صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عشر صور مشرقة من حياة شباب الصحابة

 محمد بن عبدالله الشمراني


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فهذه بعض الصور المشرقة لشباب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تبين كيف كان النبي  صلى الله عليه وسلم  وصحابته الكرام رضي الله عنهم ينظرون إلى الشباب وكيف كانوا يتعاملون معهم ؟!! مما اخرج للأمة في ذلك الزمان شباب ضربوا أروع الصور المشرقة التي تأخذ بالعقول وتبهر الألباب..فلعله يكون في عرض هذه النماذج الرائعة سبيلاً إلى الخروج من الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم ،وسبباً لنا ولشبابنا في التأسي والاقتداء بذالك الجيل الذي لن يتكرر.

 :: الصورة الأولى ::

هذا غلام من شباب الصحابة"رضي الله عنهم وأرضاهم" لا يتجاوز عمره عشر سنين عندما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم  وجاءه الوحي بادر فكان أول من اسلم ودخل في الإسلام إنه علي ابن أبي طالب  رضي الله عنه  كما قال كثير من العلماء وفي هذا دليل واضح على رجحان عقله وعلو همته وسمو نفسه وهو في هذه السن !! فلم يستصغر نفسه ويقول من أنا حتى أتقدم على كبار قومي في هذا الأمر الجلل !! فبمجرد أنه عرف الحق وتبين له الباطل الذي يعيش عليه مجتمعه شهد شهادة الحق ولم يقل كيف أخالف أهلي وقومي وعشيرتي !! وتأمل كيف أنه في هذا السن لم يكن يشغله اللعب واللهو والضياع بل رأى في نفسه أنه جدير كل الجدارة أن يكون فخراً لكل شباب الإسلام في كل زمان ومكان بأن يكون أول من دخل في دين الإسلام وهو غلام لا يتجاوز عمره العشر سنين . فلله دره ما أعلا همته وما اسما هدفه
قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: "واختلفوا في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته مع اتفاقهم على أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بعضهم: أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قول جابر وبه قال مجاهد وابن إسحاق أسلم وهو ابن عشر سنين. وقال بعضهم: أول من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي. وقال بعضهم: أول من أسلم زيد بن حارثة وهو قول الزهري وعروة وابن الزبير، وكان إسحاق بن إبراهيم الخنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن العبيد زيد بن حارثة.
أنظر /عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة 1/119

 :: الصورة الثانية ::

وهذا حبّ النبي  صلى الله عليه وسلم  ((أسامة بن زيد))  رضي الله عنه  كما في صحيح مسلم وغيره ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش وعمرة 18 سنة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم  فجعله أبو بكر الصديق  رضي الله عنه  قائداً للجيش كذلك فاستمر وغزى الروم وانتصر فلله العجب شاب في هذه السن يقود جيش ويقاتل الروم وينتصر إن العجب لا ينتهي وكيف لا ؟! فقد تعجب بعض الصحابة"رضي الله عنهم" حتى طلبوا من الرسول  صلى الله عليه وسلم أن يولي من هو اكبر منة سناً فغضب النبي  صلى الله عليه وسلم  وخطب الناس وقال: " ما بال أقوام يقدحون في أن وليت أسامة على الجيش وأيم الله أن كان للإمرة لخليق وانه لمن أحب الناس إليّ فاستوصوا به خيراً فانه من خياركم" .. ولذلك سمي بعد ذلك حب النبي  صلى الله عليه وسلم  وفي هذه الصورة المشرقة إشارة واضحة تدل على كيف كان النبي  صلى الله عليه وسلم  ينظر للشباب ويبني فيهم الثقة في أنفسهم..فترفعوا عن سفاسف الأمور وتطلعوا إلى معاليها !!
صحيح مسلم (6418 )- عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم  أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « إِنْ تَطْعَنُوا فِى إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِى إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ. وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَىَّ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ ».

 :: الصورة الثالثة ::

وهذا ابن عباس  رضي الله عنه حبر الأمة كما في صحيح الترمذي بسند صحيح يسمع من النبي  صلى الله عليه وسلم  وصيته المشهورة وهو غلام صغير وكان رديف النبي  صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له "عفير" فقال له النبي  صلى الله عليه وسلم  :(( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف))
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح 2516 وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر صحيح الجامع للألباني حديث رقم : 7957
فأخذت هذه الكلمات من ابن عباس رضي الله عنه  كل مأخذ .. لماذا؟ لسببين
السبب الأول:
أنه شعر أن له قيمة في هذا الوجود وأنه ليس على هامش الحياة ولذلك خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الرفيع الذي يبني في نفس كل من سمعه ووعاه عقيدة راسخة لا تزحزحها الجبال ومحبة عظيمة لله الواحد الأحد تملأ القلوب هيبة وإجلالاً ،فأثمر ذلك أن كان ابن عباس حبر الأمة وعالمها  رضي الله عنه .

السبب الثاني:

أنه رضي الله عنه  صاحب عقل راجح فحينما سمع هذا الكلام العجيب أخذه بمأخذ الجد ووقر في قلبه ولم يأخذه مأخذ الغبي الذي لا يفهم ما يُقال كما هو حال كثير من أطفالنا في هذا الزمان الذين يقابلون الناصح لهم بأنواع من السخرية والضحك والاستهتار .

 :: الصورة الرابعة ::

وهذا عمرو أبن سلمه رضي الله عنه  كما في صحيح البخاري كان عمره ست سنين أو سبع سنين وكان إماماً لقومه يؤمهم في الصلاة لأنه كان أحفظهم للقرآن فلما بلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ]إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً [، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا من عمرو بن سلمه الطفل الذي عمره لا يتجاوز السبع سنين فقدموه ليكون إماماً لهم!
يقول عَمْرِو بْنِ سلمه  رضي الله عنه  : كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا فَقَالَ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ فاشتروا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ ) البخاري حديث رقم 4302 ، والإمام احمد في المسند 33/443 ، ورواه ابن سعد في الطبقات 1/337 ،السنن الكبرى 3/91 ،المستدرك 3/49
فلا أدري هل العجب من أولئك القوم الذين قدّموا هذا الطفل رغم ما كان عندهم من الأنفة والكبر والغطرسة التي عُرف بها العرب قبل الإسلام ولكنهم فعلوا ذلك إذعاناً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم  ونظرة إكبار لهذا الطفل الذي كان أحفظ للقرآن من غيره وفي ذلك إعطاء نموذج رائع في مجال التربية فكم سيكون لهذا الفعل من الأثر العظيم في نفوس الشباب والأطفال الآخرين الذين يرون عمر بن سلمه وهو إماماً لقومه .
أم العجب من هذا الطفل الذي لم يحتقر نفسه ويقل من أنا حتى أكون إماماً لمن هم أكبر مني من الصحابة ، ولم يشتغل بالعبّ المعهود عند الأطفال عادة بل كانت همته بهذه المكانة التي تعجز عن وصفها الكلمات ، فلله درهم من جيل لن يتكرر . ونسأل الله أن يرزقنا محبتهم والتشبه بهم .

تشبهوا بالقوم إن لم تكونوا مثلهم --- إن التشـــــــبه بالكــرام فــــــــــلاح
 

 :: الصورة الخامسة ::
هي لغلامين صغيرين كان لهما في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه  كما في صحيح البخاري قال : بينما أنا في الصف يوم بدر إذ نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال  صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله . البخاري حديث رقم 3141 ، ومسلم 4668
سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه يكون مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون الصورة واضحة جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.وكيف أثمرت تلك التربية الرائعة من مدرسة محمد  صلى الله عليه وسلم على أيدي صحابته الكرام مثل أولئك الأبطال فأخرجت هذه النماذج الرائعة بكل ما تعنيه الكلمة ..

 :: الصورة السادسة ::

خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين، فلما اصطفّ الجيش قام النبي يستعرضه، فهو القائد، فرأى في الجيش صغارا لم يبلغوا الحلم حشروا أنفسهم مع الرجال، يريدون الجهاد في سبيل الله تعالى، يريدون إعلاء كلمة الله، لم يصطفوا للتفحيط أو تبادل الرسائل عبر الجوال، إنما اصطفوا للجهاد وللشهادة، فأشفق عليهم النبي ، أشفق عليهم الرحيم بأمته، فرد من استصغر منهم، وكان فيمن رده عليه الصلاة والسلام رافع بن خديج وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافعا لما قيل: إنه رام يحسن الرماية، فبكى سمرة وقال لزوج أمه: أجاز رسول الله رافعا وردني مع أني أصرعه، فبلغ رسول الله الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان الغالب سمرة، فأجازه عليه الصلاة والسلام. السيرة النبوية عرض ووقائع وتحليل أحداث 3/139
قال الطبري في تاريخه : وفي غزوة أحد لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أحد وعرض أصحابه فرد من استصغر رد سمرة بن جندب وأجاز رافع بن خديج لما قيل أنه رام ( أي يجيد الرمي ) وقي رواية أنه وقف على رؤوس أصابع رجليه يتطاول، فقال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان: يا أبت أجاز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رافع بن خديج وردني وأنا أصرع رافع بن خديج فقال مري بن سنان: يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لرافع وسمرة: تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدها مع المسلمين.
تاريخ الطبري جزء 2 - صفحة 61 ، وتاريخ الأمم والرسل والملوك للطبري كذلك 2/61

 :: الصورة السابعة ::

في غزوة بدر يقول سعد بن أبي وقاص : رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى ـ أي: يختبئ في الجيش ـ، فقلت: ما لك يا أخي؟! قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. يريد الشهادة! ماذا يفعل بعض الأبناء اليوم في هذه السن؟ .
قال سعد : فعرض عمير على رسول الله فرده لصغره، فلما رده بكى فأجازه ، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره .
مستدرك الحاكم 3/150 ح رقم4864 ، وطبقات بن سعد 3/150
طفل صغير تمنى الشهادة في سبيل الله بصدق فنالها بل بكى خوفاً من أن يُِحرم هذه الأمنية العظيمة فما أسماها من أمنية وما أروعها من صورة تعكس لنا بجلاء أي هم كانت تحمله تلك النفوس الطاهرة الزكية .
أما بعض شباب اليوم فأعظم أمانيهم أن يفوز النادي أو المنتخب وليس سراً أن الدموع تذرف وتسكب من أجل ذلك !، نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين.

 :: الصورة الثامنة ::

ونلمس الحرص نفسه عند زيد بن ثابت  رضي الله عنه  فيأتي قومه إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  مفاخرين بما حصّل صاحبهم يحدثنا عن ذلك فيقول: ذهب بي قومي إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقالوا : يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه و سلم وقال يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهود على كتابي قال زيد فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه وأجيب عنه إذا كتب.
رواه البخاري تعليقاً وأحمد (5/186) (21673)

 :: الصورة التاسعة ::

لقد كانت الجنة هي أكبر أماني ذلك الجيل رضي الله عنهم وأرضاهم: (فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَسٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ قَالَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ .
مسند الأمام احمد "12697" ج3ص166
وقال ابن كثير في تفسيره لحديث أحمد: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. اهـ. وأخرجه أيضا ابن عساكر ورجاله رجال الصحيح وسمَّى الرجل سعد بن أبي وقاص

قال الألباني في مقدمة السلسلة الضعيفة( ج1 ص25) : أخرجه عبد اللّه بن المبارك في "الزهد" (241/694)، والروايتان مع الزيادتين له، وعبد الرزاق في " المصنف " (11/287/20559) ،
وعنه أحمد (3/166) والسياق له.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال المنذري، ورواه غيرهم كما في "الترغيب " (4/13).

لاحظ ما لذي دفع بهذا الغلام أن يحتال بهذه الحيلة ؟! إنها الرغبة الصادقة
في أن يعرف ما هو العمل الذي عمله هذا الصحابي الجليل حتى نال هذه البشرى من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لكي يعمل بمثله فيكون من أهل الجنة!! فيا لها من رغبة جليلة وأمنية سامية ، وياله من جيل ٍ تعجز عن وصفه الكلمات وتخجل أمام وصف بطولاته ومعجزاته وأمنياته العبارات! وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول عنهم :{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
(29) سورة الفتح

 :: الصورة العاشرة ::

جلس عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد، يعلمهم، ويربيهم، ويزكيهم، وانطلق شاب صغير مُلئ حكمة وإيماناً، اسمه عمير بن سعد، ودخل على عمه، وهو شيخ كبير في الستين من عمره، ولكن النفاق في قلبه كالجبال، يصلي مع الناس في المسجد، ويصوم ويعتمر، ولكنه مكذب بالرسالة والرسول.
فقال عمير بن سعد: يا عماه، سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام، يخبرنا عن الساعة حتى كأني أراها رأي العين، فقال الجُلاس بن سويد وهو عمه: يا عمير، والله إن كان محمد صادقاً، فنحن شر من الحمير، فانتقع وجه عمير بن سعد، واهتز جسمه، وانتفض كيانه، وقال: يا عم، والله إنك كنت من أحب الناس إلى قلبي، والله لقد أصبحت الآن أبغضهم إلى قلبي جميعاً.
يا عم، أنا بين اثنتين؛ إما أن أخون الله ورسوله، فلا أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بما قلت، وإما أن أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام وليكن ما يكون.
ولكن ما معنى كلمة الجُلاس هذه؟ معناها: الكفر بلا إله إلا الله، وعدم تصديق الرسول والاعتراض عليه.
قال الجُلاس بن سويد: أنت طفلٌ غرٌ لا يصدقك الناس، فقل ما شئت، فذهب عمير، وجلس أمام الرسول، عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، الجُلاس بن سويد، خان الله ورسوله، وهو عمي، وقد تبرأت إلى الله ثم إليك منه. قال الرسول، عليه الصلاة والسلام: وماذا قال؟ قال عمير: قال: لو كان محمد صادقاً، لنحن شر من الحمير!!.
فجمع الرسول عليه الصلاة والسلام الصحابة، واستشارهم في هذا الأمر، فقالوا: يا رسول الله، هذا طفل صغير لا تصدقه، فهو لا يعي ما يقول، والجُلاس بن سويد يصلي معنا، وهو شيخ كبير، وعاقل، فسكت عليه الصلاة والسلام، ولم يصدق هذا الغلام.
وسالت دموع هذا الغلام، وانتفض جسمه، والتفت إلى السماء، حيث القدرة، حيث علم الغيب، توجه إلى الذي يعلم السرّ وأخفى ثم قال: اللهم إن كنت صادقاً فصدقني، وإن كنت – يا رب – كاذباً فكذبني، فوالله ما غادر مجلسه، ولا قام من المسجد، إلا وجبريل ينزل بتصديقه من فوق سبع سماوات، يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا
[التوبة:74].
واستدعى الرسول الجلاس فسأله عن الكلمة، فحلف بالله ما قالها، فقال عليه الصلاة والسلام يقول الله: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم . أما أنت يا جُلاس، فقد كفرت بالله، فاستأنف توبتك، فإن الله تعالى يقول: فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم [التوبة:74]. واستدعى الرسول عليه الصلاة والسلام عمير بن سعد وقال له: ((مرحباً بالذي صدقه ربه من فوق سبع سموات))
ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/463 ، 464) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر. انظر موسعة خطب المنبر (1/1325) من خطبة للدكتور عائض القرني بعنوان مدرسة الأستهزاء .
وختاماً : فإن ما ذكر ليس إلا فيضاً من غيض وإن المتأمل في هذه النماذج الرائعة يخرج بالانطباع الحقيقي والواقعي لذلك الجيل العظيم الذي كان نتيجة حتمية طبيعية لتربية أشرف الخلق وأخلصهم وأتقاهم، وأطهرهم وأنقاهم ،وأفضلهم وأزكاهم ، وأحكمهم وأرجآهم ، وأكرمهم وأسخاهم ، وأجودهم وأنداهم ، وأصلحهم وأخشاهم ،وأطهرهم وأرضاهم ، وأنصحهم وأوفاهم ، وأرأفهم وأحناهم ، وأعرفهم وأهداهم ، وأحسنهم وأبهاهم ،وأودهم وآخاهم ، وأرفعهم وأعلاهم ، وأنبلهم وأسماهم ، وأعزهم وأسناهم ، وأطيبهم وأحلاهم ، واشفقهم وأصفاهم ،وأنزههم وأحياهم ، وأزهدهم وأغناهم ، وأعزهم وأرقاهم ، وأشجعهم وأقواهم .
ليس هذا فحسب بل هو من كل الناس : أجملهم ، وأبرهم ،وأحبهم ،وأودهم ، وأشهمهم ، وأنصحهم ، وأبصرهم ، وأخوفهم ، وأعبدهم ، وأطوعهم ، وأرهبهم ، وأشكرهم ، وأقنعهم ، وأورعهم ، وآثرهم ،وآمنهم ،وأسترهم ،وأسمحهم ، وألينهم ، وأسلمهم ،وأوقرهم ، وأعفهم ، وأغيرهم ، وأفطنهم ، وأعلمهم ، وأفقههم ، وأقسطهم وأصفحهم ، وأعدلهم ، وأرفقهم ، وأعطفهم ، وأرحمهم صلى الله عليه وسلم
كيف لا وقد قال الله تبارك وتعالى فيه : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة
وقال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(159) سورة آل عمران
نسأل الله تعالى أن يملاء قلوبنا بمحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته الطيبين الطاهرين ومحبة صحابته الغر الميامين وتابعيهم وتابعي تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ،، والحمد لله رب العالمين

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد الشمراني
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية