صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من صور حفظ الله لعباده الصالحين

 محمد بن عبدالله الشمراني

 
إن صور حفظ الله تعالى لعباده الصالحين كثيرة وكثيرة جداً ولكننا نذكر شيئاَ منها على سبيل الاختصار وبما يدفع هذه شبهة أن الحفظ خاص بالأنبياء والمرسلين أو بالزمن المتقدم، ونبين إن شاء الله أن الحفظ عام في كل زمان ومكان وشامل لكل عباد الله الصالحين فلا يشترط لذلك إلا شرطاً واحداً فقط وهو أن يكون العبد وقافاً عند حدود الله, حافظاً لله بفعل الطاعات واجتناب السيئات على الوجه الذي يرضاه الله تبارك وتعالى ومن صدق الله صدقه الله.

نماذج من حفظ الله تعالى لعباده الصالحين بمثل ما حفظ به أنبيائه ورسله:
النموذج الأول: إبراهيم عليه السلام :
لقد حفظ الله سبحانه وتعالى إبراهيم الخليل عليه السلام بصورة من أوضح صور الحفظ حينما أوقد له (النمرود بن كنعان) تلك النار الهائلة وقذفه فيها وهو موثق بالأربطة ووقع فيها فلم تصبه بأذى لان النار خلق من خلق الله تعالى ولا تحرق إلا بإرادته فقال سبحانه وتعالى :(يا نار كوني برداً وسلاما على إبراهيم ) فكانت برداً وسلاماً وخرج منها يمشي على رجليه ، لم تأكل له ثوباً ولا شعراً فضلاً عن لحمه وعظمه.
وهذه الصورة العظيمة من صور الحفظ وإن كانت في كتاب الله سبحانه وتعالى إلا أن البعض قد يقول هذا خليل الرحمن عليه السلام فلا غرو في ذلك ولا غرابة ولكن هيهات هيهات أن يكون مثل ذلك لأحد من الناس غيره !!

أبو مسلم الخولاني:

ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن أبطل هذه الشبهة بأن جعل مثل ذلك لأحد الصالحين ليس بنبي ولا صحابي وإنما هو رجل صالح من أهل اليمن يقال له ((أبو مسلم الخولاني)) كان في زمن الكذاب الأسود العنسي الذي أخذ يلزم الناس إلزاما بأن يشهدوا بأنه نبي من عند الله ، ومن لا يفعل جزاءه القتل ، وكان ((أبو مسلم الخولاني)) ممن وقع تحت هذا الامتحان الصعب فاستدعاه الكذاب وقال له :أتشهد أن لا إله إلا الله ؟قال: نعم ، قال: أتشهد أن محمد رسول الله ؟ قال: نعم ،قال: أتشهد أني رسول من عند الله ؟!! قال: ما أسمع شيئاً فردها علية وهو يقول ما أسمع شيئاً فغضب غضباً شديدً فجمعا الناس وقال :أيها الناس إن كان هذا على الحق فسينجيه الحق وان كان على الباطل فسترون ماذا يفعل الله به ثم أمر بنار عظيمة فأوقدت ثم ربّط أبو مسلم الخولاني بالأربطة فأرادوا أن يقذفوه في النار فلم يستطيعوا أن يقتربوا منها من هولها وحرها فجعلوه على المنجنيق ثم قذف به عن بعد فوقع في النار ثم خرج منها يمشي على رجليه وما أصابته بأذى فقال له الكذاب :اخرج من اليمن إلى ارض الله شيت فخرج إلى مدينة رسول الله  ثم دخل يصلي صلاة لم يُرى أحسن منها فأخذ الناس
يتحدثون عن رجل في المسجد يصلي صلاة عجيبة فسمع عمر بذلك واتى ليرى من هذا الذي يتحدث الناس عنه فوجده يصلي فلما خرج من الصلاة فقال له من الرجل فقال من أهل اليمن فقال ما خبر صاحبنا الذي أراد الكذاب أن يُحرّقه قال : ذاك "عبدالله بن ثوب" فقال أسألك بالله اهو أنت فقال نعم فقبّل عمر بين عينيه وأخذه إلى أبي بكر وأجلسه بينهم وقال الحمد لله الذي لم يُمتني حتى أراني مثل خليله إبراهيم . فدلّ ذلك على أن الحفظ ليس خاص بالأنبياء والرسل، بل كل من حفظ الله حفظه الله كائن من كان .

النموذج الثاني: يوسف عليه السلام :

وقد حفظ الله يوسف عليه السلام من أخطر الفتن ، وهي فتنة زوجة الملك زوجة العزيز ((ملك مصر )) فصرف الله عنه كيدها لماذا ؟
قال تعال (( كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا الصالحين ))
وحتى لا يقال : هذا خاص بيوسف عليه السلام فإليك ما يدل على ذلك .

أولاً: فتى المدينة الصالح

ذكر ابن القيم في روضة المحبين عن حصين بن عبدا لرحمن قال بلغني أن فتاً من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب وكان يتفقده إذا غاب ، فعشقته امرأة من أهل المدينة ، فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت أنا أحتال لك لإدخاله عليك فقعدت له في الطريق فلما مر بها قالت له إني امرأة كبيرة في السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها فلو دخلت تحلبها لي ، وكانوا ارغب شي في الخير فدخل فلم يرى شاة ،فقالت : اجلس حتى آتيك بها فإذا المرأة قد طلعت عليه فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه فراودته على نفسها فأبى وقال: اتقى الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلفت إلى قوله فلما أبى عليها صاحت عليه فجاءوا فقالت :إن هذا دخل علي يريدني عن نفسي ، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه فلما صلى عمر الغداة وبينما هو على ذلك إذ جيء به في وثاقه فلما رآه عمر قال (( اللهم لا تخلف ظني فيه )) فقال مالكم؟ قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه فقال عمر : أصدقني ، قال:يا أمير المؤمنين كان من الأمر كذا وكذا ،قال عمر : أتعرف العجوز؟ فقال نعم إن رأيتها عرفتها فأرسل عمر إلى نساء جارته وعجائزهن فجيء بهنّ فلما مرت هذه العجوز قال: هذه هي يا أمير ألمؤمنين فرفع عمر عليها الدرة وقال: اصدقيني ، فقالت له القصة كما قال له الفتى ، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف عليه السلام . روضه المحبين ص 459

ثانياً : أبو بكر المسكي

ذكر ابن الجوزي في كتاب "المواعظ والمجالس" قال: قيل لأبي بكر المسكي إنا نشم رائحة المسك مع الدوام فما سببه فقال: والله لي سنين عديدة لم أمس المسك، ولكن سبب ذلك أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني الأبواب وراودتني عن نفسي فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل فقلت لها: إن لي حاجة في الطهارة ، فأمرت بجارية لها تمضي بي إلى بيت الراحة"مكان قضاء الحاجة" ففعلت فلما دخلت بيت الراحة أخذت العذرة وألقيتها على جميع جسدي ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت إلى بيتي واغتسلت فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائل يقول لي :فعلت مالم يفعله احد غيرك لأطيبن ريحك في الدنيا والآخرة فأصبحت والمسك يفوح مني واستمرت تلك الرائحة لا تنقطع وبقيت حتى مات.
المواعظ والمجالس ص 224
الجزاء من جنس العمل 128/2

ثالثاً :عبيد ابن عمير

ذكر أبو الفرج وغيره أن امرأة جميله كانت بمكة وكان لها زوج فنضرت ذات يوم إلى وجهها في المرأة فقالت لزوجها :أترى احد يرى هذا الوجه ولا يفتتن به قال: نعم قالت من قال عبيد ابن عمير قالت: إذن لي فيه فلأفتنه قال: قد أذنت لكي فاتته كالمستفتية فخلى معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجهها مثل فلقة القمر فقال لها: يا أمت الله استتري فقالت:إني قد فُتنت بك فقال: إني سائلك عن شيء إذا صدقتيني نظرت في أمرك قالت: والله لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، قال: أرئيتِ لو أن ملك الموت أتاكِ الساعة ليقبض روحكِ أكان يسرك أن اقضي لك هذه الحاجة؟!، قالت :اللهم لا قال:صدقتي، قال:فلو دخلتي قبرك وجلستي للمسائلة أيسرك أني قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا ، فقال صدقتي قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بيسارك أكان يسرك أن قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا ،فقال صدقتي، قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أو يثقل أكان يسرك أني قضين حاجتك؟! فقالت: اللهم لا ، فقال صدقتي قال: فلو وقفتي بين يدي الله للمسائلة أكان يسرك أن قضيتها لك ؟! فقالت اللهم لا ،فقال: صدقتي، ثم قال اتقي الله يا أمة الله فقد انعم الله عليك وأحسن إليك، قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعتي فقالت :أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد ابن عمير افسد علي امرأتي كانت في كل لليله عروساً فصيرها راهبة . روضة المحبين ص 245

ونكتفي بهذين النموذجين لدفع شبهة أن الحفظ لا يكون إلا للأنبياء والمرسلين أو الصحابة والتابعين ونحوهم .

نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه ويكلأنا برعايته ويرزقنا مراقبته وخشيته في السر والعلن والحمد لله رب العالمين

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد الشمراني
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية