اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/arrad/124.htm?print_it=1

خطبة الجمعة في مسجد قرية آل عشَه بسبت تُنومة
9 المُحـرم 1442هـ.
بعنوان:(نحن وعبادة الوضوء؟!)

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد


الحمد لله الذي شـرع لعباده أنواع العبادات، والحمد لله الذي يسـرها لهم وضاعف لهم عليها الأجور والحسنات، والصلاة والسلام علـى نبينا ورسولنا الكريم الذي جاء بالهدي القويم والمنهج المعتدل السليم، صلـى الله عليه وسلمّ، وعلى آله وصحبه، والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاعلموا يا عباد الله (بارك الله فيكم) أن تقوى الله جل جلالُه، وصية الله سبحانه لعباده، الأولين منهم والآخرين، قال جل من قائل: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (سورة النساء من الآية 131). فلنتواصـى بتقوى الله سبحانه، ولنُكثر من سؤاله تعالى أن يجعلنا جميعاً من عباده المتقين.
موضوع خُطبتي لهذا اليوم سيكون بإذن الله تعالى عن إحدى العبادات التـي يُمارسها الإنسان المسلم صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً أم أنثـى، عالماً أم متعلماً، غنياً أم فقيراً، مسافراً أم مُقيماً، ألا وهـي عبادة الوضوء التـي جاءت تسميتها من استعمال الماء في غسل أعضاءٍ مخصوصةٍ علـى صفةٍ مخصوصةٍ، لقصد النظافة، والنضارة، والضياء، والحُسن. والوضوء عملية تنظيفٍ وتطهيرٍ مُستمرةٍ للقلوب، وللأرواح، وللنفوس، فبها تطهُر الأعضاء، وتصفوا القلوب، وتسموا الأرواح.
وهنا لابُد من الإشارة إلى أن عبادة الوضوء بشـروطها، وفروضها، وكيفيتها المعروفة والمشـروعة لا تنحصِـر منافعها في مجرد غسل وتنظيف الأطراف، وإزالةٍ ما قد يعلقُ بها؛ ولكنها تتجاوز ذلك لتكون سبباً في نيل عظيم الحسنات، ومحو صغائر الذنوب، وتكفير الخطايا، ورفعة الدرجات، كما أنها (بإذن الله تعالى) سببٌ لدخول الجنة، والتحرُّز من الشيطان، والحفظ بإذن الله تعالى من الشـرور، إلى غير ذلك مما سنتناوله ونُشيرُ إليه.
فالوضوء يا عباد الله، عبادةٌ عظيمة الفضل كثيرة الثواب؛ ليتحقق بها من حصول الطهارة الحسية والمعنوية التي صحَّ عن أبي مالكٍ الأشعري (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في شأنها: "الطَهور شطر الإيمان" (رواه مُسلم).
ولعل مما لا يعرفه البعض أن الوضوء عبادةٌ مستقلةٌ، وقربةٌ إلى الله تعالى حتى ولو لم يكن لأداء الفريضة ولو لم تعقبه صلاة. والوضوء من أسباب دخول الجنَّة والتحلِّـي بحُلـيِّها لما صحّ عن عُقبةَ بن عامر (رضي اللهُ عنه)، أنه قال:
"كانت علينا رِعايةُ الإبل، فجاءتْ نوبتـي، فروَّحتُها بعشـيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) قائماً يُحدِّث النَّاسَ، فأدركتُ مِن قَولِه: "ما من مسلمٍ يتوضَّأ فيُحسِنُ وضوءَه، ثم يقومُ فيصلِّي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقَلبِه ووجهِه، إلَّا وجبتْ له الجنَّة" (رواه مسلم).
ولما صحَّ عن أبي هُريرةَ (رضـي الله عنه) أنه قال: سمعتُ خليلـي (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) يقول: "تَبـلُغ الحِــــلـــيةُ من المؤمِن حيث يبلُغ الوضوءُ" (رواه مسلم).
والوضوء يا عباد الله من أسباب الطهارة الحسية والمعنوية التي تكون بإذن الله تعالى من الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى لقوله سُبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
ويُضاف إلى ذلك أن المحافظةُ على الوُضوء يا عباد الله تُعد من علامات أهل الإيمان؛ إذ إن المداومة على الوضوء والمحافظة عليه صفةٌ من صفات الكمال للمؤمنين، لما صحَّ عن ثوبانَ (رضي اللهُ عنه)، أنه قال: قال رسولُ الله (صلى اللهُ عليه وسلَّم): "استقيموا ولن تُحصُوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاة، ولا يحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمِنٌ" (رواه ابن ماجة وأحمد).
كما أن الوضوء عبادةٌ يُكفِّر الله سبحانه بها الذنوب والخطايا، فعن عثمانَ بن عفَّان (رضي اللهُ عنه)، أنَّه قال: "إنِّي رأيتُ رسولَ الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) توضَّأَ مِثلَ وُضوئي هذا، ثمَّ قال: مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه" (رواه مسلم). وجاء في حديثٍ آخر عنه (رضي اللهُ عنه)، أنه قال: قال رسولُ الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم): "مَن توضَّأ فأحسَنَ الوضوءَ، خرجتْ خطاياه من جَسَدِه، حتَّى تخرُجَ من تحت أظفارِه" (رواه مسلم).
وهنا نُذَكِّر بأن من القصور في التصور أن يرتبط الوضوء في الذهن عند الكثيرين بعبادة الصلاة فقط؛ لأن الوضوء يُشـرعُ في مواطن عديدةٍ من حياة الإنسان المسلم، فهو مشـروعٌ لأداء الصلوات، وعند قراءة القرآن الكريم من المصحف، وعند الاستعداد للنوم، وعند أكل لحوم الإبل، وقبل الطواف بالبيت الحرام، وعند الاستيقاظ من النوم، وقبل الغُسل من الجنابة، وغير ذلك.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل العبادات رحمةً منه بالعباد، والصلاة والسلام على خير من عبد الله تعالى على علمٍ وهُدىً وبصيرة، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن لعبادة الوضوء كثيراً من المنافع الدينية والدُنيوية التـي لها العديد من الآثار الإيجابية في حياة الإنسان المسلم سواءً أكانت روحيةً أو صحيةً أو نفسيةً أو وقائيةً أو جمالية، وقد تحدثـت كثيرٌ من الدراسات عن تلك المنافع والفوائد التـي تفرضُ على كل مسلمٍ أن يحرص على أداء عبادة الوضوء بأكمل صورةٍ مُمكنة ليتحقق له بإذن الله تعالى المعنى الحقيقي للطهارة سواءً أكانت ماديةً أم معنوية.
ولعل من المناسب يا عباد الله في هذا المقام أن نُذكِّر بحديثٍ عظيمٍ في فضل الوضوء، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال:
"إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجههِ كلُ خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُ خطيئةٍ كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب" (رواه مسلم).
وجاء في حديثٍ عن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
"من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شـريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم أجعلني من التوابين، واجعلنـي من المتطهرين، فُتحت له أبوابُ الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" (أخرجه مسلم والترمذي).
فأين نحن يا عباد الله من هذه العبادة المباركة، وأين نحن من المحافظة عليها في جميع أوقاتنا وأحوالنا، لنكسب بركتها، ولننال أجرها وثوابها، ولنحظى بما يترتب عليها من منافع وفوائد وبخاصةٍ أنها تكفُل لنا قبل كل شـيء طاعة الله تعالى، واتباع هدي النبوة المبارك، إضافةً إلى تحقُق العديد من الآثار الإيجابية في مختلف جوانب حياتنا الدينية والدنيوية، ولاسيما مع إسباغ الوضوء وإتقانه وإحسانه.
وفقنا الله وإياكم لكل عملٍ صالحٍ، ولكل قولٍ صالحٍ، ولكل نيةٍ صالحة. ورزقنا وإياكم حُسن الحياة، وحُسن الممات، وحُسن الختام، وحُسن المآل.
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي نبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وأن شـر الأمور محدثاتـها، وأن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبـي؛ فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً}. فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المُتطهرين، ونسألك اللهم أن تُبصِّـرنا بديننا، وأن تُصلح لنا أحوالنا، وأن تتقبل منّا ما توفقنا إليه من العبادات والطاعات القولية والعملية والقلبية، وأن تجعل لنا من التوفيق والهداية نصيباً وافراً في كل شأنٍ من شؤون حياتنا.
اللهُمَّ إنَّا ندعَوْك فاستجبْ لنا، واغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسـرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنَةٌ، وفي الآخِرَةِ حسنةٌ، وقِنا عذابَ النارِ.
اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا، وآمِنْ روعاتِنا، واكفِنا مَا أَهمَّنا، وَقِنا شَـرَّ الشيطان وشِـركِه وشَـرَكِه.
اللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا سُبل السلام، وأرنـا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
عباد الله: {نَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْـيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركُم، وأشكُرُوه على نِعَمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ.

 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية