صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تربيتنا الأُسرية إلى أين ؟

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

 
نقصد بمصطلح التربية الأُسرية ذلك النوع من التربية الذي يتم في البيئة الأُسرية ، التي لها في المجتمع المسلم صورٌ عديدة ؛ فقد تكون مؤلفةً من الزوج والزوجة فقط ، وقد تكون مؤلفةً من الزوجين مع بعض الأطفال ، وربما شارك في تكوين هذه الأسرة بعض الأجداد ، أو الأعمام ، أو الأخوال ، أو غيرهم من الأقارب ، إضافةً إلى الخدم والمربين ونحوهم في بعض الأحيان .كما أن أفراد الأُسرة قد ينتمون إلى أجيالٍ مختلفةٍ حيث إنها قد تشمل ( الأجداد ، الآباء ، الأبناء ) .

ولاشك أن للأُسرة أثرٌ فاعلٌ ودورٌ كبيرٌ في تربية الإنسان ؛ إذ إنها المحضن الأول الذي يعيش فيه الفرد ، وهي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع ، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى . وقد حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لأثرها البارز في بناء شخصية الإنسان وتحديد معالمها منذ الصغر .
وتتكون الأسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة ؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة .

من هنا فإنه يمكن القول : إن الأسرة تُعدُ أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف ، وعليها العديد من الواجبات الأساسية ، لاسيما وأن الإنسان يعيش فيها أطول أطوار حياته ، فيتشرب منها العقيدة ، والأخلاق ، والأفكار ، والعادات ، والتقاليد ، وغير ذلك من الصفات والسلوكيات الأُخرى التي يكتسبها من الأُسرة بمن فيها وما فيها من أفراد وظروف وعوامل . ولذلك فإن الأُسرة إما أن تكون مصدر خيرٍ للإنسان ، أو معول هدمٍ للدين والأخلاق والقيم .

أما وظائف التربية الأُسرية فكثيرةٌ ومتنوعة لا سيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان في مختلف مراحل عمره . وعلى الرغم من اشتراك الأسرة المسلمة مع غيرها من الأسر في أداء بعض الوظائف التربوية العامة ؛ إلا أن للأُسرة المسلمة بعضاً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي :
أ ) العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الولود الودود ؛ فإني مُكاثرٌ بكم " ( رواه النسائي ، الحديث رقم 3026 ، ص 680 ) . والتي تكون عاملاً قوياً في تحقق واستمرار الحياة الأُسرية ، وضمان استقرارها .
ب ) تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد الأسرة حتى تتم عملية تربيتهم في جوٍّ مُفعمٍ بالسعادة بعيداً عن القلق والتوتر والضياع . ويأتي ذلك تحقيقاً لقوله تعالى :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون َ} ( سورة الروم : 21 ) .
ج ) حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية ، والعمل على صيانة فطرتهم عن الانحراف والضلال ، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم :
" كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهوِّدانِهِ ، أو يُنصِّرانِهِ ، أو يُمجِّسانِهِ " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 1385، ص 222 ) .
د ) توفير مقومات التربية الإسلامية الصحيحة لأفراد الأسرة عن طريق العناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان ( روحياً ، وعقلياً ، وجسمياً ) . والحرص على توافرها وتكاملها لما لذلك كله من الأثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة السوية ، والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها ومن حولها بصورةٍ إيجابيةٍ ، ومستمرةٍ طول فترة الحياة .
هـ ) الحرص على توعية أعضاء الأسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍ ومفيد والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة ، وحمايتهم من كل ما يُهدد سلامتهم وسلامة غيرهم ، وتعليمهم الأخلاق الكريمة ، والآداب الفاضلة ، والعادات الحسنة حتى يشبون عليها ، ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل ، والتخلي عن الرذائل .
و ) إكساب أعضاء الأسرة الخبرات الأساسية والمهارات الأولية اللازمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة ، وإكسابهم الثقة بالنفس ، والقدرة على التعامل مع الآخرين .

أما أبرز الملاحظات التي تؤخذ على تربيتنا الأُسرية ؛ فمنها :
= انعدام العناية من بعض أولياء الأمور ببعض أفراد هذه الأُسرة ، وهو ما يتضح في أولئك الصغار الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل دونما رقيبٍ أو حسيبٍ ، الأمر الذي ينتج عنه الكثير من المفاسد الأخلاقية ، والعادات السيئة ، والطباع المنحرفة ، ونحو ذلك مما لا تُحمد عقباه .
= ضعف دور التربية الأُسرية في مجتمعنا المعاصر إلى درجةٍ أصبح دورها هامشياً في معظم الأحيان ، فالمدرسة تحظى بنصيب الأسد من عدد ساعات اليوم الواحد ، والإعلام والشارع يحظيان بالبقية الباقية منه ، ولا يبقى للأُسرة إلا زمن النوم وربما زمن تناول الطعام .
= تأثر التربية الأُسرية في مجتمعنا بظروف العصر التي جعلت من الأبوين مشغولين جداً بالسعي خلف لقمة العيش ، ومتابعة مجريات الحياة المعاصرة التي أسهمت جميعها في كثيرٍ من التقصير وربما الإهمال في دورهما الأساسي في التربية ، الأمر الذي ترتب عليه إسناد تلك الأدوار والمهام للمربين أو الخدم أو غيرهم .
= اختلاف النظرة إلى الحياة بين جيل الآباء وجيل الأبناء ، الأمر الذي أسهم في وجود فجوة في طريقة التفكير وكيفية التعامل الأُسري ، وهذا بدوره أثر كثيراً في مدى نجاح تربيتنا الأُسرية التي يعتمد نجاحها كثيراً على مدى الانسجام والتوافق بين نظرة الجيلين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية