اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/alsaqa/46.htm?print_it=1

حينما يتعاطى الإسلاميون السياسة

طارق حسن السقا


اليوم يدخل عدد ليس بقليل من الجماعات الإسلامية على اختلاف توجهاتها المعترك الرسمي للسياسة المصرية من بوابة مجموعة من الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية , والسؤال الذي يشغل الجميع : هل ستختلف السياسية التي ستمارسها أحزاب الجماعات الإسلامية عن السياسة التي ستمارسها بقية الأحزاب الأخرى؟

دائرة القبيح

والحقيقة أن كلمة " سياسة " عند الكثيرين أوشكت أن تدخل في دائرة القبيح , وإن شئت فقل : في دائرة قبيح القبيح . وذلك لكم التشويه الفعلي الهائل الذي ألم بها.

فأنت إذا نظرت حولك سترى أن هناك من يمارس السياسة من منطلق  أنها " فن السفالة الأنيق " , وهناك من يؤمن بأنها الإتيان بأسوأ الأفعال والأقوال ولكن بالطريقة الأكثر لباقةً , وهناك من يرى بأنها فن الممكن , وفن المناورات الكلامية
 , وهناك من يعتبرها ليست سوى مركب من الكذب والنفاق والخداع واللف والدوران , وشيلني وأشيلك , والضرب تحت الحزام , واللعب من تحت الطاولة ... الخ هذه القناعات التي تعكس مدى النظرة الدونية للكثيرين للسياسة وعالمها .

والسؤال : هل سيمارس الإسلاميون السياسة بتلك المفاهيم السالف ذكرها والتي لم تر أجيال كاملة في قرى ومدن مصر غيرها , ولم تشاهد على ارض الواقع سوى الجوانب المظلمة منها  ؟

السياسة عبادة

إننا نتمنى من أحزاب التيارات الإسلامية التي تخلقت  في مصر عقب ثورة 25 يناير أن يلعبوا دورا في تغيير مفهوم الناس عن تلك النظرة الدونية للسياسة , خاصة وأنهم ارتضوا بالمرجعية الإسلامية منطلقا وسندا لأحزابهم المدنية .

 فإذا كان غيرهم ينظر إلى السياسة هكذا نظرة , فعليهم أن ينظروا إليها على أنها عبادة "
النظر في مصالح الأمة لتقديم أحسن البدائل سواء كانت في السياسة الداخلية أو الخارجية , وممارستها عبر الوسائل المشروعة الفعالة " (1)

أو هي عبادة "
القيام على شأن الرعية ... بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، وما يحتاج إليه ذلك من وضع تنظيمات أو ترتيبات إدارية تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية بجلب المنافع أو الأمور الملائمة، ودفع المضار والشرور أو الأمور المنافية " (2)

الاجتهاد السياسي

إننا ننتظر من أحزاب التيارات الإسلامية أن يجتهدوا في مجال السياسة بمعناها النظيف ليصلوا فيها إلى مرحلة الاجتهاد السياسي , وأن يحرصوا على امتلاك أدوات هذا الاجتهاد ووسائله وآلاته , والياته . والاجتهاد السياسي – كما عرفه العلماء – هو " بذل الجهد والفكر في المعطيات بغرض تحقيق مصالح العباد. فأمور العباد والبلاد تحتاج إلى من يحسن تدبيرها بالنظر إلى الشرع والواقع " (3) , هذان العنصران اللذان يجب ألا ينفصلا أبدا في فقه أصحاب المرجعية الإسلامية , لأنهما إذا انفصلا وقع الخلل لا محالة .

فقه الواقع

ودرجة الاجتهاد السياسي التي نتمنى أن يصل إليها أهل السياسية في أحزاب التيارات الإسلامية تتطلب منهم بذل المزيد من الجهد في التعرف على الشريعة ومقاصدها وأهدافها , وغاياتها , ومراميها , وفي الوقت نفسه إتقان فقه الواقع والتعرف طبيعته , وأحداثه , ومجريات الأمور , وسائل المخالفين , وأساليب الأعداء فيه , ثم معرفة كيفية إنزال أحدهما على الآخر حتى لا يحدث الخلل . فالواقع يقول إننا " قد نجد من يحسن الشرع ولا يحسن التعامل مع الواقع فلا شك أن هذا لا يستطيع تقديم حلول نافعة لمشاكل الناس,كما لا يمكنه قراءة الحال واستنباط الوسائل المشروعة الفعالة لتقديم أحسن الحلول,وقد نجد من يحسن قراءة الواقع ولكنه بعيد عن الشرع فهذا فساده أكثر من صلاحه, وقد نجد من يحسن الأمرين ولكن لا يحسن كيفية تنزيل أحدهما على الأخر, فلا شك أن هذا لا يمكنه الاستفادة من الاثنين لعجزه عن إصدار الأحكام و وإيجاد الحلول " (4) .

الغاية لا تبرر الوسيلة

إننا ننتظر من أحزاب التيارات الإسلامية أن يتحركوا صوب الأهداف والغايات التي سيسعون إلي تحقيقها سواء كانوا في أصغر مجلس محلي في قرية , أو في السياسات الخارجية , أو في الاتفاقات الدولية بوسائل مشروعة طاهرة ممكنة .  فالغاية لا تبرر الوسيلة أبدا . ولنتفق جميعا على أنه إذا ما حرم الشرع وسيلة من الوسائل فلنجزم جميعا بان المصلحة في تركها , والمفسدة في فعلها ,  وإن توهم البعض حصول المصلحة بها .

دفع أعظم الضررين

إننا ننتظر منهم وهم يتحركون في مجتمعاتهم وقراهم ومدنهم وأحيائهم , وعند التخطيط والتنفيذ , وعند اتخاذ القرارات أن يضعوا نصب أعينهم القاعدة الذهبية التي تقول " إذا تساوت المصلحة والمفسدة فان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " . أما إذا تعارضت مفسدتان ( بمعنى ليس هناك خيار إلا بوقوع أحدهما ) فليكن المعمول به في هذه الحالة ما هو متعارف عليه عند أهل العلم ألا وهو : دفع أعظم الضررين .

وفي هذا يقول أهل الاختصاص إن هذا الباب من أبرز أسباب الاختلاف بين أهل الاجتهاد السياسي في هذا الزمان وذلك لاختلاف المجتهدين في تحديد قدر المصلحة والمفسدة. لذلك ننتظر من شباب الحرية والعدالة أن يبذلوا الجهد في السؤال والدراسة والبحث والإطلاع و التشاور والاستعانة بالله أولا وآخرا حتى تتولد لديهم القدرة على تغليب المصالح على المفاسد تبعا للواقع والزمان والمكان الذي يعيشون فيه من أجل صالح البلاد والعباد .

سد الذرائع

إننا ننتظر من أحزاب التيارات الإسلامية وهم يتحركون في مجتمعاتهم , وقراهم , ومدنهم , وأحيائهم عند التخطيط والتنفيذ , وعند اتخاذ القرارات أن يضعوا نصب أعينهم سياسة سد الذرائع والتي تعني باختصار . كما قال ابن القيم رحمه الله : " إذا حرم الرب - تعالى -  شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه وجب منع وسد الطرق المؤدية إلى هذا المحرم " .

الأصل في الأشياء الإباحة

كما ننتظر منهم أن يضعوا نصب أعينهم أن الأصل في الأشياء الإباحة , والأشياء هنا هي كل ما اعتاده الناس في دنياهم , والأصل هنا هو عدم حظر الا ما حظر الله . فلا يضيقوا واسعا . وكما يقول البيانوني : " إن الشيء إذ خلا من الضرر للنفس او للغير فالأصل فيه الإباحة " .

لا تنسوا بهلول المجنون

وأخيرا:  نطالب أحزاب التيارات الإسلامية أن يضعوا نصب أعينهم  نصيحة بهلول المجنون لما دخل على هارون الرشيد فقال له : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قد أقاد لك الناس وجعل أمرك فيهم مطاعا ، وكلمتك فيهم نافذة ، وأمرك فيهم ماضيا ، وما ذلك إلا لتحملهم على الإتيان بما أمر الله ، والانتهاء عما نهى الله ، وتعطي من هذا المال الأرملة واليتيم والشيخ الكبير وابن السبيل . يا أمير المؤمنين أخبرني فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين في صعيد أحضر الملوك وغيرهم، وولاة أمور الناس فيقول لهم لم أمكنكم من بلادي وأطع لكم عبادي لجمع الأموال، وحشد الرجال، بل لتجمعوهم على طاعتي، وتنفذوا فيهم أمري ونهيي، وتعزوا أوليائي، وتذلوا أعدائي وتنصروا المظلومين من الظالمين " .

المرجعية الإسلامية.. لواء

إن هذا بعض - وليس كل - ما ننتظره أحزاب التيارات الإسلامية الذين دخلوا السياسة وهم رافعين لواء المرجعية الإسلامية التي لو أحسنوا تطبيقها وإنزالها على أرض الواقع لسعد بهم الزمان والمكان , وسعدت بهم مصر والمصريين ( كل المصريين ) . كما ننتظر من أهل العلم والاختصاص في تلك الجماعات وغيرهم أن يدلي كل بدلوه في توضيح وتبيان ما في المرجعية الإسلامية من درر وشموع يمكنها أن تضيء ليل أمتنا الطويل , وحتى ننجز سرعة استيعاب أحزاب التيارات الإسلامية  لها قولا وعملا .

بسرعة وعلى أكمل وجه

إننا نتمنى أن يساهم الجميع في سرعة إعداد وتأهيل الكوادر السياسة في أحزاب التيارات الإسلامية في أقصر وقت وعلى أكمل وجه حتى لا يساء بهم صديق ولا يشمت فيهم عدو . وسيظل هذا هو التحدي الكبير الذي يجب نجتازه - أيضا - بسرعة وعلى أكمل وجه .

--------------------------------------
(1), (3) , (4) د . علاء الدين الزاكي - مفهوم الاجتهاد السياسي وضوابطه - التقرير الاستراتيجي الخامس -  مجلة البيان
(2)      محمد بن شاكر الشريف - السياسة الشرعية تعريف وتأصيل - صيد الفوائد .
http://www.saaid.net/Doat/alsharef/6.htm

 

طارق حسن السقا
alsaqa22@hotmail.com

برمبال القديمة في 17/شعبان /1432هـ



 

طارق السقا
  • الفرد المسلم
  • الأسرة المسلمة
  • المجتمع المسلم
  • الحكومة المسلمة
  • أستاذية العالم
  • أعداء الأمة
  • الصفحة الرئيسية