صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تأملات قصار السور
سورة الزلزلة

أنور إبراهيم النبراوي
@AnwarAlnabrawi


مقدمة:

لما ذكر الله عز وجل في سورة البينة أن جزاء الكفار النار، وجزاء المؤمنين جنات عدن، بيَّن في هذه السورة وقت ذلك الجزاء وعلامته, وأنه: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾.

سبب النزول:

أن الكفار كانوا كثيرًا ما يسألون عن يوم الحساب، ومتى هو، فيقولون: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ (القيامة: 6)، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (يونس: 48)[1]، فذكر لهم الخالق عز وجل في هذه السورة علامات ذلك اليوم؛ ليعلموا أنه لا سبيل إلى تعيين ذلك اليوم الذي يعرض الناس فيه على ربهم؛ ليجازي كلًا بعمله، ويعاقب المذنبين، ويثيب المحسنين، وأنه تعالى سيجازي على أصغر الأعمال، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ...﴾ الآية (الإنسان: 8)، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُؤجَرون عَلَى الشَّيْءِ الْقَلِيلِ الَّذِي أَعْطَوْهُ([2])، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقولون: إنما أوعد الله النار على الكبائر، فأنزل الله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾

إذا أصابها ذلك الزلزال الشديد، والاهتزاز الرهيب. والزلزلة: الحركة الشديدة السريعة.
﴿زلزالها﴾ ولم يقل إذا زلزلت الأرض زلزالاً، بل (زلزالها) أي: الزلزال اللائق بجرم الأرض وحجمها كلها والمخصوص بها، فالإضافة للتفخيم والاختصاص؛ فهو ليس كزلزال الدنيا؛ ولم يكن مثله قط، إنه الزلزال العظيم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ (الحج: 1، 2).
حيث يبدو الناس وكأنهم: ﴿سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ وذلك من شدة ذهولهم وشدة ما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى، وما هم بسكارى بل هم صحاة، لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران لا يدري كيف يتصرف، ولا كيف يفعل.
وفي الآية إيماء إلى المعرضين الغافلين بأن يتدبروا ويعتبروا، ويستيقظوا من غفلتهم، ويتراجعوا عن عنادهم، فإذا كان الجماد يضطرب لهول ذلك اليوم فكيف ببني البشر؟!
﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ ومن شدة الزلزلة، فإن الأرض تَشَقَّق عن ظهرها؛ لتقذف ما في باطنها من كنوز ودفائن وأموات وغير ذلك، وذلك عند النفخة الثانية, فإنه إذا نفخ في الصور، ووقعت الصعقة، خرج الناس من قبورهم ينظرون في ذهول، قال سبحانه: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ (الزمر: 68).
فتُبسط الأرض وتُوسَّع، وتُدك جبالها في ذلك اليوم، وتقذف ما في بطنها من الأموات، وتتخلَّى عنهم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ (الانشقاق: 3- 4).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا»([3]).
والزلازل من آيات الله العظام والتي تكثر في آخر الزمان، فإنه عند قرب الساعة تكثر في جميع الأرض الزلازل والخسوف، فهي من علامات وأشراط الساعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، ...» ([4]).
وذلك الزلزال؛ هو إيذان بفناء النشأة الأولى، وظهور نشأة أخرى.

﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾
سؤال استيضاح وذهول من هول ما يشاهد الناس: لما يغشاهم من الأهوال، ويلحق بهم من فرط الدهشة، وكمال الحيرة؟ يقول المرء: ﴿ما لها﴾ أي: ما للأرض؟ أي شيء عرض لها؟ استعظامًا لما شاهده من الأمر الهائل، وتعجبًا لما يراه من العجائب التي لم تراه عين وبعد الإفاقة المؤمن يقول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ (يس: 52)، بينما الكافر يقول: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ (يس: 52).

﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾

يُنطقها الله لتشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر؛ فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، وتحديث الأرض صريح، وهو على حقيقته؛ لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء، وتظهر حقائق كل شيء، وكما يُنطق الله الأرض فتحدِّث بأخبارها، يُنطق الله الجلود والأيدي والأرجل، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (فصلت: 20، 21)، ففي ذلك اليوم يتحدَّث كل شيء، ويَنطق ويُبين.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»([5]).
حتى الزمان يتكلم؛ قال الحسن البصرى رحمه الله: ما من يوم إلا وينادي: إني يوم جديد، وإني على ما يُفعل فيَّ شهيد, وكذلك اللسان؛ قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ (النور: 24), والأركان؛ قال تعالى: ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (يس: 65)، والملكان؛ قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ (الإنفطار: 10، 11)، والديوان؛ قال تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ (الجاثية: 29)، والرحمن؛ قال ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾ (يونس: 61)، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ (النساء: 79).
وشهادة الأرض وغيرها من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا: عملتم كذا وعملتم كذا، لكنه من باب إقامة العدل، ومنع إنكار المجرم؛ فالمجرمون ينكرون في يوم القيامة أن يكونوا مشركين: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام: 23)؛ لأنهم إذا رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب، ونجوا منه، أنكروا الشرك لعلهم ينجون، وحينها يختم الله على أفواههم، وتتكلم الأيدي، وتشهد الأرجل والجلود والألسن، بما كان يعملون, قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (يس: 65)، وحينئذ لا يستطيع أحد أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف ويندم، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت.

﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾

سبب تحديث الأرض؛ أن الله عز وجل أمرها وأذن لها أن تخبر بما عُمل عليها، فلا تعصي أمره. وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس: 82).
والله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء -ولو جمادًا- فإنه يخاطب الله ويتكلم، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصلت: 11).
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: « أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: الْقَدَرُ قَالَ: فَكَتَبَ مَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ» ([6]).

﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾
يوم تزلزل الأرض زلزالها يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض فِرقًا وأنواعًا وأصنافًا ما بين شقي وسعيد، كل إلى جهة مأواه، بحسب أعمالهم وما عُيِّن لهم من منازلهم, فأهل النار يساقون إليها، وأهل الجنة يساقون إلى الجنة -جعلنا الله من أهلها-، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا*وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا*لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ (مريم: 85 - 87)، فيصدر الناس جماعات وزمرًا على أصناف متباينة تختلف اختلافًا كبيرًا، قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء: 21).

﴿لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾

يصدرون من الموقف أشتاتًا؛ ليريهم الله ويجازيهم بما عملوا في الدنيا؛ إن خيرًا فخير، وإن شّرًا فشر، وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان كتابه إما بيمينه وإما بشماله، ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب، "إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]"([7]).
وظاهر الآية أنهم يرون الأعمال الصغيرة والكبيرة، إلا ما غفره الله من قبل بحسنات، أو دعاء أو نحوه، فهذا يُمحى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ (هود: 114). فيرى الإنسان عمله القليل والكثير حتى يتبين له الأمر جليًّا، ويعطى كتابه ويقال: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء: 14).
ولهذا يجب على الإنسان أن لا يُقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه سيُكتب في صحيفته، وسيُحاسب عليه يوم القيامة.

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾

(من) شرطية تفيد العموم، يعني: أيُّ إنسان يعمل مثقال ذرة من خير فإنه سيراه يوم القيامة في كتابه، ويرى جزاءه وثوابه عليه، فيفرح به.
والذرة: النملة الصغيرة في ابتداء حياتها, وقيل: الذرة: ما يرى في شعاع الشمس الداخل, من الكوة من الهباء الطائر.
وليس المراد بالذرة الذرة المتعارف عليها اليوم([8]) كما ادعاه بعضهم؛ لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون.

 ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾

ومن عمل في الدنيا وزن ذرة من شر، فإنه سوف يرى ذلك الشر يوم القيامة في كتابه ويرى الجزاء والعقوبة عليه.
ومن المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجد ذلك حاضراً يوم القيامة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ (آل عمران: 30)، لكن لما كانت الذرة مَضرِبَ المثل في القلة ذكرها سبحانه، ومثله قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ (النساء: 40).
هذا في حق المؤمن وما عمله من خير أو شر.
أما الكافر فيجازى بالذرة على ما عمل من شر، وما عمله من خير فهو كالعدم ولا يوصف بالخير عند الله؛ لأن عمل الخير مشروط بالإيمان، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ (النور: 39)، فإن عمل الكافر باطل مردود عليه، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (هود: 16)،  فيكون عمله هباء لا يغني عن صاحبه شيئاً، قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ (الفرقان: 23).
قال ابن عباس: "لَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ عَمِلَ خَيْرًا وَلَا شَرًّا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيهِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَرُدُّ حَسَنَاتِهِ، وَيُعَذِّبُهُ بِسَيِّئَاتِهِ([9]).
قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ (إبراهيم: 18).
لكن قد يخفف عن الكافر عذابه بسبب أعمال الخير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ»([10])؛ وذلك لرعايته وحمايته للنبي صلى الله عليه وسلم، "وَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ"([11])، وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم. فالكفار يعذبون على حسب مراتبهم في الكفر، فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل، ولا عذاب المعطلة الذين ينكرون الصفات كعذاب أهل الكتاب، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهي.
وهذه الآية من جوامع الكلم, وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سئل عن (زكاة) الحُمُر، فقال: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]»([12]). وعَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الْفَرَزْدَقِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾ إلخ. قَالَ: حَسْبِي، لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا([13]).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هذه الآية : أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ([14]).
وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا، كما قال رسول الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»([15]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»([16]). وروي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ، فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ: "خُذْ حَبَّةً، فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَعْجَبُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ؟»([17]).
وفي الآية أيضًا: غاية التحذير والترهيب من فعل الشر ولو كان حقيرًا، عن عوف بن الحارث بن الطفيل؛ أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يَا عَائِشَةُ! إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا»([18]). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا»([19]).
وقوله تبارك وتعالى: ﴿مثقال ذرة﴾ يفيد أن الأعمال توزن يوم القيامة؛ لأن تقدير الآية: فمن يعمل عملًا مثقال ذرة، وقال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء: 47). والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ»([20]). لكن قد يشكل على هذا أن العمل ليس جسمًا يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل شيء انتهى وانقضى؟ فيرد عليه بأن المؤمن يجب عليه أن يصدِّق بما أخبر الله به, ورسوله صلى الله عليه وسلّم من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه، ويتعجب ويقول: كيف يكون هذا؟؛ لأن أمور الغيب فوق ما يُتصَوَّر. ثم إن الله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يجعل الأمور المعنوية أجسامًا، صح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ"([21]). فأتي بالموت على صورة كبش مع أنه ليس جسمًا.
وثبت أيضًا أن صحائف الأعمال توزن يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ "، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ»([22]).
وثبت أيضًا أن العامل نفسه يوزن يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾([23])، كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ»([24]). فالعبرة في ثِقل الجسم يوم القيامة بما كان معه من أعمال صالحة، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.


***


أنور إبراهيم النبراوي             
باحث في الدراسات القرآنية والتربوية
 ومستشار أسري
Twitter: @AnwarAlnabrawi                                                 
E-mail: Aidn1224@gmail.com
 


----------------------------
[1] تفسير المراغي (30/ 218)، وتفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (32/ 231).
([2]) أخرجه ابن أبي حاتم (19440).
([3]) أخرجه مسلم (1013).
([4]) أخرجه البخاري (1036) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([5]) أخرجه البخاري (609).
([6]) أخرجه أحمد (22705), وأبو داود (4700), والترمذي (3319)، وقال: حديث حسن صحيح غريب, وصححه الألباني في صحيح الجامع (2017).
([7]) أخرجه البخاري (2441), ومسلم (2768) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
([8]) الذَّرَّة (في العصر الحديث): إحدى الوحدات الأساسية لبناء المادة. فكل شيء حولنا مكون من ذرَّات. والذرَّة الواحدة بالغة الصِّغر، فهي لا تتعدى واحدًا على مليون من سُمْك شعرة. وتحتوي أصغر عيِّنة يمكن رؤيتها بمجهر عادي على ما يزيد على عشرة بلايين ذرة.
([9]) أخرجه الطبري (24/563).
([10])    أخرجه مسلم (212).
([11])    أخرجه البخاري (5101) عن أم حبيبة رضي الله عنها.
([12])    أخرجه البخاري (2860), ومسلم (987).
([13])    أخرجه أحمد (20593), وابن المبارك في الزهد (80) وصحح إسناده محققوا مسند أحمد (34/ 200).
([14])    انظر: تفسير البغوي (8/503), وتفسير القرطبي (20/152).
([15])    أخرجه البخاري (6023), ومسلم (1016) عن عدى بن حاتم.
([16])    أخرجه مسلم (2626) عن أبي ذر رضي الله عنه.
([17])    أخرجه مالك في الموطأ (3656)، ت: الأعظمي.
([18])    أخرجه أحمد (24415),  والدارمي (2768)، وصححه الألباني في الصحيحة (2731).
([19])    أخرجه أحمد (3818)، والطبراني في المعجم الكبير (10500)، وأبو الشيخ في أمثاله (319), وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2687).
([20])    أخرجه البخاري (7563), ومسلم (2694) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([21])    أخرجه البخاري (4730), ومسلم (2849) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
([22])    أخرجه أحمد (6994), والترمذي (2639), وقال: حسن غريب, وصححه الألباني في المشكاة (5559)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
([23])    أخرجه البخاري (4729), ومسلم (2785) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([24])    أخرجه أحمد (3991), والبخاري في الأدب المفرد (176), وصححه الألباني بطرقه في الصحيحة (2750).


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أنور النبراوي
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • الصفحة الرئيسية