اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/alnaggar/254.htm?print_it=1

رصد الحدقة (9)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أحداث تموج بالعالم، نظريات تسقط وأخرى تولد، وهذا يقيم التاريخ وذاك يفلسف الأحداث، تجد الحكمة أحيانا والتهور أحايين أخرى.. ومن بين هذا الحراك الضخم تبرز تحليلات راقية وأفكار جوهرية آثرت أن أجمعها في عقد فريد، حباته أشبه بمحطات نحتاج أن نقف عندها كثيرا لنستقي منها العبرة ويتولد عندها الهدف .. إنه العالم الغريب الذي أتعب البشر وأتعبوه معهم، فهل من معتبر، وهل من مستفيد.

• من رحم التاريخ … كيف سقطت فلسطين في أيدي اليهود

في 14 مايو 1948 أعلن اليهود قيام دولتهم على أرض فلسطين، وبعدها تحركت الجيوش العربية باتجاه فلسطين لتحريرها، فكانت الهزيمة نتيجة حتمية لواقع الأمة العربية
إن خطة انسحاب الجيش الأردني من اللد والرملة التي نفذها جلوب باشا الإنجليزي قائد الجيوش وقتها هي التي مكنت العدو اليهودي من اغتصابها وتحقيق انتصاراته التي لم يكن يحلم بها، مكنته من فتح طريق له عبر العقبة إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي وأفريقيا وآسيا، وهي التي مكنته من الوقوف على الضفة الشرقية لقناة السويس والتي أدت إلى نزع سلاح سيناء تمهيدا لابتلاعها
إن ما نشرته جريدة " آخر لحظة " بتاريخ 29 مارس 1950 ومجلة " روز اليوسف " في عدد رقم 138 بتاريخ 4 أبريل 1950 يؤكد أن أوروبا التي تساند اليهود، تعتمد في ذلك على أدوار تؤديها الأنظمة العربية، ولهذا فهي التي تساند هذه الأنظمة لمنعها من السقوط، وهذا هو الذي دفع بريطانيا إلى الاتصال عن طريق وزيرها " بيفن " بالمسئولين في الدول العربية لمنع اتخاذ قرار بفصل إمارة شرق الأردن [ بقيادة الملك عبد الله بن الحسين ] من جامعة الدول العربية، ونفس الشيء فعلته أمريكا عبر سفيرها في مصر، وقد كان أثر هذا التدخل تجاهل الجامعة العربية لكل ما أثير عن علاقة الملك عبد الله بن الحسين باليهود، وقد نشرت مجلة آخر ساعة مقالا بتاريخ 5 أبريل 1950: " أن الجامعة العربية بموقفها من الملك عبد الله أثبتت أنها جامعة حكومات لا جامعة شعوب، وإلا لانضمت لصوت الشعوب ونزلت على مشيئتها "
جامعة لم يكد يقرع سمعها صوت النذير من أمريكا وبريطانيا حتى تراجعت أمام لندن وواشنطن … التي تحتضن اليهود لأنها هي التي خلقت دولتهم في الأرض المحتلة، وهي تحتضن اليوم عبد الله بن الحسين بعد أن مد جلالته يده الكريمة لليهود وهي كذلك هذه الأيام تحتضن كل من يمد يده إلى اليهود
ولكن ما عذر الملك عبد الله الذي قبلته الحكومات العربية … ضعف الاقتصاديات وهزال الإمكانيات وسوء الأحوال المالية … هذه وتلك هي التي حملت عمان على اقتراف ما اقترفت، وهذه وتلك هي التي دفعتها على الارتماء في أحضان اليهود
نفس الكلمات ترددت تبرر جريمة النظام المصري حينما وقع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 " لقد شخصوا الحكاية على أنها نزول على حكم الظروف … وقد تموت غدا.. وقد تموت بعد شهر أو بعد عام، ولن يعدم أطباء الجامعة العربية يومئذ سببا رحيما في تشخيص الداء، سوف يقولون إنها نكسة، ويطلبون منا أن ندعو للمريض بالشفاء "
[الطريق إلى بيت المقدس، د. جمال عبد الهادي مسعود، دار التوزيع والنشر الإسلامية ص 318 – 319، بتصرف يسير]

• هؤلاء هم الحكام

قال ابن الأثير متحدثاً عن صلاح الدين الأيوبي: " وكان - رحمه الله - حليماً حسنَ الأخلاق، متواضعاً، صبوراً على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يُعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالساً وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضاً بسرموز فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه ليتغافل عنها. وطلب مرة الماء فلم يحضر، وعاود الطلب في مجلس واحد خمس مرات فلم يحضر، فقال: يا أصحابنا والله لقد قتلني العطش، فأحضر الماء فشربه ولم ينكر التواني في إحضاره

• وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ

لله في حياة الأمم والشعوب سنن تتحقق بتحقق أسبابها، ومن هذه السنن ما يبينه قوله تعالى {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأنعام129
يقول الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة:
وَكَمَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ مِمَّا وَصَفْته لَكُمْ مِنْ اِسْتِمْتَاع بَعْضهمْ بِبَعْضٍ أَجْعَل بَعْض الظَّالِمِينَ أَوْلِيَاء بَعْض، ثُمَّ يَتَبَرَّأ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض غَدًا. وَمَعْنَى " نُوَلِّي " عَلَى هَذَا نَجْعَله وَلِيًّا. قَالَ اِبْن زَيْد: نُسَلِّط ظَلَمَة الْجِنّ عَلَى ظَلَمَة الْإِنْس. وَعَنْهُ أَيْضًا: نُسَلِّط بَعْض الظَّلَمَة عَلَى بَعْض فَيُهْلِكهُ وَيُذِلّهُ. وَهَذَا تَهْدِيد لِلظَّالِمِ إِنْ لَمْ يَمْتَنِع مِنْ ظُلْمه سَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِ ظَالِمًا آخَر. وَيَدْخُل فِي الْآيَة جَمِيع مَنْ يَظْلِم نَفْسه أَوْ يَظْلِم الرَّعِيَّة، أَوْ التَّاجِر يَظْلِم النَّاس فِي تِجَارَته أَوْ السَّارِق وَغَيْرهمْ. وَقَالَ فُضَيْل بْن عِيَاض: إِذَا رَأَيْت ظَالِمًا يَنْتَقِم مِنْ ظَالِم فَقِفْ، وَانْظُرْ فِيهِ مُتَعَجِّبًا. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: إِذَا رَضِيَ اللَّه عَنْ قَوْم وَلَّى أَمْرهمْ خِيَارهمْ، وَإِذَا سَخِطَ اللَّه عَلَى قَوْم وَلَّى أَمْرهمْ شِرَارهمْ. وَفِي الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِ ). وَقِيلَ: الْمَعْنَى نَكَّلَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض فِيمَا يَخْتَارُونَهُ مِنْ الْكُفْر، كَمَا نَكَّلَهُمْ غَدًا إِلَى رُؤَسَائِهِمْ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَخْلِيصهمْ مِنْ الْعَذَاب أَيْ كَمَا نَفْعَل بِهِمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة كَذَلِكَ نَفْعَل بِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [ النِّسَاء: 115 ]: نَكِلهُ إِلَى مَا وُكِّلَ إِلَيْهِ نَفْسه. قَالَ اِبْن عَبَّاس: تَفْسِيرهَا هُوَ أَنَّ اللَّه إِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ شَرًّا وَلَّى أَمْرهمْ شِرَارهمْ. يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشُّورَى: 30].
 

جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com



 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية