اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/almubark/17.htm?print_it=1

حتى العقول المجوسية أعيتها العقيدة الرافضية

محمد بن حسن المبارك


لمَّا قهر المسلمون الفرس المجوس و حطموا معابد النيران و محوا مظاهر الشرك في ارض فارس ، ظلت جمرة المجوسية الوثنية تتقد في قلوب بعض المجوس فكانوا يحنون الى مجوسيتهم و نيرانهم ، فأدَّاهم ذلك إلى ان تستَّروا على مجوسيتهم بما عرِف باسم الشعوبية ، و احياناً باسم "الزندقة" .
ومن اشهر من اتهموا بذلك البرامكة المشهورون في التاريخ العباسي بوزاراتهم المتعددة و المتصلة ، و التي سماها المؤرخون ـ تجوُّزاً ـ بدولة البرامكة .

ـ إلاَّ أن تلك العقيدة كانت تظهر أحياناً على ألسنة بعض شعراء الشعوبية ، كما في اشعار بشار بن برد الفارسي الشعوبي .
قال الجاحظ:
"كان بشارٌ يدين بالرجعة، ويكفر جميع الأمم، ويصوب رأي إبليس عليه اللعنة في تقديم عنصر النار على الطين، وذكر ذلك في شعره فقال ـ من البسيط ـ :
الأرضُ مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ ... والنارُ معبودةٌ مذ كانتِ النارُ".

ـ و يُروى أبضاً عن بعض كبراء الشعوبية ـ اوالمتهمين بها ـ أنه كان اذا رأى النار تمثل بهذين البيتين
يادار عاتكة التي أتعزل........حذر العدا و القلب فيك موكَّل
إني لأمنحكِ الصدود و إنني.......قسماً اليك مع الصدود لأميل

ـ و كذلك فضَّل بشار بن برد الفارسي الشعوبي ـ في قصيدة اخرى ـ إبليس على آدم في قوله:
إبليس خير من أبيكم آدم ......فتنبهوا يا معشر الأشرار
إبليس من نار وآدم طينة.....والأرض لا تسموا سمو النار

وكان بهاء الدين الأميري ـ رحمه الله ـ يلقي محاضرة بعنوان : (مقام الإنسان في الإسلام ) فسألهُ شاب ماركسي ـ يريد إحراجه ـ : ما رأيك في قول بشار بن برد "البيتين السابقين ".
فأجابه الأميري على الفور :
إبليس مـن نـار وآدم طينــة ... والنار لا تسمو سمو الطين
فالنار تفنى ذاتها ومحيطهـا .. والـطـين للإنبات والتـكـوين

ـ إلاَّ أنه حتى تلك الشعوبية الفارسية المجوسية كانت تضيق ذرعاً بحماقات الرافضة التي لا يمكن ان يقبلَها عقل ، او يُصحَّح بها نقل ، و لعل هذه القصة عن بشار الشعوبي توضِّح هذا المعنى من أن دين الرفض الرفض ليستعصي على أي عقل ، حتى على تلك العقول التي اتخذت النار رباً و الوثنية مذهبا .

ـ فقد كان بشار جالساً في دار الخليفة المهدي العباسي والناس ينتظرون الإذن للدخول عليه، فقال أحد موالي المهدي لمن حضر: (‏ ‏ ما تفسيركم لقول الله عزَّ وجلَّ {وأوحى ربُّك إلى النحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر}؟ ‏ .
فقال بشار: النحل التي يعرفها الناس.‏
‏ قال: هيهات! النحل بنو هاشم. وقوله تعالى: {يَخْرُجُ من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانُه فيه شفاء للناس} يعني العِلْم.‏ ‏
فقال له بشار: ‏ ‏ جعل الله طعامك وشرابك وشفاءك ممَّا يخرج من بطون بني هاشم!‏ .

ـ وقال هلال الرافضي لبشار وكان صديقاً له يمازحه: إن الله عز وجل لم يذهب بصر أحد إلا عوضه منه شيئاً، فما الذي عوضك؟ قال: الطويل العريض، قال: وما هو؟ قال: لا أراك ولا أمثالك من الثقلاء.
ثم قال له: يا هلال أتطيعني في نصيحة أخصك بها؟ قال: نعم، قال: إنك كنت تسرق الحمير زماناً ثم تبت وصرت رافضياً فعد إلى سرقة الحمير فهي والله خير من الرفض.

ـ و الشيء بالشيء يُذكر ، فإن مهيار بن مرزويه الديلمي الشاعر المشهور كان مجوسيا فأسلم على يد الشريف الرضي وهو أستاذه في الأدب والنظم والتشيع حتى صار من كبار الشعراء الروافض فكان يتعرض لأصحاب رسول الله ، فقال له أبو القاسم بن برهان النحوي :
" يا أبا الحسن كنت مجوسيا ، فصرت رافضياً تسب أصحاب رسول الله ، فما صنعتً سوى ان انتقلت بإسلامك ـ في جهنم ـ من زاوية إلى زاوية " .


 

محمد آل مبارك
  • مقالات
  • تحقيقات ومؤلفات
  • فرق ومذاهب
  • تراجم
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية