اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/anwar/18.htm?print_it=1

ثلاثون باباً للرزق
الباب السادس:
طلب العلم

أنور إبراهيم النبراوي
@AnwarAlnabrawi


لا يخفى على لبيب فضل العلم وبركته، كيف لا والله تعالى قد وصف نفسه بالعليم، بل وأَمر بالعلم في أعظم قضية وهي وحدانيته، قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19].

فإن ثمرة العلم معرفة الله الرزاق، ومعرفة أسباب الرزق وفضائل الأعمال الصالحات وبركتها وأثرها في سعة الرزق.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ!»[1].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ، وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، لَسَادُوا بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، فَهَانُوا عَلَيْهِمْ[2]. أي: لو أن أهل العلم الشرعي حفظوا العلم عن المهانة بحفظ أنفسهم عن المذلة وملازمة الظلمة ومصاحبة أهل الدنيا طمعا بما في أيديهم من أموال ومتاع زائل، وعن الحسد فيما بينهم، ووضع المظهر موضع المضمر تفخيما لشأنه، ووضعوه عند العلم الذين يعرفون قدر العلم من أهل الآخرة ويلازمون العلماء، فإن العلم يؤتى ولا يأتي، لفاقوا بالسيادة وفضيلة السعادة أهل زمانهم كمالا وشرفا؛ لأن من شأن أهل العلم أن يكون الملوك فمن دونهم تحت أقدامهم وأقلامهم، وطوع آرائهم وأحكامهم.(ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا): بأن خصوهم به أو ترددوا إليهم به (لينالوا به من دنياهم): لا لأجل الدين بالنصيحة والشفاعة وغيرهما (فهانوا عليهم): فذلوا قدرا مستثقلين على أهل الدنيا[3]. قال الطيبي: وذلك لأن العلم رفيع القدر يرفع قدر من يصونه عن الابتذال، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]
 
إضاءة

كان المعلم الأول صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو ربه الرزَّاق، طالبا وسائلا الرزق من الله وحده، عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول بين السجدتين: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي»[4].
قال النووي رحمه الله: «فالاحتياط والاختيار أن يجمع بين الروايات، ويأتي بجميع ألفاظها؛ وهي سبعة، .... » ثم ذكرها، وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ: "قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي"، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ»[5].
فقوله: «وارزقني» أي: هب لي يارب ما تصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة، ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن، وما به تصلح بدني من الرزق الحلال الهنيء الذي لا مشقة في تحصيله ولا تبعةً تعتريه!
 

أنور إبراهيم النبراوي             
داعية إسلامي وباحث في الدراسات القرآنية والتربوية
ومهتم بشؤون الأسرة
Twitter: @AnwarAlnabrawi                                                 
E-mail: Aidn1224@gmail.com
 

-----------------------------------------
[1]     أخرجه الترمذي (2345) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5087).
[2] أخرجه ابن ماجه (257)، والبزار (1638).
[3]     مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/  331).
[4]     أخرجه أبوداود (850) وابن ماجه (898) والتِّرمِذي (284) وقال: حديث غريب, وصححه الألباني في إرواء الغليل (335).
[5]     أخرجه أحمد (19110), وأبو داود (832), وحسّنه الألباني في صحيح أبي داود (832).


 

أنور النبراوي
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • الصفحة الرئيسية