صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم 

قال تعالى في سورة البقرة:
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{275} يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ{276}


لما حث الله تعالى على الصدقات وواعد عليها بعظيم الأجر ومضاعفة الثواب، ذكر المرابين الذين يضاعفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يسدُّون طرق البر.


{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا
} الربا في اللغة هو الزيادة، والمعنى: يأخذونه ويتصرفون فيه بالأكل في بطونهم، وبغير الأكل، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال .. والأكل في الحقيقة ابتلاع الطعام، ثم أطلق على الانتفاع بالشيء وأخذه بحرص، وأصله تمثيل، ثم صار حقيقة عرفية فقالوا: «أكل مال الناس» قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء:10]

قال الطبري: فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الرِّبا في تجارته ولم يأكله، أيستحقّ هذا الوعيدَ من الله؟

قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكلُ، إلا أنّ الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت، كانت طُعمتهم ومأكلُهم من الربا، فذكرهم بصفتهم، معظّمًا بذلك عليهم أمرَ الرّبا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم وفي قوله جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279]، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأنّ التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الرّبا، وأنّ سواءً العملُ به وأكلُه وأخذُه وإعطاؤُه، كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله: (لعن الله آكلَ الرّبا، وُمؤْكِلَه، وكاتبَه، وشاهدَيْه إذا علموا به). أهـ

وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ.

وقال الشوكاني: اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله، بل هو عام لكل من يعامل بالربا، فيأخذه، ويعطيه، وإنما خص الآكل؛ لزيادة التشنيع على فاعله، ولكونه هو الغرض الأهمّ، فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل.

روى البخاري عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا) قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا .. فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا) .. (وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا)


والربا في اصطلاح الشرع على قسمين: ربا الفضل وربا النِّسَاءِ أو النسيئة.


فأما ربا الفضل فهو التفاضل بين الطعامين أو النقدين في المبادلة من الجنس الواحد، فإن اختلفت الأجناس فلا حرج.

وأما ربا النساء فهو بيع الطعامين أو النقدين بعضهما ببعض بالتأخير، وهذا حرام ولو اختلفت الأجناس.

ومن صوره أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له: «أخر وزد» فتؤخره أجلا وتزيد في رأس المال قدراً معيناً، وكان هذا هو المشهور في ربا الجاهلية، والظاهر أنهم كانوا يأخذون الربا على المدين من وقت إسلافه، وكلما طلب النظرة أعطى ربا آخر، وكان العباس بن عبد المطلب مشتهرا بالمراباة في الجاهلية، وجاء في خطبة حجة الوداع: (ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي عباس بن عبد المطلب)

والعمل به اليوم في البنوك الربوبة فيسلفون المرء مبلغاً إلى أجل ويزيدون قدراً آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل.


{لاَ يَقُومُونَ}
من قبورهم يوم القيامة {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ} يضربه الشيطان ضرباً غير منتظم عشوائيا {مِنَ الْمَسِّ} الجنون أو الصرع، وأصله من المس باليد، كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه، فيقومون من قبورهم في البعث يوم القيامة كالمجانين، علامة يعرفون بها يوم القيامة، كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم.

وقد أثر في حديث الإسراء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أكلة الربا، كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم، وذكر حالهم أنهم إذا قاموا تميل بهم بطونهم فيصرعون، وفي طريق أنه رأى بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم.

القول الثاني: إنهم لا يقومون عند التعامل بالربا إلا كما يقوم المصروع؛ لأنهم -والعياذ بالله- لشدة شغفهم بالربا كأنما يتصرفون تصرف المتخبط الذي لا يشعر؛ لأنهم سكارى بمحبة الربا، وسكارى بما يربحونه وهم الخاسرون؛ فيكون القيام هنا في الدنيا؛ شبَّه تصرفاتهم العشوائية الجنونية المبنية على الربا العظيم الذي يتضخم المال من أجل الربا بالإنسان المصروع الذي لا يعرف كيف يتصرف؛ وهذا قول كثير من المتأخرين؛ وقالوا: إن يوم القيامة هنا ليس له ذكر؛ ولكن الله شبَّه حالهم حين طلبهم الربا بحال المصروع من سوء التصرف؛ وكلما كان الإنسان أشد فقراً كانوا له أشد ظلماً؛ فيكثرون عليه الظلم لفقره؛ بينما حاله تقتضي الرأفة والتخفيف؛ لكن هؤلاء ظلمة ليس همهم إلا أكل أموال الناس.


{ذَلِكَ}
أي أصابهم ذلك الخزي والعذاب والجنون بسبب {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} كابروا فألحقوا الربا بالبيع؛ وعكسوا التشبيه، فقالوا: إنما البيع مثل الربا، ولم يقولوا: «إنما الربا مثل البيع».. مبالغة أهل الباطل في ترويج باطلهم؛ لأنهم جعلوا المقيس هو المقيس عليه .. فعلى زعمهم: الربا الزيادة في نهاية الأجل، والبيع في أوله.

ورد تعالى عليهم فقال: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وفي هذه الآية دلالة على أن القياس في مقابلة النص لا يصح، إذ جعل الدليل في إبطال قولهم هو: أن الله أحل البيع وحرم الربا.

فهو إعراض عن مجادلتهم إذ لا جدوى فيها لأنهم قالوا ذلك كفرا ونفاقا، فليسوا ممن تشملهم أحكام الإسلام. وهو إقناع للمسلمين بأن ما قاله الكفار هو شبهة محضة وأن الله العليم قد حرم هذا وأباح ذاك، وما ذلك إلا لحكمة وفروق معتبرة لو تدبرها أهل التدبر لأدركوا الفرق بين البيع والربا،
وليس في هذا الجواب كشف للشبهة فهو مما وكله الله تعلى لمعرفة أهل العلم من المؤمنين.

قال أهل العلم: قياسهم فاسد، لأن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلوا وترخص وقد تفسد، وتعاطي الربا يمنع الناس من اقتحام مشاق الاشتغال في الاكتساب، لأنه إذا تعود صاحب المال أخذ الربا خف عنه اكتساب المعيشة، فإذا فشا في الناس أفضى إلى انقطاع منافع الخلق لأن مصلحة العالم لا تنتظم إلا بالتجارة والصناعة والعمارة. كما أن الربا يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس بالقرض الحسن، لأن فيه نوعا من الاستغلال.

ثم اختلف علماء الإسلام في أن لفظ الربا في الآية باق على معناه المعروف في اللغة، أو هو منقول إلى معنى جديد في اصطلاح الشرع.

فذهب ابن عباس وابن عمر ومعاوية إلى أنه باق معناه المعروف وهو ربا الجاهلية، أعني الزيادة لأجل التأخير، وتمسك ابن عباس بحديث أسامة: (إنما الربا في النسيئة) ولم يأخذ بما ورد في إثبات ربا الفضل بدون نسيئة، فروى مسلم عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُول: "الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى" فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ).

ومراد النبي -صلى الله عليه وسلم- بجواز الفضل ومنع النسيئة، إنما هو في جنسين مختلفين، بدليل الروايات الصحيحة المصرحة بأن ذلك هو محل جواز التفاضل، وأنه في الجنس الواحد ممنوع.

ويدل له رواية عن أبي المنهال، قال: "سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق دينا"، رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري ومسلم بمعناه. وفي لفظ مسلم عن بيع الورق بالذهب دينا، فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر.

وأما جمهور العلماء فذهبوا إلى أن الربا منقول في عرف الشرع إلى معنى جديد كما دلت عليه أحاديث كثيرة، وإلى هذا نحا عمر بن الخطاب وعائشة وأبو سعيد الخدري وعبادة بن الصامت، بل رأى عمر أن لفظ الربا نقل إلى معنى جديد ولم يبين جميع المراد منه فكأنه عنده مما يشبه المجمل، فقد حكى عنه ابن رشد في المقدمات أنه قال: "كان من آخر ما أنزل الله على رسوله آية الربا فتوفي رسول الله ولم يفسرها، وإنكم تزعمون أنا نعلم أبواب الربا، ولأن أكون أعلمه أحب إلي من أن يكون لي مثل مصر وكورها" قال ابن رشد: ولم يرد عمر بذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفسر آية الربا، وإنما أراد -والله أعلم- أنه لم يعم وجوه الربا بالنص عليها. وقال ابن العربي: بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنى الربا في ستة وخمسين حديثا.

وقال ابن عاشور: والوجه عندي أن ليس مراد عمر أن لفظ الربا مجمل لأنه قابله بالبيان وبالتفسير، بل أراد أن تحقيق حكمه في صور البيوع الكثيرة لم يعمه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتنصيص.

والذي حمل الجمهور على اعتبار لفظ الربا مستعملا في معنى جديد أحاديث وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل دلت على تفسير الربا بما هو أعم من ربا الجاهلية المعروف عندهم قبل الإسلام، وأصولها ستة أحاديث:


1/ الحديث الأول: روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ).

2/ الثاني حديث رواه النسائي أَنَّ عُبَادَةَ بن الصامت قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا لَا أَدْرِي مَا هِيَ أَلَا إِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَإِنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدٍ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا وَلَا تَصْلُحُ النَّسِيئَةُ)، فسماه في هذين الحديثين ربا.

3/ الثالث رواه البخاري من حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا قَالَ بِلَالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ) فسمى التفاضل ربا.

4/ الرابع حديث "الموطأ" و "البخاري" من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا).

 5/ الخامس رواه البخاري من حديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ" فظاهره أن تحريم التجارة في الخمر كان عملا بآية النهي عن الربا، وليس في تجارة الخمر معنى من معاني الربا المعروف عندهم وإنما هو بيع فاسد.

6/ السادس حديث الدارقطني -ورواه ابن وهب عن مالك- أن الْعَالِيَةِ بِنْتِ أَيْفَعَ وفدت إلى المدينة من الكوفة، فلقيت عائشة فأخبرتها أنها باعت من زيد بن أرقم في الكوفة جارية بِثَمَانِمِائَةِ درهما إلى العطاء [أي نسيئة]، ثم إن زيدا باع الجارية فاشترتها العالية منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة: " بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَمَا اشْتَرَيْتِ"، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب"، قالت فقلت لها:"أرأيت إن لم آخذ منه إلا رأس مالي" قالت: "{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} فجعلته عائشة من الربا ولذلك تلت الآية.


{فَمَن جَاءهُ}
والمجيء بمعنى العلم والبلاغ، أي من علم هذا الوعيد {مَوْعِظَةٌ} أمر أو نهي {مِّن رَّبِّهِ} في ذكر الرب تأنيس لقبول الموعظة. إذ الرب فيه إشعار بإصلاح عبده، {فَانتَهَىَ} فانتهى تبع النهي، ورجع عن المعاملة بالربا، أو عن كل محرم من الاكتساب {فَلَهُ مَا سَلَفَ} ليس عليه أن يرد الأموال التي سبقت توبته {وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ} وهو بمعنى التأنيس له وبسط أمله في الخير.

وقيل: يعود على ذي الربا، أي: في أن يثبته على الانتهاء، أو يعيده إلى المعصية.

والمعنى: وأمرُه بعد ذلك إلى الله إن شاء ثبته على التوبة فنجاه، وإن شاء خذله لسوء عمله، وفساد نيّته فأهلكه وأرداه وهذا معنى قوله تعالى
{وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي عاد إلى استحلال الربا، فآكل الربا لا يكفر إلا إذا استحله، فإن كثيرا منهم قد شق عليهم ترك التعامل بالربا، فعلم الله منهم ذلك وجعل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم، فالخلود على حقيقته.

وقال البعض: والخلود طول المكث، وتمسك بظاهر هذه الآية ونحوها الخوارج القائلون بتكفير مرتكب الكبيرة كما تمسكوا بنظائرها. وغفلوا عن تغليظ وعيد الله تعالى في وقت نزول القرآن، إذ الناس يومئذ قريب عهدهم بكفر. ولا بد من الجمع بين أدلة الكتاب والسنة.


{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا}
استئناف لبيان سوء عاقبة الربا في الدنيا بعد أن بينت عاقبته في الآخرة {يَمْحَقُ} المحق: الإزالة، أي يذهبه شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه شيء كمحاق القمر آخر الشهر، وعن ابن مسعود: "الربا وإن كثر، فعاقبته إلى قل"

وممكن تكون إزالة معنوية بعدم البركة فيه


{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}
يبارك في المالك ألذي أخرجت منه، والإرباء حقيقة هو أنه يزيدها وينميها في الدنيا بالبركة، وكثرة الأرباح في المال الذي خرجت منه الصدقة.

وقيل: الزيادة معنوية، وهي تضاعف الحسنات والأجور الحاصلة بالصدقة، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث.

فقد رُوِيَ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (ما نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدقة) (وأنه يُربي الصدقةَ حتى تكونَ مثلَ الجبل) قال يحيى بن معاذ: "ما أعرفُ حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبَّةَ من الصدقة".


{وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
} شديد الكفر، يكفر بكل حق وعدل وخير {أَثِيمٍ} منغمس في الذنوب لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكابها.

فيه تغليط أمر الربا، وإيذان أنه من فعل الكفار لا من فعل أهل الإسلام، وأتى بصيغة المبالغة في الكافر والآثم، وإن كان تعالى لا يحب الكافر، تنبيهاً على عظم أمر الربا ومخالفة الله.

وفيه أيضا إثبات المحبة لله عز وجل، لأن نفي المحبة عن الموصوف بالكفر والإثم يدل على إثباتها لمن لم يتصف بذلك- أي لمن كان مؤمناً مطيعاً؛ ولولا ذلك لكان نفي المحبة عن «الكفار الأثيم» لغواً من القول لا فائدة منه؛ ولهذا استدل الشافعي -رحمه الله- بقوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] على أن الأبرار يرون الله عز وجل؛ لأنه لما حجب الفجار عن رؤيته في حال الغضب دل على ثبوتها للأبرار في حال الرضا؛ وهذا استدلال خفي جيد

والمحبة الثابتة لله عز وجل هي محبة حقيقية تليق بجلاله، وعظمته؛ وليست -كما قال أهل التعطيل- إرادة الثواب، أو الثواب؛ لأن إرادة الثواب ناشئة عن المحبة؛ وليست هي المحبة؛ وهذه القاعدة -أعني إجراء النصوص على ظاهرها في باب صفات الله- اتفق عليها علماء السلف، وأهل السنة والجماعة؛ لأن ما يتحدث الله به عن نفسه أمور غيبية يجب علينا الاقتصار فيها على ما ورد.
 

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية