صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تأملا ت في سورة النساء ج1

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

الشيخ صالح بن عواد المغامسي

 
إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد .

أيها الإخوة المؤمنين : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

في هذا اللقاء بعون الله وتوفيقه سننتقل إلى سورة النساء بعد أن أنهينا مواقف ثلاث مع سورة آل عمران والمناسب في الانتقال واختيار آيات اليوم قبل أن نشرع في بيان أحكام عامة من سورة النساء أن نبين أننا تحدثنا فيما مضى في سورة آل عمران عن بعض من جرائم اليهود وتكلمنا عن مسجد الصخرة وما إلى ذلك , واليوم ننتقل إلى إتمام الحديث لكن من سورة أخرى هي سورة النساء .
وننتقي بعضها للعلم ببعض من عقائد النصارى بعد أن بينا شيء من عقائد اليهود ثم نُعرج على بعض الأحكام الفقهية التي يستلزم الحديث عنها في الآيات .

فنقول مستعين بالله عز وجل .

مقدمة عن السورة وسبب تسميتها :

سورة النساء سوره مدنية ، جاءت متنوعة الأغراض كأكثر سور القرآن . ذكر الله فيها جل وعلا جملة من العقائد وجملة من الآداب وجملة من الأحكام . ولأن السورة من أكثر سور القران حديثاً عن أحكام النساء ، نُعتت بسورة النساء . وقد سبق أن بينا أن تسميت سور القران الراجح أنه توقيفي ، فعله الصحابة بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم . وهناك سورة أخرى تنعت بأنها سورة النساء الصغرى وهي سورة الطلاق .
فإذا قيل عن سورة النساء إنها سورة النساء الكبرى فإن المقصود بسورة النساء الصغرى هي سورة الطلاق لأن كلا السورتين تحدثتا كثيراً عن أحكام النساء وما يتعلق بهن .

أما الآيات التي سنتكلم عنها تفصيلاً فهي :
قول الله جل وعلا : (( يسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً )) إلى قول الله عز وجل :
(( لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً )) سورة النساء 153ـ162 .

فقد سبق أن بينا شيئا من جرائم اليهود في سورة آل عمران , وفي هذا السياق يُخبر الله جل وعلا عن تاريخ اليهود إجمالاً , لا يختص هذا السياق بمرحلة دون عينها , فالجرائم التي سيذكرها القرآن الآن وسنفسرها إجمالاً، لا تتعلق بمرحلة زمنية معينة , فمنذ موسى عليه الصلاة السلام أنزلت عليه التوراة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قرابة أكثر من ألف عام , خلال الألف عام هذه كان اليهود يعيشون بُعث إليهم مابين موسى وعيسى عليهم السلام أنبياء ، ثم بعث إليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وأعطاه الله الإنجيل . ولم يبعث أحد بعد عيسى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
عبر هذا التاريخ يذكر الله جل وعلا جملة من الخُبث الملازم لليهود في تعاملهم مع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

(( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً{153} )) سورة النساء .
فالله يقول لنبيه هؤلاء المعشر الذين يعاصرونك الآن اليهود يطلبون منك كتاباً ينزل جملة قالوا أن موسى عليه السلام جاءته التوراة جملة واحدة ، فنحن يا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لن نؤمن بك حتى تنزل علينا كتاباً جملة واحدة كما أُنزلت التوراة على موسى جملة , فرد الله جل وعلا عليهم لنبيه أن يقول لهم : (( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ )) من باب التعزية , (( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ )) . فلا تعجب يا نبينا ولا تستغرب من هذا الطلب ، لأنهم قد طلبوا طلباً أكبر منه، وهو طلبهم من موسى عليه السلام يوم قالوا له (( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً )) . وهذا وقد قلنا أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ذكره الله مفصلاً في سورة البقرة قال الله جل وعلا : (( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ{55} ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{56} )) . فهذا أول وأعظم طلبهم ، وفيه من الجرأة على الله جل وعلا مالا يخفى .

(( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ )) . لما طلبوا هذا الطلب أهلكهم الله بالموت ثم رحمهم تبارك وتعالى وأحياهم بعد ما أماتهم كما قال جل وعلا في سورة البقرة : (( ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) وهذا صريح بأن الله أماتهم ثم أحياهم .
وقد قال بعض العلماء من المفسرين : أن إماتتهم وإحيائهم كان في يوم وليلة .

(( فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ )) . " اتخذ " هذه الكلمة تنصب مفعولين ، ذكر الله واحداً منهما ولم يذكر الآخر لدلالة المعنى عليه بمعنى (( ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ )) يظهر من السياق واضح أنهم اتخذوا العجل إلهً , فإلهاً هي المفعول الثاني الذي لم يذكره الله ولأن هذا سبب نقمة الله عليهم وإلا لو أنهم اتخذوا العجل كدابة يركبونها ، أو دابة ينحرونها ليأكلوها ، أو لأعلافهم أو لأي شيء آخر لكان هذا أمر مشروع ، لكن القرآن يفسر بعضه بعضاً
والعجل اتخذوه في الفترة التي ذهب فيها موسى عليه الصلاة والسلام ليكلم ربه وجعل عليهم أخاه هارون ففي تلك الفترة لما أبطأ عليهم موسى لأن الله وعد ه ثلاثين ليلة ثم جعلها الله أربعين ليلة , فلما جعلها الله أربعين أبطأ موسى عليهم ، فلما أبطأ عليهم ملوا فصنع لهم السامري عجلاً من ذهب وجعل له طريقين يدخل منهما الهواء ، فأخذ الهواء والريح إذا دخلت من القبل وخرجت من الدبر أحدثت صوتاً فخدعهم بقوله : (( هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ))( طه : 88 ) كما أخبر الله .
هذه من جملة ما نقم الله عليهم .
الأول : أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة (( فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً )) .

الثاني : أنهم اتخذوا العجل إلهاً من بعد ما جاءتهم البينات (( ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً )) .

ثم قال سبحانه : (( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً{154} )) سورة النساء .
فهذه ثلاث وقعوا فيها .

أما رفع الطور، فالطور يطلق على الجبل الذي به نبت ، فإن لم يكن عليه نبات يسمى جبلاً فقط ولا يطلق عليه طور .

وهل هو الطور الذي كلم الله عنده موسى عليه الصلاة و السلام أو أي جبل أخر ؟

الجواب :
كلا الأمرين محتمل .
لما أعطاهم الله التوراة رفضوا أن يقبلوها ، فرفع الله عليهم الجبل تهديداً بأن يلقيه عليهم فقبلوا . قال الله تعالى في سورة الأعراف : (( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ )) (171) . فهذا من جملة ما اعترضوا عليه وهي النقيصة الثالثة .
ثم أمرهم الله أن يدخلوا باب المدينة سجداً معترفين لله بالفضل وطلب المغفرة , فدخلوا يزحفون على مقاعدهم كما أخبر الله جل وعلا وهذه النقيصة الرابعة .

والنقيصة الخامسة : أن الله جل وعلا قال : (( وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ )) . السبت المقصود به يوم السبت . وهذه قصة القرية التي كانت على الشاطئ . عبر الله عنها بقوله : (( حَاضِرَةَ الْبَحْرِ )) . وهذه ذكرها الله في سورة الأعراف . وأنه كانت هناك قرية من بني إسرائيل حاضرة البحر أمرهم الله أن لا يصطادوا يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم شُرعاً ظاهره تدعوهم فتنة لهم يوم السبت ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا يلقون أشرعتهم يوم الجمعة ويأتون يوم الأحد ليجمعون فيحتالون على الله جل وعلا و بئسما فعلوا.
وهذا كله حدث في فترات زمنية متفاوتة ، وفي أماكن متفرقة ، وعبر تاريخ طويل لكن المقصود من هذا كله ، سياق بعض من جرائم اليهود بياناً وشفاءً لقلب نبينا صلى الله عليه وسلم .
قال سبحانه بعدها : (( وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً )) .

ثم قال سبحانه : (( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً{155} وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً{156} )) .
الآن السياق القرآني يأتي يبين هذه المعاصي ما الذي نجم عنها . يذكر القرآن المعصية إجمالاً ثم يأتي بها تفصيلا .

(( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ ))
عدنا للباء السببية , أي بسبب نقضهم للميثاق , ما أخذه الله عليهم عن طريق أنبيائه ورسله من مواثيق وعهود نقضوها وهذا دأبهم في كل آن وحين .

(( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ )) .
وهذا يسميه البلاغيون مجاز مرسل , ومعلوم أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء كلهم ، لكنهم لما استباحوا دم واحدٍ منهم كأنهم استباحوا دم الجميع . وأي إنسان يستبيح دم شخص واحد فإنه يستبيح الدماء التي توازيه . فالله عبر عن قتلهم لنبي بقتل الأنبياء جميعاً , هم قتلوا يحي وقتلوا زكريا عليهم السلام فهنا عبر الله عنه بقتل الأنبياء جميعاً لأن الأنبياء جميعاً يجمعهم دين واحد .

(( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )) .
هنا (( وَقَوْلِهِمْ )) لمن ؟ لنبينا . (( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )) و الغلف جمع أغلف ، وهو الشيء المطبوع المختوم الذي فيه حجاب يحول بينه وبين وصول المعرفة إليه .

(( وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً )) .
هذه الأخيرة (( فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً )) لها وجهان في التفسير :
الوجه الأول : أنه أسلوب تستخدمه العرب في كلامها بمعنى عديم الأيمان .
الوجه الثاني : أنهم لم يؤمنوا ألا بقليل من أنبيائهم . فلما لم يؤمنوا بالكل كأنهم لم يؤمنوا , لأن الشرع يوجب الإيمان بالأنبياء جميعاً بلا استثناء ، ولعل هذا أظهر .

(( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بهتناً عظيماً )) .
كرر الله الكفر ثم ذكر شيء من جرائمهم وسننتقل بعدها للنصارى .

(( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بهتناً عظيماً )) .
القول الذي قالوه في مريم هو إنها زانية ، وبرأها الله جلا وعلا كما هو معلوم في كتابه .

(( وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بهتناً عظيماً )) .
البهتان هو الكذب والإفك والقول بلا حق ولا علم ولا بينة كله يمكن تسميته بالبهتان . أما مريم فهي سيدة نساء العالمين ولم يذكر الله جلا وعلا في القرآن اسم امرأة باسمها الصريح إلا هي عليها الصلاة والسلام ، رغم أنها ليست بنبيه لأن الله جل وعلا قال في سورة يوسف : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم )) فلا يوجد نبي امرأة , ما بعث الله امرأة قط ، لكنها الوحيدة من النساء عبر التاريخ كله التي ذكرت باسمها الصريح في القرآن وهي سيده نساء العالمين كما جاء ذلك في صحيح السنة مريم البتول العذراء اسمها مريم بمعنى عابدة أو خادمة الرب . و قصتها أشهر من أن تعرف (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً )) (مريم : 16 )) . شرقي بيت المقدس . جاءها روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام و نفخ في جيب درعها فحملت بعيسى , وبعد أن وضعته أتت به قومها فكذبوه واختلفوا فيه ، منهم من صدقها ومنهم من كذبها وكان مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام .
فالله هنا يقول من جرائم اليهود رميهم لمريم المبرئة بالزنا وبكفرهم وقولهم على مريم بهتناً عظيماً .

(( وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) (النساء : 157-158 )) .

هذا يقودنا للحديث عن النصارى، كما تحدثنا عن اليهود والتفصيل كالتالي :

ولد عيسى ابن مريم فحملته أمه ، وأتت به للملأ من بني إسرائيل فأنكروه , وقالوا يا مريم لقد جئتِ شيئاً فرياً فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد : (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً )) سورة مريم (30) . وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام . أخذ يدعو إلى ربه ، فأسلم على يديه أقوام سُموا في القرآن بالحواريين وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة و السلام , ثم لما ظَهُر أمره خاف خصومه وأعدائه من اليهود
فتآمروا على قتله فبعضهم يعرفه بعينه وبعضهم يعرفه باسمه , فلما أجمعوا أمرهم على قتله ، أخذوا معهم شخصاً يدلهم على مكانه ، فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه ، وألقى شَبَهَهُ على غيره .
مع اختلاف بين العلماء فيمن أُلقي عليه الشبه ، فقيل أنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه غير عيسى . وقيل أن الرجل الذي دلهم عليه وهو يهوذا عند بعض المفسرين هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى فقتله اليهود ظناً منهم أنه عيسى عليه الصلاة والسلام .
و جملة الأمر أن الله جلا وعلا شَبَّهَ لهم شخصاً غير عيسى ورُفِع عيسى إلى السماء ، كما قال ربنا في صريح القران : (( بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ )) . وهذا الذي شبه بهِ اختلفوا فيه . فلما أخذوه قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ وان كان هذا صاحبنا فأين عيسى ؟
فأخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقاداً منهم أنهم ينتقمون منه . وكان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم بكنيسة القيامة وتعظمه النصارى وسيأتي لماذا تعظمها النصارى .
رفع الله عيسى إلى السماء , فالله جل وعلا يقول إن اليهود تزعم أنها قتلت عيسى ، فالله أنكر ورد على اليهود قولهم أن عيسى قتل أو صلب، بل أنه سبحانه رفعه إليه فهو حيٌ جسداً وروحاً في السماء الثانية كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج . وسينزل كأمارة وعلامة من علامات الساعة .

معتقدات النصارى في عيسى :

نرجع للنصارى وعيسى . فبعد رفعه النصارى صدقوا اليهود في أن عيسى صلب وقتل , وقالوا إن الله جل وعلا ـ وعلى هذا تقوم عقيدة النصارى ـ يقولون إن الله عدل ومن عدله ألا يترك الخطيئة بلا عقوبة . فيقولون أن آدم أكل من الشجرة فارتكب الخطيئة فلما أكل من الشجرة وارتكب الخطيئة واهبطه الله ، كل ذريته ترث خطيئته . وقالوا لابد أن تُكفر الخطايا عن الذرية . ولما كان الله من صفاته مع العدل الرحمة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، بعث ولده الذي هو عيسى . وأنزله إلى الأرض وأحله في الناسوت بدل اللاهوت ، يعني أنسي . وصلب هذا وقتل حتى يكفر عن البشر كلهم خطيئة أبيهم آدم . فمن آمن أن عيسى ضحى من أجل البشر أصبح مؤمناً ينجوا يوم القيامة ، ومن لم يؤمن أن عيسى ضحى من أجل البشر لا يعتبر مؤمن .
كيف يُؤمِنون الناس ؟ عندهم ما يسمى بالتعميد . وصفته أن يأتوا بالطفل على خلاف في المذاهب عندهم ، لكن قد يأتوا بطفل شباب لكن غالب المذاهب عندهم يأتون بالطفل الصغير . إما أن يضعونه في مكان فيه ماء كحوض أو يرشون عليه الماء . ويقولون باسم الأب والابن وروح القدس . فإذا قالوا هذه الثلاثة يعتقدون أن هذا الابن عُمِّد وإذا عُمِّد طهُر من الذنوب والخطايا فأصبح قابلاً للنجاة يوم القيامة . وهم عندهم جنة ونار وعندهم حساب ، لكن بناء على هذا الاعتقاد . ثم يختلفون هؤلاء النصارى على ثلاث طوائف رئيسية وهي الأرثوذكس وهؤلاء انفصلوا في عام 1054م عن الكاثوليك ، والكاثوليك هي الكنيسة الأم والبروتستانت هي الكنيسة الثالثة .

فأصبحت ثلاث كنائس رئيسيه . نفصل فيهم على النحو التالي :

1ـ الكاثوليك:
وهي الكنيسة التي في روما اليوم ، والتي تتبع البابا يوحنا بولس الثالث وجل كنائس العالم في النصارى تابعة للكاثوليك .

2- الأرثوذكس :
وهؤلاء أقل منهم ومعناها مستقيم المعتقد حسب ظنهم . و هذه خرجت عن الكنيسة الأم ويتبعها بعض الكنائس؛ كالتي في مصر تتبع البابا شنوده الثالث ، و هذا تابع لهذه الكنيسة .

3-حركة إصلاحية :
وقد خرجت من الكاثوليك في القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً على يدي مارتي لورثر و اسمها الكنيسة البروتستانت ، وهذه تؤمن بأن لليهود منّة على النصارى وهذه الكنيسة الثالثة هي التي يدين بها الرئيس الأمريكي المعاصر ورئيس الوزراء البريطاني المعاصر تورن بلير الذي يجمع بينهما ارتباطهماً حالياً بهذه الكنيسة . أما الكنيسة التي في روما فهي منفكة عنهم ولا علاقة لها بهم .
إذن ينجم عن هذا أن النصارى غالباً هم ثلاث فرق ، ويوجد فرق شتى غير هذه لكن هذه الفرق الثلاثة هي الأم يجتمعون في أمور ويختلفون في أمور أقل منها لكن جميعهم يتفقون على أن الأقانيم ثلاثة وهم الأب والابن وروح القدس تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا , وقد رد الله على الجميع في كتابه وسيأتي في الدرس القادم كيف رد الله جل وعلا عليهم اليوم فقط العرض .

أصل الصليب :

نأتي لقضية الصليب الأصل أن عيسى بعث لبني إسرائيل مثل موسى عليهما السلام . وقد قلنا في التأملات في سورة آل عمران أن بني إسرائيل يعودون إلى إسرائيل الذي هو يعقوب ؛ وقلنا أن يعقوب له أخ اسمه العيس وقلنا إن من ذرية العيس الروم . وأن هذا العيس كان فيه صُفرة ولذلك يسمون ببنوا الأصفر . فأبو سفيان لما رأى هرقل يخشى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد أصبح ملك محمد عظيماً فقد خافه بنوا الأصفر " .
فأصبح الروم الأصل ليس لهم علاقة بعيسى عليه الصلاة والسلام , إذن الآن الدين النصراني في بني إسرائيل أكثر أم في الروم ؟ في الروم في أوربا أكثر وكذلك في أمريكا فالنصرانية أكثر من اليهود . وهذا جاء بعد ثلاث قرون من رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حدثت حروب مابين الرومان وأشياعهم؛ فآمن ثلة من الرومان بعيسى عليه الصلاة السلام أي بالنصارى بما بقي من دين عيسى عليه الصلاة والسلام من المؤمنين الذين معه . وكانت اليهود كما قلنا تزعم أنها قتلته ويأتون للموطن والذي قلت لكم أن اسمه الآن كنيسة يوم القيامة فيأتون لهذا الموطن الذي قتلوا فيه عيسى عليه الصلاة والسلام فيرمون فيه القاذورات والقمامة حتى تجمعت . فجاء قسطنطين الثالث فآمن بدين عيسى عليه الصلاة السلام مع التحريف . فجاءت أمه واسمها هيلانه بعد أن جاء رجل يبحث في تلك القمامات حتى وصل إلى الصليب أي وصل إلى الخشبة التي صلب فيها من يعتقد اليهود أنه عيسى . فالصلب وقع لكنه ما وقع على عيسى . ولكن اليهود صلبوا رجلاً وقتلوه على هذه الخشبة . و لما أخذوا يفتشون هذا الرجل وجد تلك الخشبة وعليها حركة الصليب المعروفة الآن . وحصل هذا بعد عيسى بثلاث قرون .
ولما أخذ هذا الرجل هذا الصليب زعم أنه كان مريض فلما تمسح بها برئ . فلما علم الناس بذلك أخذوا يصنعون الصليب ويتبركون به ويعتقدون به إلى يومنا هذا . وهذا أصل فكرة خروج الصليب للناس .
ولما علمت تلك المرأة ــ هيلانه ــ بهذا أمرت بمحو القاذورات وما كان موضوعاً , وبنت عليها كنيسة أسمتها كنيسة القيامة .
ومعنى كنيسة القيامة هو : أنهم يعتقدون جهلاً أن عيسى بما أنه مات فإنه سيبعث من هذه الكنيسة . وهي موجودة في بيت المقدس . وإن لم أنسَ السادات ـ رئيس مصر المتوفى ـ لما زار إسرائيل ، تكلم أو ألقى خطاب في هذه الكنيسة المقصود سواءً ألقاها أو لم يلقيها أن هذه الكنيسة قائمة وتعظم إلى اليوم .
وهذا سبب تسميتها بكنيسة القيامة وأحيانا تسمى بكنيسة القمامة بالنسبةً لما كان عليها .
هذه المرأة لما أمرت بإزالة هذه النفايات وضعوها على الصخرة التي تعظمها اليهود . وكان يصلي إليها موسى عليه الصلاة السلام وقلنا في الدرس الماضي أن هذه الصخرة من الذين محو القاذورات عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكنه صلى أمامها وجعلها خلفه. فأصبح بيت المقدس يضم الكنيسة التي يعظمها النصارى؛ ويضم الصخرة التي تعظمها اليهود ويضم المسجد الأقصى الذي يعظمه المسلمون .
و هذا مجمل ما يمكن أن يقال عن عقيدة النصارى والتي ذكرنا أنها قائمة على سر التعميد والإيمان بأن الله كفر عن البشر خطاياهم ببعث ابنه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .

والآن نعود للآية الله جل وعلا يقول : (( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) .
(( عَزِيزاً )) أن يقتل نبي من أنبيائه وهو جل وعلا غير مريد .
(( حَكِيماً )) بسبب رفعه لعيسى عليه الصلاة والسلام إلى السماء الثانية . والمحفوظ عندنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفي ظاهر القرآن أن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل في آخر الزمان واضع يديه على أجنحتي ملك يخرج منه مثل بقايا الوضوء ؛ ويقتل الدجال بحربة تكون معه قال الله عز وجل : (( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) (الزخرف : 61 ) .

قال الله جل وعلا بعدها :
(( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً{159} )) سورة النساء .
هذه الآية إحدى معضلات القرآن لأن تفسيرها غير واضح .

هذه الآية تحتمل عدة تفاسير لكن نكون معكم صريحين هذا درس علمي إلى الآن لم أقف على تفسير مقنع .

لكن نقول جملة ما قاله أهل العلم :

الله جل وعلا يقول : (( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) . المعنى لا أحد من أهل الكتاب , (( إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ )) الآن يوجد ضميرين الهاء في (( بِهِ )) والهاء في (( مَوْتِهِ )) على من تعود ؟ هذا موضع الإشكال .
تحتمل الآية أن يكون معنى الآية أن الله يقول : ما من أحد من أهل الكتاب ألا يؤمن به أي بعيسى قبل موته أي قبل موت الكتابي . فيصبح الضمير في (( بِهِ )) عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام والثانية عائده على الكتابي . فيصبح معنى الآية أن ما من يهودي ولا نصراني تغرغر روحه إلا وهو مؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله لكنه لأنه يؤمن في ساعة الاحتضار فلا يقبل منه . وهذا مروي عن ابن عباس وقاله به كثير من العلماء , لكن يصعب تصوره وهذا الأمر الأول .

الأمر الثاني : قالوا أنه ليس من أحد من أهل الكتاب ألا ويؤمن بعيسى قبل موت عيسى أي ينزل مرة أخرى فيؤمنون به . لكن يأتي الإشكال أن الله قال : (( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) أي لا أحد من أهل الكتاب وقد مات جمع غفير من أهل الكتاب قبل أن يرى عيسى عليه الصلاة والسلام وقد نموت نحن قبل أن ينزل عيسى . وهذا هو الإشكال على التفسير الثاني .
الأمر الثالث : يبقى تفسير آخر و لعله يكون أقربها إلى الصواب يصبح معنى الآية إنه ما من كتابي يحضر ويبقى حياً إلى يوم عيسى إلا ويؤمن به وهذا تحدث إشكالية أخرى وهي أن اليهود من أهل الكتاب ولا يؤمنون بعيسى حتى بعد نزوله .
فيبقى تفسير الآية إلى يومنا هذا في علمنا غير واضح . إنما نقلنا ما ذكره أهل التفسير فإذا أوقفنا الله على شيء آخر سنخبركم به في حيينه .

(( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً{160} وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{161} لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً{162} )) سورة النساء .

الكلام في هذه الآيات بوجوه عدة :

أولها : أن المعاصي من أعظم أسباب الحرمان ولذلك الله جل وعلا قال : (( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )) .
فإذا كانت المعاصي من أعظم أسباب الحرمان فما أعظم أسباب العطاء ؟
الطاعات إذا كانت المعاصي من أعظم أسباب الحرمان فإن الطاعات من أعظم أسباب العطاء قال الله جل وعلا : (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )) (الطلاق : 3 ) . فالله يخبر أن ما حل على اليهود من تحريم كثير من الطيبات إنما كان بسبب معاصيهم .

)) فبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ )) .
كذلك الآية تتكلم عن بعض من مظالم اليهود . ومنها الصد عن سبيل الله ومنها أكل أموال الناس بالباطل ومنها أكل الربا .

قول الله جل وعلا : (( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ )) من الناحية العلمية هذا عطف عام على خاص . لأن أكل أموال الناس بالباطل يدخل فيه الربا .

نتكلم الآن عن الربا :

الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين .

ومن الفوائد أن يقال إن هناك معصيتين حرمها الله على جميع الأمم ولم يبحها الله في أي شريعة قط , هما الربا والزنا . وهذا قول بعض أهل العلم .

والربا ينقسم إلى ثلاث أقسام وهي :

ربا الفضل وربا النسيئة وربا القرض .

وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم الأصناف الربوية فقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر, والملح بالملح ، سواء بسواء يداً بيد . فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) . معنى الحديث : أن هذه أصناف ربوية مابين مكيل وموزون إن كان مطعوماً يدخلها الربا .

القسم الأول: ربا الفضل

الفضل في اللغة : الزيادة .
سنأتي بصورة له حتى تفهمه :
إنسان يأتي مثلاً بالتمر والتمر كما ذكرنا صنف ربوي والتمر في بلادنا موزون ، يباع بالوزن بالكيلو . فلو جاء إنسان ومعه 3 كيلو من التمر، وآخر معه أربعة كيلو من التمر .
وهذان الصنفان ربويان فالتمر صنف ربوي كما ذكرنا ونقصد به أنه يدخله الربا وليس لأنه صنف ربوي يعني أنه محرم .
والأربعة زيادة على الثلاثة . فلا يصح التبادل ولو كان أحدهما أفضل من الآخر . كأن يكون هذا تمر عجوة أو أعلى منه أو اقل . أو نقول هذا برني ـ أسماء أنواع للتمور ـ أو هذا رديء وهذا جيد فأعطيني أربع كيلو بثلاث كيلو أو كيلوين بخمس كيلو . فهذا لا يجوز ، وإذا وقع فهو ربا فضل .

ما معنى ربا فضل ؟
أي زيادة . لأنهما اتفقا في الصنف و اختلفا في الزيادة . وهذا هو معنى ربا الفضل وهو محرم .

القسم الثاني : ربا النسيئة

النسيئة تعني التأجيل و التأخير . قال الله جل وعلا في سورة التوبة : (( إِِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ )) أي التأجيل زيادة بالكفر .

كيف يقع ربا النسيئة ؟
تأتي بصنف ربوي واحد وبصنف ربوي آخر . والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) لكنه قال : ( يدا بيد ) . هم يلغون ( يداً بيد ) فيؤخر واحد عن الآخر .

مـــــثال:
الآن 375 ريال سعودي تساوي 100 دولار أمريكي , الدولار يعتبر صنف ، والريال يعتبر صنف . فلو قايضتهما بعضهما ببعض الـ100 دولار ليست مثل الـ375 , فـ 375 أكثر من الـ100 .حتى لو أخذتها بـ500 , أو لو أخذتها بـ 200 , أي لو كان واحد زائد والآخر ناقص أي أقل منه فإنه لا يضر . لأن الصنفين مختلفين فالدولار غير الريال ولكنها كلاهما صنف ربوي لأنها ذهب وفضه .
كيف يدخل الصورة السابقة ربا النسيئة ؟
الجواب أنه لو أتى للصراف فقال : أنا أعطيك 500 ريال سعودي بس أنا أبغى أسافر أعطيني 100دولار أمريكي فيعطيك 100 دولار ولا تعطيه الـ 500 . تقول الـ 500 بعدين ، أنا ما عندي الآن . فأنت تأخرت! فيكون هذا ربا النسيئة . أو هو لا يعطيك وأنت تعطيه . أي أحدكما يدفع والآخر لا يدفع . فهذا ربا النسيئة وهو محرم ، لكن إذا أخذ منك 100 وأعطاك 500 أو 375 أو قدرها أو أعلى أو أو ، حيثما اتفقتم بالحال يداً بيد فهذا ليس ربا . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) . يعني كله ناجز ولا يباع ناجز بغائب .

القسم الثالث : ربا القرض

وهو أصل الربا ، وهو الذي كانت تتعامل به العرب في الجاهلية . وهو يدخل في ربا الفضل والنسيئة ، ولكن ميزناه لوحده أفضل حتى يتضح .
وهو أن يأتي إنسان فيقرض إنساناً آخر شيء يجوز قرضه . ليس فقط ذهب وفضه بل أي شيء يجوز قرضه ، ثم يشترط عليه منفعة مقابل هذا القرض . وأكثر ما يقع في الأموال .

مثــال :
شخص يأتي إنسان يطلب منه مال . فيعطيي10 آلاف إلى ثلاث شهور . فإذا انتهت المدة يأتي الدائن للمدين يقول أريد الـ 10 آلاف . فيقول له : لا أملك . فيقول له : إما أن تأتي بها في الحال وإما أؤخرها أنا لك شهر على أن تردها لي أكثر من 10 آلاف ريال ولو ريال واحد . فالريال الواحد مثل الـ 100 ألف في الحكم . هذا يسمى ربا القرض . وهو الذي قال الله جل وعلا فيه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (آل عمران : 130 ) . وهو الذي قال فيه أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) وقال ( هم سواء ) أي هم في الإثم سواء . أخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه البخاري من طريق آخر لكن المعنى في الصحيحين . هذا ربا القرض .

و ينجم عن ربا القرض مسائله تسمى عند العلماء قلب الدَّين وهو من كبائر الذنوب.

قلب الدَّين :
إنسان يعطي إنسان قرض1000 ريال ويقول إلى شهر . ثم جاء بعد شهر و هذا ليس عنده الـ 1000 ريال فهو رجل مستور الحال الذي عنده شيء لا ينفك عن قوته يعني شيء تقوم به حياته . يعني مثلاً سيارة يذهب بها ويغدو على قدر مستواه الاجتماعي , أو بيت صغير مثلاً يسكنه . يعني أشياء خاصة لا يمكن أن يستغنى عنها لا فقير ولا غني . فيأتي هذا الذي له المال له الـ 1000 ريال وهو ليس معه الـ 1000 ريال فيأتي هو بالـ1000 ريال. ويقول له بيعني هذا الألف , ويأتي لشيء خاص عند هذا الرجل يحتاجه فيقول له بيعني إياه بـ 1000 ريال . فيأخذ الشيء الخاص ويعطيه ألألف , ثم يقول له رد لي هذه ألألف التي لي عندك ولأنه يعرف أنه لا يملك ألألف ريال يأتيه بالألف ويشتري منه مثلاً ثوبه وعمامته وساعته بالألف ريال أو السيارة التي يغدو بها ويذهب ويوصل بها أبنائه للمدرسة . قال هاتها أنا اشتريها منك بـ1000 على أنك تعطيني الألف لأن لي عندك 1000 ريال .

هذا يسمى قلب الدين وهو من كبائر الذنوب كما نص عليه العلماء ونقل العلامة الشيخ عبد الله بن البسام رحمة الله عن شيخه العلامة عبد الرحمن السعدي القول أنه من كبائر الذنوب .

هذه أصناف الربا وكلها محرمة ولا يوجد أحد ولله الحمد فيما نعلم من علماء المسلمين أباح الربا في أي قطر كان .

فلما تفهم أو تسمع أن أحد أباح الربا من علماء المسلمين ، فلا تصدقه .
هذا ليس بعالم .
لا يوجد أحد يتجرأ فيبيح الربا . لكن قد تفهم أنت المسألة خطاء , فهذه مسألة ثانية ، لكن الربا لا يحتاج أن تقول مسألة خلافية ويمكن ويأخذ و ما يعطى ما فيه . فالربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين .

مســــائل :

نرجع للآية . ينجم عن الآية مسألة لها وضع خاص في عصرنا .

نحن نعلم أن اليهود هم من أكلت الربا ، بنص القران قال الله تعالى : (( فبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً *وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا )) . هذا كلام رب العالمين ، ومع ذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى شعيراً من يهودي وليس عنده مال . فرهن درعه صلوات الله وسلامه عليه عند اليهودي ؛ بعد أن اشترى منه . إذن النبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود بيعاً وشراءً . رغم أنهم أكلت ربا .

إذن ينجم عن هذا : أنه إذا سألت هل يجوز التعامل مع البنوك الربوية بيعاً وشراءً ؟

الجواب يكون نعم .
لأن اليهود أكلت ربا والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى منهم وباع إليهم وقَبِل هداياهم . وذلك مالم تعلم أن عين ما تتعامل به محرم . يعني رأيت إنسان يسرق سيارة أمام عينيك ثم يبيعك إياها فهذا لا يجوز .
لكن لو أن إنسان اشترى من أي بنك بماله شراء وبيعاً شرعيا فالبيع جائز باتفاق المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود ولأن الله قال في كتابه وهو يعلم أن اليهود حرفوا والنصارى حرفت قال جل وعلا في سورة المائدة : (( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ )) . ولن يكون طعامهم حلٌ لنا حتى يكون بالشراء . فطعامهم لن يأتينا هدية . بل لابد من الشراء . فأباحه الله لنا أكله , فإذا أباح الله لنا أكله إذن من باب أولى أن يبيح شرائه . وهذه المسألة تحتاجها كثيراً في العصر الحالي .

حتى لو كان محارباً ؟ هذه مسألة عصرية .عنون الإمام البخاري في الصحيح باب " الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب " وساق حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له اشترى قطيع غنم من رجل مشرك وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خارج المدينة في حربه مع أهل الشرك .

ولو جاء إنسان بما يسمى اليوم بالمقاطعة . فما حكمها ؟

لا شك أن المقاطعة إذا تبناها الإنسان قربة لله . وأراد بها قطيعة من يعين أهل الباطل وتعبد الله بها . فإنها قربة يثاب عليها بلا شك . لكن نحن لا نتكلم عن القربة من عدم القربة . نحن نتكلم عن صحة البيع وصحة الشراء . وأنت تُنَزِّل الأشياء على منازلها .
لكن الكلام بالحِّل أو الكلام بالحرمة هو توقيع عن رب العالمين . قال ابن القيم : " أعلام الموقعين عن رب العالمين " . والكلام عن رب العالمين بالحل والحرمة لابد أن يكون على بينةٍ وهدي من الكتاب والسنة ، ولا علاقة للعواطف به . ولن تكون أعظم ورعاً من رسولنا صلى الله عليه وسلم .

فاليهود يقول الله عنهم في سورة التوبة : (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ )) ويذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يشتري من يهودي ، رغم أن أسواق المدينة مليئة بمن يبيعون الشعير ؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للأمة جواز البيع .

مادمنا في قضايا العصر نأتي لقضية الاقتراض من البنوك .
الاقتراض بفائدة لا نحتاج لدليل لأنه حرام بإجماع علماء المسلمين وقد بيناه . لكن أحياناً البنوك تقول أنت إلى ثلاث أشهر إذا رددتها لا نطلب منك فائدة . ولكن إذا لم تستطع ردها نأخذ منك فائدة هذا يعود كالأول سواءً بسواء بمجرد توقيع العقد ولو كنت قادراً على السداد قبل نهاية العقد فإنه يعتبر عقد ربوي يدخل في اللعن الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه .
فالتعامل مع البنوك قرضاً أو إيداع الأموال عندهم وتعود إليك بفائدة هي من الربا الملعون صاحبه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم والمحرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين كما بينا .

(( فبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ))

أكل أموال الناس بالباطل عام ، وقلنا أنه عطف عام على خاص . وكل شيء تتوصل إليه بالباطل فهو محرم . سواءً بالرشوة أو بالسرقة أو بالاختلاس أو بالنهب فأي طريق من طرائق الباطل تصل بها إلى أموال الناس يعتبر مالاً محرماً قد لا يكون رباً لكن أي طريقة حرمها الله فإنه يأثم صاحبها .

ثم قال سبحانه : (( لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً{162} )) سورة النساء .
هذه (( لَّـكِنِ )) الأصل عند النحويين أنها حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر , لكنها هنا خففت لأن الأصل أنها مشدده " لكنَّ " فلما خففت جاز فيها عدم الإعمال . فأصبحت تعني الانتقال من جملة إلى جملة و تسمى باب الإضراب . أي الانتقال من حال إلى حال . فلا تعمل ولا تؤثر فيما بعدها عملاً . فيصبح الراسخون على أنها مبتدأ .

(( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ )) مِن مَن ؟
هم من أهل الكتاب وهذا يدخل فيه عبد الله بن سلام رضي الله عنه ومن آمن من اليهود والنصارى .

(( وَالْمُؤْمِنُونَ ))
والمؤمنون المقصود بها المهاجرون والأنصار , أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

(( يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ ))
أي القرآن .

(( وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ))
أي بجميع الكتب

(( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ))

(( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ )) نحوياً مفروض تكون والمقيمون مثل المؤتون والمؤمنون لكنها جاءت (( وَالْمُقِيمِينَ )) ويوجد قراءة (( والمقيمون )) لكن نحن نتكلم عن القراءة التي بين أيدينا وهي (( وَالْمُقِيمِينَ ))

وهذه للعلماء فيها ست تخريجات :

سنترك خمسة ونبقى على واحد وهي : أنها منصوبة على الاختصاص ، لبيان التعظيم والتفخيم . فيصبح المعنى وأخص المقيمين بالصلاة . وهذا تخريج إمام النحويين سيبويه وعليه أكثر العلماء . ونصب الصلاة على الاختصاص يبين أهميتها من الدين وعلى أنها أمر عظيم .

(( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ))
نّكر الله كلمة (( أَجْراً )) هنا لبيان التفخيم . لأنه لا يعلم مالهم من أجر إلا الله . قال تعالى : (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة : 17 )

هذا ما أردنا الوقوف عنده . يصبح من هذا كله إجمالاً تكلمنا عن اليهود وتكلمنا عن النصارى في سورتين سورة آل عمران وسورة النساء . وقلنا إجمالاً إن اليهود يزعمون أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم ويفخرون بذلك ويفرحون به . وأن النصارى تقبل هذا وتدعيه لكنها تقول أن هذا خلاصاً للبشرية . وكلا الفريقين ضال ، فإن عيسى ابن مريم لم يقتل ولم يصلب بل رفعه الله جل وعلا إليه وكان الله عزيزاً حكيماً . وقلنا إنه سينزل في آخر الزمان حكماً عدلاً مقسطا .

هذا ما انتهى إليه الدرس والله تعالى أعز وأعلا وأعلم وصلى الله وسلم على محمد .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 صالح المغامسي
  • تأملات قرآنية
  • السيرة النبوية
  • مجمع البحرين
  • آيات وعظات
  • مشاركات إعلامية
  • خطب
  • رمضانيات
  • فوائد ودرر
  • صوتيات
  • الصفحة الرئيسية