صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من الذي يناديك كل يوم؟

د.محمد بن إبراهيم النعيم -رحمه الله-

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
هناك أشياء من مخلوقات الله تعالى كلفها الله عز وجل أن تناديك وتدعوك إلى الخير كل يوم، ولكنها فوق مستوى سمعك فلا تقوى على سماعها أنت ولا أحد من الثقلين. ولعل سائلا يقول: ما الحكمة أن تنادي هذه الأشياء وتخص بخطابها ابن آدم وهي تعلم أن صوتها لا يبلغ مستوى سمعه؟ أقول لعل الحكمة في ذلك ليعلم الله من يؤمن بالغيب. فطالما أخبرنا الشارع الحكيم بندائها فلا يلزم من سماعها، وإنما يكفي الإيمان بذلك.

أما النداء الأول
فهو يدعونا إلى الصلاة: فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ لِلَّهِ مَلِكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا» رواه الطبراني (حسن لغيره 358).

ولعظم أمر الصلاة عند الله -عز وجل- شرع لها الآذان ليسمع هذا النداء كل إنسان. ومع ذلك فإن كثيرا من الناس يتقاعسون عن الاستجابة لهذا النداء وهو يقول لهم خمس مرات في اليوم حي على الصلاة حي على الفلاح فيأبون السجود لله -عز وجل-، وما علموا أنه سيكون هناك نداء مشابه يوم القيامة حيث قال تعالى {يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}، فمن لم يسجد لله ويخضع له في الدنيا فلن يقوى على السجود في الآخرة.

أما النداء الثاني
فهو يدعوك لمناجاة الله -عز وجل- وسؤاله في آخر الليل حيث روى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلاَّ اسْتَجابَ الله تَعَالَى لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِها أو عشارا " رواه الطبراني.
‌ومعنى عشارا أي الذي يأخذ ضرائب على التجار عند مرورهم.
وروى أبو سعيد وأبو هريرة معا رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ". رواه الإمام أحمد ومسلم. ‌
فإنها لفرصة عظيمة أن نستجيب لهذا النداء طالما أن معظمنا في الإجازة يسهر طوال الليل مع أولاده ولا ينام إلا في الصباح.

أما النداء الثالث:
فهو مناشدة أعضاء الجسم للسان أن يقول خيرا، فقد روى أ بو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا. " رواه الترمذي وابن خزيمة.
‌إن أعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وإن أكثر خطايا بني آدم في لسانه، وهل يَكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ فمن أرخى العنان للسانه سلك به الشيطان كل ميدان وأوقعه في آفات اللسان وهي كثيرة معلومة، ومن حفظ لسانه سائر يومه وألجمه بلجام الشرع فقد أمضى يومه في مرضاة ربه.

أما النداء الرابع:
فيدعوك أخي المسلم إلى عدم الركون إلى الدنيا وشهواتها فتنسيك الآخرة حيث روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا " رواه الإمام أحمد.
فهل نعي قول الله تعالى لنا { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} وقوله عز وجل {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
إن غفلة كثير من الناس عن الآخرة جعلتهم لا يفكرون إلا في متاع الدنيا فألهتهم بمتاعها وزخرفها عما وجب عليهم وجمعوا الحلال والحرام متغافلين عن حساب عسير وكرب ستشيب لها الولدان وعقبة كؤود لا يجوزها إلا المخفون.
أيها الأخ الكريم وهناك نداء خامس: يدعوك إلى استغلال يومك ووقتك في مرضات الله -عز وجل- فقد روي عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل عليك غدا شهيد، فاعمل فيَّ خيرا أشهد لك به غدا، فإني لو مضيت لم ترني أبدا، قال: ويقول الليل مثل ذلك" رواه أبو نعيم في الحلية وفيه ضعف (2/303).
وهناك نداء سادس: يدعوك إلى الصدقة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رواه البخاري ومسلم.
ولقد وعد الله عز وجل لمن فعل ذلك بالأجر العظيم حيث قال {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون }[البقرة 245].
وهناك نداء سابع يدعوك كل يوم لتتذكر الموت والقبر بأنه مصير كل مخلوق فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون (أي يضحكون) قال أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا من ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه، فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا، أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك، قال: فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض" رواه الترمذي (ضعفه الألباني).
أما النداء الثامن والأخير: فهو يدعوك لتختم يومك بذكر الله عز وجل حيث روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرجل إذا أوى إلى فراشه، ابتدره ملك وشيطان، فقال الملك: اللهم اختم بخير، فقال الشيطان اختم بشر. فإن ذكر الله تعالى ثم نام بات الملك يكلؤه" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان وابن السني والنسائي وأبو يعلى (ضعفه الألباني).

إنها نداءات يستحق كل واحد منها وقفة ولكن خشية الإطالة اكتفيت بذكرها، فإن في ذلك لذكرى لأولي الألباب
أيها الإخوة في الله
لقد كلف الله -عز وجل- من مخلوقاته من يحثنا كل يوم وينادينا إلى فعل الخير فعلينا أن نستشعر هذه النداءات كل يوم كأننا نسمعها فإن لم نكن نسمعها بآذاننا فإننا نؤمن بها ونحسها بقلوبنا وهذه هي أول صفات المؤمن في سورة البقرة {الذين يؤمنون بالغيب} .
لقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول كلما أمسى: جاء الليل وذهب النهار وعرض آل فرعون على النار، وإذا أصبح قال ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار مستشعرا قول الله -عز وجل- في فرعون {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.
فهو يؤمن بأن آل فرعون يعذبون في قبورهم فيعرضون على النار كل صباح وكل مساء.
فنحن نستشعر هذه النداءات التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كأننا نسمعها وهي تدعونا إلى مختلف الأعمال الصالحة، فهي تدعونا إلى الصلاة في وقتها، والى قيام شيء من الليل، وتدعونا إلى أن نقول خيرا أو نصمت، والى عدم الركون إلى الدنيا، وإلى استغلال يومنا ووقتنا في مرضات الله -عز وجل-، والى تقديم أي صدقة لله -عز وجل-، والى تذكر الموت والقبر، والى ختام يومنا بآداب النوم وذكر الله -عز وجل-.
فمن فعل ذلك كان ممن عُمِّرَ في طاعة الله عز وجل وكان ظاهر الأرض خير له من باطنها وممن أمضى يومه في مرضاة الله.

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتب للمؤلف :
(1) كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟
(2) كيف ترفع درجتك في الجنة ؟
(3) كيف تحظى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟
(4) كيف تنجو من كرب الصراط ؟
(5) أمنيات الموتى .
(6) كيف تملك قصورا في الجنة ؟
(7) أعمال ثوابها كقيام الليل .
(8) كيف تثقل ميزانك ؟
(9) كيف تفتح أبواب السماء ؟
(10) كيف تجعل الخلق يدعون لك ؟
(11) كيف تنجو من عذاب القبر؟
(12) ذنوب قولية وفعلية تكفرها الصدقة.
(13) أعمال أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم .
(14) كيف تسابق إلى الخيرات؟

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.محمد النعيم
  • مقالات
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية