بسم الله الرحمن الرحيم

عندما وقع حادث لأخي


في سنة من السنوات وبينما كان أحد إخواني في طريقه لبيت الوالد – متّع الله به – خرج أحد العمال بسيارته فاصطدم به أخي ، وكانت الضربة من جهة العامل ، فأُغمي على العامل ، ونُقل للمستشفى ، وحضر رجال المرور وتم احتجاز أخي تلك الليلة .
لم نهنأ بنوم تلك الليلة وتواصلت الجهود للإفراج عن أخي .
ولكن لم يتم من ذلك شيء نظراً لخطورة حالة العامل .

وتوالت الجهود والمساعي حتى يسر الله خروج أخي صباح اليوم التالي بعد أن تحسنت حالة العامل وكتب تنازلا خطياً .

لست هنا بصدد سرد قصة حياتي ولا قصة حياة أخي !

بل إن هذا الحادث وما تبعه تبادر إلى ذهني في ظل بعض الأحداث التي تعصف بعالمنا الإسلامي .

كيف كان تعاطفنا مع أخي ؟
لقد سهرنا لأجله ... ووقفنا جميعا وقفة رجل واحد
وكان بعضنا يتمنى لو افتداه بكل غال ونفيس
وعرض آخرون البقاء مكانه ويخرج إلى أهله وأولاده

وليس هذا بمستغرب على أخوة أشقاء .
بل المستغرب هو القطيعة

إن لنا أخوة في مشارق الأرض ومغاربها ... لم نحفل بهم ... ولم نشعر بمصابهم
بل ربما ساعدنا في نكاية جراحهم الراعفة

أليس الله أثبت الأخوة بيننا وبينهم ؟
ألم يقل الله : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وهذا يقتضي الحصر والقصر
أي أن المؤمنين إخوة وليس ذلك إلا بين المؤمنين .

تأمل هذا الموقف من سفير الإسلام الأول
لما مر مصعب بن عمير رضي الله عنه لما مرّ بأخيه " أبي عزيز " ورجل من الأنصار يأسره . قال صعب : شد يديك به فأن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك . قال أبو عزيز : يا أخي ! هذه وصاتك بي ؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك .
يعني أن الأنصاري أخي دونك ، وإن كنت أخي من اللحم والدم .

ياله من تجسيد للأخوة الإسلامية
لقد ضرب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أروع الأمثلة في صدق الأخوة .

أما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، فكان أحدهم يُخيّر أخاه بين زوجاته ، ويُشاطره ماله ؟؟

روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها ، فإذا حَـلّـت تزوجتَها ... الحديث .

أي أخوة أعظم من هذه الأخوة التي شادها الإسلام على أحسن نظام ؟؟

واليوم تفصّمت عُرى هذه الأخوة أو ضعفت ضعفا شديداً ، وهزُلت حتى بدا من الهزال كلاها !

يتمثل ذلك الضعف بمشاهد متكررة ؛ منها :
يأتي أحدهم إلى مكاتب العمل أو مكاتب الاستقدام لاستخراج تأشيرة ( راعي ) يرعى الغنم ، فيُسأل عن ديانة الراعي ، فيقول : أي شيء !
أكان يضيره أن يقول : مسلم . بملء فمـه ؟؟

نعم . بعضهم يضيره أن يستقدم مسلما يُصلي خمس مرات في اليوم يُعطل عليه بعض مكاسبه الدنيوية الدنيئة !
وبعضهم يضيره أن يتعطل عمله نصف نهار في يوم الجمعة !
وآخر يضيره أن يحج أو يصوم ، وهكذا ...
وثالث يقول – ويا خطورة ما يقول – يقول : الكافر أحسن من المسلم !
أما تأمل هذه الآية : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً )

أما علم أنه بفعله ذلك ينصر الكفر والكفار على إخوانه .

لقد قُدّر لي زيارة جنوب الهند ، وفي تلك المدينة الهادئة الوادعة يقف فندق " ريم " شاهدا على ما أقول .
وتقف تلك الحافلات الصغيرة شاهدة علينا

كيف ذلك ؟

قال لي بعض المسلمين :
كانت القوة والغلبة والشوكة في هذه المدينة للهندوس ، ثم يسر الله خروج بعض المسلمين من هذه المدينة وعملوا في بعض دول الخليج فعادوا بعد سنوات وقد حصلوا ما حصلوا من أموال .

ثـم مــاذا ؟؟

أنشأ أحدهم ذلك الفندق
واشترى آخر حافلات نقل صغيرة
وثالث أنشأ سوقا ... وهكذا .

فقويت شوكة المسلمين ، وأصبحت لهم قوة اقتصادية في تلك المدينة .

فأيهما نُعين ؟؟

واليوم تتوالى الدعوات إلى مُقاطعة سلع العدو الذي بارزنا بالعداوة ، وكشر عن أنيابه ، وأبرز براثنه

فتتقدّم شهوات النفوس الضعيفة وتدخل في سباق محموم مع صدق الأخوة ، فما تلبث شهوات النفوس أن تنتصر على الأخوة المتهلهلة !

أعجزنا أن نَصْدُق في أخوتنا ولو في شراء بضاعة على حساب أخرى ؟؟

أعجزنا أن نُثبت صدق الأخوة ولو بمجرد الاختيار ؟؟

أعجزنا أن نُثبت صدقنا في أخوتنا ونقول كما قال مصعب
ونقول اليوم بملء أفواهنا : إنهم إخواننا من دونكم أيها الكفرة ؟؟

لقد عجزنا عن ذلك كله إلا من رحم ربي .

لقد ضعفت الأخوة يوم ضعف رابطها الإيماني .

فما ضعفت الأخوة الإيمانية إلا يوم ضعف الإيمان .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
assuhaim@al-islam.com

الصفحة الرئيسة