صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حكم محبة المسلم لصديقه النصراني وتعلقه به ؟

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض


ما حكم محبة المسلم لصديقه النصراني وتعلقه به ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
بارك الله فيكم يا شيخ وفي علمكم إحدى الأخوات تسأل , تقول : تعرفت على مسيحية وتعلقت فيها , و هذه المسيحية تذكر الله يعني لمن تقابلها مثلاً تقول : السلام عليكم والحمد لله , وما شاء الله ، و عندما تتحدث معها لا تخبرها بأي أمر من أمور دينها " المسيحية"
وهذه الأخت لم تدعُها إلى الإسلام , تقول هذه الأخت : أن أناس حاولوا معها يقنعوها بالإسلام ولكنها ترفض ومتشددة لدينها وهي تحب هذه المسيحية ومتعلقة بها فما حكم محبتها لهذه المسيحية ؟ وهل تؤثر على الولاء والبراء ؟ و بما ذا تنصحها بخصوص محبتها للمسيحية ؟
وجزاكم الله خير 

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
لا يجوز للمسلم أن يُحبّ الكافر ولا يُوَادّه ؛ لقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . 
ولقوله عزَّ وَجَلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .

ولا تجوز صُحبة النصارى على وجه المؤاخاة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : لا تَصْحَب إلاَّ مُؤمِنًا، ولا يأكل طعامك إلاَّ تَقِيّ , رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : المرء على دِين خليله ، فلينظر أحدكم مَن يُخَالِل . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . وحسنه الألباني ، وقال شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : إسناده جيد .

ويجوز الإحسان إلى الكفّار غير الْمُحَارِبين مِن غير تأثّر القلب بذلك ؛ لقوله تعالى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .

وفَرْق كبير بين أن يُحسَن إلى الكافر وتُحسَن مُعاملته ، وبين أن يُحبّ ويكون له منْزِلة في القلب.
فالأول مشروع في حقّ الكافر غير الْمُحَارِب ، والثاني ممنوع شَرْعًا . 

والأول يَكون بِحُسن المعاملة الظاهرة ، والثاني يكون في القَلْب .

قال القرافي في " الفروق " : 
الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة بِرّ أهل الذمة وبين قاعدة التودّد لهم :
اعلم أن الله تعالى مَنع مِن التودد لأهل الذمة بِقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الآية ، فَمَنَع الموالاة والتودد ، وقال في الآية الأخرى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) الآية ، وقال في حق الفريق الآخر : (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) .
فلا بُدّ مِن الجمع بين هذه النصوص ، وأن الإحسان لأهل الذمة مطلوب ، وأن التودد والموالاة منهي عنهما .
والبابان مُلْتَبِسَان ، فيحتاجان إلى الفَرْق، وسِرّ الفَرق : أن عَقْد الذمة يُوجِب حقوقا علينا لهم ؛ لأنهم في جِوارِنا وفي خَفَارَتنا ، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودِين الإسلام ؛ فمن اعتدى عليهم - ولو بِكلمة سُوء ، أو غِيبة في عِرض أحدهم ، أو نوع مِن أنواع الأذية - أو أعان على ذلك ؛ فقد ضيّع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دِين الإسلام .
وكذلك حكى ابن حزم في " مراتب الإجماع " له : أن مَن كان في الذمة ، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه ؛ وَجَب علينا أن نَخرج لِقتالهم بالكُراع والسلاح ونَموت دون ذلك ، صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لِعقد الذمة . وحكى في ذلك إجماع الأمة .
فعَقْدٌ يَؤدِّي إلى إتلاف النفوس والأموال صَونا لِمُقْتَضاه عن الضياع ؛ إنه لعظيم .
وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة ، وتَعَيَّن علينا أن نَبَرّهم بِكُلّ أمْر لا يكون ظاهره يدل على مَودّات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر ؛ فمتى أدّى إلى أحَدِ هَذين امْتَنَع وصار مِن قِبَلِ ما نُهي عنه في الآية وغيرها .
ويتضح ذلك بالمثل : فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا ، والقيام لهم حينئذ ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لِرفع شأن المنادى بها ؛ هذا كله حرام ، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق ، وأخلينا لهم واسِعها ورَحبها والسَّهل منها ، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحَزْنها وضَيّقها - كما جَرَت العادة أن يَفعل ذلك المرء مع الرئيس ، والولد مع الوالد ، والحقير مع الشريف - فإن هذا ممنوع لِمَا فيه من تعظيم شعائر الكفر ، وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه ، واحتقار أهله .
ومن ذلك : تَمكينهم من الولايات ، والتصرّف في الأمور الموجبة لِقَهر مَن هي عليه ، أو ظهور العلو وسلطان المطالبة ؛ فذلك كله ممنوع ، وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضا ؛ لأن الرِّفق والأناة في هذا الباب نَوع مِن الرئاسة والسيادة ، وعلو الْمَنْزِلة في المكارم ، فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها ، وعظمناهم بسببها ، ورفعنا قدرهم بإيثارها ؛ وذلك كله مَنهي عنه .
وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادِما ولا أجيرا يُؤمَر عليه ويُنْهَى ، ولا يكون أحَدٌ منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور ، فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم .
وأما مَا أُمِر به مِن بِرِّهم ومِن غير مودة باطنية ؛ فالرفق بضعيفهم ، وسَدّ خَلة فقيرهم ، وإطعام جائعهم ، وإكساء عارِيهم ، ولِين القول لهم على سبيل اللطف لهم ، والرحمة لا على سبيل الخوف والذّلة ، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا مِنّا بهم لا خوفا وتعظيما ، والدعاء لهم بالهداية ، وأن يُجْعَلوا من أهل السعادة ، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم ، وحفظ غَيبتهم إذا تعرّض أحد لأذيتهم ، وصَون أموالهم وعيالهم وأعراضهم ، وجميع حقوقهم ومصالحهم ، وأن يعانوا على دفع الظُّلم عنهم ، وإيصالهم لجميع حقوقهم ، وكل خير يَحسن مِن الأعلى مع الأسفل أن يفعله ، ومِن العدو أن يفعله مع عدوه ؛ فإن ذلك من مكارم الأخلاق . فجميع ما نفعله معهم مِن ذلك ينبغي أن يكون مِن هذا القَبيل ، لا على وجه العزة والجلالة مِنّا ، ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم .
وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جُبِلُوا عليه مِن بُغضنا ، وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأنهم لو قَدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا ، واستولوا على دمائنا وأموالنا ، وأنهم مِن أشدّ العصاة لِرَبّنا ومالِكنا عز وجل ، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذِكْره امتثالا لأمْر ربنا عز وجل وأمْر نبينا صلى الله عليه وسلم ، لا محبة فيهم ، ولا تعظيما لهم ، ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نَستحضرها في قلوبنا مِن صِفاتهم الذميمة ، لأن عقد العهد يمنعنا مِن ذلك ، فنستحضرها حتى يمنعنا مِن الودّ الباطن لهم ، والْمُحَرَّم علينا خاصة ...
وبالجملة : فَبِرّهم والإحسان إليهم مأمور به ، وودّهم وتَوَلّيهم مَنْهي عنه . 
فهما قاعدتان : إحداهما مُحَرَّمة ، والأخرى مأمور بها .
وقد أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل ؛ فتأمل ذلك . اهـ .

وقال الطاهر ابن عاشور في تفسير قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) : 
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . والمقصود منه أمْره بإبلاغ المسلمين أن موادّة مَن يُعلم أنه مُحادّ الله ورسوله هي مما يُنافي الإيمان ؛ ليكف عنها مَن عسى أن يكون مُتَلَبِّسا بها ...
والموادة أصلها : حصول المودة في جانبين . والنهي هنا إنما هو عن مودة المؤمن الكافرين ، لا عن مقابلة الكافر المؤمنين بالمودة ، وإنما جيء بصيغة المفاعلة هنا اعتبارا بأنّ شأن الود أن يَجلب وُدّا مِن المودود للوادّ .
وإما أن تكون المفاعلة كناية عن كون الودّ صادقا ، لأن الوَادّ الصادق يُقابله المودود بمثله . ويُعرف ذلك بشواهد المعاملة ، وقَرينة الكناية توجيه نفي وجدان الموصوف بذلك إلى القوم الذين يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك لم يَقُل الله هنا (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) ، لأن المودّة مِن أحوال القلب ، فلا تتصور معها التقية ، بِخلاف قوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) إلى قوله : (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) . اهـ .

وسبق :
حكم التعرف على صديقة شيعية أو مِن أي ديانة أخرى
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=106715

ما معنى حديث : لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق ، فاضطروه إلى أضيقه ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=112883

وللفائدة : لا يُقال ( مسيحي ) عن النصراني 
وسبق :
كلمات وألفاظ في الميزان ...
http://saaid.net/Doat/assuhaim/19.htm

والله تعالى أعلم . 


المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية