بسم الله الرحمن الرحيم

حكم النبيذ


السلام عليكم ورحمة الله
الشيخ الفاضل عبدالرحمن السحيم :
ماصحة هذا الحديث بارك الله فيك :
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ‏ ‏عن ‏ ‏يونس بن عبيد ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏أمه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏قالت ‏
‏كان ‏ ‏ينبذ ‏ ‏لرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في ‏ ‏سقاء ‏ ‏يوكأ ‏ ‏أعلاه وله ‏ ‏عزلاء ‏ ‏ينبذ ‏ ‏غدوة ‏ ‏فيشربه عشاء ‏ ‏وينبذ ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال ‏ ‏كنا مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فاستسقى ماء فقال رجل ألا ‏ ‏أسقيك ‏‏ نبيذا ‏ ‏قال بلى قال فخرج الرجل ‏ ‏يسعى قال فجاء بإناء فيه ‏‏ نبيذ ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ألا ‏ ‏خمرته ‏ ‏ولو أن تعرض عليه عودا قال ثم شرب ‏

وهل يعني ذلك إستحلال النبيذ ؟ فإذا كان ذاك فما هو المقصود من موضوع " الآخذ بالشبهات يستحل الخمر بالنبيذ " فماهو التفسير بارك الله فيكم .

الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك

صح النهي عن النبيذ .
وذلك أن تُنبذ الأشربة حتى تشتدّ ، فتصل إلى حـد الإسكار
وقالت عائشة رضي الله عنها سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع ، وهو نبيذ العسل ، وكان أهل اليمن يشربونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل شراب أسكر فهو حرام . رواه البخاري .
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري إلى اليمن ، سأل أبو موسى عن أشربة تصنع بها . فقال : وما هي ؟ قال البتع والمزر ، فقيل لأبي بردة : ما البتع ؟ قال : نبيذ العسل ، والمزر نبيذ الشعير . فقال صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام . رواه البخاري .

أو أن يُجمع بين نوعين ، فتتخمّر وتصل إلى حـدّ الإسكار في أقل من ثلاثة أيام .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا . رواه مسلم .
وقال أبو سعيد : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخلط بين الزبيب والتمر وأن نخلط البسر والتمر . رواه مسلم .

وقد جاء النهي عن شرب النبيذ بعد ثلاث ؛ لأنه يصير حينئذ خمراً .

قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنبذ له الزبيب في السقاء ، فيشربه يومه والغد وبعد الغد ، فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه ، فإن فضل شيء أهراقه . رواه مسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وكان عامة شرابهم من نبيذ التمر ، وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه رضى الله عنهم أنه حرّم كل مسكر ، وبيّن أنه خمر . وكانوا يشربون النبيذ الحلو ، وهو أن ينبذ في الماء تمر وزبيب ، أي يُطرح فيه ، والنبذ الطرح ليحلو الماء ، لا سيما كثير من مياه الحجاز فإن فيه ملوحة ، فهذا النبيذ حلال بإجماع المسلمين ؛ لأنه لا يُسكر ، كما يحل شرب عصير العنب قبل أن يصير مسكرا .

كما جاء النهي عن أن يُنبذ بآنية تساعد على سرعة تخمّره ، ولذا جاء النهي عن الانتباذ بأواني معيّنة .

وأما الأحاديث التي سألت عنها فقد رواها مسلم في صحيحه .
وهي دالة على جواز شرب ما نُبذ ووضع في الماء لتحلية الماء ، ما لم يتخمّر أو يشتدّ .
أما إذا تخمّر واشتد فإنه يصير حينئذ خمراً مسكراً ، كما تقدم في الأحاديث .

وأما القول : الآخذ بالشبهات يستحلّ الخمر بالنبيذ .
أي أنه يتدرّج في المتشابهات حتى يقع في المحرّمات .
وهذا واضح جليّ في قوله صلى الله عليه وسلم : إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه . الحديث . متفق عليه .

والله تعالى أعلم .


أحسن الله إليك وجزاك الخير.
وهل هُناك تضارباً بين الحديثين " أقصد الحديث السابق الذي يُجيز النبيذ " وهذا الحديث .
1 [ أن ] رسول الله كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته فإذا هو ينش فقال : اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لم يؤمن بالله و اليوم الآخر الحديث: صحيح إرواء الغليل 2389

الجواب :
وإليك أحسن ، وجزاك خيرا
لا تعارض بين الأحاديث .
أولاً : قلتُ فيما سبق :

فهذا قد صُنِع بآنية تُسرع في تخمّره .
ولذا جاء النهي عن الانتباذ في الدباء
قال عليه الصلاة والسلام لوفد عبد القيس : وأنهاكم عن أربع : عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير . قالوا : يا نبي الله ما علمك بالنقير ؟ قال : بلى ! جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء - أو قال - من التمر ، ثم تصبون فيه من الماء ، حتى إذا سكن غليانه شربتموه ، حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف . قال : وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك . قال : وكنت أخبأها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ففيم نشرب يا رسول الله ؟ قال : في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها . قالوا : يا رسول الله إن أرضنا كثيرة الجرذان ، ولا تبقى بها أسقية الأدم . فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وإن أكلتها الجرذان ، وإن أكلتها الجرذان ، وإن أكلتها الجرذان . رواه البخاري ومسلم .
ويدلّ على أنه إنما أراد النبذ في هذه الأوعية ما جاء في رواية للبخاري : وأنهاكم عن أربع ما انتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت .
وجاء في رواية لمسلم : أن وفد عبد آلقيس لما أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا نبي الله جعلنا الله فداءك . ماذا يصلح لنا من الأشربة ؟ فقال : لا تشربوا في النقير . قالوا : يا نبي الله جعلنا الله فداءك . أو تدري ما النقير ؟ قال : نعم . الجذع يُنقر وسطه ، ولا في الدباء .. الحديث .
فليس المقصود تحريم الدباء ، بل تحريم الانتباذ فيها ؛ لأنها تجعل ما نُبذ فيها يتخمّر بسرعة .
وعلى هذا يُحمل حديث أبي هريرة الذي سألت عنه أعلاه .
فإن فيه :
(( فتحيّنت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته فإذا هو ينشّ ))
فهذا مصنوع في دباء
وهو ينشّ : أي يغلي .

وهذا يعني أنه قد اشتدّ ، وقد تقدّم الكلام على النبيذ إذا اشتد ، أو بقي أكثر من ثلاث .

والله سبحانه وتعالى أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
assuhaim@al-islam.com

الصفحة الرئيسة   |    صفحة الشيخ عبد الرحمن السحيم