صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عَجَبًا لأمْر المؤمِن - عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى

الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وكَفَانا وآوَانا فكم مِمن لا كافي له ولا مُؤوي

والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى الذي ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه

 

أيها الكرام :

ما الذي تعجّب منه النبي صلى الله عليه وسلم ؟

في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام : " عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ".

وفي رواية عن الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قاعدًا مع أصحابه فضحك ، فقال : ألا تسألوني مِمَّ أضحك ؟ قالوا : يا رسول الله ومِمَّ تضحكُ ؟ قال : عجبتُ لأمْرِ المؤمنِ إنَّ أمْرَه كُلَّه خير ؛ إنْ أصَابَهُ ما يُحِبُّ حَمَدَ اللهُ ، وكانَ له خيرٌ ، وإنْ أصَابَهُ ما يَكْرَهُ فَصَبَر كان له خيرٌ ، وليْسَ كُلُّ أحدٍ أمرَه كلَّه له خيرٌ إلا المؤمن .

هذا مما يتميز به المؤمن بالله عز وجل عن غيره في تقبّله للقضاء

إنْ كان خيرًا والذي يحبه شَكَرَ ، وإن كانت التي يكره صَبَر

فهو يتنقَّلُ بين الخيرين .. بين خيرِ الرضا والشُّكر ، وخير الصبر

وهو مأجور في الحالين . وهو حيرٌ له في الدنيا والآخرة

قَالَ قَتَادَةُ: نِعْمَ الْعَبْدُ، عَبْدٌ إِذَا ابتُلِي صَبَر، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ .

قال ابن كثير : فَالْمُؤْمِنُ مَنْ يَتَفَطَّنُ لِمَا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ . اهـ .

 

مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشةَ وهي تصلِّي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: عليكِ بالكواملِ أو كلمةً أخرَى ، وفي روايةٍ: عليكِ من الدعاءِ بالكواملِ الجوامعِ ، فلمَّا انصرفتْ عائشةُ سألتْه عن ذلك فقال لها: قولي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا "

وفي رواية " وأسألكَ ما قضيتَ لي من أمرٍ أنْ تجعلَ عاقبتَه لي رشدًا " .

 

كيف ينظر المؤمن إلى قضاء الله عز وجل ليكون خيرًا له ؟

بِعِدّة أمور ، منها :

1 - حُسن الظنّ بالله

قال ذو النون : الْجُود بِالْمَوْجُود غاية الْجُود ، والبُخل بِالْمَوْجُود سُوء ظَنّ بِالْمَعْبُود . رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

قَالَ بَعْضُ الصَّالحينَ: اسْتَعْمِلْ في كُلِّ بَلِيَّةٍ تَطْرُقُكَ حُسْنَ الظَنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ في كَشْفِهَا؛ فَإنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلى الفَرَجِ .

كلما أحسنت الظن بالله عز وجل كلما كان الفرج لك أسرع

كلما أحسنت الظن بالله عز وجل  كلما نظرت للقضاء على أنه خير

 

2 – بِقُوّة اليقين بالله ..

يَقِف نَبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام أمام البحر المتلاطِم ، والعدو يُطارِده ، وليس ثَمّ مَخرَج ، ولا بارِقَة مِن أمَل ، ولا وَمِيض مِن فَرَح

فيقول بنو إسرائيل : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فيَردّ الواثِق بالله عزّ وجَلّ : (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) عَلِم أن الله معه ولن يُضيّعه ، فيأتيه الفَرَج : (نِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) .

 

يُلقَى نَبِيّ الله يونس عليه الصلاة والسلام في البَحْر ، فيَلتَقِمه الْحُوت ، فيَرَى الفَرَج في أطباق الظُّلُمات : ظُلْمَة البحر ، وظُلْمَة الليل ، وظُلْمَة بَطْن الحوت ، فلم ييأس (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .

حتى صارت دَعوته نِبراسًا للمؤمنين ومِثالا يُحْتَذى .

وفي الحديث : دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ - : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني ، وحسّنه الأرنؤوط .

 

وما خَبَر عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُون رضي الله عنه ؟

أَتَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُون رضي الله عنه الْوَلِيدَ  بنَ الْمُغِيرَة ، فَقَال : يَا عَمُّ ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ، فَتَتَبَرَّأَ مِنْ ذِمَّتِي بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ .. فأَخْرَجَهُ الْوَلِيدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ أَحْفَلُ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُنْشِدُهُمْ، فتبرّا مِن جِوارِه.. ثُمَّ جَلَسوا وَلَبِيدُ يُنْشِدُهُمْ فَقَال : أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ

فَقَالَ عُثْمَانُ : صَدَقْتَ .

ثُمَّ قَالَ لَبيد : وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ

فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذِبْتَ، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مِثْلَ كَلِمَتِهِ الأُولَى .. وكَذَّبَهُ لأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لا يَزُولُ، فَلَطَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَاخْضَرَّتْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: كُنْتَ عَنِ الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنُكَ غَنِيًّا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيَتْ عَيْنِي فَقِيرًا، وَلِي فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ ثَانِيًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: لا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ .

وفي رواية : فَقَال لَبِيد : يَا مَعْشَرَ قُرَيْش ، وَاللَّهِ مَا كَانَ يُؤذَى جَلِيسُكُمْ ، فَمَتَى حَدَث فِيكُمْ هَذَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنَّ هَذَا سَفِيهٌ فِي سُفَهَاءَ مَعَهُ، قَدْ فَارَقُوا دِينَنَا، فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ حَتَّى شَرَى أَمْرُهُمَا، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَخَضَّرَهَا، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ عَمَّا أَصَابَهَا لَغَنِيَّةً، وَكُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ إِنَّ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ لَفَقِيرَةٌ إِلَى مَا أَصَابَ أُخْتَهَا فِي اللَّهِ، ثُمَّ قَال: فَإِنْ تَكُ عَيْنِي فِي رِضا الرَّبِّ نَالَهَا ... يَدَا مُلْحِدٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ بِمُهْتَدِي

فَقَدْ عَوَّضَ الرَّحْمَنُ مِنْهَا ثَوَابَهُ ... وَمَنْ يَرْضَهُ الرَّحْمَنُ يَا قَوْمِ يَسْعَدِ

فَإِنِّي وَإِنْ قُلْتُمْ : غَوِيٌّ مُضَلَّلُ ... سَفِيهٌ عَلَى دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

أُرِيدُ بِذَاكَ اللَّهَ، وَالْحَقَّ دِينَنَا ... عَلَى رَغْمِ مَنْ يَبْغِي عَلَيْنَا وَيَعْتَدِي

(سير السلف الصالحين لإسماعيل الأصبهاني)

 

ويوم الأحزاب بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)

قَالَ الْحَسَنُ : ظُنُونًا مُخْتَلِفَةً : ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يُسْتَأْصَلُونَ ، وَأَيْقَنَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ مَا وَعَدَّهُمُ اللَّهُ حَقٌّ ، أَنَّهُ سَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . رواه ابن جرير في " تفسيره " .

أمّا المؤمنون فما شَكّوا بِوَعْد الله بل أيقَنوا بِوَعْد الله رغم الشدائد : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) .

 

المؤمن يَرَى كلّ قَضاء قَضَاه الله خيرا له ، مهما كان .

لَمّا طُعِن حَرام بن مِلْحان رضي الله عنه يوم بئرِ مَعُونَة قال بِالدّم هكذا ، فنَضَحَه على وَجْهه ورأسِه ، ثم قال : فُزْتُ ورَبِّ الكعبة . رواه البخاري ومسلم .

حتى تساءل المشرك الذي طَعَنه : وأيّ فَوْز فازَه وأنا طَعَنتُه ؟!

 

3 – بِالتَفَاؤلِ وتَحرّي وتَرقّبِ الخير

ظَلّ يعقوب عليه الصلاة والسلام يَترقّب رُجوع يوسف أربعين سَنة ، وقيل : أكثر ..

أربعون سَنة مِن البلاء ، لم ييأس ، بل قال لأبنائه : (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

 

المؤمنون المتفائلون الواثِقُون بِالله ، وبِنَصْرِه وبِوعدِه ، يَرون الضوء في حالِك الظُّلمات ، يَرَون النقطة البيضاء في الصفحة السوداء

يُصدّ رسول الله عن بيت الله عام الحُديبية ، فيتفاءل عندما قَدِم سُهيلُ بن عمرو، فقال : مَن هذا ؟ قالوا : سُهيل بن عمر . قال : لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ . كما عند البخاري .

 

ورَوَى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعْجِبه إذا خَرَج لِحَاجَته أن يَسْمَع : يا راشِد ، يا نَجِيح . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .

قال ابن عبد البر : وروى حَمّاد بن سَلَمة عن حُميد عن بَكر بن عبد الله الْمُزَنِيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تَوجّه لِحَاجة يُحبّ أن يَسمع : يا نَجِيح ، يا راشِد ، يا مُبارَك .

وروى ابن عبد البَرّ مِن طريق الأصمعي عن ابن عَوْن عن ابن سيرين قال : كانوا يَسْتَحِبّون الفَأل ، ويَكْرَهون الطّيرة . قال فقلت لابن عَون : يا أبا عَوْن ما الفَأل ؟

قال : أن تكون بَاغِيا فتَسمَع يا وَاجِد ، أو تكون مَريضًا فتَسمَع يا سَالِم .

(التمهيد ، والاستذكار)

 

وأمّا المتشائمون ، فلا يَرَون في الصفحة البيضاء إلاّ النّقطة السوداء ! يُجلِبون على الناس ، ويُرجِفُون ، ودائما يَتَوقّعون الأسوأ .. وهذا سوء ظنّ بالله عزّ وَجَلّ .

 

والمؤمنون المتفائلون يَتأدّبون مع الله

ومِن أدب المؤمنين مع الله : أنهم يَنظُرون إلى ما يُصيبهم أنه خَيْر : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

المتشائمون يَقولون : رَضِينا بِالْبَيْن والبَيْن ما رَضِي فِينا !

 

المتفائلون يَرَوْن نَصْرَ الله ومَوْعُودَه في كُلّ أُفق

ومِن هنا: مَنْع العلماء الْمُخذِّل والْمُرجِف من مصاحبة الجيش

ويوم الأحزاب أمَر النبي بإخفاء غَدْر بني قريظة .

لما بلغه غدر اليهود ، أرسلَ مجموعة من أصحابه ليتثبتوا من الخبر ، ثم جاؤوا فأسروا إليه ، ولم يخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الخبر حتى لا يُوهِن العزائم ولا تدخلُ الانهزامية على المسلمين .

 

وفي وصية عمر رضي الله عنه يوم القادسية : وَاعْلَمُوا أَنِّي أُحَذِّرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا شَيْنًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَسَبَبًا لِتَوْهِينِهِمْ .

 

ويوم اليرموك قال رجل لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : مَا أَكْثَرَ الرُّومَ وَأَقَلَّ الْمُسْلِمِينَ ! فَقَالَ خَالِدٌ : وَيْلَكَ ، أَتُخَوِّفُنِي بِالرُّومِ ؟

إِنَّمَا تَكْثُرُ الْجُنُودُ بِالنَّصْرِ، وَتَقِلُّ بِالْخِذْلانِ لا بِعَدَدِ الرِّجَالِ ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الأَشْقَرَ بَرَاءٌ مِنْ تَوَجِّيهِ ، وَأَنَّهُمْ أَضْعَفُوا فِي الْعَدَدِ .

 

من التفاؤل أن ينظرَ الإنسان إلى ما أصابه على أنه خير .

هل رأيت إنسانا يُوضع على رأسه التراب ليُهان فيتَفاءل بذلك ؟

انظر إلى جُند المسلمين حينما قَدِمُوا على يَزْدَجَرْد فقالوا له بِعِزّة المسلمين : اخْتَرْ إِنْ شِئْتَ : الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتَ صَاغِرٌ ، وَإِنْ شِئْتَ فَالسَّيْفُ ، أَوْ تُسْلِمُ فَتُنْجِي نَفْسَكَ .

فقال : لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ ! لا شَيْءَ لَكُمْ عِنْدِي . ثُمَّ اسْتَدْعَى بِوِقْرٍ مِنْ تُرَابٍ فَقَال: احْمِلُوهُ عَلَى أَشْرَافِ هَؤُلاءِ، ثُمَّ سُوقُوهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَدَائِنِ ...

فَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَمْر لِيَأْخُذَ التُّرَابَ وَقَال : أَنَا أَشْرَفُهُمْ، أَنَا سَيِّدُ هَؤُلاءِ . فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَخَرَجَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا ، وَأَخَذَ التُّرَابَ وَقَالَ لِسَعْدٍ : أَبْشِرْ ! فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ أَقَالِيدَ مُلْكِهِمْ . (الكامل في التاريخ، لابن الأثير)

وفي رواية : قال : أبشِر ! فقد أعطانا الله تُرَاب أرضِهم ! (تاريخ ابن خلدون)

 

هل سَمِعت مَن رَأى النعش فتفاءل ؟!

رَوى الإمام وكيع في أخبار القضاة عن سليمان بن بلال قال :

كان يحيى بن سعيد قد ضاق واشتدت حاله حتى جلس في البيت ، فبينا هو على ذلك إذْ جاءه كتاب أبي العباس يأمُره بِالخروج إليه ، فكنتُ أنا الذي جَهّزتُه ، ووكَّلَني بالقيام على أهله والنفقة عليهم ، فلما خَرَجْنَا مِن داره يُريد العراق ، كان أول ما لَقِينا جنازة قد طلعت ، فتغيّر وَجهي لذلك، فقال : كأنك تطيّرت ؟ قلت : نعم . فقال : فلا تفعل . فو الله لئن صَدَقَنا الفأل ليُنعشنَّ الله أمْري ! فكان كما قال ، فأصاب خيرا ، وبَعث إليّ بِقَضاء دَينِه .

 

4 – بالصبر والشكر

وفي صحيح السُّنّة قوله عليه الصلاة والسلام : مَن يَسْتَعْفِف يُعفّه الله ، ومَن يَستغن يُغْنه الله ، ومَن يتصبّر يُصبّره الله ، وما أُعطي أحد عطاء خيرا وأوْسَع مِن الصّبْر . رواه البخاري ومسلم .

 

قال شُريح : إني لأُصاب بِالْمُصِيبة فأحْمَد الله عليها أربع مرات :

أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي .

وأحمده إذ رَزقني الصبر عليها .

وأحمده إذ وفّقني للاسترجاع لِمَا أرْجو فيه مِن الثواب .

وأحمده إذ لم يجعلها في دِيني . رواه البيهقي في " شُعب الإيمان " .

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الْمُؤْمِنُ إذَا كَانَ صَبُورًا شَكُورًا يَكُونُ مَا يُقْضَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَائِبِ خَيْرًا لَهُ ، وَإِذَا كَانَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِهِ كَانَ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ كُفْرِ الْكُفَّارِ سَبَبًا لِلْخَيْرِ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَعَاهُ الشَّيْطَانُ وَالْهَوَى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ ؛ فَيَكُونُ مَا يُقَدَّرُ مِنْ الشَّرِّ إذَا نَازَعَهُ وَدَافَعَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ سَبَبًا لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَحُصُولِ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ وَارْتِفَاعِ الدَّرَجَاتِ . اهـ .

 

5 – بالنّظر إلى عواقِب الأمور ، وإلى ما أبْقَى الله لك

تأملْ في قضاء الله عز وجل لآدمَ ، لما قضى الله عز وجل على آدم وأُخرج من الجنة ، كان حاله بعد الخروج من الجنة أفضل من حاله قبل ذلك

قَالَ ابنُ القيِّمِ : فَكَمْ بينَ حَالِهِ (يَعني آدمَ) وَقَدْ قِيلَ لَهُ : (إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) ، وَبينَ قولِهِ : (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) .

فَالحَالُ الأولى حَالُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَتمتُّعٍ ، والحالُ الأخرى حالُ اجتباءٍ واصطفاءٍ وهدايةٍ . فيا بُعْدَ ما بينهِما . اهـ .

 

وربما كان القَضاء خيرًا مِن البَقاء

فمِن دُروس سورة الكهف : خبر الغلام (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ)

قال رسول الله : إِنَّ الْغُلامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا ، وَلَوْ عَاشَ لأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا. رواه البخاري ومسلم .

وهذا الأمر خَفِي على نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام ، ولذا سأل الْخَضِر عن فِعله ذلك .

ونحن أوْلَى أن تَخفى علينا أسرار القَدَر .

والمؤمن يَنظر في عواقِب الأمور ، وما يَعقب القضاء .

 

قال ابن القيم : في عِلاج حَرِّ الْمُصِيبة :

ومِن علاجها :

= أن يَنْظر إلى ما أُصِيب به ، فيَجِد ربّه قد أبْقَى عليه مِثْله ، أو أفْضَل منه ، وادّخَر له - إن صَبَر ورَضِي - ما هو أعظم مِن فَوَات تلك المصيبة بِأضْعَاف مُضَاعَفة ، وأنّه لو شاء لَجَعَلَها أعظم مما هِي .

= أن يعلم أن الْجَزَع لا يَردُّها ، بل يُضَاعِفُها ، وهو في الحقيقة مِن تَزَايد الْمَرَض .

= أن يَعلم أن فَوْت ثَوَاب الصّبْر والتسليم - وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضَمِنَها الله على الصّبْر  والاسْتِرْجَاع - أعظَم مِن المصيبة في الحقيقة .

= أن يعلم - أنه وإن بَلَغ في الْجَزَع غايته - فآخِر أمْره إلى صَبْر الاضطرار ، وهو غير محمود ولا مُثَاب .

قال عليّ رضي الله عنه للأشْعَث بن قَيْس : إنك إن صَبَرْت إيمانا واحْتِسَابًا ، وإلاّ سَلَوْتَ سُلُوّ البهائم .

قال أَبُو تَمَّامٍ فِي شَعْرِهِ :

وَقَالَ عَلِيٌّ فِي التَّعَازِي لأَشْعَثَ *** وَخَافَ عَلَيْهِ بَعْضَ تِلْكَ الْمَآثِمِ :

أَتَصْبِرُ لِلْبَلْوَى عَزَاءً وَحِسْبَةً *** فَتُؤْجَرُ أَوْ تَسْلُو سُلُوَّ الْبَهَائِمْ ؟!

= أن يَعْلَم أن مَرَارَة الدنيا هي بِعَيْنِها حَلاوة الآخرة ، يَقْلِبها الله سبحانه كذلك ، وحَلاوة الدنيا بِعَيْنِها مَرَارَة الآخرة ، ولأن يَنْتَقِل مِن مَرَارة مُنْقَطِعة إلى حَلاوة دائمة ، خَيْر له مِن عَكْس ذلك .

= أن يَعلم أن أنْفع الأدوية له : مُوَافقة رَبّه وإلَهه فيما أحَبّه ورَضيه له ، وأن خَاصِيّة الْمَحَبة وسِرّها مُوافَقة الْمَحْبُوب ؛ فمن ادّعى مَحَبة مَحْبوب ثم سَخِط ما يُحبه ، وأحَب ما يَسخطه ؛ فقد شَهِد على نَفسِه بِكَذِبه ، وتَمَقّت إلى مَحْبُوبه !

قال أبو الدرداء : إن الله إذا قَضى قضاء أحب أن يُرضَى به .

وكان عمران بن حصين يَقول في عِلّته [مَرَضِه] : أحبّه إليّ أحبّه إليه .

وكذلك قال أبو العالية .

وهذا دواء وعِلاج لا يَعمَل إلاّ مع الْمُحِبّين ، ولا يُمْكِن كل أحَد أن يَتَعالَج به .

= أن يعلم أن الذي ابْتَلاه بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يُرْسِل إليه البلاء ليُهْلِكه به ، ولا لِيُعَذّبه به ، ولا لِيَجْتَاحه ، وإنما افْتَقَدَه بِه لِيَمْتَحِن صَبْرَه ورِضَاه عنه وإيمانه ، ولْيَسْمَع تَضَرّعه وابْتِهَاله ، ولْيَرَاه طَرِيحا بِبَابِه ، لائِذًا بِجَنَابه ، مَكْسُور القَلْب بَيْن يَدَيه ، رَافِعا قَصص الشّكْوى إليه.

 

قال الشيخ عبد القادر : يا بُنَيّ إن الْمُصِيبَة ما جاءت لِتُهْلِكَك ، وإنما جاءت لِتَمْتَحِن صَبْرَك وإيمانك .

 

والمقصود : أن المصيبة كِيْر العَبْد الذي يَسْبِك به حَاصِله ؛ فإمّا أن يَخْرُج ذَهَبًا أحْمَر ، وإما أن يَخْرُج خَبَثا كله .

 (زاد المعاد ، باختصار وتصرّف يسير)

 

وجِمَاع القَول الذي يَجْمَع النّظر إلى خير القضاء : مَحبة الله عزّ وجَلّ ؛ فإن الإنسان إذا أحب الله أحبّ كل ما يأتي مِن الله ، ورآه خيرا له .

وهذه تحتاج إلى كلام مُستقلّ ؛ لأن المحبة هي أصل الرضا .

 

رأى النّعش فتفاءل

http://almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=10168

 

حدود الفأل

ما هي حدود التفاؤل والأمل في الإسلام

http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18442

 

ما معنى حديث : لا طِيرة ، وخيرها الفأل ؟

https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14697

 

ما علاج اليأس والإحباط في الإسلام ؟

https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14698

 

خُطبة جُمعة عن .. (حُسن الظن بالله)

http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14032



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية