اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/aljurish/94.htm?print_it=1

إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

خالد بن علي الجريش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

الصبر من أعظم خصال الخير وأعمال البر، بل هو الوقود بإذن الله تعالى للأعمال الصالحة، وإن كان الصبر شديدا على النفس إلا أن عاقبته راحة واطمئنان وسكينة، وأيضا وإن كان مرا فعاقبته أحلى من العسل، كم نحتاج إلى الصبر في أمور ديننا ودنيانا، ولعلك أخي الكريم لا يخفى على شريف علمك أن عموم الأعمال الصالحة تحتاج إلى صبر وتحمل حتى تحوز على أكبر قدر ممكن منها، فصدقتك وصيامك وقيامك وصلاتك ومكثك أيضا في المسجد وقراءتك للقرآن، وكذلك محافظتك على الأذكار وما إلى ذلك، هي كلها تحتاج منك إلى صبر، أرأيت عندما تحدثك نفسك مثلا بقيام شيء من آخر الليل؟ فيتنازع فيك أمران الأول: حب الراحة والخلود إلى الفراش والدفء، والثاني: أن تقوم وتتوضأ وتقف بين يدي ملك الملوك حين نزوله نزولا يليق بجلاله وعظمته، فمصلحتك الأخروية هي في الثاني، ولكنها تحتاج منك إلى صبر وتحمل، وأوصيك في مثل هذا بتلك القاعدة، واستصحبها في جميع أمور دينك ودنياك، وهي (فكر في المكاسب قبل أن تفكر في المتاعب)، فإنك إن صبرت فالمتاعب تزول، والمكاسب تبقى، وقل مثل هذا أيضا في الصيام والمناسك وكثرة ذكر الله تبارك وتعالى وغيرها كثير، فهي تحتاج إلى صبر، فلذلك كان الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب، وإن كنا نقول هذا في الطاعات، فكذلك أيضا في الصبر عن المعصية، فإن من ألف المعصية قد يصعب عليه تركها ويشق عليه، لكنه يحتاج فيها إلى مقام الصبر، فإذا صبر عنها زال عنه ألم الصبر، وبقي له أجر الإمتثال في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن قلنا ذلك أيضا في الصبر عن المعصية، فكذلك الصبر على أقدار الله، فإذا أصابك شيء منها فادع الله تبارك وتعالى بزوالها، واصبر في تحملها، فلا تتسخط، بل عليك بالرضا وعليك بالتسليم، وأيضا عليك بالصبر، وأفضل من هذا كله الحمد، أن تحمد الله تبارك وتعالى على الضراء.

إن هذه الأنواع الثلاثة من الصبر أنت مضطر لها في يومك وليلتك، فحاول تعلمها ومزاولتها بكثرة حتى تكون سجية لك عند حصول المقدور، وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله، بينما لو لم تصبر فماذا سيتغير في الموضوع؟ ستخسر الكثرة من الأعمال الصالحة لأنك لم تصبر عليها ومن ثم قد تخف كفة حسناتك، وأيضا قد تخسر بفعلك للسيئات إذا لم تصبر عنها فتثقل كفة سيئاتك إن لم يعف الله عنك، وإذا لم تصبر على الأقدار فإنها جارية عليك، فإن صبرت كسبتها وإن لم تصبر فإنك قد تخسرها، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بأن أمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وقد جاء الصبر في القرآن في أكثر من سبعين موضعا، ومن الصبر أيضا الصبر على أذى الناس وأخطائهم ما أمكن، فالصبر والعفو في هذا المجال هما قرينان وعملان جليلان عاقبتهما أن صاحبهما محبوب عند الله وعند خلقه، والجزاء من جنس العمل، فستجد من يصبر على أذاك ويعفو عنك، وكن أخي الكريم بعيد النظر لا تنظر إلى حالتك حال الفعل، ولكن تأمل النتائج بعد الصبر، سواء على الطاعة أو عن المعصية أو على الأقدار فأنت رابح وناجح، أما لو لم تصبر فقد تخسر وتخفق، فانظر إلى مآلات الأمور وعواقبها ولا تنظر إليها حال فعلها.
وفقني الله وإياك إلى كل خير.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية