صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 137 في اتِّخَاذ المنبر لِخُطْبة الجمعة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
 ح 137
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه فَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ , وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى , حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ , ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ , فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي , وَلِتَعلَّمُوا صَلاتِي .
وَفِي لَفْظٍ : صَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا , ثم نَزَلَ الْقَهْقَرَى .

في الحديث مسائل :

1= في الحديث قصة يُحدِّث بها أبو حازم فيقول : أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ ، فَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ ، وَمَنْ عَمِلَهُ ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ . قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، فَحَدِّثْنَا . قَالَ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ - قَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّهُ لَيُسَمِّهَا يَوْمَئِذٍ - انْظُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا ، فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلاثَ دَرَجَاتٍ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ ، فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي ، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي . رواه البخاري ومسلم .

وبوّب عليه البخاري : باب الخطبة على المنبر وقال أنس رضي الله عنه خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر .

2= في هذه الرواية " فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلاثَ دَرَجَاتٍ " ، وفيه : أن السنة في المنبر أن يكون كذلك .
قال النووي : هذا مما ينكره أهل العربية ، والمعروف عندهم أن يقول : ثلاث الدرجات ، أو : الدرجات الثلاث ؛ وهذا الحديث دليل لكونه لغة قليلة . اهـ .

3= قوله : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه " أي : قام على المنبر .
وفي الرواية التي أشار إليها المصنف : " صَلَّى عَلَيْهَا " أنّثها لأن الضمير يعود على الأعواد ، أو على الدرجات ، كما قال ابن حجر .

4= في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؟ فَإِنَّ لِي غُلامًا نَجَّارًا . قَالَ : إِنْ شِئْتِ . قَالَ : فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا ، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ . قَالَ : بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ . رواه البخاري .
وهذا من مُعجزاته صلى الله عليه وسلم أن يَحِنّ الجذع له عليه الصلاة والسلام ، ثم يُسكته عليه الصلاة والسلام كما يُسكَت الصبي !
وظاهر هذا الحديث مُخالف لحديث سهل هذا .
قال النووي : والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم يطلب تنجيز ذلك . اهـ .

وعند أحمد من حديث بن عمر رضي الله عنهما قال : كان جِذع نَخلة في المسجد يُسْنِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حَدَث أمْـرٌ يُريد أن يُكَلِّم الناس ، فقالوا : ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كَقَدْر قِيامك ؟ قال : لا عليكم أن تفعلوا ، فصنعوا له منبرا ثلاث مَرَاقي . قال : فجلس عليه قال : فَخَارَ الْجِذْع كَما تَخُور البقرة ، جَزَعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالْتَزَمه ومَسَحَه حتى سَكَن .

5= مشروعية اتِّخاذ المنبر .
قال النووي : استحباب اتخاذ المنبر ، واستحباب كون الخطيب ونحوه على مُرتفع ، كَمِنْبَر أو غيره .

6= المنبر مأخوذ من الـنَّـبْر .
قال أهل اللغة : المنبر مُشتق مِن الـنَّـبْر ، وهو الارتفاع . حكاه النووي .

7= قوله : " فَكَبَّرَ " أي : افتتح الصلاة ، وكان ذلك من أجل تعليمهم ، كما بيّن سبب صعوده على المنبر في بعض صلاته .

8= " ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى " يعني : مِن الركوع ، وإن لم يرِد ذِكر من قبل إلاّ أنه مفهوم ، وهو مطويّ في الرواية .
قال النووي : والقهقري هو المشي إلى خلف ، وإنما رجع القهقري لئلا يستدبر القبلة .

9= " حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ " يعني : عِند أسفل المنبر .

10= " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ " السنة لِمن يُحدِّث الناس أن يُقبِل عليهم بِوجهه .

11= " فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ " يُشرع لِمن يُعلِّم الناس أن يبدأ بِما يشدّ انتباههم إليه .
في رواية البخاري : أيها الناس .
وفي رواية مسلم : يا أيها الناس .

12= " إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي " تعليل لسبب صعوده صلى الله عليه وسلم على المنبر في بعض صلاته ، وأنه من أجل أن يأتَمّوا به ، وكذلك بالنسبة للأئمة من بعده ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به . رواه البخاري ومسلم .

13= " وَلِتَعلَّمُوا صَلاتِي " أصلها : ولِتَتَتعلَّمُوا ، فحُذفت إحدى التائين تخفيفا .

14= جواز العمل اليسير في الصلاة . وأن الحركة القليلة لا تُبطِل الصلاة . وأن الخطوة والخطوتين لا تُبطِل الصلاة .
ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نِمْت عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فَصَلّى ، قال : فَقُمْت عن يَساره ، فأخذني فجعلني عن يمينه .

وعند البخاري من طريق الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية ، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ، وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تُنازعه وجعل يتبعها . قال شعبة : هو أبو برزة الأسلمي . فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ! فلما انصرف الشيخ قال : إني سمعت قولكم ، وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أوثمان ، وشهدت تيسيره ، وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي .

قال النووي في فوائد حديث الباب : جواز الفعل اليسير في الصلاة ، فإن الخطوتين لا تبطل بهما الصلاة ، ولكن الأولى تركه إلا لحاجة ، فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن الفعل الكثير كالخطوات وغيرها إذا تَفَرَّقَتْ لا تُبطل ؛ لأن النّزُول عن المنبر والصعود تكرر ، وجملته كثيرة ، ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل .
15= جواز كون الإمام أرفع مكانا من المأمومين للحاجة ، ويُكره لغير حاجة .
قال النووي : جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين ، ولكنه يكره ارتفاع الإمام على المأموم وارتفاع المأموم على الإمام لغير حاجة ، فإن كان لحاجة بأن أراد تعليمهم أفعال الصلاة لم يُكره ، بل يستحب لهذا الحديث ، وكذا إن أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإمام واحتاج إلى الارتفاع . اهـ .
مثل أن يكون الجمع كبير ، ويرتفع أحد المأمومين لِيُبلِّغ عن الإمام .
أما الارتفاع من غير حاجة فقد أنكره الصحابة رضي الله عنهم .
روى أبو داود من طريق همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دُكّان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا يَنْهَون عن ذلك ؟ قال : بلى ، قد ذكرتُ حين مددتني . رواه أبو داود وصححه جمع من العلماء .

قال الشنقيطي رحمه الله : وأما مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة - فهو التفصيل بين علو الإمام على المأموم ؛ فيُكره على المشهور من مذهب أحمد ، وبين عُلوّ المأموم الإمام فيجوز . قال ابن قدامة في المغني : المشهور في المذهب أنه يُكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يُرِد ، وهو قول مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي ، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يُكره . اهـ .
وقال : عُلوّ الإمام مكروه لِمَا تقدم ، ويجمع بينه وبين قصة الصلاة على المنبر بجوازه للتعليم دون غيره . اهـ .

16= في هذا الحديث مسؤولية الإمام في تعليم الناس .

17= مشروعية تعليم الناس بالقول والفِعْل ، وان هذا لا يُؤنف منه ، ولا يُعاب فاعله .

18= جواز الصلاة في غير وقت الصلاة مِن أجل التعليم ، وأن هذا لا يُنافي الإخلاص ؛ لأن أصل العمل لله ، سواء ما كان من الصلاة ، أو ما كان من التعليم .

19= زَلَل من اسْتَدَلّ بهذا الحديث على جواز التمثيل !
فأين التعليم من التمثيل ؟
والتمثيل – وإن كان في مجال الدعوة إلى الله – مرفوض ؛ لأن أصل التمثيل بضاعة غربية ! ولأن الْحُكم للغالب ، فغالب التمثيل – وإن قام به الصالحون – هو على سبيل إضحاك الناس !

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية