صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أمير حريملاء لقرابة نصف قرن
و مستشار الإمامين
تركي بن عبدالله و فيصل بن تركي:
الأمير حــمــد المبارك

محمد بن حسن المبارك


هو حمد بن مبارك بن عبدالرحمن بن حسن بن عبدالرحمن بن عبدلله بن حسن بن راشــد آل حمد الرباعي البشري العنزي رحمه الله تعالى ، أحد أفراد دهره شجاعة وعقلا وحزما .

تولَّى أمارة حريملاء ســنة 1234هـ ، فابتدأ ببناء سورٍ على البلدة يجمع السكان القاطنين داخل أسوار البلدة السابقة و خارجها ، و يضمُّ مساحةً من المزارع توفِّر للسكان الغذاء في فترات إحكام الحصار على المدينة ، وذلك بعد أن اشتدَّ الهجوم الخارجي على حريملاء [1]
و يسمَّى سور حمد المبارك "بسور الجماعة" ، و يبلغ محيطه 1550 متراً ، و تبلغ مساحة حوزته 155688 متراً مربعاً ، و يحيط بسور العقدة ، و يتوسط حوز حامي "أبي ريشة " ، و قد ارتبط ببناء سور الجماعة نشوء حيين جديدين داخل السور الجديد هما حي " الشهواني " في شمال البلدة و غصيبة في جنوبها ، و ذلك في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ) [2]
(ويبلغ ارتفاع السور سبعة أمتار ، وتتخلله ثلاث عشرة مربعة ، وكان يوجد به خمسة مداخل رئيسية هي : دروازة غصيبة ، ودروازة الحسيان ، ودروازة المقيبرة ، ودروازة البريـج ، ودروازة الغواص، وقد هُدِم هذا السور على مراحل كان آخرها ما قامت به بلدية حريملاء سنة 1387هـ ولم يبق منه إلا أطلال متناثرة هنا وهناك وعدد من الأبراج كمربعة أم تييس ) .[3]
وقد استطاع حمد المبارك رحمه الله خلال تلك الفترة تجنيب بلدته الكثير من الصراعات التي انتشرت في نجد خلال فترة الاضطراب السياسي التي تَلَت سقوط الدولة السعودية الأولى ، و قبيل قيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله .

في عهد الإمام تركي بن عبدالله :


ـ في عام 1239هـ ، و ضمن جهود الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سـعود ـ رحمه الله تعالى في جهاده المبارك لإعادة تكوين و توطيد أركان الدولة السعودية ، والتي انقضت فترتُها الأولى بسقوط الدرعية، سـارَ الإمام تركي ـ رحمه الله ـ من المجمعـة قاصداً حريملاء ، فخرجَ إليه رئيس البلد حمد بن مبارك الراشد وكان رجلا عاقلا ـ ، وبايعَـه على دينِ الله ورسوله والسمعِ والطاعة وصالحــَهُ على نخيلِ الراشد وما كان بأيديهم و ولايةِ بلده ، وذلك ليلة عيد النحر [4] ، ووفَى له الإمام تركي رحمه الله بذلك .

وهذا نصًّ المُصَالحـــَة:

بسم الله الرحمن الرحيم

من تركي بن عبدالله إلى حمد آل مبارك ورفاقـه، سلامٌ عليكم و رحمةُ الله وبركاته ، وبعدُ فأنا معطيكم وجـهي وأمــان الله على أموالكم وديرتكم ، كذلك مـا أحـدث عبدالله من ركـزٍ في نخـيلكم فـأنا مُمضـيه لك يا حـمــد تبع لحــلالك والســلام
حُـرِّر في 6ذي القعدة 1339هـ .[5]



ــ وفي رمضان من سنة 1240هـ استنفر الإمام تركي بن عبدالله رعاياه من أهل الوشم وسدير والمحمل والعارض الأفلاج والفرع وغيرهم وسارَ بالجميع وقصد ناحية الخرج ونازل أهل بلد نعجان واستولى عليه ، وظهر عليه رئيس بلد الدلم زقم بن زامل بدولته من أهل بلده ، وحصل بينهم مناوشة قتال فانهزم زقم إلى بلده وقتل عليهم عـدة رجـال ، ثم رحل تركي ونزل على البلد وحاصر أهلها أشد الحصار ، ثم طلبوا الصلح فأرسل تركي إليهم حمد بن مبارك بن راشد رئيس بلد حريملاء ، ودخل على زقم فانفصل بينهم الصلح أنَّهم يخرجون من قصرهم على رقابهم ويأخذ تركي ما بأيديهم من الحلقة وغيرها ، واستولى تركي على البلد كلها وأخذ جميع ما كان لزقم من خيل وسلاح وأظهر زقم إلى الرياض .[6]

في عهد الإمام فيصل بن تركي :


ـ لمَّـا رجعَ الإمام فيصل بن تركي رحمه الله من مصر عام 1259هـ كانت حريملاء محطةً لاجتماع قواته و مبايعيه لاسترداد ملك آبائه ، فقدِمَ بلدَ حريملاء وأقام بها أياماً، و اجتمع به أخـوه و ابن عمه و أتباعهم ، و قدم عليه أمراء سدير و رؤساء العربان من السهول و العجمان و سبيع و غيرهم ، و كَـتبَ إلى ابن ثنيَّان يدعوه إلى المصالحة ، فأبى إلاَّ الحـرب ، فرحَـل الإمام فيصل من بلد حُريملاء ورحـل معـهُ أميرُها حمد بن مبارك والشيخ محمد بن مقرن ) [7]، ومعهم جموع ٌ من أهل سدير والعُربان وغيرهم ، وقصدَ منفوحة ، وحاصروا ابن ثنيان نحـواً من عشرين يوماً ، وتمَّ الأمـرُ للإمام فيصل رحمه الله ، وهكذا ساهمت حريملاء في إعادة الحكم السعودي إلى نجد بعد أن قضى عليه الأتراك [8]

ـ وفي نفس العام قدِم الإمام فيصل بن تركي حريملاء ، فأقام بها أياما وقدم عليه فيها أمراء سدير و رؤساء العربان واجتمع به أخوه وابن عمه وأتباعهم وكاتب ابن ثنيان في الرياض يدعوه للطاعة فأبى ، فرحل فيصل من بلد حريملاء ورحل معه أميرها حمد بن مبارك وقصد ابن ثنيان وحاصره ، وخرج ابن ثنيان بالليل من القصر فوافاه رجال فيصل فأمسكوه وأتوا به فيصلا فحبسه، ونزل فيصل القصر وبايعه المسلمون واستقامت له الأمور وزالت الشرورُ [9] .

ـ واستأنفت حريملاء دورها الطليعي في ترسيخ الأمن والاستقرار في نجد والأخذ على يد الخارجين عن الطاعة وقطاع الطرق ، ومن ذلك أن حريملاء كانت ملتقى الجيوش التأديبية التي تعقبت جيوش فلاح بن حثلين في سنة 1261 هـ [10] .

ـ وفي صيفِ عامِ 1278هـ زار وليم جيفورد بلغريف[11] حريملاء[12]وقابلَ حمدَ المبارك ، و أُعجِب بِه أيَّما إعجاب ، مع أن بلغريف قد عُرف عنه نبرة التعالي الزائدة ، لا سِيَّما عند الكتابة عن المجتمعات العربية و الشرقية عموماً ، فقال عن حمد المبارك :
( ويحكم حريملاء "بطاح" [13]( حمد المبارك ) ، ينتمي إلى عـائلة عـريقة من أهل المدينة غيورٌ على دعوة الإمام ابن عبدالوهاب ، ولم يكن قاصراً من حيث التعليم السائد في منطقته ومجتمعه ، وقد كرَّس حياته لمؤازرة البيت السعودي ، وقد استقبلنا بالترحيب الشديد، وبادر بدعوتنا إلى منزله بداخل القلعة .
وبعد أن أُجـريت لنا حفلة استقبال في القهوة فضَّل الجميع بعد دقائق البقاء في الهواء الطلق ، لأنَّ طقس الليلة كانَ حــارَّا ، وقد صعدنا إلى سطح فسيح بالدور الثاني حيث فُرش لنا السجاد وصُفت المساند ، بدرجٍ حجرية مضاءة بنورٍ خافت ، وأرى أنها بنيت على هذا الطراز لتكون مصيدةً لكسر رقاب من يتسلق هذه الدرج ليلاً للغدر بسكانه ، ويوجد بهذا الدور درج يوصل إلى الدور الثالث ، ومن على الجدار الذي أسندنا عليه ظهورنا المتعبة يمكن الإشراف على السوق المركزي ( سوق المسحب ) ، وقد كان مضيفنا وكيلاً للأمير عبدالله الفيصل ( ولي عهد الإمام فيصل بن تركي في ذلك الوقت ) وصديقا خاصا له ، وقد رافق الإمام عبدالله الفيصل في أكثر من ثلاثين غزوة ، وتكشف معظم القصص التي سردها شجاعته الفائقــة ) [14] .

ـ ثم قال بلجريف بعد صفحات من كتابه : ( استمرَّ اجتماعنا المسائي إلى فترة متأخرة من الليل تحت سماء ساطعة النجوم ، انسحب بعدها النائب ومعه أتباعه و خدمه طلباً للراحة ، في حين بقينا نحن مع أبي عيسى ( الدليل القادم مع بلجريف ) نصغي إلى حكايات "بطاح" ، ونقتاده من حكاية إلى أخرى ، و أضاف "بطاح" ـ شأنه شأن معظم النجديين ـ إلى صفاء اللغـة النحوي صفاءً فطرياً آخـر يتمثل في اختيار الكلمات ،و يضطر بركات ( مرافق بلجريف) هنا ــ مثلما كان يفعل في أغلب الأحيان طوال رحلتنا ـــ إلى أن يعترف بأنَّ اللهجة التي يتكلمها الناس في زلفة واللهجة التي يتكلمها الناس في دمشق ــ بِما في ذلك اللغة السائدة بين أفضل المتعلمين و أصحاب اللغة الطنانة ـــ لا تستحق أن نطلق عليها اسم اللغة العربية إذا ما قارناهما باللغة التي يتكلمها الناس في نجد ، و في صبيحة اليوم التالي استأنفنا مسيرنا و معنا رجال "بطاح" الذين كـلَّفهم بمرافقتنا إلى آخر حدود منطقته ) [15]

عقِـبُه :


رُزق حمد المبارك عدة أبناء ، منهم : عبدالله و ناصر و فيصل و علي و سعد الذين تولوا أمارة حريملاء بعد والدهم حسب الترتيب المذكور رحم الله الجميع >

آثـــاره :


من آثار حمد المبارك رحمَهُ اللهُ ـ في حريملاء ـ :
1ـ مسجد حمد المبارك الذي عرِف فيما بعد باسم "مسجد ابن غُدَيِّر" .
2ـ ومقبرةُ (مُشْرِفة ) التي تبرَّعَ بهـا من أملاكه.
3ـ وسورُ حـمـد المبارك المعروف ( بـسور الجـماعة) .
4ـ و حي غصيبة و الذي كان قبل يسمَّى "فيد عبدالرحمن" نسبةً إلى جـدِّه عبدالرحمن بن حسن الراشد رحمهما الله ، فمنحَـهُ حمد المبارك لمن آلت دورهم خارج "سورالجماعة " الذي أقامه رحمه الله لحماية البلد .

وفـاتـُه:

وفي عام 1279هـ تُـوفي حــمـدُ المبارك ـ أمير حريملاء و جــد آل مبارك آل راشد ســاكنتها ـ بعد عمرٍ حـافـلٍ بالبطولات ومـنازلةِ الصـعـابِ والمـهـمـاتِ رحـِمَـه الله. [16]

-------------------
[1] مدينة حريملاء ــ الح بن ناصر الطعيس ــ جـ1 ـ صـ31
[2]أمارة حريملاء دراسة جغرافية ميدانية" ـ إعداد قسم الجغرافيا بجامعة الإمام محمد بن سعود . جـ2 / صـ 31 .
[3] حريملاء بين الماضي المجيد والحاضر المشرق ) محمد بن علي الشدي ص22
[4]انظر عنوان المجد جــ2 ص 21-22
[5] صـورة من مخطوطة المصــالحة ، من محفوظات آل مبارك .
و انظرها في " بواكير الوثائق و العهود بخطوط الأئمة من آل سعود " "الوثيقة الثانية" ـ جمع الباحث الفاضل راشد بن محمد آل عساكر ..
[6]عنوان المجـد جـ2 ص 24 .
[7] ابن بشر ــ جـ2 ــ 132 ـ 134 باختصار .
[8] مدينة حريملاء ــ صالح بن ناصر الطعيس ــ جـ1 ـ صـ 50.
[9] عنوان المجد جــ2 ص 132-133-134 باختصار طبعة وزارة المعارف
[10] مدينة حريملاء ــ صالح بن ناصر الطعيس ــ جـ1 ـ صـ 50.
[11] القس وليم جيفورد بلجريف رحالة أوربي انجليزي النشأة زار جزيرة العرب 1862-1863م وبدأ رحلته من معان الأردنية في 16/يونيومن سنة1862م ، وكان يجوب بلاد العرب في زي طبيب سوري مسلم وتسمى ب..( سليم أبو محمود العيسى) ، تضمنت دراسته كثيرا من المعلومات القيمة عن سكان نجد وجبل شمر ، قابل الإمام عبدالله بن فيصل , وطلال بن رشيد ,وطبعت رحلته عام 1865م باسم ( مذكرات رحلة سنة في وسط الجزيرة العربية وشرقها ) ، وكان في رفقته تابعه ( تلميذه) اليوناني بركات (جريجوري) الذي تقلبت به الحال فيما بعد حتى تربع على عرش البابوية الكاثو ليكية في أوربا باسم البابا (غريغوريوس)، توفي بلجريف في مونتيفيديو سنة 1888م .
AYEAR S JOURNEY THROUGH CENTERAL AND EASTERN ARABIA ) BY WILLIAM GIFFORD PALAGRAVE.)
و انظر ( الحركة الوهابية في القرن التاسع عشر الميلادي ) - لي ديفيد كوبر - ترجمة د . عبدالله الوليعي ص 44، والرحالة الغربيون في الجزيرة العربية - روبن بدول ص 67-76 .
والجـدير بالذكر أن رحـلة بلجـريف هذه أحدثت صدىً واسـعاً بين المستشرقين ، فممن أنكر رحـلة بلجريف منهم بادجر و السير سانت جون فلبي وجاكلين بيرين وغيرهم ، وأكَّـدهـا آخـرون ، والذي يظهر أنَّ أسلوب بلجريف النرجـسي ومبالغـاته الأدبيَّـة وعدم التزام الدقـة العِـلميَّة ، كل هذا مع ما عُـرف عنه من تقَـلُّبات سـياسيَّة ومذهبية أجـلبت عليه أقلام بعـض زملائه اليسـوعيين ، وانظر ( مسائل من تاريخ الجزيرة العـربيَّة ) ، لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري صـ 196 .
[12] حريملاء للشدي ص21
[13] بطاح هو لقبٌ مشهور لحمد المبارك ، لقِّب به حمدٌ لِشدَّةِ حزمِه و صرامته ، و محافظته على أمن و استقرار بلدته حريملاء .
[14] ُسـقتُُ النص حسب ترجمة صالح بن ناصر الطعيس في ( مدينة حريملاء) جـ 1 ــ صـ 51 ـــ 52 ، وانظر ( مذكرات رحلة سنة في وسط الجزيرة العربية وشرقها ) وليم جيفورد بلجريف ص 363 ، والـقلعة التي ذكر بلغريف هي قصر حريملاء المشـهور الذي كان على جانب كبير من القـوة والمنعـة وإحكام البناء ، وكانت له سَـبعة مداخل ومسـجد متصل به يطـل على السـاحة الخارجية ، وبداخـله ثلاثة بسـاتين هي: ( العِـليا والمُدَينة وأم طليح ) هي بمثابة المخزون الغـذائي للقصر ، وقد أقيمت جدران القصر كلها من طبقتين مـتوازيتين من الطين (المغَـيَّـل) بينهما طبقة رمـلية للحماية من الرصاص ، وتـُطيف بالقصر والسـاحة بيوتٌ من آل راشد ، وقد استغرقت عملية إزالة أنقاضه سـبعة أشهـر ، وقد وصفها بلجريف بأنها أعظم بناء شاهده في نجـد ، ونسـب بناءها إلى ابراهيم باشا ، و قد هدمت أجزاءٌ من القصر لتقادمه عام 1321هـ ، واستُكمل هدمه عام 1324هـ كما في ( مدينة حريملاء) للطعيس جـ1 ــ صـ 65 .
[15] ( وسط الجزيرة العربية و شرقها: 1862ــ 1863م ) وليم جيفورد بلجريف ــ ترجمة صبري محمد حسن .
ـ طبع المجلس الأعلى للثقافة بمصر ــ جـ1 صـ 437 .
[16] وقد ترجمتُ لحمد المبارك بتوسع في كتابي المخطوط :"بـُغية الناشد في تراجم علماء وأعيان آل راشد" ، يسَّر الله إتمامه و إخراجه


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد آل مبارك
  • مقالات
  • تحقيقات ومؤلفات
  • فرق ومذاهب
  • تراجم
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية