اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/anwar/21.htm?print_it=1

ثلاثون باباً للرزق
الباب الثامن:
الرضا والقناعة

أنور إبراهيم النبراوي
@AnwarAlnabrawi


إنَّ القناعةَ ركنٌ من أركان التقوى، فقد جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه  في تعريف التقوى بأنها: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ»[1] لاسيما وأنه تعالى قسَّم الأرزاق، وقدَّر المقادير، فعلى العبد أن يحسن في الطلب.
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»[2] أي: اطلبوا الرزق طلبًا جميلًا بأن ترفُقوا أي تُحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كد وتعب، ولا تكالب وإشفاق، ومن إجماله: اعتماد الجهة التي هيأها الله ويسرها له ويسره لها، فيقنع بها ولا يتعداها، ومنه ألا يطلب بحرص وقلق وشره ووَلَهٍ حتى لا ينسى ذكر ربه ولا يتورط في شبهة، فيدخل فيمن أثنى الله تعالى عليهم بقوله تعالى: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37].
ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم وجه الأمر بذلك بقوله: «فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» أي: كل أحد من الخلق مهيأ ومصروف لما قُدِّر له من الرزق، وأن رزقه سيأتيه لا بد، فإن الله تعالى قد قسَّم الرزق وقدَّره لكل أحد وفق حكمته، لا يتقدم الرزق ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص، بل بحسب إرادة الله وعلمه الأزلي.
 
إضاءة

أخبر الله تعالى أنَّه خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، ثم إنه سبحانه جعل العبادات تجلب الأرزاق للعباد، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58]، فمن أطاعه جازاه أحسن الجزاء ووسع له الرزق في دنياه بجنة الدنيا راحة في قلبه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم في الآخرة رزق عظيم ونعيم مقيم: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40].
أما إن بالغ العبد وانهمك في البحث عن الرزق فإن ذلك يفسد عليه عبادته لربه الرزاق: {فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} هو المتكفل بالرزق، كثير الرزق، غني عن الخلق، ومن تمام قوَّته وكمالها أنه أوصل رزقه للعالمين: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6].
جميع ما دبَّ على الأرض تكفل بأرزاقهم وأقواتهم، ورِزْقُهم جميعًا على الله.
{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} يعلم مكانها الذي تقيم فيه وتأوي إليه، ثم مكانها الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها، بل ويعلم عوارض أحوالها.
{كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فلتطمئن القلوب إلى كفاية من تكفل بأرزاقها، وأحاط علمه بذواتها وصفاتها.



 


أنور إبراهيم النبراوي             
داعية إسلامي وباحث في الدراسات القرآنية والتربوية
 ومهتم بشؤون الأسرة
Twitter: @AnwarAlnabrawi                                                  
E-mail: Aidn1224@gmail.com
 

---------------------------------
[1]     سبق ص 25 ر قم 2.
[2]     سبق ص 26 رقم 1.

 

أنور النبراوي
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • الصفحة الرئيسية