اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/arrad/117.htm?print_it=1

خطبة الجمعة في مسجد قرية آل عشَه بسبت تُنومة
19 ذو القعدة 1441هـ.
بعنوان:(من الوصايا النبويّة التربوية)

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد


الحمد لله عدد خلق الله، وزِنة عرشه، ومِداد كلماته، ورضا نفسه، والصلاة والسلام على مُعلم الناس الخير نبينا ورسولنا محمدٍ بن عبد الله، ما ذكره الذاكرون، وما غَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى آلهِ وصحبِهِ الطاهرين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أما بعد:
فيا عباد الله، سيكون موضوع خُطبتي في هذا اليوم التذكيرُ بعددٍ من الوصايا النبوية التربوية التي صحَّ أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصـى بها؛ فكانت وصاياً جامعةً مانعةً، اتسمت في مجموعها بأنها عظيمة القدر، كبيرة الفائدة، وإنها جاءت من مُعلم الناس الخير الذي لا يَعْلمُ خيراً إلاَّ دلَّ الأمة عليه، ولا يَعلمُ شـراً إلاّ حذّر الأمة منه، فكانت بذلك مما لا غنـى للإنسان المسلم عنه في حياته اليومية، وأحواله العامة والخاصة، وعلى كل مُسلمٍ أن يسمع وأن يُطيع، وألاّ يتردّد في قبول تلك الوصايا والعمل بها في كل شأنٍ من شؤون حياته، وفي كل جزئيةٍ من جُزئياتها لما فيها من تربيةٍ ساميةٍ للنفوس، ولما يترتب عليها من إصلاحٍ للقلوب، إضافةً إلى أثرها في تقويم السلوكيات الخاطئة، وحثها على مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات.
ويأتي من أهم تلك الوصايا تقوى الله سبحانه وتعالى في كل وقتٍ وحين، لأن الوصية بالتقوى تجمع الخير كله. وقد صحّ عن أبي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادةَ، وعن أبي عبْدِالرَّحْمنِ مُعاذِ بْنِ جبلٍ (رضيَ اللَّه عنهما)، عنْ رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، أنه قَالَ: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ" (رواهُ التِّرْمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ).
ومن الوصايا ما صحّ عن أبي ذر (رضي الله عنه)، أنه قال: "أَمَرَنِي خَلِيلِي (صلى الله عليه وسلم) بِسَبْعٍ: "أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقـِى، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ (وفي رواية: فإنها كنــزٌ من كنوز الجنة" (رواه الإمام أحمد).
ومن الوصايا النبوية الوصية بالمحافظة على ذكر الله سبحانه بعد الصلاة، وألاّ يدع المسلم أو يغفل عن ترديد الأذكار المسنونة بعد كل صلاة؛ فعن معاذ بن جبل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخذ بيده وقال: "أوصيك يا معاذ، لا تدعنَ في دُبُرِ كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنّـي على ذِكرك، وشُكرِك، وحُسنِ عِبَادتِك" (رواه أبو داود وصححه الألباني).
ومن وصاياه (صلى الله عليه وسلم) التحلـي بست خصالٍ تُعد من مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال؛ فعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتُم، وأوفوا إذا وعدتُم، وأدّوا إذا ائتُمِنتُم، واحفظوا فروجَكم، وغُضوا أبصَاركم، وكُفوا أيديكم" (رواه أحمد وابن حبان والحاكم).
ومن الوصايا النبوية العظيمة في دلالتها ومعناها ما صحَّ عن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لرجُلٍ وهو يَعِظُه:
"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابُك قبل هرمِك، وصِحتك قبل سَقمِك، وغِـناءك قبل فقرِك، وفَراغِك قبل شُغلِك، وحياتك قبل موتِك" (رواه أحمد، وصحـحه الألباني).
ومن وصايا النبوة العظيمة النهـي عن الدِعاء على النفسِ والأولاد والمَال؛ فعن جابر (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسألُ فيها عَطاءٌ فيستجيب لكم" (رواه أبو داود، وصحـحه الألباني).
ومن الوصايا النبوية الكريمة خمسُ وصايا نافعاتٍ في الدين والدنيا، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
"من يأخذ عني هذه الكلمات فيعملُ بِهِنَ أو يُعلِّم من يَعمَلُ بِهن؟"؛ فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمساً فقال:
"اتّق المحارم تكن أعبدَ الناس، وارض بما قسم الله لكَ تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مُسلماً، ولا تُكـثِر الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب" (رواه أحمد والترمذي، وحسّنه الألباني).
نفعنـي الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، نبينا محمدٍ بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والآه، أما بعد:
فإن الحديث عن وصايا نبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) لأمته يطول، لأنه كان حريصاً أشد الحرص على أن يُرشدهم ويدلهم ويهديهم إلى كل ما من شأنه تحصيل خيري الدنيا والآخرة، والفوز برضوان الله تعالى، وسأختم هذه الخطبة بوصيتين نبويتين عظيمتين، الأولى تتعلق بما بين العبد وربه جل في عُلاه، والثانية تتعلق بما بين الإنسان وأخيه الإنسان الذي يعيش معه ويتعامل معه في كثيرٍ من شؤون دينه ودنياه.
فأما الوصية الأولى فقد جاءت في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال: أوصاني خليلـي (صلى الله عليه وسلم) بثلاثٍ لا أدعهن حتى أموت: صومُ ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصلاةُ الضُحـى، ونومٍ على وتر" [متفق عليه].
وصحّ في المعنى نفسه عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أنه قال: أوصاني حبيبـي (صلى الله عليه وسلم)، بثلاثٍ لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصلاةُ الضحـى، وبأن لا أنام حتى أوتر" [أخرجه مسلم].
وجاء في السياق نفسه عن أبي ذرٍ (رضي الله عنه)، أنه قال: أوصاني حبيبي (صلى الله عليه وسلم)، بثلاثٍ، لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبداً، أوصاني بصلاة الضحـى، وبالوترِ قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر" [أخرجه النسائي].
وهنا نُلاحِظُ (بارك الله فيكم) أن حرصُه عليه الصلاة والسلام على هذه الوصية، وتكرار تعليمه لثلاثةٍ من صحابته (رضي الله عنهم) بهذه الأمور، إنما هو تأكيدٌ لأهميتها، وضـرورة العمل بها، وعدم الغفلة أو التكاسل عنها لما فيها من الخير العميم، ولما يترتب عليها من الأجر العظيم، نسأل الله تعالى من فضله.
أما الوصية الأخرى ومن وصايا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتتمثل في الإحسان إلى الجار وإكرامه، وحُسن التعامل معه، والحرص على صِلتِه وزيارته، وعدم إيذائه أو التقصير في حقه بأي شكلٍ من الأشكال، قال (صلى الله عليه وسلم): "أوصيكم بالجار" (رواه الطبراني).
وهذا معناه أن حق الجار كبيرٌ جداً، وأن مقامه عند الله تعالى عظيم، وهو ما يؤكده حديث عبد الله بن عمر، وعائشة (رضي الله تعالى عنهما)، أنهما قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" (رواه البخاري).
فاللهم اجعلنا من السامعين الطائعين، واجعلنا بوصايا نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) عاملين، وإلى الخيرات سابقين، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك أجمعين، واكتبنا من الفائزين بطاعة رسولك محمدٍ صلى الله عليه وسلم عملاً بقولك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ (سورة النساء: من الآية 59).
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي نبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وأن شـر الأمور محدثاتـها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللـهم أصلح لنا ديـنـَنا الذي هـو عـصمةُ أمرِنا، وأصلح لنا دنيانا التي فـيها معـاشُنا، وأصلح لنا آخرتـَنا التي اٍليها معـادنـا، واجعـل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعـل الموتَ راحةً لنا من كلِ شـر.
اللَّهُمَّ يَا سَمِيعَ الدَّعَوَاتِ، يَا مُقِيلَ العَثَرَاتِ، يَا قَاضِيَ الحَاجَاتِ، يَا كَاشِفَ الكَرُبَاتِ، يَا رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ، وَيَا غَافِرَ الزَّلاَّتِ، اغْفِرْ لنا ولِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَات.
اللهم احفظنا واحفظ بلادنا من كل شـر، ووفقنا لكل خير، ونسألك اللهم لمن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ أن تُشغله في نفسه، وأن ترُد كيده في نحره، وأن تجعل تدبيره تدمير له يا سميع الدعاء. اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينَ، وَأَنْ تَغْفِرَ لنا وَأن تَرْحَمَنا، وَأن تعفو عنَّا وعن آبائنا وأُمهاتنا وعن أموات المسلمين.
عباد الله: إنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْـيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركُم، وأشكُرُوه على نِعَمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. وَأَقِمِ الصَّلاةَ.


 

صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية