأنت نائم قائل فلم نُحب أن نوقظك بها ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفّ الناس خلفه وكبّر عليها أربعا ، ثم قال : لا يموت فيكم ميت ما دُمت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة . رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه .
فهذا يؤكِّد الخصوصية ؛ لأن صلاته عليه الصلاة والسلام رحمة وتزكية ، كما قال الله عز وجل : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) .

قال الذهبي في سيرة عثمان بن مظعون رضي الله عنه : من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين، الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيهم، فصلى عليهم . اهـ .

وأما صلاة الصحابة خلفه على القبر ، فهو مما جاء تَبَعا ، وما جاء تَبَعا لا يكون حكمه كما جاء قصدا .
قال ابن حبان : في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على مَن صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره ، وأنه ليس من خصائصه .
قال ابن حجر : وتُعُقِّب بأن الذي يَقع بالتبعية لا يَنهض دليلا للأصالة ، واسْتُدِلّ بخبر الباب على ردّ التفصيل بَين مَن صُلِّي عليه فلا يُصَلَّى عليه بأن القصة ورَدت فيمن صُلِّي عليه ، وأجيب بأن الخصوصية تَنسحب على ذلك .

والله أعلم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية