صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 157 في مشروعية صلاة الخوف

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ , صَلاةَ الْخَوْفِ : أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ , وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ , فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً , ثُمَّ ثَبَتَ قَائِما , وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ , ثُمَّ انْصَرَفُوا , فَصُفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ , وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى , فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ , ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا , وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ , ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ .
الذي صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سَهْلُ ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ .

فيه مسائل :

1= لا تضرّ جهالة الصحابي ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كلّهم عُدول ، فلو قال الراوي : حدثني رجل مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قال : حدثني مَن صَحِب النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك ، فإن هذا لا يقدَح في صِحّة الحديث ، بِخلاف جهالة غيرهم ، فإنها تؤثِّر على صِحّة الحديث .

2= مَن هو الذي صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الْخَوْفِ في غزوة ذَاتِ الرِّقَاعِ ؟
قال ابن حجر : قِيلَ : إِنَّ اسْمَ هَذَا الْمُبْهَمِ : سَهْلُ ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ ؛ لأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى حَدِيثَ صَلاةِ الْخَوْفِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ لأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ ، فَقَالَ : عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " مِنْ طَرِيقِهِ ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ .
وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ : إِنَّهُ مُحَقَّقٌ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ .
قُلْتُ : وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ الْغَزَّالِيُّ ، فَقَالَ : إِنَّ صَلاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِي رِوَايَةِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ : اشْتُهِرَ هَذَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَالْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ رِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَعَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَلَعَلَّ الْمُبْهَمَ هُوَ خَوَّاتٌ وَالِدُ صَالِحٍ .
قُلْتُ : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ خَوَّاتٍ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . اهـ .

= قوله : " صلّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ , صَلاةَ الْخَوْفِ "
اخْتُلِف في تحديد متى شُرِعت صلاة الخوف .
قال ابن القيم : صحّ أن المشركين حبسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس وفي " السنن " و " مسند أحمد " والشافعي رحمهما الله أنهم حَبَسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاّهن جميعا ، وذلك قبل نزول صلاة الخوف ، والخندق بعد ذات الرقاع سنة خمس . والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوّل صلاة صلاّها للخوف بِعُسفان ... ولا خلاف بينهم أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق وقد صح عنه أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع فعلم أنها بعد الخندق وبعد عُسفان ، ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شَهِدا ذات الرقاع ، كما في " الصحيحين " عن أبي موسى أنه شهد غزوة ذات الرقاع ، وأنهم كانوا يَلُفّون على أرجلهم الْخِرَق لَمّا نُقِبت . وأما أبو هريرة ففي " المسند " و " السنن " أن مروان بن الحكم سأله : هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال : نعم ، قال متى ؟ قال عام غزوة نجد .
وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وأن مَن جعلها قبل الخندق فقد وَهم وَهْمًا ظاهرا . اهـ .

3= " وُِجَاهَ " قال القاضي عياض : بِضَم الواو وكَسْرها .

4= هذه الصِّفَة إذا كان العدو في غير اتجاه القبلة ؛ لأنه يلزم انقسام الجيش إلى قسمين ، قِسْم يُصلّي وقِسْم يَحرس .

5= الأكثر على أن صلاة الخوف شُرِعت في غزوة ذات الرقاع ، وكذلك أكثر الروايات ، وبوّب الإمام البخاري على ذلك .
ولذلك قال الحافظ العراقي : وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلاةِ الْخَوْفِ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ .

6= اخْتُلِف في سبب تسمية ذَات الرِّقَاع بذلك على أقوال :
الأول : لأن أقدام الصحابة رضي الله عنهم نُقبت مِن الحفاء ، وهذا أرجح ؛ لِقول أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ؛ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : رَقَعُوا راياتهم .
الثالث : نسبة إلى الموضِع .
الرابع : نسبة إلى جبل هناك .

7= قوله: " صَفَّتْ مَعَهُ " قال ابن المقِّن : كذا في أكثر نُسخ مُسلم ، وفي بعضها " صَلَّتْ معه " . والمعنى واحد .

8= قوله : " ثُمَّ ثَبَتَ قَائِما " ، إذا ثَبَتَ الإمام قَائِما ماذا يصنع ؟
هو مُخيَّر بين أن يُسبِّح ، أوْ يسكت ، أو يقرأ بِما لا يُفوِّت على المأمومين قراءة الفاتحة .
قال الباجي : إِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ : " يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا " فإنه مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ ، أَوْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ . فَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ قَائِمًا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَدْعُوَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تُحْرِمَ الطَّائِفَةُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَتَّى تُحْرِمَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ ، لِأَنَّهُ لا يَقْرَأُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ إِلاّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ، وَرُبَّمَا أَكْمَلَهَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ ، وَإِذَا كَانَ انْتِظَارُهُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فِي صَلاةِ سَفَرٍ قَائِمًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلاثَةِ أَحْوَالٍ : السُّكُونُ ، وَالدُّعَاءُ ، وَالْقِرَاءَةُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُتِمُّهُ حَتَّى تُكَبِّرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَتُدْرِكُ مَعَهُ الْقِرَاءَةَ . قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .

9= لو وافقت صلاة الجمعة في وقت خوف : كيف تُصلى ؟
قال الحافظ العراقي : ظَاهِرُ إطْلاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلاةَ الْخَوْفِ تَأْتِي فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا إذَا وُجِدَ الْخَوْفُ فِيهَا ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ : إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى هَيْئَةِ صَلاةِ عُسْفَانَ ؛ بِأَنْ يُرَتِّبَهُمْ صَفَّيْنِ ، وَيَحْرُسَ فِي سُجُودِ كُلِّ رَكْعَةٍ صَفٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَيْضًا عَلَى هَيْئَةِ صَلاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ ، أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ الْفِرْقَةِ الأُخْرَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا ، فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ يَجُزْ .
الثَّانِي : أَلاّ يُنْقِصَ الْفِرْقَةَ الأُولَى عَنْ أَرْبَعِينَ ، وَلا يَضُرُّ نَقْصُ الثَّانِيَةِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى الأَصَحِّ . قَالُوا : وَلا يَجُوزُ صَلاةُ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى الأَصَحِّ ، إذْ لا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ صَلاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ : يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ صَلاةَ الْخَوْفِ إذَا كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وتقدّم في حديث ابن عمر بيان حُكم صلاة الخوف في الحضر .

وبالله تعالى التوفيق .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية