|
|
شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 74 في صلاة النافلة على
الراحلة إلى غير القبلة |
|
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم |
ح 74
عن أنس بن سيرين قال : استقبلنا أنسا حين قدم من الشام ، فلقيناه بعين التمر ،
فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب - يعني عن يسار القبلة - فقلت : رأيتك
تصلي لغير القبلة ؟ فقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
لم أفعله .
في الحديث مسائل :
1 =
أنس بن سيرين هو أخو محمد بن سيرين ، وأبوهما مولى أنس بن مالك رضي الله عنه
اشتراه من سبي عين التمر ، وكانت بها وقعة مشهورة في أول خلافة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه .
2 =
عين التمر .
قال البكري : عين التمر على لفظ تمرة ، موضع مذكور في تحديد العراق .
وقال ياقوت الحموي : والعين بالعراق : عين التمر .
فعلى هذا يكون أنس رضي الله عنه قدِم من الشام إلى العراق فاستقبلوه بعين التمر
.
3 =
وقع في رواية مسلم : حين قدم الشام فتلقيناه بعين التمر .
قال الحافظ ابن حجر : ووقع في رواية مسلم : حين قدم الشام ، وغلّطوه ؛ لأن أنس
بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام ، فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه ،
ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله : حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع
له فيه ذلك ، كما تقول فعلت كذا لما حججت . قال النووي : رواية مسلم صحيحة ،
ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام . اهـ .
4 =
قال الحافظ ابن حجر : قوله : " رأيتك تصلي لغير القبلة " فيه إشعار بأنه لم
ينكر الصلاة على الحمار ، ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك ، وإنما أنكر عدم
استقبال القبلة فقط ، وفي قول أنس : لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
يفعله - يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة . اهـ .
وفيه الاستفصال قبل الإنكار في مسائل الاجتهاد .
5 =
اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم .
واكتفاء السلف بذِكر فعله أو قوله عليه الصلاة والسلام .
وكان هذا كافياً للاحتجاج ، فلم يكونوا يتعمّقون ، ولم يكونوا يطلبون أكثر من
الدليل .
6 =
جواز الصلاة على الحمار ، وقد تقدّم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
الحمير فيها خلاف هل هي طاهرة أو نجسة أو مشكوك فيها ؟
والصحيح الذي لا ريب فيه أن شعرها طاهر إذ قد بيّنا أن شعر الكلب طاهر فَشَعر
الحمار أولى .
وإنما الشبهة في ريق الحمار هل يلحق بريق الكلب أو بريق الخيل ؟
وأما مقاودها وبراذعها فمحكوم بطهارتها ، وغاية ما فيها أنه قد يصيبها بول
الدواب وروثها .
وبول البغل والحمار فيه نزاع بين العلماء :
منهم من يقول : هو طاهر .
ومنهم : من ينجسه ، وهم الجمهور ، وهو مذهب الأئمة الأربعة ، لكن هل يعفى عن
يسيره ؟
على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، فإذا عُفيَ عن يسير بوله وروثه كان ما يصيب
المقاود وغيرها معفوا عنه وهذا مع تيقن النجاسة ، وأما مع الشك فالأصل في ذلك
الطهارة ، والاحتياط في ذلك وسواس ، فإن الرجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا
ويجوز أن يكون نجسا لم يستحب له التجنب على الصحيح ولا الاحتياط ، فإن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه مرّ هو وصاحب له بميزاب فَقَطَرَ على صاحبه منه ماء ، فقال
صاحبه : يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس ؟ فقال عمر : يا صاحب الميزاب لا
تخبره ، فإن هذا ليس عليه .
وعلى القول بالعفو فإذا فُرِش في الخانات وغيرها على روث الحمير ونحوها فإنه
يعفى عن يسير ذلك ... وغَسْل المقاود بدعة لم يُنقل ذلك عن الصحابة رضوان الله
عليهم ، بل كانوا يركبونها وامتن الله عليهم بذلك في قوله تعالى : (
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ) وكان للنبي صلى الله
عليه وسلم بغلة يركبها ، وروي عنه أنه ركب الحمار ، وما نُقِلَ أنه أمَرَ خدام
الدواب أن يحترزوا من ذلك . اهـ .
والمقصود بـ " الـمَقَاوِد " ما تُقاد به الدابة من لجام وحبل ونحوه .
|
|
|
|
|