بسم الله الرحمن الرحيم

ما هذا الفعل الذي يَسْـتَقْبِحه الحيوان البهيم ؟


ما أشنع الفاحشة التي أجمعت الأمم على قُبحها
ما أقبح الفاحشة التي استقبحها وأبغضها حتى الحيوان البهيم
وإننا عندما نريد تحقير اليهود نقول : إخوان القردة !
فماذا كان من خبر القِـردَة ؟

قال عمرو بن ميمون الأودي : رأيت في الجاهلية قِردةً اجتمع عليهما قِرَدة ، قد زَنَت فرجموها ، فرجمتهما معهم . رواه البخاري .

وفي رواية :
قال عمرو بن ميمون : كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف ، فجاء قرد مع قردة ، فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه فغمزها ، فسلّـت يدها من تحت رأس القرد الأول سلاًّ رقيقا وتبعته ، فوقع عليها وأنا انظر ، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق ، فاستيقظ فزعا فشمها فصاح ، فاجتمعت القرود ، فجعل يصيح ويومىء إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد اعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم .

إن قبح الزنا على مـر الأجيال ، وعلى طول تاريخ الأمم هو المتعيّن .
ويدل على ذلك أن مريم عليها السلام لما جاءت بابنها تحمله ، ولم تكن ذات زوج أنكروا ذلك عليها بقولهم :
( يا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا )

فلما كانت من بيت عُرِف بالطهر والعفاف أنكروا عليها ما جاءت به .
ولو كانت أمها تعرف بالفعل المشين أو كان أبوها رجل سوء لما استكثروا ذلك عليها .
فلا أبوها امـرأ سوء ، وما كانت أمها بغيا .

أما هذه الفاحشة فقد جمعت المساوئ ، ولذا اتفقت الأم على قبحها

وأما مساوئ هذه الفاحشة ، فمنها :

الأول : أن الزنا دَين مردود على صاحبه

قال الإمام الشافعي – رحمه الله – :

عفوا تعف نساءكم في المحْرَمِ = وتجنبوا مالا يليق بمسلم
إن الزنا دين إذا أقرضته = كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزنِ في قوم بألفي درهم = في أهله يزنى بربع الدرهم
من يزنِ يُزنَ به ولو بجـداره = إن كنت يا هذا لبيب فافهم
ياهاتكا حُرَمَ الرجال وتابعا = طرق الفساد عشت غيرَ مكرم
لو كنت حُراً من سلالة ماجدٍ = ما كنت هتاكاً لحرمة مسلمِ

ويُروى أن رجلا أوصى ابنه عندما أراد الابن السفر ، فقال لـه : احفظ أختك ، فاستغرب الابن من هذه الوصية وهو يريد أن يسافر ويبتعد عن أخته ، فمضت الأيام ، فرأى الأب ساقي الماء يقبل ابنته ، فلما عاد الابن قال لـه أبوه : ألم أقل لك احفظ أختك . قال وما ذاك ؟ قل له : دقـة بدقّـة ، ولو زدتّ لزاد السقا .

الثاني : عِظم عقوبة الزنا
ليتأمل الشاب هذه الفاحشة قبل أن يسافر ، وما رتّب الله عليها من عقوبة .
فقد سمّى الله الزنا فاحشـة ، فقال :
( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )

قال ابن القيم : جعل الله سبحانه وتعالى سبيلَ الزنا شرَّ سبيل ، فقال تعالى :
( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )
فأما سبيل الزنا فأسوأ سبيل ، ومقيل أهلها في الجحيم شرّ مقيل ، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم ، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ، ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة ، كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامـه ورؤيا الأنبياء وحيٌ لا شك فيها .
وقال أيضا : مفسدة الزنا من أعظم المفاسد ، وهى منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب وحماية الفروج ،وصيانة الحرمات ، وتوقِّي ما يُوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس .
وقال : ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلا ، فإنه سبيلُ هلكة وبوار وافتقار في الدنيا ، وسبيل عذاب في الآخرة وخزي ونكال . اهـ .

وإن من أعظم ما يردع النفوس عن التمادي في غيّها ، وعن التهاون في أمر هذه الفاحشة التي عمّت أن يتذكر المسلم والمسلمة عقوبة الزناة والزواني .
فقد روى البخاري من حديث سمرةَ بنِ جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا . قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول ما شاء الله فسألَنَا يوما ، فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ قلنا : لا . قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة – فَذَكَرَ أشياء – ثم قال : فانطلقنا إلى ثقب مثل التنـور أعلاه ضيق وأسفله واسع يَتوقّـد تحته نارا ، فــإذا اقتـرب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة .
وفي رواية قال : فأتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغط وأصوات . قال : فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب
ضوضوا . قال قلت لهما : ما هؤلاء قال : قالا لي : هؤلاء الزناة والزواني .

الثالث : أن الزنا – أجارك الله - من أقبح الذنوب .
قال ابن القيم : ويكفي في قبح الزنا أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شَرَعَ فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها ، وأمر أن يَشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله ، ومِنْ قُبْحِه أن الله سبحانه فَطَرَ على بغضه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل لـه ، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قردا زَنَـا بقردة فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا ، وكنت فيمن رجمهما . اهـ .

الرابع : أن الزنا قبيح من الشاب الذي لـه صبوةٌ وشهوة تغلبه ، فكيف به من الشيخ الكبير ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر . رواه مسلم . وماذلك إلا لأن دواعي هذه الأشياء غير موجودة لدى هؤلاء .
وقد ميّز الله الإنسان عن البهائم العُجم بالعقل السليم الذي يدرك به الخير من الشر فمن غلبته شهوته حتى غلَبَت عقله فهو كالبهيمة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : البهائم لها أهـواء وشهـوات بحسب احساسها وشعورها ، ولم تؤت تمييزا وفرقانا بين ما ينفعها ويضرها ، والإنسان قد أوتيَ ذلك ، ولهذا يُقال : الملائكة لهم عقول بلا شهـوات ، والبهائم لها شهـوات بلا عقـول ، والإنسان لـه شهوات وعقل ، فمن غلب عقلُه شهوته فهو أفضل من الملائكة أو مثل الملائكة ، ومن غلبت شهوتُه عقله فالبهائم خير منه . انتهى كلامه – رحمه الله – .
وقال : وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس ، فإن ذلك يحصل للحيوانات العُجم ، فإن الحمار والجمل يميّـز بين الشعير والتراب ، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فـاعلهـا في معاشـه ومعـاده … ولولا الرسالـة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد ، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنّة عليهم أن أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبيّن لهم الصراط المستقيم ولولا ذلك لكانوا بمنـزلة الأنعام والبهائم بل أشر حالاً منها ، فَمَنْ قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية ، ومن ردّها وخرج عنها فهو من شر البرية ، وأسوأ حالا من الكلب والخنـزير والحيوان البهيم .

الخامس : أن الزنا من الفواحش التي كثرت وعمّت ، وفشت بسببه الأمراض والأوجاع .
مثّل لنفسك موقف ذلك الشاب الذي عـاشر بغيّـاً في بعض دول الكفر ، فلما أصبح بحث عن تلك البغي في كل مكان ، فلم يجدها كما لم يجد لها أثرا سوى أنها كتبت على المرآة عبارة ( مرحبا بك عضوا جديدا في نادي الإيدز ) فانهارت قوى ذلك الشاب .

ويدّعي بعض الشباب أن تلك الدول تحرص على سلامة البغايا !

فأقول : إن هذا لشيء عجاب !
وهل يريد أن يقولوا إن البغـايا لديهم مصابات بأمراض خطيرة فتاكـة ، فيُعرض عنهم طلاب الفاحشة ؟

هم لا يهمهم سوى ما يحمله الشاب من مال ، وما عداه من صحة أو جمال أو مكانة فلا تهمهم .

ومن ابتُلي بالأسفار المحرمة فعليه أن يقرأ في الكتب والأبحاث التي تناولت أضرار ذلك الفعل المُحرّم

فكم هي الأمراض التي خلّفها ويُخلّفها الزنا وارتكاب الفواحش ؟
ألم يقُل النبي صلى الله عليه على آله وسلم : يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بـهِن وأعوذ بالله أن تدركوهن :
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا . ذم ذكر بقية الخصال . رواه ابن ماجه وغيره ، وحسّنه الألباني .

وقد نشرت صحيفة الوطن في العدد 165 الصادر في 18 من شهر ذي الحجة من عام 1421 هـ تقريرا نقلته عن منظمة الصحة العالمية عن طاعون العصر عن ( الإيدز ) - حماكم الله -
وقد جاء فيه ما يُذهل القارئ والسامع ، وما فيه رادع لكل من تسوّل لـه نفسه العبث .
فمن ذلك :
أن المملكة هي أقل الدول انتشارا للمرض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومع ذلك ذكرت الصحيفة أن في المملكة 1100 مصاب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأن في العالم إصابة في كل ستّ ثوان ، ووفاة كل أحد عشر ثانية .
وأن حالات الإصابة تكثر في الصيف أو في نهاية الصيف .
وقُدِّر أن عدد المعايشين للإيدز في العالم والعدوى بالفيروس وصل إلى 34.3 مليون شخص خلال العام ما قبل الماضي – حسبما ذكرت الصحيفة - .
وفي نفس العام قُدِّر أن 5.4 ملايين حالة حديثة قد وقعت .
ومع نهاية العام نفسه – كما تقول الصحيفة – بلغ عدد الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز منذ ظهور الوباء بلغ 18.8 مليون وفاة .
ويُقدّر عدد حـالات الوفـاة للعام المنصرم بثلاثة ملايين حالة وفاة بسبب المرض المذكور .
وبلغ عدد اليتامى بسبب الوفاة حتى نهاية العام الماضي 13.2 مليون .
وأجرت الصحيفة عددا من اللقاءات مع بعض المرضى فكانوا لا يظهرون أسمائهم فضلا عن أن يسمحوا بظهور صورهم ، فهذا – عياذا بالله عبرةً لا شماتة – جزء من الخزي الذي تبعهم في الدنيا قبل الآخرة ، إلا أن يتوبوا .
كما أجرت الصحيفة لقاءات مع بعض النساء ممن ابتلين بهذا المرض نتيجة الزواج بأشخاص لهم ماض عريق في الأسفار المحرمة !

أخي الشاب :
إذا راودتك نفسك أو حدثتك بارتكاب ما حرّم الله فخوّفها بالله
فإن لم ترتدع فخوّفها بالخوف من أن يكون القضاء من أهلك ومحارمك
فإن لم ترتدع فخوّفها بالأوجاع والأمراض التي تفتك بالناس

وعليك بالدعاء واللجوء إلى الله والتضرّع والانطراح بين يديه

فقد كان نبيّـك صلى الله عليه على آله وسلم يُكثر أن يقول : يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث .

وكان يقول : دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله . لا إله إلا أنت .

ولتعلم أنك إن وُكِلتَ إلى نفسك وُكِلت إلى ضعف وعجز وعورة

فتبرأ من حولك وقوتك ، إلى حول الله وقوّته .

وهذا من معاني لا حول ولا قوة إلا بالله .

والله أسأل أن يحفظك بحفظه ، وأن يُجنِّبنا وإياك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

وتذكر ألف مرّة قبل أن تواقع المعصية أن الله مُطّلع عليك

وتذكّر أنك بعين الله لا تخفى عليه

وأنك بنِعمه تعصيه

وأنك لا تُعجزه

وهذا موضوع بعنوان وأين مكوكبها ؟
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/194.htm

عن مراقبة الله واطّلاعه عليك

والله يحفظنا وإياك
والله أسأل أن يحفظك بحفظه ، وأن يُجنِّبنا وإياك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
assuhaim@liveislam.com

الصفحة الرئيسة   |    صفحة الشيخ