بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال حول الشرب ثلاثاً ، والتنفس خارج الإناء


سئل شيخ الإسلام – رحمه الله – عن شرب النبي ثلاثا ، يعني تنفس ثلاثا ، فلو شرب أحد مرة هل يكون حراما ؟
وهل ورد أنه لم يشرب مرة فقط ، وقد جاء في بعض الكتب العشرة أنه شرب مرة واحدة ، وقد كتب في هذا فُتيا . قالوا : إذا شرب مرة حرام ، ولم يسمع أحد من أهل العلم هذا القول ، وقد ورد الحديث أيضا أنه شرب قائما ، فهل هذا للتنزيه أو للتحريم ؟
وهل إذا شرب من غير عذر قائما عليه إثم ؟
وهل إذا شرب مرة واحدة هل يكون حراما ؟

فقال – رحمه الله – :
فأجاب :
الحمد لله .
الأفضل أن يتنفس في الشرب ثلاثا ، ويكون نفسه في غير الإناء ، فإن التنفس في الإناء منهي عنه ، وإن لم يتنفس وشرب بنفس واحد جاز ، فإن في الصحيح عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا ، وفي رواية لمسلم : كان يتنفس في الشراب ثلاثا . يقول : إنه أروى وأمرأ . فهذا دليل على استحباب التنفس ثلاثا ، وفي الصحيحين عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء . فهذا فيه النهي عن التنفس في الإناء ، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التنفس في الشراب ، فقال رجل : القذاة أرها في الاناء ؟ فقال : أهرقها . قال : فإني لا أروى عن نفس واحد ؟ قال : فأبِن القدح عن فيك . رواه الترمذي وصححه ، فلم يَنْهَ النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب بنفس واحد ، ولكن لما قال له الرجل : إني لا أروى من نفس واحد . قال : ابِن قدح عن فيك . أي لتتنفس إذا احتجت إلى النفس خارج الإناء ، وفيه دليل على أنه لو روى في نفس واحدة ولم يَحْتَج إلى النفس جاز ، وما علمت أحدا من الأمة أوجب التنفس ، وحرّم الشرب بنفس واحد ، وفِعْلُه يدل على الاستحباب كما كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ، ولو بدأ في الطهارة بمياسره قبل ميامنه كان تاركا للاختيار وكان وضوؤه صححيا من غير نزاع اعلمه بين الأئمة ، وأما الشرب قائما فقد جاءت أحاديث صحيحة بالنهي وأحاديث صحيحة بالرخصة ، ولهذا تنازع العلماء فيه ، وذُكر فيه روايتان عن أحمد ، ولكن الجمع بين الأحاديث أن تحمل الرخصة على حال العذر ، فأحاديث النهي مثلها في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما . وفيه عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما . قال قتادة : فقلنا : الأكل ؟ فقال : ذاك شرّ وأخبث . وأحاديث الرخصة مثل ما في الصحيحين عن علي وابن عباس قال شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم ، وفي البخاري أن عليا في رحبة الكوفة شرب وهو قائم ، ثم قال : إن ناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن رسول الله صنع كما صنعت ، وحديث علي هذا قد روي فيه أثر أنه كان ذلك من زمزم ، كما جاء في حديث ابن عباس هذا كان في الحج والناس هناك يطوفون ويشربون من زمزم ويستقون ويسألونه ولم يكن موضع قعود مع أن هذا كان قبل موته بقليل ، فيكون هذا ونحوه مستثنى من ذلك النهي ، وهذا جار عن أحوال الشريعة أن المنهي عنه يباح عند الحاجة ، بل ما هو أشد من هذا يباح عند الحاجة بل المحرمات التي حرم أكلها وشربها كالميتة والدم تباح للضرورة ، وأما ما حرم مباشرته طاهرا كالذهب والحرير فيباح للحاجة ، وهذا النهي عن صفة في الأكل والشرب فهذا دون النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ، وعن لباس الذهب والحرير إذ ذاك قد جاء فيه وعيد ومع هذا فهو مباح للحاجة ، فهذا أولى والله أعلم . انتهى كلامه .

وأما مسألة الأكل قائما فهو قول صحابي وهو مُعارض بقول صحابي آخر ، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : كنا نأكل ونحن نمشي ، ونشرب ونحن قيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه ابن أبي شيبة وابن حبان غيرهما .
وهذا أرجح .

وأما أن عليّاً رضي الله عنه شرب ماء زمزم فليس بصحيح ؛ لأنه كان في الكوفة ، وقد ذكر ابن حجر رواية عن عليّ رضي الله عنه أنه توضأ ، ثم شرب ما فضل عن وضوءه .

وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في النهي والإباحة ثم روى حديث أم سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من قربة . ثم قال : ففي هذه الآثار إباحة الشرب قائما .
وعند ابن قتيبة – رحمه الله – في تأويل مختلف الحديث جمع بين الأحاديث ، وقد وعدت أم عبد العزيز الأخت فجر بالجمع بين الأحاديث ولكنها لم تفعل !
وأما الحديث الذي ذكره الأخ الوسيط فهو محمول على مَنْ شرِب دون أن يُسمّي .

والله أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
assuhaim@al-islam.com

الصفحة الرئيسة   |    صفحة الشيخ عبد الرحمن السحيم