صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الأقلية الإسلامية في جنوب أفريقيا
من المنفى في السبعينيات
إلى انتشار المؤسسات والمراكز الدعوية

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فهذا تقرير كتبته بعد زيارتي لدولة جنوب أفريقيا؛ لأعطي من خلاله تصورا واضحا عن هذا البلد الأفريقي، الذي تتنامى أهميته من مختلف الجوانب، وذلك فيما يخص دخول الإسلام إليه وأحوال الجالية المسلمة هنالك.

الرحلات الدعوية وأثرها في نشرها في الإسلام

تعددت وسائل انتشار الإسلام في شتى بقاع الأرض، ومع ما للفتوحات الإسلامية في عصور الإسلام الأولى من أثرٍ عظيم في انتشار الإسلام في الأمصار، فقد كانت هناك وسائل كثيرة أخرى  ساعدت في انتشار هذا الدين القويم.

ولعل من أهمها الدعاة الذين يجوبون مشارق الأرض ومغاربها خاصةً في العصـر الحالي، بالإضافة إلى التجارة والمعاملات المختلفة التي كانت من الأسباب المهمة لانتشار الإسلام بين الشعوب.

ولا شك أن الأنشطة الدعوية في عصرنا الحالي على تنوعها تعتبر السبب الأهم في انتشار الإسلام بين الشعوب، وخاصةً تلك الأنشطة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية الناشئة في الدول الفقيرة وخاصةً الأفريقية منها، حيث تعتبر هذه الدول أرضا خصبة لانتشار الإسلام؛ لما تتميز به من مميزات خاصة.

فشعوب هذه الدول قلوبهم رقيقة، تنجذب إلى الإسلام فور سماعها عنه، إلا أن الكثير من الدول الأفريقية لا يزال أهلها يجهلون حقيقة الإسلام، بل بعضها لم يسمع بعض سكانها عن الإسلام.

وفي إطار الجهود الدعوية المستمرة لنشـر الإسلام ومساعدة المسلمين في الدول الأفريقية، والوقوف على احتياجاتهم وتحديد السبل المناسبة لمساعدتهم من أجل تقوية المجتمعات المسلمة وتعزيز نموها، فقد قمنا بزيارة لبعض المؤسسات الدعوية العاملة بجنوب أفريقيا يتخللها بعض البرامج والمناشط والقوافل الدعوية في عدد من المدن والقرى والأرياف خلال رحلة استغرقت شهرين.

والهدف الأساسي من زيارتنا لجنوب أفريقيا هو: رصد طبيعة حياة المسلمين في الدول الأفريقية والكشف عن حاجة هذه المجتمعات من الموارد والإمكانات؛ لكي تستمر في النمو في ظروف جيدة، تضمن حياة كريمة للمسلمين، وخاصة في هذه المجتمعات التي تعد من المجتمعات الفقيرة.

نبذة تعريفية بدولة جنوب أفريقيا

دخول الإسلام إلى جنوب أفريقيا:

تعتبر دولة جنوب أفريقيا من الدول الكبرى في قارة أفريقيا، والتي دخلها الإسلام كما يذكر بعض المؤرخين عندما وصلت السفينة (دي فوتبورغ) وعلى متنها (49) مسلماً كانت السلطات الهولندية قررت نفيهم إلى جنوب أفريقيا.

وكان من المنفيين الشيخ يوسف، شقيق ملك جاوا وزعيم المقاومة ضد الاحتلال الهولندي لجزر الهند الشرقية فتم ترحيله هو وزوجته وأولاده مع (49) شخصاً، منهم أئمة وخطباء وحرفيون وقادة سياسيون، فكانوا هم الرواد الأوائل للوجود الإسلامي في جنوب أفريقيا.

واستطاع الشيخ يوسف ومن معه أن يؤسسوا اللبنات الأولى للجالية الإسلامية التي نمت بعد ذلك.

ثم بدأت الهجرات من (جنوب الهند) و(باكستان) إلى جنوب أفريقيا، ووصل عدد من العمال المسلمين عن طريق إنجلترا إبان احتلالها جنوب أفريقيا للعمل في المزارع واستصلاح الأراضي، وهذا ما ساهم في نمو كبير للأقلية المسلمة في البلاد.

ثُم إن الإسلام بدأ ينتشر انتشاراً بطيئاً في جنوب أفريقيا، بسبب القوانين التي كان يخضع لها المسلمون باعتبارهم أسرى حرب، وخضوعهم للمراقبة بشكل دائم.

وتعد فترة السبعينات الميلادية العصر الذهبي للمسلمين في جنوب أفريقيا، حيث وضعت الأقلية المسلمة حداً فاصلاً بين هذه المرحلة وسابقاتها، حيث تحققت للمسلمين إنجازات عظيمة على مختلف المستويات، فاستطاعوا تقديم مشاريع وبرامج سياسية واقتصادية ودينية، وكان لهم دور جاد وملموس في معظم مناحي الحياة في جنوب أفريقيا، فظهر نتاج سنوات التضحية والألم، وبرزت مؤسسات وهيئات دينية زادت من تعرف أفراد المجتمع على الدين الإسلامي.

الحدود الجغرافية:

تقع جنوب أفريقيا في الجزء الجنوبي من قارة أفريقيا، وفيها شريط ساحلي يطل على المحيطين الأطلسي والهندي.

وتحيط بجنوب أفريقيا العديد من الدول الأفريقية مثل (ناميبيا)، (بتسوانا) (زيمبابوي)، (موزمبيق)، (سوازيلاند)، كما تقع بداخل حدودها دولة ليسوتو.

المساحة والسكان:

من حيث المساحة فإن جنوب أفريقيا تحتل المرتبة الخامسة والعـشرين على مستوى العالم من حيث مساحة الأراضي، ويعيش فيها حوالي (60 ) مليون نسمة وهي الدولة رقم (24) عالميًا من حيث عدد السكان.

وتتمتع جنوب أفريقيا بتنوع ديموغرافي مميز، حيث إنها الدولة الأولى على مستوى أفريقيا من حيث عدد السكان ذوي الأصول الأوروبية، إضافةً إلى أنها تضم أكبر تجمع سكاني للمواطنين الهنود خارج آسيا، وتعتبر من أكبر التجمعات التي تضم أصحاب البشرة السوداء في أفريقيا، وهي بذلك من أكثر الدول الأفريقية تنوعًا من حيث السكان.

الحالة السياسية:

تتمتع جنوب أفريقيا باستقرار سياسي نسبي، فهي بعيدة عن الصراعات السياسية والعسكرية التي شغلت القارة الأفريقية على مدار عقود، ونتيجة لذلك فإن جنوب أفريقيا من الدول الأفريقية القليلة التي لم تشهد انقلابات عسكرية، حيث إن حكم البلاد يتم من خلال انتخابات نزيهة يتم إجراءها في فترات دورية منذ عام (1994م)، وهو ما جعل منها دولةً ذات مكانة قوية ومؤثرة في القارة الأفريقية؛ لكونها رمزا من الرموز الديموقراطية في القارة السمراء.

الحرية الدينية وأثرها في المناشط الدعوية:

تعتبر جنوب أفريقيا من الدول الأفريقية التي تعزز ما يسمى بالحرية الدينية لدى مواطنيها، فالدستور الجنوب أفريقي أقر في مواد عديدة الحق فيما يسمى بالحرية الدينية وممارسة الشعائر الدينية لجميع الديانات، وبناءً على ذلك فإن الدولة لا تحظر الأنشطة الدعوية والتعليمية التي يمارسها أبناء الديانات المختلفة ومنهم المسلمون، ولذلك فإنه يمكن للدعاة القيام بمختلف الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز المجتمع المسلم في هذه الدولة التي تتيح للدعاة مناخًا مناسبًا لممارسة أنشطتهم ونشر دعوتهم بين الناس بما لا يتعارض مع القانون.

الديانات:

تتوزع الأديان في أفريقيا بين الإسلام والنصرانية وبعض الديانات التقليدية.

وتبلغ نسبة النصارى حوالي (68%) من السكان، و يشكل المسلمون (2%) والهندوس (1,5%)، ويتبع ما يزيد عن (28%) من السكان بعض المعتقدات المحلية.

الأقلية الإسلامية في جنوب أفريقيا

المكونات العرقية للأقلية الإسلامية:

تنقسم الأقلية المسلمة في جنوب أفريقيا إلى أربعة أعراق أساسية وهي الإندونيسي والماليزي والسود والهنود، ويشكل الهنود النسبة الأكبر من المسلمين حيث يشكلون ما نسبته (96%) من المسلمين.

وعلى الرغم من الوجود الإسلامي القليل نسبيًا في جنوب أفريقيا إلا أن للمسلمين هناك حضورا سياسيا قويا، حيث إن (22) من أصل (400) نائب في البرلمان الجنوب أفريقي مسلمون ينتمون إلى أحزاب إسلامية وأحزاب أخرى.

ومن أشهر الأحزاب الإسلامية في جنوب أفريقيا: (حزب المسلمين الأفارقة) و(حزب جماعة المسلمين).

وقد تمكن حزب المسلمين الأفارقة من الفوز بمقعدين في الهيئة التـشريعية المحلية في منطقة (غرب الكيب)، وشارك في حكومة (مانديلا) العديد من الوزراء والسفراء المسلمين.

انتشار الأقلية الإسلامية في المدن الكبرى:

وقد ساهمت العديد من العوامل في انتشار المسلمين في جنوب أفريقيا وخاصةً في المدن الكبرى مثل جوهانسبرغ وكيب تاون وديربان، ومن أهم تلك العوامل:

أولًا: التجارة التي ساهمت بشكل كبير في انتشار الإسلام بين السكان.

ثانيًا: المتاجر التي أسسها البنغاليون والصوماليون في الكثير من المدن والقرى في جنوب أفريقيا.

ثالثًا: الأنشطة التعليمية والثقافية تـشرف عليها المؤسسات والمدارس الإسلامية.

رابعًا: الجهود التي يبذلها المسلمون من أبناء البلد في نشر الإسلام .

 خامسًا: انتشار المساجد بشكل كبير نسبيًا في العديد من مدن جنوب أفريقيا.

المؤسسات والمراكز الدعوية:

نظرًا لما تتيحه جنوب أفريقيا من مبدأ ما يسمى بالحرية الدينية، فقد تمكن المسلمون من إنشاء العديد من المساجد والمدارس والمؤسسات الدعوية، منها:

المساجد: تجاوز عدد المساجد في جنوب أفريقيا ألف مسجد.

المدارس والمراكز الإسلامية: تم إنشاء ما يزيد عن (80) مدرسة و(30) مركزًا إسلاميًا.

الصحف: يتم إصدار العديد من الصحف الإسلامية ومنها صحيفة الأمة والجمعية والقلم.

المحطات الإذاعية والتلفزيونية: توجد في جنوب أفريقيا ثلاث محطات إذاعية إسلامية تبث باللغة الإنجليزية، تصل إحداها إلى ما يزيد عن خمسين دولة في العالم، وكذلك يوجد عدد من القنوات التلفزيونية من أشهرها (قناة هلالTV) و(قناة بلال) وهذه القنوات تغطي دول جنوب أفريقيا الناطقة باللغة الإنجليزية.


دعوة إلى تطوير وتحسين العمل الدعوي في جنوب أفريقيا

على الرغم من النشاط الواسع للمسلمين على المستوى السياسي والدعوي في جنوب أفريقيا، إلا أن عمل المسلمين هناك لا يزال بحاجة إلى المزيد من التطوير والتحسين، خاصةً وأن المسلمين في جنوب أفريقيا يعتبرون أقلية لا تزيد نسبتهم عن 2% تقريباً، فالمطلوب أن تكثف الجهود الدعوية في جميع مناطق جنوب أفريقيا لزيادة عدد المسلمين هناك، وذلك بمختلف الوسائل الدعوية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولًا: إرسال البعثات العلمية من الدعاة والعلماء لاستهداف التجمعات السكانية الكبيرة في جنوب أفريقيا، ودعوتهم إلى عبادة الله عز وجل والدخول في الإسلام.

ثانيًا: مساعدة الدعاة وطلاب العلم هناك وتدريبهم لزيادة قدراتهم وإمكاناتهم الدعوية لكي يزيد تأثيرهم بما يسهم في زيادة عدد المسلمين في جنوب أفريقيا.

ثالثًا: توجيه المسلمين في جنوب أفريقيا أفرادًا وجماعات إلى الإقبال على الأنشطة الدعوية والإكثار منها وتوجيهها بالتحديد إلى السكان الأصليين من الأفارقة السود.

وذلك بالاستعانة بالأساليب والأنشطة الدعوية المناسبة مثل: طباعة وتأليف وتوزيع الكتب، وعبر المواقع الإلكترونية، والقوافل الدعوية، وإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية والمراكز الإسلامية، التي من شأنها أن تعزز الدعوة وتزيد من ثمارها.
 

رسالة إلى المسلمين عامة
وإلى مؤسسات العمل الدعوي خاصة

لا شك أن الدعوة تحظى بدرجة عالية من الأهمية،  من حيث الأجور المترتبة عليها، ومن حيث آثارها الإيجابية في مختلف مناحي الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية.

ولذلك نوجه هنا رسالة إلى المسلمين عامةً والمؤسسات المشرفة على العمل الدعوي في العالم الإسلامي للاهتمام بتطوير أساليب الدعوة في الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا؛ لما تكتسبه هذه الدولة من تأثير على العديد من الدول الأفريقية المحيطة بها.

فنجاح الدعوة في جنوب أفريقيا يساعد في نجاح الدعوة في الكثير من الدول المحيطة بها، والتي تتبع بشكل كبير للسياسيات والتوجهات الخاصة بجنوب أفريقيا؛ لكونها دولة محورية ذات مكانة اقتصادية وسياسية مهمة في أفريقيا.

فندعو المؤسسات الدعوية والدعاة إلى أن يكثفوا جهودهم لاستهداف التجمعات السكانية الكبيرة في جنوب أفريقيا، وتعزيز الأنشطة الدعوية والإغاثية، وخاصةً في المناطق الفقيرة والمهمشة لتعزيز إقبال المواطنين على الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د/ عبد الله بن معيوف الجعيد
5 صفر 1445هـ
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية