اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/almgamce/30.htm?print_it=1

تأملا ت في سورة المائدة

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

الشيخ صالح بن عواد المغامسي

 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.

أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


وهذا بعون الله وتوفيقه لقاؤنا حول تفسير سورة المائدة وبه نختم إن شاء الله تعالى هذه السورة، وقد بينا غير مرة أن من منهجنا في التفسير
أننا ننتقي ونختار آيات من السورة التي نعنى بتفسيرها وما كان من الآيات معنيا كثيرا بالفقهيات نحاول أن نبتعد عنه لأن هذا له موطن آخر.

 
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (111) سورة المائدة، إلى آخر السورة.

فنقول مستعينين بالله تبارك وتعالى:

هذه الآيات تتكلم عن نبي الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وقد جرت سنة الله تبارك وتعالى في خلقه أنه ما بعث رسولا إلا وفي الغالب يؤيده بأنصار وأصحاب يعضدونه كما قال الله في حق نبينا صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62) سورة الأنفال
، كما يجعل فريقا آخر يقاوم ذلك النبي ويعاديه قال الله جل وعلا :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (31) سورة الفرقان.

وفي هذه الآيات يخبر الله جل وعلا أنه قذف وألهم في قلوب الحواريين الذين هم أنصار عيسى ابن مريم قذف الله جل وعلا في قلوبهم محبة عيسى والإيمان بالله جل وعلا من قبل ونصرة ذلك النبي الكريم صلوات الله عليه وعلى نبينا.


فقال الله جل وعلا :
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} :
و((
أوحى)) في القرآن تأتي على ثلاثة أضرب: تأتي بمعنى الإرسال: وهو الذي يختص بالنبيين وكنا قد تكلمنا عن هذا سلفا وقسمناه إلى عدة أقسام فالوحي الذي يكون به الإنسان نبيا هذا يسمى إرسال.
ويأتي على عدة هيئات بيناها في درس سابق قلنا منها: يأتي بأن يكلم الله جل وعلا العبد من وراء حجاب أو يرسل جبرائيل بذاته أو أن يكون شيئا يقذف في قلب ذلك النبي. وهذا النوع هو الذي يميز به النبيون عن غيرهم.


والنوع الثاني:
وحي بمعنى الإلهام قال الله جل وعلا {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقال الله تبارك وتعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} فوحي الله جل وعلا إلى النحل ووحي الله تبارك وتعالى إلى أم موسى لا يجعل من النحل ولا من أم موسى أنبياء ولكن المقصود الإلهام الذي وضعه الله جل وعلا في النحل ووضعه الله جل وعلا عند أم موسى. وهذا الثاني هو الذي قصده الله بقوله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} أي ألهمتهم الإيمان بالله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم.

 النوع الثالث:
الوحي بمعنى الأمر قال الله جل وعلا : {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا* وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} هذه {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي بأن الله أمرها فأصبح ينجلي عن هذا أن الوحي في القرآن على ثلاثة أضرب:

وحي بمعنى الإرسال. ووحي بمعنى الإلهام.ووحي بمعنى الأمر. وقول الله جل وعلا { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} هو من النوع الثاني أي إذ ألهمت الحواريين أن يؤمنوا بي وبرسولي.
قال الله جل وعلا : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ} أي الحواريون
{آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}.

 اختلف في المخاطب بـ اشهد هل هو الله أو عيسى؟
وقواعد القرآن لا تنافي الاثنين أي أشهدوا الله وأشهدوا عيسى على أنهم مسلمون {وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} .
ثم قال الله جل وعلا بعد أن ذكر أن الحواريين كانوا أنصارا لعيسى ابن مريم أي خلصاء وأصحاب وأصفياء ويعضدونه ويؤمنون بالله قال الله جل وعلا: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (112) سورة المائدة.


أولاً المبحث الأول:

هذه الآية فيها قراءتان:
القراءة الأولى المشهورة التي بين أيدينا {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا} والقراءة الثانية {هل تستطيع ربَّك} بالتاء بدلا من الياء وبنصب رب بدلا من رفعها, قلنا القراءة التي نقرؤها اليوم: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} على أن يستطيع فعل ورب فاعل، والقراءة الثانية {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } سنبين الأمرين نبدأ بالثانية لأنها مبهمة: إذا قلنا بقراءة الكسائي ومن وافقه من القراء على أن الآية {هل تستطيع ربك} يصبح معنى الآية مع تقدير المحذوف: هل تستطيع خطاب لعيسى هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء! وهذه القراءة قلنا قرأ بها الكسائي وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تختارها. يصير يصبح معنى الآية هل تستطيع - الخطاب لعيسى- أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء. وعلى القراءة الأولى وهي قراءتنا في المصحف الذي بين أيدينا يصبح معنى الآية {هل يستطيع ربك} الاستطاعة المعروفة لكن بالطبع ليس المقصود إظهار عجز الله كما سيأتي.

{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} عندما يتكلم الإنسان مفسر أو غيره عن أمر لا بد أن يستصحب واقع الحال هؤلاء الذين يتكلمون ويسألون عيسى هم أنصاره وحواريوه وأصفياؤه فلا يعقل أبدا أن الحواريين يشكون في قدرة ؟ في قدرة الله، لو كانوا يشكون في قدرة الله لما أصبحوا أصلا مؤمنين فضلا على أن يكونوا حواريين لعيسى ابن مريم. لكن المقصود أنهم أرادوا أمرا زيادة في اليقين كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما نص القرآن بذلك {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (260) سورة البقرة. فالذي يظهر خروجا من خلافات المفسرين أن سؤال الحواريين هنا من نوع سؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء}
ما المائدة؟
المائدة الطعام الموجود في مكانه المعد للأكل وهو لا يخلو من أن يكون على أحد حالين:

إن كان على خوان، خوان الذي يسمى اليوم طاولة الطعام الذي له قوائم هذا في اللغة يسمى خوان بضم الخاء ويسمى خوان بكسر الخاء، هذا ما يسمى في عصرنا بطاولة الطعام إذا كان عليه طعام يسمى مائدة ولا يسمى مائدة إن لم يكن عليها طعام، تسمى خوان.

وإن كان على ما يسمى اليوم السفرة وهي كلمة فصحى إذا وضع على السفرة يسمى مائدة، ما دام موجود طعام يسمى مائدة، فإن كانت السفرة خالية من الطعام لا تسمى مائدة. وإن كان الخوان - الذي له قوائم الطاولة - ليس عليها طعام لا تسمى مائدة.

المقصود أن الحواريين طلبوا ماذا؟ طلبوا طعاما، طلبوا طعاماً إذا عرجنا الحديث النبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه كما عند البخاري من حديث أنس: ( لم يأكل على خوان قط ) أي ما يسميه اليوم الناس طاولة طعام نقل أنس رضي الله عنه وهو خادم نبينا صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأكل على خوان أي على ما يسمى طاولة طعام قط ولا يعني هذا التحريم قطعا لأن الفعل المجرد لا يدل على حكم ولكنه عليه الصلاة والسلام كان نبيا عبدا ولم يكن نبيا ملكا وكان الأكل على الخوان من دأب الملوك، فكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل حتى يكون أقرب إلى العبودية ولذلك قيل لقتادة راوي الحديث، الحديث رواه البخاري عن أنس لكن الذي روى الحديث عن أنس قتادة بن دعامة السدوسي المشهور قتادة قيل له وهو يحدث قال: حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث فيه ثلاثة أشياء الذي يهمنا منها: (وما أكل على خوان قط)، فقيل لقتادة: " على أي شيء كانوا يأكلون؟ "قال : "على السفرة " . والسفرة في السابق كان لها معاليق فتجمع بعضها على بعض وتعلق فيوضع فيها الطعام أحيانا لأن طعامهم كان غالبا ليس ما يحفظ في الثلاجات اليوم وإنما غالب الطعام تمر أو شيء يحفظ فكان يوضع بعضه في السفرة فتعلق فإذا وضعت بين أيدي الناس مدت فإذا مدت أسفرت عما فيها فلما كان الطعام يسفر عما فيه سميت سفرة. وقيل إن السفرة اسم للطعام لكن الأول أقرب فيما نعلم. هذا الطلب الذي تقدم به الحواريون إلى عيسى.

قال لهم عيسى عليه السلام : {اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} كأنه عليه السلام استعظم الطلب فلما استعظم الطلب أدلى الحواريون بحجتهم في بيان سبب أنهم طلبوا هذه المائدة، {قَالُواْ} أي الحواريون {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ}، ذكروا كم تعليل؟ أربعة،


الآن قبل أن نعرج على التعليلات التي ذكرها الحواريون نقول :
إن الحوار والأخذ والعطاء أمر محمود لا يوجد أحد منزه عن الخطأ إلا الأنبياء بما عصمهم الله جل وعلا به، كون الإنسان يناقش ويأخذ ويعطي ويقبل أن يعترض عليه ويعترض على غيره ويقدم أدلة هذا أمر محمود فهذا نبي يطلب منه أنصاره مائدة يقول : {اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يردون عليه يخبرون السبب {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا.. } إلى آخر الآية، ففيه أخذ وعطاء ذلك الرجل المعصوم الذي يجلس على كرسي وينبغي ألا يقول إلا الحق لا يوجد ، لا يوجد ولا تبحث عنه، فإن العصمة خصها الله جل وعلا بأنبيائه ورسله وقلنا مرارا المشهور من أقوال العلماء قال مالك رحمه الله : " ما منا إلا وراد ومردود عليه " وقال الشافعي رحمه الله تعالى: " ما أعلم أحدا حفظ السنة كلها "، وقال غيره أشكل من هذا، فلا يوجد أحد تحارب وتعادي وتوالي وتخاصم من أجله، أن مجرد فلان قال ينبغي أن يكون حق لا، لا يوجد هذا الرجل إلا قول نبينا صلى الله عليه وسلم، أما غيره مهما بلغ يعرض قوله على الكتاب والسنة فيقبل ما هو حق ويعتذر له عما أخطى فيه.

فواجب عند اختلاف الفهم  ***   إحساننا الظن بأهل العلم

تعتذر له لكن لست ملزما بقوله، والناس منذ أن كانوا يأخذون ويعطون ويقبلون، ومن دلالة علو كعب العالم أنه يناقش ويأخذ ويعطي لكن المهم أن يكون المراد من المناقشة والأخذ والحوار والوصول إلى الحق ليس قضية المجادلة وإظهار علو الصوت ونبذ الأقران والتعالي على الناس، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (83) سورة القصص.

(
قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}
{قَالُواْ}
أي الحواريون {نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} نأكل منها إما لحاجتهم من الفقر الذي كانوا عليه وإما وهو الأظهر أنها لكونها منزلة من السماء بإذن من الله وفضل منه تكون مباركة طيبة فيحسن بلا شك الأكل منها .

{نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}
:
{تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}
ينتقلون ينتقلون إلى مرحلة تسمى عين اليقين . لأن الإنسان إذا حدثه أحد من الصادقين بشيء فهذا يقين لكنه إذا رأى الشيء بعينه انتقل من اليقين إلى عين اليقين،ومن أظهر الأدلة موسى عليه السلام فإن الله جل وعلا أخبر موسى أن قومه عبدوا العجل من بعده فلما أخبره الله جل وعلا اشتاط غضبا ورجع والله تبارك وتعالى أخبر موسى أن قومه اتخذوا العجل من بعده فلما رجع إلى قومه رآهم بعينه يعبدون العجل كان هذا أعظم في عينه أوقع أثرا في نفسه ليس الخبر كالمعاينة فألقى الألواح، لأن الشيء الذي تراه بعينك مهما بلغ ليس كما يقال لك.

نقول هم أرادوا أن يصلوا إلى مرحلة عين اليقين في أنهم يروا المائدة تنزل فيكون إيمانهم أرفع.

 
وقد قال العلماء من الفوائد:
أن الإنسان يجدد إيمانه يبحث عن وسائل تزيد من إيمانه ما بين الفينة والفينة وما بين الحين والآخر.
أما ماذا يزيد إيمانه؟ فهذا باب واسع.


{وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا}
والخطاب لعيسى {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} نخبر من بعدنا أن هناك مائدة نزلت فيصبح في فوائد دنيوية وفوائد دينية، فوائد دينية أننا نخبر الناس ونشهد على صدقك وفوائد دنيوية أننا نأكل ونطعم ونسد جوعنا.

{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ}
عيسى اقتنع بقولهم قيل: جاء في بعض الآثار أنه أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوما فصاموا فدعا ربه.

قال الله جل وعلا بعدها:
{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (114) سورة المائدة.

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}
أي النبي {اللَّهُمَّ} نحويا أصلها يا الله، نحويا أصل هذا النداء يا الله كلمة {اللَّهُمَّ} أصلها يا الله وإنما العرب تحذف أحيانا حرف النداء فلما حذفت حرف النداء في يا الله عوضت بدلا منه بالميم. - أعيد – أصل اللهم : يا الله ثم حذفوا حرف النداء الذي هو الياء ثم أضافوا ميما بدلا من الياء المحذوفة فأصبحت اللهم، ولا يقال (يا اللهم) بالميم والياء، فلا يجمع ما بين البدل والمبدل منه، لا يجمع ما بين البدل والمبدل منه إلا عند الضرورة الشعرية كما نقل سيبويه وغيره رحمهم الله عن الراجز أنه قال:

إني إذا ما خطب ألما * أقول يا اللهم يا اللهم

هذا شاهد نحوي المقصود به الجمع بين البدل والمبدل منه، لكن لا يقاس عليه لكن الأصل كما قلنا أن الياء حذفت وأبدلت عنها الميم.

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا}
وأصلها يا ربنا وحذف حرف النداء فأصبحت رب منادى ولأنه مضاف نصب مباشرة فلذلك جاءت الفتحة على الباء. {رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} الآن الذي يدعو عيسى ثم نعت تلك المائدة ذكر بعض أوصافها وتعليلات لذلك الطلب {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

 
ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام في دعائه لربه مصلحتين:

المصلحة الدنيوية :
{وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} و {تَكُونُ لَنَا عِيداً} .

المصلحة الدينية :
أنه قال {وَآيَةً مِّنكَ} أي علامة وأمارة على أنك قبلت دعاءنا فيكون ذلك سبب في أن يدخل الناس في الدين بعد ذلك أفواجا.

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}.

العيد الشيء الذي يعود ويتكرر لكن لا ينبغي أن يكون ثمة عيد إلا بإذن شرعي، أما أن يتخذ الإنسان من أي مناسبة دينية أو غير دينية عيدا فهذا أمر إذا ربطها بالدين لا يجوز شرعا أما إذا جعلها من باب العادات هذا باب واسع لا يحسن تفصيله الآن، لكن نقول الأشياء الشرعية لا تثبت إلا بشيء شرعي فمثلا : الله جل وعلا على مر العصور يجعل من بعض عبادات أنبيائه ورسله سننا يجتمع الناس عليه فمثلا كلنا الآن في الطواف والسعي نمر على الصفا والمروة لنحيي سنة هاجر لكن هذا الإحياء لم يكن من أنفسنا إنما كان بإذن من مَن؟ كان بإذن من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نطوف بالبيت كما طاف به إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبل ونرمي الجمار كما رماها إبراهيم من قبل فنحيي ملة إبراهيم لكن هذا أمر لم نجتهد به نحن من أنفسنا وإنما شرعه الله تبارك وتعالى لنا والدين لا يكون باجتهاد شخصي أبدا قال الله جل وعلا {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (21) سورة الشورى
.

{ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

قال الله بعدها:
{قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} (115) سورة المائدة.

أولا ً: اختلف العلماء هل أنزل الله جل وعلا المائدة أو لم ينزلها؟

 الله جل وعلا قال {إِنِّي مُنَزِّلُهَا} وليس في القرآن أن الله أنزلها فجمهور العلماء من المفسرين على أنها أُنزلت، وقالوا: " إن هذا وعد من الله لنبيه والله لا يخلف الميعاد "، وهو الذي نختاره.

ذهب مجاهد رحمه الله تعالى
المفسر المعروف تلميذ ابن عباس رضي الله عنه إلى أن الله لم ينزلها لأنه مجرد مثل ضربه الله في كتابه، وهذا أبعد الأقوال عن الصواب في ظننا.
القول الثالث
قاله الحسن البصري رحمه الله تعالى وتبعه عليه بعض المفسرين وهو: أن الله لما قال لهم {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} خافوا وطلبوا الإعفاء من نزولها واستغفروا الله ولم تنزل المائدة. هذا قول الحسن البصري رحمه الله . الذين قالوا بهذا الرأي من أدلتهم أن هذه المائدة لم تذكر في الإنجيل الذي بين أيدينا والنصارى لا يعرفون قصتها إلا من القرآن،من أدلة من قال أنها لم تنزل أنهم قالوا إنها غير مذكورة في الإنجيل الموجود وأن النصارى لم يفهموها إلا من المؤمنين . رد جمهور العلماء على هذا القول بأن كونها لم تذكر في الإنجيل هذا من الشيء الذي نسوه الذي قال الله جل وعلا عنهم {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} فهذا من الشيء الذي أنساهم الله جل وعلا إياه. الذي نختاره والله أعلم من هذه الأقوال أن الله جل وعلا أنزلها وهو كما قلنا مذهب جماهير العلماء.

{قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}
هنا نتوقف، الآية يا أُخي إذا كان ظاهرة وأقيمت الحجة ينقطع العذر فإذا انقطع العذر أصبح الله لا يقبل عنده إما إيمان وإما كفر أو ينزل عذاب، وقف عند هذه وارجع للسيرة، دعك الآن من كتب التفسير، ارجع لسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد من طريقين بإسناد كلاهما جيد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلبت منه قريش أن يجعل لهم الصفا – الصفا الجبل المعروف - طلبت منه قريش أن يجعل لهم الصفا ذهبا قالوا : " إن جعلت الصفا ذهبا آمنا بك! " فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو أن يجعل الله الصفا ذهبا حتى يؤمنوا فبعث الله إليه جبرائيل عليه السلام أو ملكا غيره أخبره أنه لو جعل الله الصفا ذهبا ولم يؤمنوا فإن الله سيهلكهم عن بكرة أبيهم، طبعا إذا هلكوا عن بكرة أبيهم لن يكون منهم ماذا؟ مؤمنين لأنهم انتهوا لكن إذا بقوا ولم يهلكهم الله فيه أمل أنهم هم يؤمنوا أو فيه أمل أن يأتي من ظهورهم من؟ من يؤمن، إما أنهم هم يؤمنون كما حدث أو أن يأتي من ظهورهم مؤمنين فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوا على حالهم حتى يؤمن منهم من يؤمن أو أن يخرج الله من ظهورهم من يؤمن بالله ومن يعبد الله لا يشرك به شيئا. ولذلك قال الله في سورة الإسراء {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (59) سورة الإسراء. والله إذا أراد أن يرحم أمة أمات نبيها قبل إهلاكها.  فيكون النبي فرطا سابق لأمته وإذا أراد الله أن يهلك أمة أبقى نبيها حيا وأهلكها ونبيها ينظر ليكون أقر لعينه وأهلك لمن عصاه كما هو دأب الله في سنن الأنبياء الذين قبلنا فقوم صالح قوم نوح قوم لوط كلهم أهلكوا وأنبياءهم ينظرون إليهم قال الله جل وعلا عن صالح {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل : 53] بعد أن أخبر أنه أهلك قومه وكذلك قال الله عن شعيب وكذلك الله قال عن عاد وغيرهم من الأمم وهذا أظنه ظاهر. {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.

وقد قلنا في درس سابق أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن أعظم الناس عذاباً ثلاثة:

 أتباع آل فرعون قال الله جل وعلا :{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (46) سورة غافر، والذين كفروا بالمائدة بعد نزولها من قوم عيسى قال الله جل وعلا :{فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} والثالث المنافقون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (145) سورة النساء
، ويظهر لي أن هؤلاء المنافقين هم أشد خلق الله جل وعلا عذابا. بهذا انتهت مسألة المائدة.

ثم قال الله جل وعلا بعدها:
{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}(116) سورة المائدة. إلى آخر السورة.

هذا الموقف موقف في الآخرة أما موقف المائدة كان أين؟ كان في الدنيا، أما هذا موقف في الآخرة وإن قال بعض العلماء أنه موقف دنيوي لكنه بعيد كونه جاء بصيغة الماضي لا ينفي أنه سيكون يوم القيامة. {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} نحن نعلم أن الله يعلم أن عيسى ابن مريم لم يقل هذا للناس والله ما أراد بهذا السؤال توبيخ عيسى وإنما أراد الله  تقريع النصارى وتوبيخهم في يوم العرض الأكبر على ما اتهموا به نبيهم كذبا أنه دعاهم إلى عبادة نفسه وإلى عبادة أمه وقالوا بالأقانيم الثلاثة وزعموا أن المسيح ابن الله فأراد الله جل وعلا أن يبطل كيدهم ويظهر كذبهم على ملأ من الأشهاد بنطق عيسى نفسه فيقول الله جل وعلا يوم يحشر العباد، يوم الحشر يوم عظيم وقد مر بكم في حديث الشفاعة أن الأنبياء يقولون جميعا: (إن الله غضب غضبا لم يغضب قلبه ولا بعده مثله) فيتدافعون الشفاعة أولو العزم من الرسل حتى تصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالموقف موقف جليل وخطب عظيم ودعاء النبيين يومئذ (اللهم سلم سلم).

في هذا الموقف في هذا الشأن يسأل الله جل وعلا عيسى {أأنت} كم همزة؟ همزتان، الهمزة الأولى للاستفهام والهمزة الثانية من  أصل الكلمة، {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} بدهيا كان المفروض عيسى يقول لا أو يقول لم أقله، لكن عيسى في هذه الآيات كما سيأتي ضرب أروع الأمثلة في الأدب مع الرب جل وعلا بدأ جوابه بقوله {سُبْحَانَكَ}.


وقد قال بعض العلماء
إن عيسى عليه السلام قدم الجواب بكلمة سبحانك لسببين:
قدم الجواب بكلمة (سُبْحَانَكَ) لسببين :
الأول منهما:
تنزيه الله عما أضيف إليه .
والأمر الثاني:
الخضوع لعزة الله والخوف من سطوته.

من أجل ذلك قال هذا النبي الكريم {سُبْحَانَكَ} ثم قال بدأ يدخل في الجواب قال : {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} في أشياء يا أخي تملكها وفي أشياء أنت لا تملكها من أعظم ما لا نملكه أننا عبيد، وبما أننا عبيد لا نملك أن نتكلم كما يتكلم الرب سبحانه وتعالى ولا نطالب بحق الألوهية لأننا لسنا آلهة فلا إله إلا الله وكل أحد سوى الله مربوب وعبد والله جل وعلا وحده هو الإله وهو الرب لا رب غيره ولا إله سواه. فهذا الحق أنه يعبد أحد من دون الله لا يستحقه إلا الله فلا يمكن أن يأتي أحد لا يملك هذا الحق فيطلبه لنفسه، فعيسى يقول أنا مربوب وعبد ولا أملك أن أطلب من الناس أن يعبدوني من دونك لأنه هذا ليس في حق فيه فمقام الألوهية غير مقام العبودية .


{مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}
ثم لم يقل أنا لم أقله، قال تأدبا مع ربه: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}، وهذا الجواب لا يكون إلا مع من؟ إلا مع الله، لا تستطيع أن تجيب أحدا من الناس بهذا الجواب، مستحيل هذا الجواب لا يمكن أن يكون إلا مع الله . مع الناس تقول لم أقله أو تقول قلته، ذهبت إلى مكان كذا أو لم تذهب؟ تقول لمن سألك ذهبت أو لم أذهب، لكن ما يعقل أن تقول له إن كنت ذهبت فأنت تعلم أني ذهبت! من أين يعلم أنك ذهبت؟ هذا جواب لا يقال إلا لمن؟ إلا لله.

{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي
وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وهذه واضحة لا تحتاج إلى بيان {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} فما من غيب إلا والله جل وعلا يعلمه كما قال لقمان لابنه :{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (16) سورة لقمان.

{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي
وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}
ثم أخذ يبرئ ساحته أمام النصارى قال:{مَا قُلْتُ لَهُمْ}هذه ما نافية{إِلاَّ}هذا استثناء{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}فأنا عبد أنفذ أوامرك وأؤدي ما أوكلته إلي ولا أستطيع أن أخرج عن أمرك مثقال ذرة{مَا قُلْتُ لَهُمْ إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}هذه {أَنِ} حرف تفسير لا محل له من الإعراب فأصبحت جملة{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} مفسرة لقوله :{إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} يعني ما الذي أمرتني به؟{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} . وقد مر علينا هذا في سورة البقرة ومنه قول الله جل وعلا : {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ}أي أمر؟{أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}(66) سورة الحجر، فهذه{أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}مفسرة لقول الله جل وعلا : {ذَلِكَ الأَمْرَ} . كذلك هذه قول الله تبارك وتعالى{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}مفسرة لقول الله تبارك وتعالى{إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} . فعيسى عليه السلام قبل أن يقرر أن الله رب لهم قرر أن الله رب له هو {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} وهذا هو التوحيد الذي بعث الله جل وعلا به الرسل من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذي لا يقبل الله من أحد صرفا ولا عدلا إلا بتحقيقه.


{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}{وَكُنتُ}
يتكلم عن نفسه { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} قوله {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} أنه عبد متى ما وضع أو رفع لا يعلم شيئا ولا يوجد عاقل يدعي أنه يفهم كل شيء أو يعلم كل شيء، النبي عليه الصلاة والسلام كما قلنا هذا مرارا كان يعيش في المدينة حوله فيه المدينة فيه مهاجرين فيه أنصار فيه يهود فيه منافقين فالله يقول لنبيه:{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}(101) سورة التوبة .

 قال العلماء إذا جاز على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: أن يكون له جيران يسكنون مدينته ولا يعلم أنهم يكيدون له وأنهم منافقون فمن باب أولى أن يخفى ذلك على من دونه وكل الناس دونه صلوات الله وسلامه عليه.


{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}
وأنا بينهم أعيش أقول لهم اعبدوا الله هذا يوافق وهذا لم يوافق أنا شهيدهم هذا وافق وهذا لم يوافق هذا قبل وهذا لم يقبل هذا رضي بك ربا وهذا لم يرض.

{مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}

هذه
((تَوَفَّيْتَنِي)) فيها نوع من الإشكال:
لأن عيسى عليه السلام قطعا ليس بميت وإنما رفع إلى السماء قال الله جل وعلا {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} وهذا نص فدائما عندما تريد أن تفسر أو حتى في أي شيء في حياتك امسك أصلك إذا جاء شيء يعارض الأصل رد العارض وخليك على من؟ على الأصل إلا بعارض يفوق؟ يفوق الأصل،وأنت ماشي في حياتك في أمر دين أو أمر دنيا امسك الأصل لا تترك الأصل لأي عارض أو لأي شبهة وإنما تثبت في الأصل رد العارض وابق على الأصل حتى لو لم تفهم العارض مو لازم، لكن خليك متمسك بالأصل فالله جل وعلا تكلم عن عيسى في سورة النساء وقال إن اليهود زعمت أنها قتلته، وقال جل وعلا :{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ثم قال :{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا*بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} (157-158) سورة النساء
، هذا الله يقول في كتابه أنه رفع عيسى فلما تأتي آية أنه توفى والله يقول رفع ما يجتمع وفاة مع رفع، نبقي على الأصل الذي هو الرفع ونقول إن الوفاة هنا بمعنى الرفع ، يعني {تَوَفَّيْتَنِي} يعني استوفيت بقائي معهم ثم رفعتني، حتى نبقي على ماذا؟ نبقي على الأصل، وهذا من أخذ بهذه القاعدة يسلم في أمر دينه وأمر دنياه لأنه ليس كل شبهة تستطيع أنت أن تردها لكن حتى لو وجدت شبهة لا تستطيع أن تردها ابق على الأصل حتى يمن الله عليك بعالم تسأله عن هذه الشبهة، فيردها أما كل أصل تمسكه كل شبهة تأتيك تأخذ بها الشبه لا تنتهي ستصل إلى ما لا نهاية تتخبط بك الطرق كما هو حاصل بعض ممن ينتسب إلى العلم، كيف يتخبط ميمنة وميسرة لأنه لا يوجد أصل أصلا يقبض عليه ويمسك به، لكن يمسك الإنسان على الأصل ثم يمضي. فالأصل مثلا في المؤمن من قال لا إله إلا الله أنه مؤمن فإخراجه من الملة يحتاج إلى أصل أعظم من هذا ولا يوجد حتى هو يفرح بالكفر إذا قال أنا كافر راضي أنا كافر هذا يهدم الأصل لكن إذا فعل أفعال يعتقد أنها كفر في خلاف أنها كفر لم يرض بها ليس لك ولا لغيرك أن يكفره بمثل هذه الشبهات، ستصل إلى ما لا نهاية، وهذا الذي وقع فيه من وقع ظهر في أيام الصحابة لما كُفِّر علي وكُفّر عثمان وكُفِّر غيرهما من أضل ضـل بهذا الطريق، فلا يمسك أصل كلما جاءته شبهة يطبقها على الناس إلى ما لا نهاية الذين خاصموا علياً مروا على شجرة شجرة ليهودي فيها بلح جاءوا جوعا جاء بيخرجوا البلح قالوا هذه شجرة يهودي ما يجوز هذا ذمي مستأمن واليهودي عالم بس عناد ما يسلم، سكت عنهم وينظر فيهم بعد قليل جاء عبد الله بن خباب بن الأرت مسلم حاط المصحف في جيبه قالوا : " ماذا تقول في عثمان وعلي؟ " قال : " صحابة أخطئوا في أشياء وأصابوا في أشياء وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مردهم إلى الله "، قالوا : " إن هذا الذي في صدرك يعني القرآن يأمرنا بقتلك! لأنك ما قلت الحق! وعلي حكم الرجال في دين الله والله يقول {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} أصبح علي كافر وأنت ما ترى أن علي كافر يعني أنت ايش ؟ أنت كافر لأن من لم ير كفر الكافر فهو كافر "، كأنه يبني طوب!! وأخرجوه من ناقته ومعه زوجته وابنه ثم جاءوا إلى نهر دجلة هذا الذي في العراق وذبحوه على النهر وسال دمه على النهر!!! واليهودي ينظر! قال : " والله ما رأيت أجهل منكم؟! " ألحين أنتم – بالعامية خلنا نقول- ممتنعين عن التمر تقولوا حرام وذمة وهي كلها حبتين بلح تقولوا حرام وما يجوز وتأتون لرجل من أتباع دينكم يقول لا إله إلا الله وتذبحونه كما يذبح الشاة تقولون هذا يجوز؟! هذا يهودي فهمها. فالعاقل في كل شؤون حياته يمسك أصل ويتمسك به وليس سهلا أن تهدم الأصل لأن هذا الباب لو دخلت فيه ما تنتهي .

أنا أتكلم في مسجدي هذا تأخرت يوم عن الصلاة
صلى شخص بدلا مني فدخل رجل طيب يعني كان في واحد ساجد اللي ساجد هذا ساجد مو على أطراف الأصابع على الأمشاط معروف أن السنة على الأمشاط يعني عامي من العوام إلى الآن هذا العامي ما يدري عن القصة وهذا الرجل يعني ليس من الحي عارض، فقال أخذني بيدي وقال شوف شــوف كيف يصلي! ما طبق السجود والسجود على الأعضاء السبعة وهذا ما سجد على الأعضاء السبعة! شوف هذه الفتوى المركبة: إذن السجود غير صحيح! والسجود ركن من أركان الصلاة إذن صلاته غير – والله في المسجد- أن صلاته غير صحيحة، إذن ما كأنه صلى، إذن الرسول يقول (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) صار كافر وقعد يقول سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى اللهم اغفر لي! كله من ترك ماذا؟ من ترك الأصل فعقلك لا تعطيه لغيرك احفظ لسانك عن أعراض المسلمين عالم حاكم أمير وزير صغير كبير، في النقاش العلمي ناقش على كيفك، قل ما تشاء العلم حق مشاع ما في أحد بيده العلم كله، لكن بالذات الإخراج من الملة والإدخال في الملة هذا ليس لأحد الله يقول: {وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} احنا أطلنا بس نرجو الله الفائدة .


{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
* مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي...} قلنا إن الوفاة هنا بمعنى الرفع حتى يصير الأمر تقعيدي، الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أضرب.

 لفظ الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أضرب:
الوفاة بمعنى الموت وانقضاء الأجل، ومنه قول الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (42) سورة الزمر، أي حين انقضاء أجلها. ومنه قول الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (42) سورة الزمر.

والوفاة بمعنى النوم قال الله جل وعلا : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} (60) سورة الأنعام. الوفاة بمعنى النوم قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} (60) سورة الأنعام.  

والوفاة بمعنى الرفع وهي الآية التي بين أيدينا {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} أي رفعتني {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ولا ريب أن الله على كل شيء شهيد.


ثم قال الله جل وعلا على لسان عيسى:
{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة.

وهذه من أعظم آيات القرآن في المعاني، ومعناها كثير لكن نحوم حولها وفق التالي:


أولا معناها:

 الله جل وعلا أرحم بعباده من أنفسهم، أرحم بخلقه من أنفسهم فلما يحق العذاب على أحد فمعنى قطعا أنهم مستحق تماما للعذاب لو لم يكن عبدا متمردا مستحقا للعذاب لما عذبه الله لأن الله أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بالعبد من الوالدة بولدها، أرحم بالعبد من الوالدة بولدها فقوله: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} يعني لو ما كانوا يستحقون أنت ما عذبتهم والأصل أنهم عبادك، مملوكون لك تفعل وتحكم فيهم ما تشاء {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولم يقل عيسى هنا وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، وهذا مرده إلى أننا كما بينا قبل قليل أن الموقف موقف عظمة وخطب جليل ولا يريد عيسى أن يظهر بمظهر من يملي على ربه ما يفعل ولذلك قال بما يناسب واقع الحال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} بمعنى أنك لو غفرت غفرت وأنت قادر على أن تعذب لكن لحكمة لم تعذبهم و إلا فليس عفو الله عمن يعفو عنه لضعف أو عجز كما يفعل بعض أهل الدنيا، تجيء مثلا لمدير ضعيف شخصية ويتأخر المدرس هو خوفا منه المدرس هذا له قرابات له شفاعات يقول سامحناك المرة هذه لن نكتب فيك، فهذا عفو لكنه ناجم عن ضعف، لكن عفو الله جل وعلا عمن يعفو عنه ناتج عن عزة وقدرة و إلا فإن الله قادر على أن يعذبهم ولذلك قال عيسى {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، هذه الآية ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة لا يردد إلا هذه الآية، وثبت عند مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله جل وعلا على لسان إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (36) سورة إبراهيم، وقول الله في هذه الآية على لسان عيسى{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ثم بكى صلى الله عليه وسلم فلما بكى جاءه جبرائيل بعد أن بعثه الله سل محمدا علام يبكي؟ والله أعلم بسببه فجاءه جبرائيل سأله فقال: (إني أخشى على أمتي) فبعث الله جل وعلا جبرائيل ليقول له: (إن الله لن يسوءك في أمتك) ولهذا قال العلماء : " إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة " ، أخذوها من هذا الحديث.

أن الله جل وعلا وعد نبيه أنه لن يسوءه في أمته والله جل وعلا لا يخلف الميعاد والنبي صلى الله عليه وسلم يسوءه ألا ترحم أمته والله وعده ألا يسوءه فهذا على وجه الإجمال أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة.


ينتهي الموقف بقول الله تبارك وتعالى:
{قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} صدقوا في النيات صدقوا في الأقوال صدقوا في الأعمال فكان صدقهم هذا ينفعهم بين يدي ربهم ولذلك الجزاء من جنس العمل و{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن، فلما صدقوا مع الله قال الله جل وعلا : {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (55) سورة القمر، الجزاء من جنس العمل، قال الله جل وعلا : {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (119) سورة المائدة، هذه أتم نعمة ولا توجد نعمة بعد رؤية وجه الله أعظم من رضوان الله وهي آخر ما يعطاه أهل الجنة. بلغنا الله وإياكم رضوانه.

ثم ختم الله جل وعلا السورة كلها بقوله:
{لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (120) سورة المائدة. وقلنا مرارا إن تقديم الخبر نوع من أنواع الحصر والمعنى أن الله جل وعلا المالك وحده لما في السماوات وما في الأرض وما بينهن وما فيهن وهو تبارك وتعالى على كل شيء قادر يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد يقدم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله.

هذا ما تيسر إيراده من سورة المائدة فلله الحمد على توفيقه وإحسانه نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما قلنا. هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.

 

 صالح المغامسي
  • تأملات قرآنية
  • السيرة النبوية
  • مجمع البحرين
  • آيات وعظات
  • مشاركات إعلامية
  • خطب
  • رمضانيات
  • فوائد ودرر
  • صوتيات
  • الصفحة الرئيسية