صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بروتوكولات الفريسيين داخل الديانة النصرانية

محمد بن حسن المبارك

 
ظهور النصرانية :


{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }. سورة آل عمران - آية 64

النصرانية هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية، وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، .
فأرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام داعياً إلى التوحيد والفضيلة والتسامح.

فالمسيح عليه السلام هو رسولٌ كريم مِن أولي العزم من الرسل ، أرسل إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له .

قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ...} المائدة – الآيات ( 116 ـ 117) .

ـ و قد رفع الله المسيح عليه السلام من بين أيدي اليهود إلى السماء كما هو مصرح به في القرآن :
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾}سورة النساء.

ـ وكذلك ً صرَّح الإنجيل :
( فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه أسفل . أما هو فجاز في وسطهم ومضى) لوقا 4: 29-30.
و كذلك أيضا ورد في الانجيل:
( مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أيادِيهم يحملونك ) (متى 4 : 6 ، و (لوقا 4: 10 -11 ).

ـ ولكن النصرانية لقيت مقاومة واضطهاداً شديدين، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية، وجرَّاء ذلك مرت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة، و امتدت إليه أيدي اليهود بالتحريف و التبديل .

اليهود الفريسيون و تحريف النصرانيه:

بعدما رُفِع المسيح عليه السلام ، اشتد إيذاء اليهود الفريسيين " الربانيين" للنصارى ، وللحواريين بوجه خاص ، و استعانوا على ذلك بالدولة الرومانية التي كانت تسيطر آنذاك على غالبية الشام و مصر ، وكان من أكبر المحرضين على الحواريين و تلامذتهم شيطان من شياطين الإنس يقال له : "شاول" الطرسوسي اليهودي الفريسي المولود لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) في العام الرابع للميلاد تقريبا و"تلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه "عمالائيل".
و كان شاول على علم كبير و دراية بمختلف الثقافات والمدارس الفلسفية والحضارات في عصره ، و كان معادياً للنصرانية بشكل رهيب جداً ، و كان فبل دخوله في النصرانية بشكلٍ مفاجئ يتولى مسؤولية تعذيب النصارى الأوائل ؛ فيحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد شاول للكنيسة فيقول :
( َأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْن ) .
و على الرغم من أن شاؤول كان من معاصري المسيح عليه السلام ، ألا أنهما لم يلتقيا أبدا .
و من مظاهر التعذيب الذي و قع على الحواريين و تلامذتهم ـ على يد شاول و جلاوته ـ آنذاك :
1ـ قتل يعقوب بن زيدي أخو يوحنا الصياد ، و الذي كان أول من قتل من الحواريين .
2ـ وسجن بطرس .
3ـ و تعذيب سائر التلاميذ .
ـ وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه السلام ، حتى كاد الحواريون و تلامذتهم أن يفنَوا .

الضعف يولَّد القوة :

و لكن في الحقيقة إن صبر الحواريين الموحَّدين و شدة تضحيتهم كان يقابل بكثير من الإكبار و الإعجاب الأممي ، لا سيما في الشارع الاسرائيلي ، مما خشي منه الفريسيون أن يؤدِّيَ إلى دخول اليهود كلهم في النصرانية ، لا سيما و أن الفريسيين " الربانيون" كانوا ممقوتين جدا من كافة الشعب الاسرائيلي .

ـ و لذلك رأى الفريسيون الذين كانوا يسيطرون ـ بشكل منفرد ـ على الوضع الديني و كذلك السياسي اليهوديين ـ بما عُرِف عنهم من مكرٍ و خبثٍ يهوديين ـ تغيير خطة مواجهة النصرانية ، و ذلك بالتسلل إلى النصرانية نقسها و فصلها عن الدين اليهودي و عن العهد القديم ، و توجيهها إلى شعوب أخرى غير الشعب الاسرائيلي اليهودي .


بروتوكولات الفريسيين داخل النصرانية :

1ـ رأى الفريسيون أن خير طريقة للتخلص من النصرانية هو التسلل إليها عبر تظاهر بعض الفريسيين النشطاء والمتمكنين من الثقافات و الفلسفات و المذاهب الفكرية المختلفة باعتناق النصرانية ، و لم يكن هناك أنسب من عدو النصرانية اللدود و جلاد النصارى شاول الطرسوسي .
2ـ يعمل الفريسيون بعد تسللهم إلى الديانة النصرانية إلى فصلها عن الديانة اليهودية و التوراة " العهد القديم " ، و ذلك لضمان عدم تأثيرهم على الشعب الاسرائيلي .
3ـ يقوم الفريسيون ببث الفكر الوثني ، و طمس الحنيفية ، و نزع التوحيد من النصرانية ، و ذلك من خلال بثهم لمختلف الثقافات و الفلسفات الوثنية و التي كان شاول يتقنها جيدا ، لإبعاد النصارى عن رسالة السماء و وسائل و أسباب النصر ، و حرمانهم من الخلاص رالأبدي .
4ـ استعان شاول بالثقافة و الاساطير الاغريقية في تقرير طبيعتي المسيح الإلهية و البشرية ـ التي زعمهما ـ ، و كذلك في فكرة الأقانيم التي نقلها إلى المسيحية ، فمن المعلوم أن الفلسفة اليونانية لا سيما الافلاطونية منها تمهد للوثنية بتبريرات جاهزة للميثولوجيا الاغريقية حيث تضع وسيطا بين الإله المتعالي الواحد المنزه التنزيه الكامل، وبين الكون والإنسان• حيث ينادي أفلاطون "بضرورة التمييز بين الإله المتعالي، وبين الإله الصانع الذي يرجع إليه صنع العالم وتدبيره " ، وقد انتشرت هذه الفكرة بعده واتخذت صيغا مختلفة لدى التيارات التي يجمعها اسم ''الأفلاطونية المحدثة'' .
5ـ كما استعان بالثقافة الهندوسية في التمهيد لبذر عقيدة التثليث.

قصة التثليث :

في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وصل الغزاة الآريون إلى الهند مارِّين في طريقهم بالفرس "الإيرانيين"، ممَّا أثَّر كثيرا في معتقدات الغزاة الآريين ، و حين استقر الآريون في الهند حصل تمازج بين خليط تلك المعتقدات الوثنية مما ولَّد الهندوسية كدين ذي معتقدات بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص وكان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية .
•و منذ أن وصل الآريون شكلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن ، إذ تنصُّ قوانين "منو" الهندوسية على الترتيب الطبقي التالي :

1ـ البراهمية : وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه : منهم المعلم والكاهن ، والقاضي ، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة ، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم .
2ـ الكاشتر : وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه : يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع .
3ـ الويش : وهم الذين خلقهم الإله من فخذه : يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال ، وينفقون على المعاهد الدينية
. و في القرنين التاسع و الثامن قبل الميلاد و عندما وضع الكهنة ـ الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهياً ـ مذهب البرهمية وقالوا بعبادة براهما أدخل الكهنة عقيدة التثليث في الهندوسية عن طريق جمع الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه بـ:
1ـ براهما : من حيث هو موجود
2ـ فشنو : من حيث هو حافظ
3ـ سيفا : من حيث هو مهلك

ـ فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها ، و هكذا وجد التثليث عند الهندوس ، لينتقل بعدها إلى النصرانية بمجهودات شاؤول اليهودي غير المشكورة .
و هناك نصٌّ قاطع في القرآن الكريم بشير إلى انتقال عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل إلى النصارى من ثقافات سابقة على اليهود و النصارى في قوله تعالى:
{وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون } سورة التوبة - سورة 9 - آية 30 .

بينما عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل ـ تعالى الله عما يصفون ـ هي المرحلة الأولية للتثليث ، فإنه إذا وجد الأب و الابن وجدت الأم كضرورة عقلية.

من هو بولس الرسول :

ـ كان شاول الطرطوسي متخصصاً بإذاقة أتباع المسيح سوء العذاب ، إلاَّ أنه عاد بعد ذلك ليعلن إيمانه بالمسيح ـ بشكل مفاجئ ـ بعد زعمه رؤيته للمسيح أثناء عودة شاول من دمشق ، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه ، آمرا له بنشر تعاليمه بين الأمم .
فيذكر سفر الأعمال تنصر شاول المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال ، و لا تمهيدات مهدت لذلك ، غير زعمه أنَّه قد رأى المسيح - بعد رفعه بسنوات - .
حيث يذكر أنه بينما كان ذاهباً إلى دمشق ـ في مهمة لرؤساء الكهنة ـ إذ تجلى له المسيح من بين جميع أفراد القافلة التي كان يسير معها ، و زعم َ شاول أن المسيح منحه حينئذ منصب الرسالة.

ـ والعجيب أن بولس الرسول ـ الذي تنتسب المسيحية المحرفة إلى رسائله و أسفاره ـ لم يكن إلاَّ ذلك اليهودي الفريسي المسمَّى "شاول" ، و الذي تسمَّى فيما بعد ببولس ، ولقِّب "بولس الرسول".

ـ و أثرُ بولس في النصرانية ظاهر بل إن النصرانية المحرفة تكاد أن تكون مسيحية بولس التي طغت على النصرانية الموحِّدة التي نادى بها المسيح وتلاميذه من بعده.

ـ و يُعتبر بولس أشهر كَتَبة العهد الجديد ، وأهم الإنجيليين على الإطلاق ، فمن بين السبعة و عشرين سفرا من كتاب العهد الجديد قد ألف منهم أربعة عشر ، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية المحرفة و كذلك التصريح بالثالوث المقدس عندهم ، بل أن هناك من ينسب إلى بولس كلٍ من من انجيلي مرقس و لوقا و كذلك سفر أعمال الرسل، ، و هذا جعل الكثيرين من المؤرخين يجزمون أنه مؤسس المسيحية و واضع عقائدها.

ـ وكان مما ادَّعى بولس أن المسيح عليه السلام قاله له :
(وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِين) (16).

ـ و بعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية كما يقص في رسالته الى أهل غلاطية :

(وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً ) .

ـ عندما عاد إلى دمشق حاول أن يرافق الحواريين خلال تنقلاتهم التبشيرية ( حوالي عام 40 م ) ، و استخف تلاميذ المسيح النصارى بكلام بولس ، أوجسوا منه خيفةً فلم يصدقوا أنه قد تنصر لماضيه الحالك و الدموي ، و لأنه كان من أشد اليهود تعصبا ضد النصارى وأنه كان يربط النصارى بالسلاسل للعذاب الى الموت الى أن أصبحت عظامهم زرقاء .
ثم إن المسيح كان قد أمرهم : "بطريق الأمم لاتمضوا" فكيف يغير كلامه الذى حرص عليه طوال رسالته بأن يدعوا اليهود فقط فلم يصدقوه .
ـ إلا أن برنابا الحواري الذى كان من أقرب الناس للمسيح دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه ، وبما يمتلكه شاول من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع تغيير توجه الدعوه الى الأمم ووضع نظام للكنيسه واستطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ "بولس" فأخذه برنابا تلميذ المسيح و قرَّبه منهم حتى خرجوا جميعا يبشرون بديانتهم في أنحاء البلدة.

ـ وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن "متى" ذهب إلى الحبشة ، وقُتل هناك بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما وقتل في عهد نيرون عام 62م . – أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية ، وأسس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم ورسم لهم أساقفه .

ـ وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فنشأ خلافٌ حادٌّ حول طريقة بولس بعدم إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة .
فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين لحسم الخلاف بينهما والذى زاد حِدَّةَ الخلاف بينهما الأسلوب الذى اتبعه بولس بأن جعل الناس يتصورون أنهم آلهه ، فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا "زَفْسَ" وَبُولُسَ "هَرْمَسَ" ، ويمكن مراجعه كتاب أعمال الرسل :
«إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». 12

ـ ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا لذلك مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.
وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. وَأَمَّا بُولُسُ َ فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَيِّدُ الْكَنَائِسَ.

ـ و كان لبولس دور كبير في صياغة سائر المعتقدات النصرانية ، ليظهر التثليث و الذي انتقل من العقائد الهندوسية إلى النصرانية كعقيدة جلية في كتابات ترتليان الذي عاش في القرن الثاني الميلادي ، و ليصبح عقيدة رسمية للنصارى عام 381م في مجمع القسطنطينية.

مراحل تحريف الفريسين للنصرانية :


فيما بين عام 51-55م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين - مجمع أورشليم - تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين من أحكام الشريعه ، وفيه تقرر - إعمالاً لأعظم المصلحتين - استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة .
و قد استطاع بولس إقناع الحواريين بكون ذلك من التسهيل الذي سيكون دافعاً للأمميين للانخلاع من ربقة الوثنية و الدخول في النصرانية ، و كذلك لكسب الوثنيين الرومان والذين كانوا يحكمون البلاد ولهم الأمر.

ـ كما قُرِّر في المجمع ـ أيضاً ـ تحريم الزنا ، وأكل المنخنقة ، والدم ، وما ذبح للأوثان . بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا ، مع أنها محرمة في التوراة ، و ذلك بحجة دعوة الأمميين و كسب الرومان الوثنيين .

ـ عاد شاول اليهودي "بولس" بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى ، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس ما جنح به كلِّيةً عن الدين ، فمن ذلك :

1ـ تسمية الدين النصراني بالمسيحيه .
2ـ نسخ أحكام التوراة وابطالها ، و قوله عن التوراة أنها :
"كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد " ، و " أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد " مخالفا بذلك تعاليم المسيح من أنه ماجاء لينقض بل ليكمل .
3ـ كما استعار شاول اليهودي من فلاسفة اليونان فكرة الأقنوم وهى اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة ، أو ابن الإله ، أو الروح القدس.
4ـ و قوله بعقيدة الصلب والفداء ، و كذلك قيامة المسيح.
5ـ وأن الغرض الأساسى لرسالة المسيح كان تخليص اليهود بخاصَّة من الخطيئه ، و هاهنا جنح كُلِّيةً إلى مصلحة الدين اليهودي ، ثم لما خشي من اتهامه باليهودية عاد فغيَّرها كليةً بنظريةٍ أخرى أكثر تعميما ، و هو أن المسيح جاء ليخلِّص الأمم جمعاء ، وأن الصلب كان هو الغرض من رسالته و من صعوده إلى السماء.
6ـ كما استعار بولس بذور النثليث من عقائد الهندوس و البراهمة .

ـ وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة "المنزَّلة"، التى تعتقد بوحدانيه الله بدون شريك ، والتى أنبثقت منها النصرانيه ـ من اليهود الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام .
و هكذا أيضا بُذِرت عقيده التثليث الوثنية التي سماها بولس المسيحيه، و التي آمن بها الوثنيون لأنها تتماشى مع مبادئهم ، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها

ردود فعل تجاه التحريف= الخلاف بين بولس الحواريين :
1ـ نتيجةً لأفكار بولس حدثت بينه و بين برنابا مشادة عظيمة أدَّت إلى فرقة نهائية بعد صحبة غير قصيرة .
2ـ و نتيجة لنفس الأفكار أيضاً اصطدم بولس مع بطرس أيضاً الذي هاجمه وانفصل عنه مما أثار الناس ضده .وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة ، فكل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هو قبل الافتراق.
3ـ و لهذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمنها عقيدته ومبادئه ، و من ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة 65م .

مقاومة النصرانية للمسيحية "المحرَّفة" :

استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى : ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس ، وإيبيي فايتس ، وأوريجين لها ، وأنكروا أن بولس كان رسولا ، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث ، وتبعه فرقته البولسية إلا أنها كانت محدودة التأثير.

من هو برنابا ؟
وأمّا برنابا فهو أحد التلاميذ "الحواريين" الملازمين لعيسى عليه السلام ، و يعرف بابن الواعظ وهو لاوي قبرصي، وهو خال مرقص ، و كان رجلا صادقا طاهرا نقيا كما ذكرته كتب العهد الجديد ومن أكثر "الحواريين" ورعاً وحفظا للوصايا والتعاليم إذ ورد في سفر أعمال الرسل الإصحاح الحادي عشر الفقرة رقم ( 22-24) :
( فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية الذي لمّا أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ، فأنضمّ إلى الربّ جمع غفير) .

إنجيل برنابا:
يكفي لمعرفة أهمية هذا الانجيل أن مؤلفه هو برنابا تلميذ المسيح عليه السلام المعاصر للأحداث ، وأول نسخة اكتشفت منه كانت في قعر الكنيسة الكاثوليكية ، في مكتبة البابا سكتس الخامس بروما ، إلاَّ أن هذا الانجيل يختلف عن الأناجيل الأربعة بما يلي:

1ـ (الله عز و جل) عنده هو رب العالمين خالق السماوات
2ـ الذبيح من أبناء إبراهيم إنما هو إسماعيل لا إسحاق.
3ـ يبشر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ لا يقول بصلب المسيح بل يؤكد بأن الله قد ألقى الشبه على يهوذا الإسخريوطي.
5ـ يحث على الختان.
6ـ يعتبر عيسى نبيًا لا أكثر.

و لذلك فقد فكان جزاء هذا الإنجيل الطرد من الكتاب المقدس وذلك بقرار البابا جلاسيوس عام 492م ؛ لأنه يعارض الكتاب المقدس فيما يدّعونه بألوهية المسيح ، إلى أن جاء فيما بعد الراهب اللاتيني "فرامرينو" الذي حصل عليه من مكتبة البابوية وأعلن إسلامه بعد قراءته له كما ذكر ذلك الدكتور النصراني خليل سعادة في مقدمة ترجمته لإنجيل برنابا !! .

ـ ورد في الفصل السادس والتسعون الفقرات من( 1ـ 15) صفحة 146 :
(ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عال : " قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكيناً لامتنا"
أجاب يسوع : " أنا يسوع بن مريم من نسل داود ، بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطى الإكرام والمجد إلا لله"
أجاب الكاهن : " إنه مكتوب في كتاب موسى أن الهنا سيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق : هل أنت مسيّا الله ـ تعني رسول الله ـ الذي ننتظره ؟ " .
أجاب يسوع : "حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي "
أجاب الكاهن : "إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله ، لذلك أرجوك بإسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفيه سيأتي مسيّا "
أجاب يسوع : " لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي أنّي لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاّ : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ، ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله فيتنجّس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً ، حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله ، الذي سيأتي من الجنوب بقوّة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام ، وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر ، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به ، وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً) انتهى
و فيما يتعلّق بالبشارة فقد ورد اسم محمد صلى الله عليه وسلّم في هذا الإنجيل صريحاّ اسماً وصفةً ، فقد ورد أيضاً في الفصل السابع والتسعون الفقرات من 4-10 :
( فقال حينئذٍ يسوع : " إن كلامكم لا يعزِّيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ ، وسيمتدّ دينه ويعمّ العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحاً " أجاب الكاهن : " أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟"
فأجاب يسوع : "لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي"
فقال حينئذٍ الكاهن : " ماذا يسمّى مسيّا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟"
أجاب يسوع " إن اسم مسيّا عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي قال الله : " اصبر يا محمد لأنّي لأجلك أريد أن اخلق الجنّه ، العالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتّى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً إن اسمه المبارك"محمّد" "
حينئذٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين : " يا الله أرسل لنا رسولك ، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم ) انتهى .

دخول النصرانية إلى مصر

حين بدأت النصرانية في الانتشارفي الامبراطورية الرومانية ، و منها الولاية المصرية ، كان ذلك بين الجماهير ـ كما هي العادة في كل دين ـ .
و قبل أن تنتقل إلى الحكام ، ونظراً إلى أن بيئة شعوب الإمبراطورية كانت مختلفة عن البيئة التي شهدت ميلاد المسيحية ، وبعضها كان متشبعاً بالثقافتين اليونانية واللاتينية فقد كان من البديهي أن تصبح لمعتنقي المسيحية وخاصة الطبقة المثقفة نظرات فلسفية ، و نظرا إلى أنه لا يُبنى على الباطل إلا الباطل ، فقد بدأ مقدَّموهم البحث في أمور لاهوتية أشد غرابة و تعقيداً ، من أهمها :
1ـ هل للمسيح عليه السلام طبيعة واحدة إلهية أم له طبيعتان أحداهما إلهية والأخرى إنسانية ؟.
2ـ وهل له مشيئتان أم مشيئة واحدة ؟ وهل له طاقتان أم طاقة واحدة ؟
3ـ و هل هو مساو له في الجوهر أم لا ؟
4ـ و هل يصح أن يطلق على السيدة مريم ـ عليها السلام ـ وصف " أم الإله " ؟.
5ـ إذا جاز ذلك فهل أمومتها له تشمل الطبيعة الإنسانية أم الطبيعتين الإلهية والإنسانية ؟

وهي كما يرى القارئ مسائل فلسفية مبنية على عقائد وثنية أدخِلت في النصرانية عن طريق شاول اليهودي أو من جاء من بعده ، ممَّا جعل من الخلاف حول طبيعة المسيح عليه السلام : هل هي طبيعة واحدة أم طبيعتان ؟ هو الأشد ضراوة حتى أدى ذلك إلى شطر الكنيسة المسيحية إلى كنيستين سنة 45 م .

ـ وانقسم اتباع عيسى عليه السلام إلى كاثوليك ( المؤمنين بالطبيعتين )، والارثوذكس ( المؤمنين بالطبيعة الواحدة ) ( ويتبعهم السريان الذين أطلق عليم اليعاقبة ) .

ـ ثم َّ تعددت أثناء ذلك مذاهب النصارى : مثل :
الإثناسية ، الأريوسية ، البلاجيوسية ، النسطورية ، الدوناتية ....الخ .
و لما كانت علاقة مصر بالمسيحية قد ابتدأت مبكرا ، و ذلك برحلة "العائلة المقدسة" الى مصر هروباً من الاضطهاد الروماني واليهودي. وقد دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقس الحوارى ، و بدخوله إلى مصر يبدأ تاريخ المسيحية في مصر كما يقول المؤرخون المسيحيون .

ـ و في عام 61 م في وقت عانى فيه المصريون مظالم الحكم الروماني واضطهاده الشديد للمصريين بفرض الضرائب الكبيرة التي أجبرت أصحاب الأراضي الزراعية إلى تركها بسبب عجزهم عن دفع الضرائب وهروباً من أعمال السخرة التي فرضها عليهم الرومان. وقد تكونت جماعة مسيحية في مصر امتدت إلى أن أصبحت الكنيسة القبطية أقدم مؤسسة مسيحية وقد استمر الاضطهاد الروماني للمسيحية في مصر منذ القرن الأول الميلادي. وبلغت هذه الاضطهادات ذروتها في استشهاد القديس مرقس عام 68م . وفي القرن الثالث وقع أكبر اضطهاد بالجماعة المسيحية على يد الإمبراطور دقلديانوس 248-305 م ، وسمي عصره بعصر الشهداء ويبدأ التقويم المسيحي المسمى بتقويم الشهداء بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس (عام 284 م)

لماذا دخل الرومان في النصرانية ؟؟ :

كان الرومان قبل عهد الامبراطور قسطنطين وثنيين يعبدون أشكالا متعددة من الآلهة و الأوثان ، إلاَّ أنَّ الإمبراطور قسطنطين أعلن في عام (324م) تحوله إلى الدين النصراني واعترافه بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية البيزنطية وذلك عندما أحس ببداية سريان الضعف في الامبراطورية الرومانية ، فرأى نقل العاصمة من روما إلى مدينةبيزنطة ، و التي سمَّاها بالقسطنطينية .
و مع أن قسطنطين كان في الحقيقة وثنيا ، إذ أنه لم يتعمدَّ مسيحيا إلاَّ قبيل وفاته بثلاثة أيام فقط ـ و هو في فراش الموت ـ ، إلاَّ أنه رأى مسايرة الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية باعتناق الدين النصراني الذي يعتنقه كثير من شعوب تلك المناطق بعد خلطه بالوثنية التي كان قد تربَّى عليها ، و ذلك لعدة أسباب:

1ـ التوفيق بين المسيحية التي يعتنقها غالبية شعوب الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية و "الوثنية التي كانت دين الامبراطورية الرسمي" .
2 ـ كون الدين المسيحبي دين سماوي الأصل ، و بالتالي فإنه سيؤدي إلى تلاحم و قوة الامبراطورية الرومانية ، بعكس الأمم الوثنية التي كانت تعبد أوثانا متعددة ، و بالتالي تختلف مذاهبها باختلاف مناطقها و معبوداتها .
3ـ التقرب إلى شعوب تلك المناطق الشرقية تمهيدا لنتقل العاصمة الرومانية إلى القسطنطينية.

وقد لاحظ قسطنطين انتشار الدين النصراني بشكل واسع في ممالكه الشرقية ، و لذلك فإن الامبراطور قسطنطين قد أعلن ميوله وعطفه على النصارى من أجل الحفاظ على مقومات النصر على خصمه ، فأعلن عن دفاعه عن مذهب أثناسيوس القائل بالتثليث حينما كانت عاصمة دولته في روما.

ومن أجل ذلك رأس مجمع نيقية سنة 325م ، وتذكر مصادر النصارى أن أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح ، ولكن إجماعهم كان تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة ، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقد مجلس خاص بهم دون الباقين ، لاعتقاده إمكان إغرائهم ، فأمضى أولئك ذلك القرار تحت سلطان الترغيب أو الترهيب ، أوهما معاً ، وبذلك قرروا ألوهية المسيح ،ليبيعوا بذلك نصرانية عيسى عليه السلام بمسيحية بولس المحرفة ، و مِن ثَمَّ برغمون الناس على اعتناقها بقوة السيف ورهبة الحكام ، وحينما صدر قرار مجمع نيقية ضد أريوس وحرمانه ، وتجريده من رتبته الدينية ، صادَق قسطنطين على ذلك القرار.

4ـ إلاَّ أن قسطنطين كان قد عزم على نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة ، والتي يوجد فيها أكثرية نصرانية تعتنق مذهب أريوس ، و تم له ذلك في عام 335م وأصبح يطلق عليها القسطنطينية ، و لذلك أحضر أريوس قبل ذلك وعفا عنه ، يقول فاسيــليف :
(عندما شرع قسطنطـــين في نقل عاصمته إلى الشرق ، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي ) .
فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م ، وعقد له مجمع صور سنة 334م ، وألغى قرار الطرد ( و ستأتي هذه القضية بشيء من التفصيل ).
ويقال : أن أول امبراطور تعمَّد باسم الثالوث المقدَّس حسب عقيدة النصارى ، هو الامبراطور ثيودوسيوس الكبير الذي رعى عقد مجمع القسطنطينية ، وأنه وقادة الكنيسة تنفسوا الصعداء وشعروا كما شعر الامبراطور قسطنطين وقادة الكنيسة ـ بعد قبول قانون الإيمان النيقوي في سنة 325 م ـ بسرور وارتياح عظيمين ؛ لأنهم ظنوا بأن مجمع نيقية استطاع أن يستأصل الهرطقة من جذورها ، وأن يعيدوا الوحدة إلى الامبراطورية وإلى الكنيسة المهددتين بالانقسام والاضطراب .
وعندما تقرر رسمياً إقرار الاعتقاد بألوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381م ، أصدر الامبراطور ثودوسيوس الكبير مرسوماً أعلن فيه ما يلي :
( حسب تعليم الرسل وحق الإنجيل ، يجب علينا أن نؤمن بلاهوت الأب والابن والروح القدس ، المتساوي في السلطان ، وكل من يخالف ذلك يجب عليه أن ينتظر منا العقوبات الصارمة التي تقتضي سلطتنا بإرشاد الحكمة السماوية أن نوقعها به،علاوة على دينونة الله العادل ) .
من هو اريوس :
و كرد فعل للأفكار المسيحية المحرفة ،وفي حوالي عام323 للميلاد ـ عيَّنت كنيسة بوكاليس في الإسكندرية في منصب أسقف في الإسكندرية أسقف أصله من ليبيا واسمه آريوس Arius, ،
وكان هذا الرجل قد درس في أنطاكية حيث تأثر بمذهب النصارى الموحدين ، ثم جاء إلى الإسكندرية لمتابعة الدراسة فصار يدعو إلى التوحيد و يحارب بدعة التثليث ، وكان فصيحا قوي الشخصية ، وقد شنها ثورة عارمة على القول بألوهية المسيح، مؤكدا بشريته، مقررا أن الله وحده عز و جل هو الإله الخ• فتبعه كثير من رجال الدين وجمهور الشعب ومن هنا وُصِف هو وأتباعه بـ "الموحدين".
وكان يقول: (إذا كان اللـه الآب مطلق الكمال، ومطلق السمو، ومطلق الثبات، وإذا كان منشئ كل الأشياء دون أن يكون ذاته صادراً عن أي شيء آخر فإنه من الواضح أنّ كل شيء وكل شخص آخر في العالـم منفصل عن اللـه ، وإذا كان كل شيء منفصلاً عن اللـه، فلابد إذن أن يكون يسوع أيضاً منفصلاً عن اللـه) .

أحدثت آراء أريوس الجريئة هذه أزمة خطيرة على الصعيدين الديني والسياسي في الإمبراطورية البيزنطية، فانقسم رجال الدين والجمهور المسيحي حولها إلى مؤيدين ومعارضين.

كان جل مؤيدي أريوس من عامة الشعب والفقراء خاصة، بينما كان معارضوه من أعمدة النظام الكهنوتي وأشياعه.
فكانت أزمة استمرت أزيد من سنتين (318-320م)، ومن أجل وضع حد لهذه الأزمة تدخل الإمبراطور "قسطنطين " إلى جانب أريوس أولا، ثم ما لبث أن عاد فوقف إلى جانب الكنيسة ورجالها.
وللفصل في الأمر دعا رجال الدين إلى عقد مجمع مسكوني في نيقيه عام 325م، لإيجاد حل كهنوتي لهذه المسألة.
وقد قرر هذا المجمع طرد آريوس وأصحابه علــــى أساس أنهـــــم فرقـــــة ضالــــة مبتدعـــة، ووضـع المجمع "قانون الإيمان" المسيحي الـــذي ينص علـــى ألوهيــة المسيح، ويرســـِّم عقيــدة التثليت.

قامت معارضة شديدة واسعة في وجه "قانون الإيمان" ، حيث رفضه أريوس وعارضه كثير من أتباعه، الذين نشطوا في الدعاية لمذهبهم التوحيدي "التنزيهي"، فاستطاعوا التأثير على كثير من أعضاء الكنيسة في فترات متقطعة لسنوات عديدة بعد مجمع نيقيه.

ومع أن المجمع المسكوني المنعقد عام 381م في القسطنطينية قد رسَّم "قانون الإيمان" المكرس للتثليث، إلا أن أتباع أريوس قد استطاعوا الاستمرار في نشر مذهبهم التوحيدي في أنحاء كثيرة من الإمبراطورية البيزنطية، وفي شمال الجزيرة العربية بصفة خاصة: ( في سوريا وفلسطين والأردن والعراق.. الخ).
أما المذهب الرسمي فلم يلبث أن شهد هو الآخر انقسامات داخله، فظهرت جماعات أخرى ما لبثت أن دخلت في صراعات مع بعضها بعضا، منها جماعات قالت بآراء جديدة تحاول الجمع بين الطبيعتين، اللاهوتية والناسوتية، في شخص السيد المسيح فاعتبرت هي الأخرى مبتدعة.

الرومان يكملون مسيرة التحريف = ( عصر المجامع أو عهد الخلافات والمناقشات) :

ليبدأ النصارى بعد ذلك عهداً جديداً من تأليه المسيح عليه الصلاة والسلام وظهور اسم المسيحية ، و خلال هذه المرحلة ظهرت الرهبانية في النصرانية في مصر أولاً على يد القديس بولس الطبي (241 ـ 356م) والقديس أنطوان المعاصر له .
إلا أن الديرية - حركة بناء الأديرة - نشأت أيضاً في صعيد مصر عام 315-320م أنشأها القديس باخوم ، ومنها انتشرت في الشام وآسيا الصغرى .
وبعد اعلان قسطنطين النصرانية دينا للامبراطورية الرومانية كان أباطرة بيزنطة من المؤمنين بالطبيعتين ، وخالفتهم في ذلك كنيستا الإسكندرية وإنطاكية على وجه الخصوص ويمكن القول أن الشعوب الشرقية ( الشام ومصر) كانت قبل ذلك قد تمذهبت جميعها برأي أو عقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح عليه السلام .
وفي نفس الوقت دخلت غرب أوروبا على يد القديس كاسليان (370ـ 420م) ومارتن التوري 316-387م .
كما ظهر مجموعة من الآباء المتأثرين بمدرسة الإسكندرية الفلسفية (الأفلاطونية الحديثة ) وبالفلسفة الغنوصية ، مثل كليمنت الإسكندري 150-215م أوريجانوس 185-245م وغيرهم أعلى الصفحه العصر الذهبي للنصارى - يطلق مؤرخو الكنيسة اسم العهد الذهبي للنصارى ابتداء من تربع الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية عام 312م لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النصرانية . ويمكن تقسيم ذلك العهد إلى مرحلتين رئيسيتين :
مرحلة جمع النصارى على عقيدة واحدة.

- ما إن أعلن قسطنطين إعلان ميلان حتى قرَّب النصارى وأسند إليهم الوظائف الكبيرة في بلاط قصره ، وأظهر لهم التسامح ، وبنى لهم الكنائس ، وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب المقدس ، الذي اتخذه شعاراً لدولته بجانب شعارها الوثني ،فنشطت الدعوة إلى النصرانية ، ودخل الكثير من الوثنيين وأصحاب الفلسفات في النصرانية ، مما كان له أثره البالغ في ظهور الكثير من العقائد والآراء المتضاربة ، والأناجيل المتناقضة ، حيث ظهر أكثر من خمسين إنجيلاً ، وكل فرقة تدعي أن إنجيلها هو الصحيح وترفض الأناجيل الأخرى .
- وفي وسط هذه العقائد المختلفة والفرق المتضاربة ما بين من يؤله المسيح وأمه ( الريمتين ) أو من يؤله المسيح فقط . أو يدعي وجود ثلاثة آلهة : إله صالح وإله طالح ، وآخر عدل بينهما ( مقالة مرقيون ) ، أعلن آريوس أحد قساوسة كنيسة الإسكندرية صرخته المدوية بأن المسيح عليه السلام ليس أزلياً، وإنما هو مخلوق من الأب ، وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر ، فالتف حوله الأنصار وكثر أتباعه في شرق الإمبراطورية حتى ساد مذهبه التوحيدي كنائس مصر والإسكندرية وأسيوط وفلسطين ومقدونيا والقسطنطينية وأنطاكية وبابل ، مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده ولعنه وطرده من الكنيسة ، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر ، ثم الشماس إثناسيوس ، وضماناً لاستقرار الدولة أمر الإمبراطور قسطنطين عام 325م بعقد اجتماع عام يجمع كل أصحاب هذه الآراء للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها ، فاجتمع في نقية 2048 أسقفاً منهم 338 يقولون بألوهية المسيح ، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح ولينفض على القرارات التالية :

1ـ لعن آريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وحرق كتبه ، ووضع قانون الإيمان النيقاوي ( الأثناسيوسي ) الذي ينص على ألوهية المسيح .
2ـ وضع عشرين قانوناً لتنظيم أمور الكنيسة والأحكام الخاصة بالأكليريوس .
3ـ الاعتراف بأربعة أناجيل فقط : ( متى ، لوقا ، مرقس ، يوحنا ) وبعض رسائل العهد الجديد والقديم ، وحرق باقي الأناجيل لخلافها عقيدة المجمع .
- للتغلب على عوامل انهيار وتفكك الإمبراطورية أنشأ قسطنطين مدينة روما الجديدة عام 324م في بيزنطة القديمة باليونان على نفس تصميم روما القديمة ، وأنشأ بها كنيسة كبيرة ( أجيا صوفيا ) ورسم لهم بطريركاً مساوياً لبطاركة الإسكندرية وأنطاكية في المرتبة على أن الإمبراطور هو الرئيس الأعلى للكنيسة . وعرفت فيما بعد بالقسطنطينية ، ولذلك أطلق عليها بلاد الروم ، وعلى كنيستها كنيسة الروم الشرقية أو كنسية الروم الأرثوذكس .
- تمهيداً لانتقال العاصمة إلى روما الجديدة (القسطنطينية ) اجتمع قسطنطين بآريوس حيث يدين أهل القسطنطينية والجزء الشرقي من الإمبراطورية بعقيدته ، وإحساساً منه بالحاجة إلى استرضاء سكان هذا القسم أعلن الإمبراطور موافقته لآريوس على عقيدته ، وعقد مجمع صور سنة 334 م ليعلي من عقيدة آريوس ، ويلغي قرارات مجمع نيقية ، ويقرر العفو عن آريوس وأتباعه . ولعن أثناسيوس ونفيه ، وهكذا انتشرت تعاليم آريوس أكثر بمساعدة الإمبراطور قسطنطين.

تقسيم الامبراطورية الرومانية :

قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام 337م على أبنائه الثلاثة : فأخذ قسطنطين الثاني الغرب ، وقسطنطيوس الشرق ، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال إفريقيا ، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده لترسيخ حكمه .
ـ فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي ؟
ـ بينما شجع أخوه قسطنطين الثاني المذهب الأثناسيوسي مما أصل الخلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني ؟؟.
- توحدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام 353-361م بعد وفاة قسطنطين الثاني ، ومقتل قنسطانس ، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الأريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقاً وغرباً .
- لم يلبث الأمر طويلاً حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية 379-395م الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه ، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي . - ولذلك ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس ، فقرر عقد مجمع القسطنطينية الأول 382م ، وفيه فرض الإمبراطور العقوبات المشددة على أتباع المذهب الآريوسي . كما تقرر فيه أن روح القدس هو روح الله وحياته ، وأنه من اللاهوت الإلهي ، وتم زيادته في قانون الإيمان النيقاوي ، ولعن من أنكره مثل مكدنيوس ، وذلك بالإضافة إلى عدة قوانين تنظيمية وإدارية تتعلق بنظام الكنيسة وسياستها .

نشأة البابوية :


على إثر تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية ، ونتيجة لضعف الإمبراطورية الغربية تم الفصل بين سلطان الدولة والكنيسة ، بعكس الأمر في الإمبراطورية الشرقية حيث رسخ الإمبراطور قسطنطين مبدأ القيصرية البابوية ، ومن هنا زادت سلطات أسقف روما وتحول كرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في بلدان العالم المسيحي الغربي ( روما - قرطاجة ) وقد لعب البابا داماسوس الأول 366-384م دوراً هاماً في إبراز مكانة كرسي روما الأسقفي - سيادة البابوية - ، وفي عهده تم ترجمة الإنجيل إلى اللغة اللاتينية ، ثم تابعه خلفه البابا سيري كيوس 384-399م في تأليف المراسم البابوية .

بداية الصراع والتنافس بين الكنيستين:


- ظهر الصراع والتنافس بين كنيسة روما بما تدعي لها من ميراث ديني ، وبين كنيسة القسطنطينية عاصمة الدولة ومركز أباطرتها في مجمع أفسس الأول عام 431م حيث نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام ، وبالتالي فإن اللاهوت لم يولد ولم يصلب ، ولم يقم مع الناسوت ، وأن المسيح يحمل الطبيعتين منفصلتين : اللاهوتية والناسوتية ، وأنه ليس إلها ، وأمه لا يجوز تسميتها بوالدة الإله ، وقد حضر المجمع مائتان من الأساقفة بدعوة من الإمبراطور ثؤديوس الصغير الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه ، والنص في قانون الإيمان بأن مريم العذراء والدة الإله .

- و ظهرت حينذاك دعوى أرطاخي باتحاد الطبيعتين في السيد المسيح ، و لذلك فقد عقد له أسقف القسطنطينية فلافيانوس مجمعاً محلياً وقرر فيه قطعه من الكنيسة ولعنه ، لكن الإمبراطور ثاؤديوس الصغير قبل التماس أرضاخي ، وقرر إعادة محاكمته ، ودعا لانعقاد مجمع أفسس الثاني عام 449م برئاسة بطريرك الإسكندرية ديسقورس لينتهي بقرار براءته مما نسب إليه .

انفصال الكنيسه مذهبيا :
لم يعترف أسقف روما ليو الأول بقرارات مجمع أفسس الثاني 449م وسعى الإمبراطور مركيانوس لعقد مجمع آخر للنظر في قرارات ذلك المجمع ، فوافق الإمبراطور على عقد المجمع في القسطنطينية ، ثم في كلدونية 451م لمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس : من أن للمسيح طبيعتين في طبيعة واحدة ( المذهب الطبيعي - المونوفيزتية ) ، ليتقرر لعن ديسقورس وكل من شايعه ونفيه ، وتقرير أن للمسيح طبيعتين منفصلتين . فكان ذلك دافعاً ألاَّ تعترف الكنيسة المصرية بهذا المجمع ولا بالذي يليه من المجامع . ومنذ ذلك التاريخ انفصلت الكنيسة مستقلة تحت اسم الكنيسة المرقسية - الأرثوذكسية - أو القبطية تحت رئاسة بطريرك الإسكندرية ، وانفصلت معها كنيسة الحبشة وغيرها ، لييدأ الانفصال المذهبي عن الغربية . بينما اعترفت كنيسة أورشليم الأرثوذكسية بقرارات مجمع كلدونية وصارت بطريركية مستقلة تحت رئاسة البطريرك يوفيناليوس .

نشأة الكنيسة اليعقوبية :
واجه الإمبراطور جستنيان 527-565م صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي الإمبراطورية لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معاً . بعد انتصاره في إيطاليا ودخل جيوش روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة ( المونوفيزتية ) على البابا فجليوس الذي رفض ذلك بشدة ، مما عرضه إلى القبض عليه وترحيله إلى القسطنطينية ، ليعقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة 553م الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة ، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح ، وتقرير أن عيسى عليه السلام كان شخصية حقيقة وليست بخيالية .

ـ ومن آثار هذا المجمع استقلال أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة إقامة كنسية الرها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية .

نشأة الكنيسة المارونية :
- في عام 678-681م عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام لفتح المسلمين لهما ، فتم عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام 680م للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة . وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين ، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة ، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة .

انفصال الكنيسه إداريا :


جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداء من الإمبراطور ليو الثالث 726م الذي أصدر مرسوماً يحرم فيه عبادة الأيقونات ، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية ، متأثراً بدعوة المسلمين لإزالة هذه التماثيل التي بالكنائس في داخل الدولة الإسلامية . - تصدى لهذه الدعوة البابا جريجوري الثاني ، ثم خلفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قراراً بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية وجعلها تحت سلطان بطريرك القسطنطينية .
واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين الخامس 741-775م ، وازدادت الثورات اشتعالاً ضد دعاة اللاأيقونية ، فعقد مجمعاً ، ولم يحضره سوى ثلاثمائة وأربعين أسقفاً تحت رئاسة بطريرك القسطنطينية ليقضي بتحريم تصوير المسيح في أي شكل ، وكذلك تحريم عبادة صور القديسين ، وتحريم طلب الشفاعة من مريم ، لأن كل هذا من ضروب الوثنية.
ولكن هذه القرارات لم تدم طويلاً حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إبرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام 787م بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للأيقونية بطريركاً على القسطنطينية ، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقديسين ،ووضع الصور في الكنائس والأديرة والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم يدعو للتفكير فيها .
- في عمان 869م أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة الروح القدس من الأب وحده فعارضه - كالعادة - بطريرك روما وقال إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معاً ، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع 869م ( مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً ، وأن جميع المسيحيين في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما ، وأن من يريد معرفة ما يتعلق بالمسيحيه وعقائدها عليه برفع دعواه إلى بابا روما . ولذلك تم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه ، إلا أن فسيوس استطاع أن يعود إلى مركزه مرة أخرى .
- وفي عام 879م عقد المجمع الشرقي اليوناني ( القسطنطينية الخامس ) ليلغي قرارات المجمع السابق ، ويعلن أن الروح والقدس منبثقة من الأب وحده ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية 787م .
- وهكذا تم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة الشرقية والأرثوذكسية ، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك القسطنطينية ومذهباً بأن الروح القدس منبثقة من الأب وحده ، على أن الكنيسة الغربية أيضاً تميزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية ، ويزعم أن لبابا روما سيادة على كنائس الإمبراطورية وأنها أم الكنائس ومعلمتهن ، وتميزت بالقول بأن الروح القدس منبثقة عن الأب والابن معاً . ولم يتم الانفصال النهائي - الإداري - إلا في عام ( 1054م ) ، وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية ،وحلت محلها المؤتمرات الإقليمية أو سلطات البابا المعصوم لتستكمل مسيرة الإنحراف والتغيير في رسالة عيسى عليه السلام . - ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة - القرون الوسطى - الفساد ، ومحاربة العلم والعلماء والتنكيل بهم والاضطهاد لهم ، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران ، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات الداعية لإصلاح فساد الكنيسة ، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر تزنت عام 1542-1563م لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني ،وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني . ومن هنا انشقت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم ، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة ، وهي : الأرثوذكس ، الكاثوليك ، البروتستانت ، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل : المارونية ، والنسطورية ، واليعقوبية ، وطائفة الموحدين ، وغيرهم وأهم الأفكار والمعتقدات يمكن إجمال أفكار معتقدات النصرانية بشكل عام فيما يلي : علماً بأنه سيفصل فيما بينهم من خلاف في المباحث التالية : الألوهية والتثليث : مع أن النصرانية في جوهرها تعني بالتهذيب الوجداني ، وشريعتها هي شريعة موسى عليه السلام.
-
اضطهاد الرومان للنصرانية .
عانت الدعوة النصرانية أشد المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية ، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم ، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم ، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة ، ما بين الحمل على الخشب ، والنشر بالمناشير ، إلى التمشيط ما بين اللحم والعظم ، والإحراق بالنار . - من أعنف الاضطهادات وأشدها :

1ـ اضطهاد نيرون سنة 64م الذي قتل فيه بطرس وبولس .
2ـ واضطهاد دمتيانوس سنة 90م وفيه كتب يوحنا إنجيله في أفسس باللغة اليونانية .
3ـ واضطهاد تراجان سنة 106م وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم ، فحدثت مذابح مروعة قتل فيها يعقوب البار أسقف أورشليم .
4ـ ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهاد الإمبراطور دقلديانوس 284م الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه ، وقد نفذ تصميمه ، وهدم الكنائس وأحرق الكتب ، وأذاقهم من العذاب صنوفاً وألوناً ، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم 29 أغسطس 284ن بداية لتقويمهم تخليداً لذكرى ضحاياهم .
- وهكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الامبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها ، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية .
- سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع الشرق، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية في الدعوة والترخيص لديانتهم ومساواتها بغيرها من ديانات الإمبراطورية الرومانية ، وشيد لهم الكنائس ، و بالرغم من أن أغلب كتب التاريخ التي تتعلق بتلك الفترة تؤكد أن الإمبراطور فيليب "العربي" و الذي تولَّى عرش الامبراطورية عام 244م أي قبل تولِّي قسطنطين بثمانين عام كان مسيحياً منذ صغره وبالمقابل قسطنطين لم يتعمد إلا قبل وفاته بأيام إلاَّ أن التواريخ الرومانية تجعل من حدث إعلان قسطنطين للنصرانية مذهبا رسميا للدولة تاريخا لاقتران الامبراطورية الرومانية بالمسيحية ، وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاريخ النصراني قسوة ، التي ضاع فيها إنجيل عيسى عليه السلام ، وقتل الحواريين والرسل ، وبدأ الانحراف والانسلاخ عن شريعة التوراة.

اضطهاد الرومان لأقباط مصر خاصة:
كان من المفروض أن تنتهي الاضطهادات الرومانية للأقباط بدخول قسطنطين في المسيحية، إلاَّ أن الاضطهادات الرومانية زادت حِدَّتُها بعد أن اتخذت منحىً آخر .
حيث أوجدت الصراعات المسيحية العقدية بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما والقسطنطينية، الأمر الذي انتهى إلى انقسام الكنيسة بعد مؤتمر خليقودنية عام 451م وخلال حكم الإمبراطور البيزنطي مرقيانوس 450-457م الى مذهبين : مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح بزعامة كنيسة الإسكندرية ومذهب الطبيعتين وتتزعمه كنيستا روما والقسطنطينية. وتسمى الكنيسة القبطية المصرية بكنيسة الإسكندرية ، لأن الإسكندرية كانت أول بلد نزل به القديس مرقس وتكونت فيه أول جماعة مسيحية مصرية.
وآمن الرومان الذين كانوا يحتلون مصر حينذاك بالمذهب الكاثوليكي ، إلاَّ أن الأباطرة الرومان لم تتسع صدورهم لمخالفيهم في المذهب فأذاقوا الأقباط أشد أنواع العذاب ليعدلوا عن مذهبهم ،فقد مورست أنواع من التعصب والتعنت البالغين ضد فرقاء من مواطني الإمبراطورية الرومانية الشرقية و في مقدمتهم أقباط مصر، و كانت الجموع و القيادات القبطية تحاكم وتقتل باسم محاربة الهرطقة ، و تقول الروايات إن شقيق البطريرك القبطي قتلوه بإسالة شحمه بالشموع المشتعلة، ووضعوه في جِرابٍ مثقَّب وأنزلوه في البحر عدة مرات، وهرب البطريرك (رئيس الكنيسة) واختفى عشرات السنين في الكهوف والجبال والأديرة البعيدة عن رقابة الرومان ، مما جعلهم يضيقون ذرعاً بحكامها حتى تمنوا زوالها ـ وان اتحدوا معهم في الملة ـ بل عمل بعضهم على ذلك .
و شايع البطارقة أباطرة الدولة الرومانية الشرقية و تابعوهم في تعصبهم المقيت ضد الأقباط ، فقد كانوا يدورون في فلكهم حيث داروا ، فأخذوا يضطهدون مخاليفهم القائلين بالطبيعة الواحدة حتى أنهم أطلقوا عليهم لقب "الهراطقة" ، والواقع أنه لم يكن في القرن الخامس الميلادي مسألة اشتد حولها الخلاف مثل مسألة الطبيعة الواحدة والطبيعة المزدوجة في المسيح أو حول الطبيعة التي يمكن التعبير عنها باتحاد الطبيعتين تعبيراً دقيقاً .
و في عهد إنسطانيوس (492 ـ 518 م) سادت فترة هدوء نسبي ولكن لما تولى الحكم الإمبراطور جوستين الأول ( 518 / 527 م ) اشتد الاضطهاد إذ أمر بغلق الكنائس في مصر ، ولم يجد الشعب المصري مكانا للصلاة ، فبنوا كنيستين سراً في المكان المعروف باسم السواري غربي الإسكندرية ... وقد خطا يوستنيوس خطوة أوسع في اضطهاد المصريين وإرغامهم على قبول مذهب الطبيعتين .. وشهد عهده مذبحة كبرى قتل فيها عدد من أفراد الشعب الذين رفضوا اتباع عقيدته .
وكان جوستينيان من الأباطرة الذين أمعنوا في اضطهاد أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة وهم " المونوفيزتيون " ولو أنه حاول التوفيق بين المذهبين وهادن خصومه بعض الوقت ولكن جهوده تلك ذهبت أدراج الرياح فعاد إلى التنكيل بهم بشتى السبل منها : منع نسخ كتبهم وقطع إيدي نساخها وتشريد أحبارهم ورهبانهم وبطاركتهم وقسوسهم ولم يخف جوسنتيان بغضه الشديد تجاه الطوائف المسيحية التي لا تدين بمذهب الدولة لأنهم " لا يستحقون إلا كل ازدراء " على حد قوله ، هذا فضلاً عن أنه جعل اعتناق المذهب الخلقيدوني شرطاً أساسياً في شغل وظائف الدولة ، وبذلك أعطى امتيازاً لأتباع مذهب الدولة على باقي الطوائف وعمل على تطبيق هذا القانون بكل حزم .
وبعد جوستيان زاد اضطهاد الرومان للأقباط حتى أن الرومان حرموا الأقباط من الكنيستين اللتين بنوهما سراً في غرب الإسكندرية .
وفي 631م عين هرقل بطريكاً ملكانياً أو ملكياً اسمه " كيرس " وهو الذي اشتهر باسم " المقوقس " وهو الذي عاصر فتح العرب بمصر ، زاد اضطهاد المصريين اضطهاداً رهيباً مما نفرهم منها في وقت كانت فيه محتاجة أشد الاحتياج إلى استرضاء الأقباط بسبب حرج موقفها في حربها مع الفرس.
و استمر الاضطهاد الروماني للأقباط و للكنيسة القبطية حتى انتهى نفوذالرومان في مصر بالفتوحات الاسلامية في القرن الأول الهجري .
يقول والتر السون فيلبس في كتابه " تاريخ العالم" :
( وكانت النتيجة المحتومة أن رحبت الشعوب المضطهدة ومنهم المصريون أيما ترحيب بالفاتحين " العرب " لينقذوهم مما يشكون من اضطهاد ) .
وهذا ما أجمع عليه المؤرخون كافة ، يقول هـ . أ . ل فيشر في كتابه "تاريخ أوروبا ـ العصور الوسطى":
( أن تلك الشقوق - أي الناجمة عن الاضطهاد ـ ظلت تتسع اتساعاً مضطرداً فأضعفت روح الولاء نحو الامبراطورية الرومانية ) ، مما فتح الباب على مصراعيه للفاتحين الجدد.
وتتفق روايات ألد المؤرخين عداوة للإسلام على أنه لو لم يقع الفتح الإسلامي لأبيد الأقباط بإبادة كنيستهم وفتنتهم عن دينهم ، وقد ورد في نص عهد عمرو بن العاص الى أهل مصر :
( هذا ما أعطى عمرو بن العاص الى أهل مصر من الأمان لأنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا ينتقص شيء من ذلك ولا يساكنهم أحد من غير ملتهم) .
وتم النص دائما في العلاقة بين الولاة المسلمين والأقباط على رعاية أهل الذمة والوصية بأهل الكتاب عملا بالسنة والعناية بمصالح الأقباط وغيرهم من أهل الأديان . وحرص الولاة المسلمون على تقدير الرئاسة الدينية القبطية واحترامها ومخاطبتها بألقاب الشرف والتكريم.
و قد كان الأقباط هم عامة أهل مصر عندما فتحها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه في عهد الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلاَّ أن حسن معاملة الفاتحين المسلمين نقل وصف الأغلبية إلى السكان المسلمين ، و ذلك بتحول الأقباط تدريجيا إلى الاسلام .
وهذا يفسر التحول البطئ لأبناء هذه الأغلبية القبطية من المسيحيين إلى الإسلام، والذى استغرق حوالى أربعة قرون فالعرب المسلمون الفاتحون لم يمارسوا أى ضغوط لتحويل الأقباط إلى الإسلام، كما أن الأقباط بدورهم لم يلمسوا أي تضيق على حرياتهم الدينية اعتقادا وممارسة.

النصرانية في وقت بعثة النبي عليه الصلاة و السلام :
كانت النصرانية في وقت بعثة النبي عليه الصلاة و السلام قد أطبقت على التحريف ، و أجمعت على التثليث أو القول بالطبيعتين كما حكاه القرآن عنهم :يقول الله عز و جل عن تلبس النصارى بالتثليث :
قال الله تعالى { لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم } سورة المائدة - آية 73 .
و قال تعالى { يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا } سورة النساء - آية 171.
و قال عز و جل { واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب } سورة المائدة - آية 116.
و قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون } سورة التوبة - سورة 9 - آية 30
إلاَّ ما كان من بقية الأريوسيين "الموحدين" ، إذ يبدو أن حركة الأريوسيين كانت متغلغلة في كل من الشام و مصر في زمن بعثة النبي صلى الله عليه و سلم كما تدل عليه قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه ، الني رواها ابن اسحاق و غيره يقول سلمان رضي الله عنه :
(كنت رجلا من أهل أصبهان, وكان أبي دهقان أرضه.وكنت من أحب عباد الله اليه ، وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها تخبو ، وكان لأبي ضيعة, أرسلني اليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت الى ضيعة أبي, ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري ، وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام.، وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فحاورني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني.وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم الى الشام ، وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم. وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه،ثم مات، وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة، وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الا رجلا بالموصل..
فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت اليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات، ثم حضرته الوفاة, فقلت له: الى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين حرّتين, فان استطعت أن تخلص اليه فافعل، وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, اذا رأيته عرفته) إلى آخر القصة المشهورة .
فهذه القصة تبين أن المذهب الأريوسي كان موجودا في الشام و مصر وقت بعثة النبي محمد عليه الصلاة و السلام فإن الأريوسية كانت قد انحصر فيها التوحيد دون بقية مذاهب النصارى ، و كان النبي عليه الصلاة و السلام يعلم ذلك بوحي من ربه عز وجل ، ففي أواخر السنة السادسة للهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم، إلى كل من هرقل إمبراطور الروم والمقوقس حاكم الإسكندرية رسالة إلى هرقل ذكر فيها بصريح العبارة اسم "الأريسيين"
و هذا نص رسالة المصطفى عليه الصلاة و السلام إلى هرقل:
( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين• فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ) (آل عمران 64) .
وقد تم العثور على النسخة الأصلية لهذه الرسالة الكريمة .

و ذكر ابن اسحق وغيره أن هرقل أجاب مبعوث الرسول إليه، واسمه دحية بن خليفة قائلا : (إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، فاذهب إلى "ضغاطر" الأسقف، فاذكر له أمر صاحبكم فهو والله أعظم في الروم مني، وأجوَز قولا عندهم مني، فانظر ما يقول) وتضيف الرواية أن دحية ذهب إلى "ضغاطر" هذا فأخبره بما جاء به من رسول الله إلى هرقل وبما يدعوه إليه فقال ضغاطر: (صاحبك والله نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتبنا باسمه) .
ثم دخل فألقى ثيابا كانت عليه سوداء ، ولبس ثيابا بيضاء ثم أخذ عصاه فخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال:
( يا معشر الروم إنه قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى الله عز وجل وإني أشهـد أن لا إلــه إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله) . قــال دحية: ( فوثبوا عليه وثبة رجل واحد فضربوه حتى قتلوه) ، فلما رجــع دحية إلى هرقل وأخبره الخبر قال:
(قد قلـــت لك إنــا نخافهم على أنفسـنا ، فـ"ضغاطر" والله كان أعظــــم عندهم وأجوز قـــولا مني) .
و كان جواب هرقل علـــى الرســـول عليه السلام بما يلـي: ( إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصـر الروم: إنه جاءنـي كتابك مـــع رسولـــك، وإنــي أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريـــم وإني دعـــوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيرا لهم، ولوددت أنـــي عندك فأخدمـــك وأغسـل قدميك) .
و ذُكِر أن النبي عليه السلام كتب رسالة إلى "ضغاطر" الأسقف ـ و كلمة "ضغاطر " تعريب لكلمة أوتوكراتور autocrator، وهي كلمة إغريقية تعني "الحبر الأعظم"،أي : خلَفُ السيد المسيح على الأرض ـ بعد أن علم من مبعوثه بموقفه وإعلان إسلامه قبل قتل النصارى له ، وهذا نص رسالته الكريمة عليه الصلاة والسلام :
(إلى "ضغاطر" الأسقف، سلام على من آمن، أما على إثر ذلك فإن عيسى بن مريم روح الله وكلمة ألقاها إلى مريم الزكية، وإني أومن بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، والسلام على من اتبع الهدى) .

ـ كما أن هناك رسالة أخرى من رسائل النبي بنفس المناسبة إلى حكام الأقطار المجاورة، يكاد نصها ـ و ردُّ الفعل الذي أثارته ـ يتطابقان مع الرسالة التي بعثها إلى هرقل وما تولد عنها من ردود الفعل ، و هي رسالته عليه السلام إلى المقوقس حاكم الإسكندرية، واسمه جريج بن مينا، حملها إليه حاطب بن أبي بلتَعة على رأس وفد من ستة أشخاص، وفيما يلي نص الرسالة الكريمة ،التي تم العثور على أصلها قرب أخميم في صعيد مصر .
نص رسالة النبي إلى المقوقس:
(بسم الله الرحمن الرحيم• من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى• أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين• فإن توليت فعليك إثم القبط• 'يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ' (آل عمران 64) .

ـ و هذا نص جواب المقوقس:
( لمحمد بن عبدالله من المقوقس سلام، أما بعد، فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسلك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام )فكانت إحدى الجاريتين هي مارية القبطية التي ولدت للنبي ابنه إبراهيم.

ـ ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن أتباع أريوس قد تمكنوا من نشر دعوتهم في جهات مختلفة من حوض البحر الأبيض المتوسط، فكان لها حضور قــوي في إسبانيا، إذ استطـــاع الأريوسيون تحويل الفزيقوط سكانها إلى الأريوسية بقيادة الكاهن أولفيلا (أو وولفيلا) Ulfila, Ulfilas ou Wulfila (311-383 م) الذي اعتنق مذهب أريوس وترجم التوراة إلى لغة الفيزيقوط.
وقد اتخذت الأريوسية في إسبانيا طابعا سياسيا فاستقلت عن الإمبراطورية الرومانية عندما سقطت روما سنة 476م تحت ضغط ثوار النواحي (الباربار)، وقام هؤلاء الثوار في كل مكان بعزل الأساقفة التابعين لكنيسة الدين الرسمي للدولــــة ونصبوا مكانهـــم أساقفة مــن أتبـــاع أريوس .
استمر المذهب الأريوسي قائما في إسبانيا ولم يتم القضاء عليه فيها إلا عندما اعتنق الملك ريكاريد الأول الكاثوليكية عام 559م.
ويرى بعض الباحثين في هذا التغلغل لمذهب أريوس في إسبانيا عاملا كان له تأثير كبير في تحولها إلى الإسلام بسهولة عندما فتحها طارق بن زياد عام 92هـ الموافق لـ 711 ميلادية.
تعرف المسلمون على مذهب أريوس وسموا أصحابه بـ "الموحدين" كما أفاض بعض المؤرخين المسلمين في الحديث عنه وعلى رأسهم ابن خلدون الذي نقل في تاريخه صفحات طويلة من كتاب لمؤرخ روماني قريب العهد بالفترة التي نتحدث عنها، وكان هذا الكتاب قد ترجم إلى العربية في الأندلس.

الأيدي اليهودية كانت وراء ظهور المذهب البروتستانتي

لا شك أن كان من أهداف اليهود القديمة ـ بقدم النصرانية نفسها ـ التوغل في الدين النصراني و تحويره من أجل قيادة العالم المسيحي إلى أهداف يهودية صهيونية بحتة.
بدءاًُ بجهود بولس المضنية في هذا المجال ، و مروراً بتوجيه و دعم ما سُمِّي بحركة الإصلاح الديني المسيحي.
و قد كان استشراء الفساد الذي كانت تمر به الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر الميلادي من أقوى العوامل التي ساعدت على تهيئة الأوضاع المناسبة لقيام حركة "إصلاحية" دينية ، و التي أطلقها أحد القس الألماني اليهودي الأصل ( مارتن لوثر) في عام 1517م ، حيث قام في هذه السنة بتعليق خمس وتسعين رسالة دينية على جدار الكنيسة في ألمانيا ، وأرسل نسخاً من هذه الرسائل التي يحتج فيها على فساد الكنيسة إلى باقي الكنائس الأخرى.
وفي سنة 1520م أرسل مارتن لوثر خطاباً حاداً إلى البابا ( ليو العاشر) جاء فيه:
( إنك ترعى ما يسمى بهيئة الكهنوت الرومانية التي لا تستطيع أنت ولا غيرك أن تنكر أنها أشد فساداً من بابل وسدوم ، وقد أظهرتُ احتقاري ، وانتابني الغضب لأن الشعب المسيحي يخدع تحت ستار اسمك ، واسم الكنيسة المسيحية ، لهذا قاومت ، وسأظل أقاوم ما وجد فيّ عرق ينبض بروح الإيمانى) .
لقد كانت جميع أعمال "لوثر" إنما تشكل إعلاناً تاريخياً عن بدء الحركة الإصلاحية البروتستانتية التي أحدثت انشطاراً في الكنيسة الكاثوليكية التي يتزعمها بابا الفاتيكان في روما، و مهدت لاختراق يهودي سافر للنصرانية الكاثوليكية ، و التي أدخل بموجبها (مارتن لوثر)«إصلاحات » جذرية على الديانة النصرانية، .
حيث جعل مارتن لوثر كتاب التوراة مرجعاً حرفياً للنصارى، فأصبح كل ما يدين به اليهود من النصوص الحرفية للتوراة يدين به النصارى الذين أطلق عليهم بعد ذلك التحريف اسم : (البروتستانت)، و بذلك أصبحت النصرانية المخترقة قريبة جداً من الديانة اليهودية ، ليأتي من بعده (جون كالفن) الذي صاغ الفكر البروتستانتي ليصبح متمرداً على الفكر الكاثوليكي، واستطاع به أن يسحب البساط من تحت أقدام الكاثوليك بدعوى التميز البروتستانتي عرقياً ودينياً.
كما تمكن من نقل معتقد (الشعب المختار)بشكله التوراتي الحرفي إلى الديانة البروتستانتية الجديدة، حتى أصبحت الشعوب التي تدين بهذا المذهب وفي طليعتهم الإنجليز يستشعرون أنهم وحدهم يمثلون الامتداد الطبيعي لـ (شعب الله المختار)المسؤول وحده عن قيادة العالم والوصاية عليه باسم الأنجلوساكسونية البروتستانتية .
و قد انطوى هذا المذهب الثوري الجديد على طمس واضح للركائزالتي قامت عليها الكنيسة البابوية ، مثل :
1ـ عدد أسفار العهد القديم عند البروتستانت ستة وستون سفراً وهي الأسفار القانونية، أما باقي الأسفار وعددها أربعة عشر، فتسميها الأبوكريفيا أي غير الصحيحة فلا تعترف بها.
2ـ كما لا تؤمن الكنائس البروتستانتية بعصمة البابا أو رجال الدين، وتهاجم بيع صكوك الغفران حيث ترى أن الخلاص والفوز في الآخرة لا يكون إلا برحمة الله وكرمه وفي الدنيا في الالتزام بالفرائض والكرازة ( التبشير بالإنجيل).
3ـ منع البروتستانت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك منهي عنه في التوراة .
4ـ إلاَّ أن أخطر ما في المذهب البروتستانتي هوالخضوع الكامل لنصوص الكتاب المقدس وحده، حيث إن الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد ،يقول لوثر: "يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا الأخير للعقيدة أو أداء الشعائر".
مما يجعل من النصرانية البروتستانتية مجرد تابعة لنصوص التوراة ، و بالتالي للدين اليهودي ، و من ثمَّ للحركة الصهيونية .
5 ـ تؤمن أكثر الكنائس البروتستانتية "الإنجيلية – الصهيونية " أن شرط المجيء الثاني للمسيح هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين.
ـ وفي عام 1523م أصدر مارتن لوثر كتاباً بعنوان"عيسى وُلِد يهودياً" قال فيه:
( إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم ، إن اليهود هم أبناء الله ، ونحن الضيوف الغرباء ، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها)
كذلك دعا مارتن لوثر إلى تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على تعقيدات الطقوس الكاثوليكية ، كما دعا إلى دراسة العبرية على أنها (كلام الله في الناس) ثم قام بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية .
كل ما سبق دفع الكنيسة الكاثوليكية إلى إصدار قرار الحرمان ضد مارتن لوثر ، متهمة إياه أنه من اليهود الذين تنصروا من أجل هدم الكنيسة.

وثيقة تاريخية:


هذا وقد أثبتت الأيام تحالف (مارتن لوثر) مع اليهود حيث نشرت مجلة (كاثوليك جازيت) في عام 1936م وثيقة يهودية مهمة تبين دور اليهود في نشأة المذهب البروتستانتي ، ومما جاء في تلك الوثيقة :
( والآن دعونا نوضح لكم كيف مضينا في سبيل الإسراع بقصم الكنيسة الكاثوليكية ، فاستطعنا التسرب إلى دخائلها الخصوصية ، وأغوينا البعض من رعيتها [ قساوستها ] ليكونوا رواداً في حركتنا ، ويعلمون من أجلنا.. أمرنا عدداً من أبنائنا بالدخول في جسم الكاثوليكية ، مع تعليمات صريحة بوجوب العمل الدقيق ، والكفيل بتخريب الكنيسة من قلبها ، عن طريق اختلاق فضائح داخلية ، ونكون بذلك قد عملنا بنصيحة أمير اليهود ، الذي أوصانا بحكمة بالغة : دعوا بعض أبنائكم يكونون كهنة ورعاة أبرشيات [ من أماكن العبادة عند النصارى ]، فيهدمون كنائسهم.
ومع الأسف الشديد ، لم يبرهن جميع اليهود من أبناء العهد عن إخلاصهم للمهمة الموكلة إليهم ، فخان كثيرون العهد ، لكن الآخرين حافظوا على عهدهم ، ونفذوا مهماتهم بشرف وأمانة.
نحن أباء جميع الثورات التي قامت في العالم ، ونستطيع التصريح اليوم بأننا نحن الذين خلقنا حركة الإصلاح الديني للمسيحية. فكالفن [ هو أحد القساوسة الذين أدوا دوراً مشابهاً لدور مارتن لوثر] كان واحداً من أولادنا ، يهودي الأصل ، أمر بحمل الأمانة ، بتشجيع المسؤولين اليهود ، ودعم المال اليهودي ، فنفذ مخطط الإصلاح الديني ، كما أذعن (مارتن لوثر) لإيحاءات أصدقائه اليهود ، وهنا أيضاً نجح برنامجه ضد الكنيسة الكاثوليكية ، بإدارة المسؤولين اليهود وتمويلهم ، ونحن نشكر البروتستانت على إخلاصهم لرغباتنا ، برغم أن معظهم ، وهم يخلصون الإيمان لدينهم ، لا يعون مدى إخلاصهم لنا ، إننا جد ممتنون للعون القيم الذي قدموه لنا في حربنا ضد معاقل المدنية والمسيحية ، استعداداً لبلوغ مواقع السيطرة الكاملة في العالم) .

ـ وفي عام 1544م نشر (مارتن لوثر) أفكاره الصهيونية عن عودة اليهود إلى فلسطين بحجة التخلص منهم ، حيث ذكر في كتابه ( اليهود وأكاذيبهم) ما نصه :
( من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى يهودا ، لا أحد... إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون لرحيلهم النهائي ، لا لشيء إلا لنتخلص منهم ، إنهم عبء ثقيل علينا) .
وهذا النص هو أول نص يدعو من خلاله قس نصراني إلى عودة اليهود إلى فلسطين بجهد وتدخل من البشر ، وعدم ترك ذلك إلى قدر الله ، وهو ما كان يؤمن به اليهود ، حيث كانوا ينظرون إلى النبوءة المزعومة الواردة في سفر التكوين من توراتهم المحرفة والمتعلقة بزعمهم أن الله سبحانه وتعالى قد خاطب إبراهيم عليه السلام ووعده أنه سيعطي فلسطين لنسله ، كانوا ينظرون إلى أن تحقيق تلك النبوءة متروك لقدر الله ، وليس للبشر حق في التدخل لتحقيق هذه النبوءة.
و حيث أن الصهيونية هي : حركة سياسية دينية تقوم على تدخل البشر في تحقيق النبوءة المزعومة عن عودة اليهود إلى فلسطين، وأما صهيون الذي اشتقت منه تسمية هذه الحركة فهو: اسم جبل في القدس ، وقيل إنه من أسماء القدس.
فيكون بذلك ( مارتن لوثر) أول من أطلق شرارة الصهيونية المسيحية والتي يعد ظهورها سابقاً على ظهور الصهيونية اليهودية بعدة قرون.

الصهيونية المسيحية:

كان لليهود المهاجرين من أسبانيا إلى أوربا ـ وبخاصة فرنسا وهولندا ـ أثرهم البالغ في تسرب الأفكار اليهودية إلى النصرانية من خلال حركة الإصلاح، وبخاصة الاعتقاد بالوعد الإلهي بأرض الميعاد ، و بأن اليهود هم الأمة المفضلة و شعب الله المختار ، كذلك أحقيتهم في ميراث الأرض المباركة.
وكانت هزيمة القوات الكاثوليكية وقيام جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية عام 1609م بمثابة انطلاقة للحركة الصهيونية المسيحية في أوربا، مما ساعد على ظهور جمعيات وكنائس وأحزاب سياسية عملت جميعاً على تمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومن أبرز هذه الحركات:
1ـ الحركة البيوريتانية التطهيرية التي تأسست على المبادئ الكالفينية بزعامة السياسي البريطاني أوليفر كروميل 1649-1659م الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة إسرائيل إلى أرض أجدادهم حسب زعمه.
2ـ و في عام 1807م أُنشئت في إنجلترا جمعية لندن لتعزيز اليهودية بين النصارى وقد أطلق اللورد ريرل شانتسبري 1801-1885م، أحد كبار زعمائها شعار: "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن" الأمر الذي أدى إلى أن يكون أول نائب لقنصل بريطانيا في القدس وليم برنج أحد أتباعها، ويعتبر اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا 1784-1765م من أكبر المتعاطفين مع أفكار تلك المدرسة الصهيونية المسيحية ، وأيضاً فإن تشارلز. هـ. تشرشل الجد الأعلى لونستون تشرشل – رئيس الحكومة البريطانية الأسبق – أحدُ كبار أنصارها.

من انجلترا إلى أمريكا :
انتقلت الصهيونية المسيحية مع البروتسانتية إلى أمريكا من خلال الهجرات المبكرة لأنصارها نتيجة للاضطهاد الكاثوليكي، وقد استطاعت تأسيس عدة كنائس هناك من أشهرها الكنيسة المورمونية ، كما يعتبر سايسروس سكلوفليد 1843م الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية في أمريكا.
و قد لعبت تلك الكنائس دوراً هامًّا في تمكين اليهود من احتلال فلسطين واستمرار دعم الحكومات الأمريكية لهم من خلال العديد من اللجان والمنظمات والأحزاب التي أنشئت من أجل ذلك ومن أبرزها:
1ـ الفيدرالية الأمريكية المؤيدة لفلسطين التي أسسها القس تشارلز راسل عام 1930 م .
2ـ واللجنة الفلسطينية الأمريكية التي أسسها في عام 1932 م السناتور روبرت واصر، وضمَّت 68 عضواً من مجلس الشيوخ، و200 عضواً من مجلس النواب وعدد من رجال الدين الإنجيليين، ورفعت هذه المنظمات شعارات: الأرض الموعودة، والشعب المختار.
كما اهتمت الكنيسة البروتستانتية بنشر الإنجيل في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تطور عملها في شكل منظمات وإرساليات، ووضعت اللوائح والقوانين المنظمة لها وكذلك الميزانيات اللازمة. ومن ثم انتقل العمل التبشيري البروتستانتي إلى القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة التي كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيدة البروتستانتية. ومن أوائل الذين قادوا حركة التبشير: جوف وسلي، ووليام ولبرفورس، ووليام كيري، أبو المبشرين المحدثين .
وفي العصر الحديث تعتبر الطائفة التدبيرية التي يبلغ عدد أتباعها 40 مليون نسمة تقريباً والمعروفة باسم الأنجلو ساكسون، البروتستانت البيض من أكثر الطوائف مغالاة في تأييد الصهيونية، وفي التأثير على السياسة الأمريكية في العصر الحاضر، ومن أشهر رجالها اللاهوتيين: بيل جراهام، وجيري فولويل، و المبشر المشهور "جيمي سويجارت". ومن أبرز رجالها السياسيين الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريجان" .

ومضات:

ـ لم تكن عقيدة التثليث معروفة في عصر الحواريين ( العصر الرسولي ) ، بل تعترف دائرة المعارف الفرنسية أنَّ :
" تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق ، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله " . وتستشهد على ذلك بأقوال قدماء المؤرخين مثل جوستن ماراستر من القرن الثاني الميلادي حيث يصرح بأنه كان في زمنه في الكنيسة مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح ، ويعتبرونه إنساناً بحتاً ، وأنه كان أرقى من غيره من الناس ، وحدث بعد ذلك أنه كلما تنصر عدد من الوثنيين ظهرت عقائد جديدة لم تكن من قبل ، و ذلك لضياع النصوص الأصلية من الإنجيل نتيجة للاضطهاد من جانب وللاحتكاك والتأثر بالفلسفات والحضارات الشرقية والوثنية من جانب آخر.

ـ حملت الديانة النصرانية المحرفة عوامل اختلافها وتناقض نصوصها ، الذي ظهر بشكل واضح من خلال المجامع المختلفة التي عقدت وضع أصول الدين وتشريعاته بشكل لم يرد عن المسيح عليه السلام ولا عن حوارييه .

ـ سيطرت عقائد وأفكار بولس على النصرانية ، يقول دبليو ريد :
( إن بولس قد غير النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثاني ، إنه في الواقع مؤسس المسيحية الكنسية ".
ويؤيده لوني دنيله ، وستون استيورت ، و جيمبرلين في أن بولس أضفى على المسيحية بتمزيقها إطاراً غير اليهودية ولذلك فقد صار مؤسساً لللكنائس التي أسست باسم اليسوع .
و كل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هو قبل الافتراق ، حيث كان لتلاميذ بولس من أمثال لوقا ويوحنا دور كبير في إخفاء تاريخها بعد الخلاف بينهما ، وهذا ما أيدته دائرة المعارف البريطانية من أن قوة نفوذ وأتباع بولس أخفت تاريخ كل من يعارض بولس مثل برنابا وبطرس.

- هناك رسالتان تنسبان لبطرس يوافق فيهما أفكار بولس ، أثبتت دائرة المعارف البريطانية أنهما ليستا له وأنهما مزورتان عليه حيث تتعلق بتاريخ ما بعد موته ، ولم تقبلها كنيسة روما إلا في سنة ( 264م ) بينما اعترفت بهما الإسكندرية في القرن الثالث .

- بل إن هناك نصوصاً عديدة في الرسائل تثبت زيف زعم بولس بأنه يوحى إليه ، وتبين كذلك تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السلام .
ـ وكذلك بالنسبة للرسالة المنسوبة ليعقوب السرياني ، حيث يؤكد المؤرخون عدم صحة نسبتها إليه أيضاً ، إذ أن يعقوب كان ينتقد بولس كثيرا لعدم عدم عمله بشريعة التوراة ، و يلزمه بأداء الكفارة لمخالفته لها ، بينما هذه الرسالة المزعومة تخالف ما هو ثابتٌ عن يعقوب.
ـ لم تعرف الأناجيل الأربعة المتفق عليها عند النصارى اليوم المعرفة الكاملة قبل مجمع نيقية ( 335م ) حيث تم اختيارها من بين عشرات الأناجيل ، وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها ، وإنما تم الاعتراف فها فيما بعد .

- إن تلاميذ المسيح عليه السلام ليسوا بكُتَّاب هذه الأناجيل فهي مقطوعة الإسناد ، والنصوص الأصلية المترجم عنها مفقودة ، بل ونصوص الإنجيل الواحد متناقضة مع بعضها فضلاً عن تناقضها مع غيرها من نصوص الأناجيل الأخرى مما يبطل دعوى أنها كتبت بإلهام من الله تعالى .

- هناك مئات النصوص في الأناجيل الأربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إلها ، وأنه ابن الإنسان وليس ابن الله ، وأنه جاء رسولاً إلى بني إسرائيل فقط ، مكملاً لشريعة موسى وليس ناقضاً لها .

- وهناك نصوص أخرى تدل على أن عيسى لم يصلب وإنما أنجاه الله ورفعه إلى السماء ، وتدحض كذلك عقيدة الغفران ، وتبين أن الغفران يُنال بالتوبة وصلاح الأعمال .

ـ هناك نصوص إنجيلية تؤكد بشارة عيسى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

ـ لقد تدخلت السياسة والحكام في تقرير عقائد الكنيسة وتبديلها من خلال المجامع المختلفة ، وأن الأصل في الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية لا ينشأ عن موقف عقدي يقدر ما هو محاولة إثبات الوجود والسيطرة .

ـ للقارئ أن يقارن هذا الاضطهاد المسيحي المسيحي داخل الديانة الواحدة بروح التسامح التي باشر بها الفاتحون المسلمون فتح تلك الممالك النصرانية فعلى سبيل المثال فحين افتح عمر رضي اله عنه بيت المقدس كتب لأهل بيت المقدس من النصارى عهدا ـ و الذي يُعد نصا تاريخيا هاماً و مرجعاً تشريعيا لدى المسلمين ـ ، هذا نصُّه :
( بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِالرّحيمِ ،هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم) .

و أما عن تسامح عمر رضي الله عنه مع يهود بيت المقدس فإنه لما فتح بيت المقدس أمر بتحقيق موضع الكناسة حتى قيل أنه كنسها بردائه ، والصخرة ، فلما وجدت أمر بإزالة ما عليها من قبل البعثة بنحو من ثلثمائة سنة طهَّروا مكانكان النصارى لما حكموا بيت المقدس الملك قسطنطين ، ثم أمرت ابنها فبنىالقمامة واتخذوه كنيسة هائلة بنتها هيلانة أم للنصارى بيت لحم على موضع الميلاد، و اتخذ النصارى مكان قبلة اليهود مزبلة أيضا في مقابلة ما صنعوا من قبلُ بالنصارى،
و الله أعلم ، وصلى الله و سلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد آل مبارك
  • مقالات
  • تحقيقات ومؤلفات
  • فرق ومذاهب
  • تراجم
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية