صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ممارسات الأمريكيين وقيمهم

محمد بن شاكر الشريف

 
علق المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي سكوت ماكليلان على ما يثار حاليا في وسائل الإعلام من مخالفة الحكومة الأمريكية للقوانين واعتدائها على حقوق الإنسان، باعتماد التعذيب وسيلة لمعاقبة المتهمين بالإرهاب، أو انتزاع الاعترافات منهم، فقال :"ممارساتنا منسجمة مع قيمنا"، في محاولة ساذجة منه لنفي وقائع التعذيب، على أساس أن القيم الأمريكية لا تسمح بتعذيب الإنسان، ولسنا في حاجة للتذكير بوقائع التعذيب الثابتة والمسجلة في أكثر من وسيط من وسائط المعلومات، لأن هذه الوقائع ما زالت بتفصيلاتها ماثلة أمام ناظري من تابعوها، وهي وقائع كثيرة ومتعددة وفي أماكن مختلفة من أنحاء العالم، في سجن أبي غريب في العراق وفي خليج جوانتانامو في كوبا وفي سجن باغرام في أفغانستان، ناهيك عن السجون السرية التي تكشفت بعض أخبارها مؤخرا، والتي لا يعلم أحد عما يدور فيها شيئا غير هؤلاء الشياطين، وهي بلا شك أسوا حالا من تلك التي نعرف، ولا زال يتكشف اليوم ما كان مخبوءا بالأمس وهكذا، فقد اعترف المتحدث باسم البنتاجون باستخدام الفوسفور الأبيض-وهو سلاح كيماوي- في عدوانه على المقاومة في الفلوجة، وكذلك اعترف باستخدامه المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء البريطاني، ولربما تكشف الأيام القادمة عما هو أفدح من ذلك، ولا يحتاج المرء اليوم أن يعدد الجرائم المتعددة التي ترتكبها أمريكا على مدار الأربعة وعشرين ساعة بحق الإنسانية جميعها، وإن كان للمسلمين النصيب الأوفى من ذلك، فقد شاع أمر هذه الجرائم وانتشر، وعرفه الداني والقاصي، وانتشر خبره في الصحف والدوريات، كما ذكرته الإذاعات وعرضته شاشات التلفاز، ولو أردنا ذكر عناوين لهذه الجرائم من غير تفصيل لأمكننا القول أنها تشمل ممارسة التعذيب بنوعيه النفسي والبدني على من تتهمهم وفق مقاييسها بالإرهاب، انتهاك سيادة الدول واستقلالها انطلاقا من قدراتها العسكرية من غير التزام بأية معايير أخلاقية أو حتى سياسية، العمل على تغيير أفكار الناس وقناعاتهم واستخدام ألوان متعددة من الترغيب والترهيب في سبيل ذلك، دون النظر إلى عقائد الناس أو ثقافاتهم، إقامة سجون سرية لا تخضع لأية معايير قانونية في بلدان متعددة تمارس فيها انتزاع الاعترافات، احتجاز الأبرياء بتهم مختلقة وعدم توجيه اتهامات لهم أو تقديمهم لأي نوع من المحاكمات، اغتيال من تشتبه فيهم في أي مكان في العالم أو اعتقالهم، قصد الناس إلى ديارهم واحتلال بلدانهم بتهمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل التي يشهد التاريخ أنهم هم أول من استخدمها وما زالوا يستخدمون أنواعا منها في حروبهم، الحصول من الأمم المتحدة على ضمانات لجنودهم المحتلين لبلاد المسلمين من التعرض للمحاكمة بتهمة مجرم حرب، احتكار القوة ومنع أية دولة من محاولة امتلاك القوة النووية واستعداء الأمم المتحدة عليها، رغم تصريحاتهم بإمكان لجوئهم هم إلى الأسلحة النووية لضرب أعدائهم، والقائمة طويلة جدا، ورغم كل ذلك فإنها تدعي أنها راعية حقوق الإنسان في العالم، والمدافعة عن حرياتهم واختياراتهم إلى درجة شن الحروب وإراقة دماء عشرات الآلاف من الأبرياء بهذه المسوغات الزائفة، لكن ماذا يقدمون من مسوغات لكل تلك الأعمال والتصرفات الهمجية إنهم يقولون :إننا نحارب الإرهاب، وهم في الحقيقة صناعه والمتعاملون به على أوسع نطاق ممكن، فهم يقومون بمحاربة إرهاب متوهم أو مكذوب بإرهاب حقيقي ناجز، تسفك فيه الدماء وتستباح به الأعراض وتنهب به الأموال، وتستعبد به الشعوب، وفي محاولة تطويق آثار كل هذه التصرفات تحاول أمريكا في سبيل تحسين صورتها في أعين العالم أن تدعي أن ما انتشر عن التعذيب لم يكن إلا مسلكا معزولا سلكه بعض الجنود، ولا يمثل سياسة عامة أو وجه أمريكا الحضاري ، ولعل هذا ما دعا أغلبية مجلس الشيوخ باقتراح صيغة قرار تدعو إلى النص صراحة على منع التعذيب في كل صوره وأشكاله، ليعرض على مجلس النواب لإقراره، لكن الغريب في الأمر أن الإدارة التي تزعم أن التعذيب ليس نهجا عاما لها،لم تبد ارتياحا لهذا الاقتراح، وبينت أنه في حالة موافقة مجلس النواب عليه، فإنها سوف تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع هذا القانون، وبذلك يتبين أن التعذيب سياسة ومنهج، وليس خطأ فرد أو مجموعة، إنه يمثل سياسة دولة بوجهها الحضاري الزائف، مما يشهد أن قيمهم لا تمنع من التعذيب، إن دعوة أمريكا إلى الحرية وحقوق الإنسان والإصلاح ليس إلا مفردات لفظية لسياسة النفاق التي ظلت تمارسها آمادا بعيدة، حقا إن ممارساتهم منسجمة مع قيمهم.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد الشريف
  • مقالات في الشريعة
  • السياسة الشرعية
  • كتب وبحوث
  • قضايا عامة
  • الصفحة الرئيسية