صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قصة التحكيم مشهورة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض

 
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم فضيلة الشيخ وحال أولادكم؟
هناك -شيخنا- من يطعن على صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذه الواقعة التي يزعم أن إسنادها صحيح وأن ابن جعدبة راويها هو أنس بن عياض الثقة وأن صالح بن كيسان قد سمع من ابن عمر وابن الزبير ورآهما وهما قد شهدا هذه الواقعة فرتب على ذلك صحة الإسناد ثم وجد بها تربةً خصبة ليطعن منها بعرضهم !
والحق أني لست هنا لأسأل عن عدالة الصحابة فالنصوص من القرآن والسنة بذلك طافحة وإنما الذي يعنيني كطالب علم الحديث هو مناقشة دعواه الآنفة بصحة الإسناد ... وهذا ما أعياني بحثه ..
ونص الرواية:
قال البلاذري في "أشراف الأنساب" (1/336):
أمر الحكمين وما كان منهما
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن وهب، عن ابن جعدبة، عن صالح بن كيسان قال:
" لما تقاضوا وانصرفوا إلى بلادهم مكثوا بقية السنة التي اقتتلوا فيها بصفين؛ حتى إذا كان شهر رمضان من سنة ست - أو سبع - وثلاثين، خرج عبد الله بن عباس وعمرو بن العاص ومعهما من جندهما من أحبا، وكان ابن عباس قاضي علي - أو قال: خليفة علي - حتى نزلا بتدمر شهراً يتراجعان ويكتبان إلى صاحبيهما، ويكتب صاحباهما إليهما حتى دخلا في السنة المقبلة، ثم تحولا من تدمر إلى دومة الجندل فأقاموا بها شهراً، ثم تحولا من دومة الجندل إلى أذرح؛ وكتبا إلى صاحبيهما ومن أرادا من الناس، وأنفذا إلى علي كتاباً مع معن بن يزيد بن الأخنس السلمي، وجاء معاوية للميعاد؛ في رجال أهل الشام فيهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وحبيب بن مسلمة.
وكتبوا إلى ناس من أهل المدينة منهم: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فأبى أن يخرج إليهم، فكتبوا إلى سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الأرقم الزهري، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. ويقال إن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أتاهم من غير أن يكتب إليه.
وأتاهم أبو جهم بن حذيفة وهم بأذرح، ورجع الرسول الموجه إلى علي ولم يقدم علي معه. وقال سعد بن أبي وقاص: أنا أحق الناس بهذا الأمر لم أشرك في دم عثمان، ولم أحضر شيئاً ما من هذه الأمور الفتنة.
وقال ابن الزبير لابن عمر: اشدد لي ضبعك فإن الناس لم يختلفوا فيك. ولم يشك الناس في ابن عمر، وكان أبو موسى الأشعري مع ابن عباس.
فتحاور الحكمان في أمرهما فدعا أبو موسى إلى عبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث الزهري فاختلفا، فقال عمرو: هل لك في أمر لا نختلف معه ؟ قال: وما هو ؟ قال: يجعل أينا ولاه صاحبه الأمر إلى من رأى، وعليه عهد الله وميثاقه ليجهدن للمسلمين. قال أبو موسى: نعم. قال عمرو: ذاك إليك بعهد الله وميثاقه ؟ قال أبو موسى: لا. قال عمرو: فهو إلي بذلك. قال أبو موسى: قد أعطيتك إياه، قال عمرو: نعم قد قبلت. ثم ندم أبو موسى فقال: ألا تدري ما مثلك يا عمرو ؟ مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً. يقول: إنك لا تنظر لدين ولا ترعى الذي حملت من الأمانة والعهد. فقال عمرو: مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن جعلت الأمر إلي أبيت، وإن جعلته إليك أبيت.
ثم خلا عمرو بعبد الله بن عمر فقال له: اجتمع أمر الناس عليك وأنت أحقهم بهذا الأمر، فإن علياً قد تخلف عنا، وترك ما افترقنا عليه، ولا بد للناس من إمام يلي أمورهم ويحوطهم ويقاتل من ورائهم.
فقال ابن عمر: ما أنا بالذي أقاتل الناس فتؤمروني عليهم، ولا حاجة لي في الإمرة، فزعموا أن عمراً قال له: أتجعلني على مصر ؟ فقال: والله لو وليت من الأمر شيئاً ما استعملتك على شيء.
قال: وأقبل معاوية حين خلا عمرو بابن عمر ليبايعه فقال له رجل بالباب: لا تعجل فإنهما قد اختلفا؛ وابن عمر يأباها. فرجع معاوية فلما أبى ابن عمر أن يقبلها تفرق الناس ورجعوا إلى أرضيهم ورجع أبو موسى إلى مكة ولم يلحق بعلي، وانصرف معاوية ولم يبايع له، وكان تفرق الناس والحكمين عن أذرح في شعبان، فقال كعب بن جعيل التغلبي:
كأنّ أبا موسى عشية أذرح ... يطيف بلقمان الحكيم يواربه
ولما التقينا في تراث محمد ... علت بابن هند في قريش مضاربه " اهــ
وجزاكم الله خيراً وآسف للإطالة ...
http://www.al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=5251


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا

أولاً : قصة التحكيم مشهورة .. إلا أنه أدخِل فيها ما ليس منها ، بل بعض ما يُقال فيها كذب وباطل ، وسبق بسط القول فيها هنا :
هل قصة التحكيم صحيحة ؟
http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=701

ثانيا : هذه الرواية لا تصح بل تُشبه أن تكون موضوعة .
وهي مع ذلك مُنقطِعة .
فإن صالح بن كيسان إنما طلب العلم على كِبَر ، وهو إنما وُلِد بعد الخمسين ، كما قرره الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " . فإنه نقل أن صالح بن كيسان مات بعد الأربعين ومائة ، وأنه عاش نيفا وثمانين سنة .
فعلى هذا يكون عمره أقل من السِّتِّين . ويكون مولده بعد عام خمسين من الهجرة .
وأمر صِفِّين إنما كان قبل الأربعين من الهجرة ، فإن ابتداء أمر صِفّين كان في سنة 36 هـ .
فعلى هذا تكون كل هذه الأحداث قبل مولد صالح بن كيسان .

قال الإمام الذهبي :
صالح بن كيسان ، الحافظ ، أحد علماء المدينة ، وكان مؤدب أولاد عمر بن عبد العزيز . رأى عبد الله بن عمر ولم يسمع منه ، وحدّث عن عروة بن الزبير ونافع وسالم ونافع مولى أبي قتادة وعبيد الله بن عبد الله والزهري وجماعة ، وكان رفيق الزهري في طلب العلم ، وإنما طلب في الكهولة ، حَدّث عنه ابن جريج ومالك وسليمان بن بلال وإبراهيم بن سعد فأكثر ، وسفيان بن عيينة . اهـ .

ثم إنه في هذه الرواية يروي القصة وكأنه شَهِدها ، فإنه (قال : لما تقاضوا وانصرفوا إلى بلادهم ... ) .
وهو لم يَروِ أحداث القصة عن شيوخه ، وإنما يروي القصة وأحداثها وكأنها شَهِدها ، وقد علمت أن القصة وقعت قبل ولادته !

وقد فرّق العلماء بين الرواية الْمُعَنْعَنَة والرواية الْمُأنَّـنَة !
فَرْق بَيْن أن يقول الراوي عن فلان أنه قال ، وبَيْن أن يقول : أن فلانا فعل كذا وكذا .
فالأول يُحكم له بالاتصال إذا لم يكن الراوي مُدلِّسًا ، وكان يروي عن شيوخه ، والثاني يُحكم له بالانقطاع .
ومثّلوا للإسناد الْمُعنن بـ :
قول محمد بن الحنفيه عن عمار قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فَسَلَّمْتُ عليه فَرَدّ عليّ السلام .
وللإسناد الْمُؤنن بـ :
قول محمد بن الحنفيه أن عمارًا مَـرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي .
فالأول حكموا له بالاتصال ؛ لأنه يروي عن عماّر رضي الله عنه ، والثاني حكموا عليه بالإرسال ؛ لأنه يحكي قصة حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يشهدها . والْمُرْسَل من قسم الحديث الضعيف .

فرواية صالح بن كيسان من قَبِيل النوع الثاني ، فإنه قال : (: لما تقاضوا وانصرفوا إلى بلادهم)
فهو يُخبر عن أمر لم يشهده ، ولم يروه عمّن شَهِده ، فهو في حُكم الْمُنْقَطِع .

فالقول بأن القصة صحيحة الإسناد تلبيس على الناس ! لأن من شرط صِحّة الإسناد أن يكون مُتَّصِلا ، وهذا إسناد مُنقَطِع .

ثالثا : مما يدلّ على بُطلان القصة ما جاء فيها مما رُوي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
(فكتبوا إلى سعد بن أبي وقاص ... وقال سعد بن أبي وقاص: أنا أحق الناس بهذا الأمر)
ومعلوم أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة .
فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : قيل لسعد بن أبي وقاص : ألا تقاتل ؟ فإنك من أهل الشورى ، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك ، قال : لا أقاتل حتى تأتوني بِسَيْفٍ له عينان ، ولسان وشفتان ، يعرف الكافر من المؤمن ، قد جاهدت وأنا أعرف الجهاد ، ولا أبخع بنفسي إن كان رجل خيرًا مِنِّي . رمن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في الكبير ، ومن طريق الطبراني رواه أبو نُعيم في " معرفة الصحابة " وفي " حلية الأولياء " ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح .

ورواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " من طريق أيوب عن محمد قال: نُبئت أن سعدا كان يقول : ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة ! قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد ولا أبخع نفسي إن كان رجل خيرا مني ، لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان ، فيقول هذا مؤمن وهذا كافر .

وقال عليّ رضي الله عنه على منبر الكوفة : لِلَّهِ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ سَعْدُ بن مَالِكٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ ذَنْبًا إِنَّهُ لَصَغِيرٌ مَغْفُورٌ ، وَلَئِنِ كَانَ حَسَنًا إِنَّهُ لَعَظِيمٌ مَشْكُور . رواه الطبراني في الكبير .
وسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، وهذا دليل على أنه كان ممن اعتزل الفتنة ، وكذلك ما كان من ابن عمر رضي الله عنهما .

روى الإمام مسلم من طريق عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَال :كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ . فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ : أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ : اسْكُتْ ! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ .

ورواه أبو يَعْلَى مُطوّلاً من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص ، أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقهم اشترى له ماشية ، ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له : قلهي ، قال : وكان سعد من أحد الناس بَصرًا ، فرأى ذات يوم شيئا يَزُول ، فقال لمن تَبعه : تَرون شيئا ؟ قالوا : نرى شيئا كالطير ، قال : أرى راكبا على بعير ، ثم جاء بعد قليل عمر بن سعد على بُخْتِيّ - أو بُخْتِيَّة - ثم قال : اللهم إنا نعوذ بك من شر ما جاء به ، فسَلَّم عُمر ، ثم قال لأبيه : أرضيت أن تتبع أذناب هذه الماشية بين هذه الجبال ، وأصحابك يتنازعون في أمر الأمة ؟ فقال سعد بن أبي وقاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنها ستكون بعدي فتن - أو قال : أمور - خير الناس فيها الغني الخفي التقي ، فإن استطعت يا بني أن تكون كذلك فكن . فقال له عمر : أما عندك غير هذا ؟ فقال له سعد : لا يا بني ، فوثب عمر ليركب ، ولم يكن حط عن بعيره ، فقال له سعد : أمهل حتى نُغَدّيك ، قال : لا حاجة لي بغدائكم ، قال سعد : فنحلب لك فنسقيك ، قال : لا حاجة لي بشرابكم ، ثم ركب فانصرف مكانه .

واعتزال الفتنة أمر مشهور عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .

قال ياقوت الحموي في " معجم البلدان " : " قلهي " بفتح أوله وثانيه وتشديد الهاء وكسرها ، حفيرة لسعد بن أبي وقاص ، بها اعتزل سعد بن أبي وقاص الناس لَمَّا قُتِل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأمَر أن لا يُحَدَّث بشيء من أخبار الناس حتى يَصطلحوا .

قال ابن حجر في ترجمة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ولَمَّا قُتِل عثمان اعتزل الفتنة . اهـ .

وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما ، اشتهر عنه اعتزال الفتِن .
وكنت كتبت في سيرة الإمام الزاهد مُعتزل الفتن ، وذلك هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/153.htm


رابعا : قائل ذلك القول خالف أمْر نَبِيِّـه صلى الله عليه وسلم ، وأساء الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : : لا تَسُبّوا أصحابي . لا تَسُبّوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما أدرك مُـدّ أحدهم ولا نَصِيفـه . رواه البخاري ومسلم .

ويجب الكفّ عما كان بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا ذكر أصحابي فأمْسِكُـوا . رواه الطبراني في الكبير واللالكائي في الاعتقاد . وصححه الألباني .

وسبيل أهل العلم الكفّ عما شَجَر بين الصحابة .

قيل لعمرين بن عبد العزيز : ما تقول في أهل صِفِّين ؟ قال : تلك دماء طَهّر الله منها يدي ، فلا أُحِبّ أن أَخْضِب بها لساني .
وبهذا القول قال الإمام الشافعي .
وقال : سُئل أبو حنيفة عن عليّ رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه وقَتْلَى صِفِّين ، فقال : إذا قَدِمْتُ على الله يسألني عما كَلَّفَنِي ولا يسألني عن أمورهم .
وروى أنه حين سَئل عنه قال : تلك الدماء طَهّر الله منها شأننا ، أفلا نُطَهِّر منها لساننا ؟!

وقال ابن المبارك : السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة ، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون .

وقال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن هذا ، فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وَكَرِه أن يتكلّم في هذا بأكثر من هذا .
يعني حينما سُئل عن حديث : " وَيحَ عَمّار تقتله الفئة الباغية " .

قال القرطبي :
وقد سُئلَ بعضهم عن الدماء التي أُرِيقَتْ فيما بينهم ، فقال : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
وسُئل بعضهم عنها أيضا ، فقال : تلك دماء قد طَهّر الله منها يَدِي فلا أخْضِبُ بها لساني . يعني التحرّز من الوقوع في خطأ ، والْحُكُم على بعضهم بما لا يكون مُصيباً فيه .
قال بن فورك : ومن أصحابنا من قال : إن سبيل ما جَرَتْ بين الصحابة من المنازعات كَسَبِيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف ، ثم إنهم لم يَخْرُجُوا بذلك عن حَدّ الولاية والنبوة ، فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة .
وقال المحاسبي : فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم ، وقد سُئل الحسن البصري عن قتالهم ، فقال : شَهِدَه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغِبْنَا ، وعَلِمُوا وجَهِلْنَا ، واجتمعوا فاتَّبَعْنَا ، واخْتَلَفُوا فَوَقَفْنَا . قال المحاسبي : فنحن نقول كما قال الحسَنُ ، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دَخَلُوا فيه مِنّا ، ونَتَّبِع ما اجتمعوا عليه ، ونقف عندما اختلفوا فيه ، ولا نَبْتَدِع رأياً مِنّا ، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل ، إذ كانوا غير مُتَّهَمِين في الدِّين ، ونسأل الله التوفيق . اهـ .

فهذا هو سبيل أهل العلم .. الكفّ عما شَجَر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. وعدم الخوض فيه .

ثم إن هذا الخائض فيما جرى بين الصحابة قد وقع في أناس من خيار الصحابة ، بل فيهم من هو من أهل بدر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة . رواه البخاري ومسلم .
وعند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لكم .
و لما جاء عبدٌ لِحَاطِب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت ! لا يدخلها ، فإنه شَهِد بَدرًا والحديبية . رواه مسلم .

وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة . رواه البخاري .

ورحِم الله عمر بن عبد العزيز فقد كان يَخْتَلِف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العِلم ، فبلغ عبيد الله أن عُمر ينتقص عَليًّا ، فأقبل عليه فقال : متى بلغك أن الله تعالى سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟ فَعَرَف ما أراد ، فقال : معذرة إلى الله وإليك ، لا أعود . فما سُمِع عمر بعدها ذاكراً عليًّا رضي الله عنه إلاَّ بخير .

فإلى من يقع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يتنقّص أحدا منهم :

متى بلغك أن الله تعالى سخِط على أصحاب نبيِّه صلى الله عليه وسلم بعد أن رضي عنهم ؟

والله تعالى أعلم .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية