صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







محاضرة بعنوان:
دور القيم في تعزيز الأمن الفكري

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي منَّ على عبادِه بالأمنِ من الخوفِ، وجعلَ من نعيمِ أهلِ الجنةِ أنهم في مقامٍ أمين.

والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ الذي نهى عنْ ترويعِ المؤمنِ وتخويفه، وعلى آلهِ وصحبِهِ وأتباعِهِ الذين لهم الأمنُ وهم مهتدون.

أما بعدُ ففي هذا اللقاءِ المباركِ نتحدثُ عن موضوعِ دورِ القيمِ في تعزيزِ الأمنِ الفكري، وهو موضوعٌ ذو أبعادٍ متعددةٍ؛ لتعلقه بأهمِّ مكتسباتِ المجتمعِ ومقوماتِ حياته.

مقدمة

تشهدُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ تطورًا تنمويًا في شتى مجالاتِ الحياةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ، وأضحتْ المملكةُ إحدى الدولِ الرائدةِ في المنطقةِ، وما برحَ أعداءُ الوطنُ في السعي بأشكالٍ مختلفةٍ إلى النيلِ من هذا البلدِ، أو تمزيقِ وحدته، أو بثِّ السمِّ والأفكارِ الهدامةِ في عقولِ أبنائه، ولكن هيهاتَ لهم ذلك.

وإنَّ المتأملَ في حالِ عالمنا المعاصرِ ليرى بوضوحٍ ما تتعرضُ له أمتُنا الإسلاميةُ من نكباتٍ على يدِ أعدائها، والهدفِ المبطنِ لكل هذهِ الحملاتِ المغرضةِ هو هدمُ الأمةِ الإسلاميةِ وجعلها أمةً تابعةً منشغلةً بنفسها، ومتحاربةً فيما بينها، يقتلُ بعضُها بعضًا؛ لتنشغلَ عن أداءِ رسالتِها الخالدةِ. (حساني والقرني، 2017، ص 319).

وإنَّ الطريقَ الذي اتبعَهُ الأعداءُ لتحقيقِ هذا الغرضِ يتمثلُ في تشكيكِ أبناءِ الإسلامِ في عقيدتهم، ومسخِ هويتهم، وحملِهم على الانسلاخِ من مبادئهم وقيمهم، وزعزعةِ أمنهم، عن طريقِ ما يلقونه من شبهاتٍ وما يزينونه من شهوات.

ومِن هنا كانَ لزامًا على المسلمِ أنْ يدرسَ هذهِ الأفكارَ، وأن يـصرفَ عزمَه إلى تحصينِ العقولِ وحمايتها فكريًا، وجعلها أبوابًا موصدةً أمامَ تحدياتِ الأمنِ الفكري المعاصرِ (حساني والقرني، 2017، ص 319).

ولعلَّ الأحداثَ الإرهابيةَ الأخيرةَ التي شهدها العالمُ بما حملته من سفكِ الدماءِ، وإتلافٍ للمالِ العامِ والخاصِ، وإشاعةِ الخوفِ في قلوبِ أفرادِ المجتمعِ؛ تحتمُ علينا الانتباهَ لموضوعِ الأمنِ الفكري وما يتعلقُ به من موضوعاتٍ ومفاهيمٍ، كما يحتمُ علينا تحصينَ أفرادِ المجتمعِ كافةً ضدَّ الانحرافاتِ الفكريةِ التي قد تطرأُ على بعضِ أفراده حتى يعيشَ المجتمعُ كله في استقرارٍ وطمأنينةٍ مواصلًا عجلةَ التقدمِ والنماءِ (حساني والقرني، 2017، ص 320).

فالأمنُ مطلبٌ ضروريٌّ لكلِّ البـشرِ وهو نعمةٌ من اللهِ يمتنُّ بها على عباده، يقولُ اللهُ تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 4]

لذلكَ فإنَّ الأمنَ حاجةٌ اجتماعيةٌ، يحتاجُ إليها الإنسانُ للاستقرارِ في معيشته، وإلا اضطربتْ حياته، واستبدَّ بهِ القلقُ والتوترُ، وتعطلُ فكرِه الذي من خلاله يعملُ وينتجُ.

ويعدُّ الأمنُ هاجسًا لكلِّ إنسانٍ، وغايةً قصوى لكلِّ مجتمعٍ، تسعى إلى تحقيقها الشعوبُ والدولُ كافةً.

ويؤكدُ ذلكَ قولُ الرسولِ ‘: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، آمِنًا في سرْبِهِ، عندَهُ قوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (الغامدي والزهراني، 2018، ص 423).

وإنَّ التحدياتِ التي تواجهُهَا المجتمعاتُ الإسلاميةُ لكثيرةٌ جدا، وإنَّ أبرزَها ما يتعلقُ بالأمنِ الفكري، حيثُ كان انتشارُ ظاهرةِ الانحرافِ الفكري والبعدُ عنِ الاعتدالِ في التفكيرِ سببًا مباشرًا في ظهورِ الفتنِ والـصراعاتِ وتعددِ المذاهبِ الفكريةِ والاتجاهاتِ، وهذا ما يضعفُ قوةَ الأمةِ وعزتِها، ويهدد كيانَها، ويفقدها أمنها واستقرارها؛ فيعمُّ الخوفُ والاضطرابُ، وتسفكُ الدماءَ البريئةَ، وتقتلُ الأنفسَ المعصومةَ (حساني والقرني، 2017، ص 319).

لذا نجدُ أنَّ الأمنَ الفكري يشغلُ العديدَ منَ الأوساطِ الأمنيةِ والتربويةِ، ويشكلُ هاجسًا كبيرًا للأسرةِ والمدرسةِ والمجتمعِ على حدٍّ سواء (الغامدي والزهراني، 2018، ص 423).

وذلكَ لأنَّ جميعَ مصالحِ المجتمعاتِ والدولِ والأفرادِ الدينيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ لا يمكنُ تحقيقُها في ظلِّ تلوثِ الأفكارِ بنعراتِ الإرهابِ، ونوازعِ الإفسادِ، وهواجسِ التدميرِ.

والأمةُ المسلمةُ أولى من غيرها بحمايةِ فكرها وثقافتها وهويتها من الاضمحلالِ أمامَ أخطارِ الغزو الثقافي، الذي تعددتْ أساليبه وتنوعتْ أشكاله نحوَ اغتيالِ العقائد، وهدمِ المبادئِ والقيمِ.

ولذلكَ فإنَّ الاهتمامَ بالأمنِ الفكري هو في حقيقته أمنٌ للعقيدةِ والخلقِ والمبدأِ الإسلامي، الذي لا غنى عنه ولا قيمةَ للحياةِ بدونه (السناني، 2017، ص 13).

وبناءً على ما سَبَقَ يتضحُ أنَّه لا بدَّ من تعزيزِ الأمنِ الفكري من خلالِ غرسِ القيمِ، وتكوينِ السلوكياتِ اللازمةِ للأفرادِ، وتحديدِ الحقوقِ والواجباتِ المرتبطةِ بها؛ مما يسهمُ في إيجادِ جيلٍ مؤهلٍ لتحملِ المسؤوليةِ، بحيثُ يكونُ الفردُ قادرًا على مواجهةِ المشكلاتِ (الهذلي، 2019، ص 212).

فالمحافظةُ على القيمِ والسلوكِ والأفكارِ المنضبطةِ يساعدُ في تحقيقِ أهدافِ المجتمعِ وتطلعاته نحو التنميةِ المستدامةِ في شتى المجالاتِ، كما تعملُ القيمُ السليمةُ والصحيحةُ على تشكيلِ سلوكِ النشءِ وتكوينِ المفاهيمِ الصحيحةِ وتعزيزِها في أذهانهم بصورةٍ تتوافقِ مع غاياتِ المجتمعِ وتطلعاته (السناني، 2017، ص 4).

 مفهوم الأمن الفكري

يعرفُ الأمنُ الفكري بأنه مفهومٌ يدورُ حولَ جوهرٍ رئيسٍ يتمثلُ في تحصينِ الفكرِ البـشري ضدَّ الأفكارِ المنحرفةِ وغيرِ المنضبطةِ بالضوابطِ الـشرعيةِ والاجتماعيةِ، للحفاظِ على المعتقدِ الديني والثقافي، وتحقيقِ الطمأنينةِ في مجالاتِ الحياةِ المختلفةِ وصولًا إلى تحقيقِ الأمنِ الفكري (الهذلي، 2019، ص 216).

ويعدُّ الأمنُ الفكري أحدَ فروعِ الأمنِ، والركنَّ الأهمَّ في نظمِ بنائه، فتقدمُّ الأممِ وبقاءِ حضارتها يقاسُ بعقولِ أبنائها وأفكارهم، فإذا سلمتْ تحققَ لهم الأمنُ في أسمى صوره؛ وإذا كان الأمنُ على تعددِ أنواعه مطلبًا رئيسًا لكلِّ أمةٍ فإنَّ الأمنَ الفكري يعدُّ أهمَ تلك الأنواعِ وأخطرها؛ لأنه يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بصورِ الأمنِ الأخرى، وتحققِه يؤمنُ تحققًا تلقائيًا لأنواعِ الأمنِ الأخرى، فالإنسانُ أسيرُ فكره ومعتقده، وما عملُ الإنسانِ وسلوكه وتـصرفاته إلا صدى لفكره وعقله (العنزي، 2019، ص 6).
 

أهداف الأمن الفكري

يستهدفُ الأمنَ الفكري تحقيقَ عددٍ منَ الأهدافِ الهامةِ التي من خلالها يصبحُ الفردُ عنصـرا بناءً ضمنَ منظومةٍ مجتمعه، وحسبَ تحققِ هذه الأهدافِ تحققُ الأهدافُ التعليمةُ والاقتصاديةُ والتنمويةُ، إضافةً إلى أنها هي أساسُ أمنِ المجتمعِ واستقرارِ الدولِ، فمن هذه الأهدافِ:

أولًا: بناءُ العقلِ وحمايته مما يؤدي به إلى الانحرافِ.

ثانيًا: تحصينُ الفكرِ في مواجهةِ المؤثراتِ التي قد تجعلُ صاحبه مصدرَ تهديدٍ للأمنِ والاستقرارِ.

ثالثًا: معالجته وتصحيحُ ما قد يطرأُ على الفكرِ من خللٍ أو اضطرابٍ، يؤثرُ على أمنِ الفردِ والمجتمعِ والدولةِ.

رابعًا: تأمينُ الدولةُ والمجتمعُ في مواجهةِ ما ينتجُ عن اختلالِ الفكرِ من مخرجاتٍ في الرؤى والتوجهاتِ، التي يعبرُ عنها عادةً بالكلمةِ المسموعةِ أو المكتوبةِ، وما يتبعها من سلوكٍ أو تصرفاتٍ (حساني والقرني، 2017، ص 319).

ولأهميةِ تحقيقِ هذه الأهدافِ يتحتمُ على المجتمعِ أفرادًا ومؤسساتِ المساهمةَ في تعزيزِ الأمنِ الفكري، ودعمِ كلُّ ما من شأنه تحقيقُ الأمنِ والطمأنينةِ، والقيامِ بالدورِ المأمولِ للحفاظِ على مكوناتِ المجتمعِ وتعزيزِ أصالته وصيانةِ منظومته الفكريةِ من كلِّ ما يشكلُ خطرًا عليها (الغامدي والزهراني، 2018، ص 423).

أهمية الأمن الفكري

من خلالِ ما سبقَ من أهدافِ الأمنِ الفكري تتضحُ أهميته، وتأسيسًا على ما سبقَ، وتأكيدا له فإننا نزيدُ الأمرَ توضيحا بذكرِ بعضِ الأسبابِ التي تجلي أهميةَ الأمنِ الفكري على سبيلِ الإجمالِ، فمنها: (الهذلي، 2019، ص 220):

أولًا: يحققُ الأمنُ الفكري التلاحمَ والوحدةَ والترابطَ بين الفكرِ الإنساني والمنهجِ والهدفِ.

ثانيًا: يعدُّ الأمنُ الفكري السبيلَ الوحيدَ لاكتسابِ عواملِ ازدهارِ الحضاراتِ والثقافاتِ، كما يضمنُ لها استقلالها وتميزها.

ثالثًا: يبحثُ الأمنُ الفكري في كيفيةِ صونِ الأمنِ والاستقرارِ، والوقوفِ أمامَ الجريمةِ ومواجهتها.

رابعًا: يعدُّ الأمنُ الفكري من الـضرورياتِ الهامةِ لحمايةِ دينِ الأمةِ وعقيدتها،

خامسًا: يؤدي الخللُ في الأمنِ الفكري إلى الخللِ في كافةِ أنواعِ الأمنِ الأخرى.

سادسًا: يحمي الأمنُ الفكري عقولَ الناشئةِ من الانحرافاتِ التي ينتجُ عنها اتجاهاتٌ خاطئةٌ ضدَّ المجتمعِ والدولةِ والمحيطِ المحلي والعالمي.

سابعًا: تعزيزُ الأمنِ الفكري يعدُّ صيانةً للثوابتِ، بما في ذلكَ دينُ الأمةِ وعقيدتُها وقيمُها وأخلاقُها.

ثامنًا: يقومُ الأمنُ الفكري على تفعيلِ الرقابةِ الذاتيةِ لدى أفرادِ المجتمعِ وتوليدِ الأفكارِ والقناعاتِ التي تتوافقُ مع العقيدةِ السليمة.

تاسعًا: تحقيقُ الأمنِ الفكري طريقٌ للإبداعِ والابتكارِ، الذين لا يزدهرانِ إلا عندَ انخفاضِ معدلاتِ الجرائمِ.

عاشرًا: انحرافُ الفكرِ في مراحلِه المتأخرةِ يحتاجُ إلى مزيدٍ من الجهودِ المتنوعةِ من مختلفِ القطاعاتِ، لذا كان من الـضروريِّ الوقايةُ بتعزيزِ الأمنِ الفكري.

حادي عـشر: الانحرافُ الفكري لا يقتصـرُ تأثيره على الفردِ المنحرفِ وحده، بل يتعدى ذلكَ للمجتمعِ عامةً.

ثاني عـشر: منافذُ الغزوِ الفكري متعددةٌ وواسعةٌ وسهلةُ الاستخدامِ، لذا كانَ من الضروريِّ تأمينُ العقلِ البـشريِّ وتحصينُه وتعزيزُ المعتقداتِ والقناعاتِ التي تحميه من الزيغِ والضلالِ.

مراحل تعزيز الأمن الفكري

تمرُّ عمليةُ تعزيزِ الأمنِ الفكري بعدةِ مراحلَ هي: (الهذلي، 2019، ص 222):

مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري:

ينبغي أن تقومَ الجهاتُ المعنيةُ باتخاذِ جميعِ الإجراءاتِ لمنعِ الانحرافِ الفكري وفقَ خططٍ مدروسةٍ في ضوءِ المتغيراتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ للبلاد.

مرحلة المناقشة والحوار:

قد لا تنجحُ جهودُ الوقايةِ في صدِّ الأفكارِ المنحرفةِ، وهنا تظهرُ الحاجةُ لإجراءِ اللقاءات المباشرةِ مع معتنقيها ومقارعةِ الحجةِ بالحجةِ، وهذه المرحلةُ تعدُّ من أهمِّ المراحل.

مرحلة التقويم:

العملُ في هذه المرحلةِ يبدأ بتقييمِ الفكرِ المنحرفِ وتقديرِ مدى خطورته باعتبارِ ذلك نتيجةً للحوارِ والمناقشةِ، ثم ينتقلُ العملُ إلى تقويمِ هذا الفكرِ وتصحيحه قدرَ المستطاع.

مرحلة المساءلة والمحاسبة:

العملُ في هذه المرحلةِ موجه إلى من لم يستجبْ في المراحلِ السابقةِ، وهذا منوطٌ بالأجهزةِ الأمنيةِ والقضائيةِ لإصدارِ الحكمِ الشرعي في حقِّ من يحملُ هذا الفكر.

مرحلة العلاج والإصلاح:

وفي هذه المرحلةِ يكثفُ الحوارُ مع المنحرفينَ فكريًا من قبلِ المؤهلينَ علميا وعمليا  في مختلفِ التخصصاتِ وممن يملكونَ القدرةَ والأدواتِ لإنجاحِ هذه المرحلة.

دور القيم في تعزيز الأمن الفكري

يتضحُ تأثيرُ القيمِ على الإنسانِ والمجتمعِ منْ خلالِ الأمورِ الآتية: (حمزة، 2014، ص 462):

أولًا: تشكلُ القيمُ رموزًا ثقافيةً تحددُّ ما هو مرغوبٌ فيه وما هو مرغوبٌ عنه، هذا إلى جانبِ أنها تلعبُ دورَ المحدداتِ التي توجه السلوك.

ثانيًا: تشكلُ القيمُ جوهرَ البيئةِ القافيةِ لأي مجتمع.

ثالثًا: القيمُ هي حلقةُ الوصلِ بينَ الأنساقِ الثلاثةِ للمجتمعِ (نسقُ الثقافة، نسقُ الشخصية، والنسقُ الاجتماعي).

ويأتي دورُ القيمِ في تعزيزِ الأمنِ الفكري مع ظهورِ العديدِ من السلوكياتِ المخالفةِ للدينِ وتقاليدِ وقيمُ المجتمعِ من بعضِ الأفرادِ، والتي تعدُّ مؤشرًا لتأثرِ أصحابِها بأفكارٍ مستقلةٍ من مجتمعاتٍ غيرَ إسلاميةٍ، أو من منظماتٍ إرهابية.

والخطيرُ في هذه السلوكياتِ سهولةُ انتقالها بما تحمله من فكرٍ وسرعةِ انتشارِها (الدوسري، 2013، ص 196).

والقيمُ تعدُّ الموجهَ الأساسي لسلوكياتِ الفردِ، ففقدانُها أو ضياعُ الإحساسِ بها وعدمُ التعرفِ عليها يجعلُ الفردَ يقومُ بأعمالٍ عشوائيةٍ، ويسيطرُ عليه الإحباطُ لعدمِ إدراکِه جدوى ما يقومُ به من أعمالٍ، فالقيمُ تمثلُ قدرةَ الفردِ على إيجادِ معنًى لحياتِه.

وعلى هذا تعدُّ القيمُ من القضايا الجوهريةِ في ميادينِ الحياةِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والاجتماعيةِ، نظرا لأنها تمسُّ العلاقاتِ الإنسانيةِ بصورها كافةً، فهي ضرورةٌ اجتماعية، ومعاييرُ لابدَّ أن نجدها في كل مجتمعٍ منظمٍ سواءٌ كانت متقدمةً أم متأخرةً، فهي تتغلغلُ في الأفرادِ على شكل اتجاهاتٍ ودوافعٍ وتطلعاتٍ، وتظهرُ في السلوكِ الشعوري واللاشعوري (الأكلبي وأحمد، 2010، ص 88).

فالقيمُ هي الطريقُ الأصوبُ والحلُّ المثاليُّ لمعالجةِ تلكَ السلوكياتِ، والفكرُ يعالجُ بالفكرِ، وكلما ارتفعتْ القيمُ وتمثلتْ في الإنسانِ كلما أضحى الإنسانُ أكثرَ فهمًا وعمقًا وتحليلًا للأمورِ التي تدورُ حولَه، وأجدرَ بامتلاك المعارفِ والمهاراتِ التي تجعله يتصدى للأفكارِ الهدامةِ، والأفكارِ المنحرفةِ.

خصائص القيم

للقيمِ عدةُ خصائصٍ أهمها (بلعية وقيرع، 2011، ص 14-15):

أولا: الثباتُ:

تتميزُ القيمُ بخاصيةِ الثباتِ، فهي من مقوماتِ وجودِ الأممِّ واستمراريتها في الزمانِ والمكانِ، كما أنها تدومُ بدوامِ المعتقداتِ والاختياراتِ الفكريةِ المؤطرةِ لها، وتترسخُ برسوخها، ولا يصيبها التغييرُ إلا بعد حقبٍ طويلةٍ من التألقِ والعطاءِ، حيثُ تتأثرُ عادةً بحركية الأمةِ، وأوضاع ِصحتها ومرضها ونهوضها وانحطاطها.

ثانيا: الفاعليةُ:

وهي قدرةُ القيمِ على إبداعِ الأفكارِ، وصبغها بصبغتها الخاصةِ، وتوجيه العواطفِ وضبطِ السلوكِ وتقويمه، وتوحيدِ وجهةِ الأمةِ وتعبئتها في ميدانِ التنميةِ والبناءِ الحضاري.

ومن ثمَّ فإنَّ قيمَ الأمةِ، لا بدَّ أن تحـضرُ بقوةٍ فاعلةٍ، في سياستها واقتصادها وقانونها واجتماعها وتربيتها وفنونها، وأنْ تشكلَ القلبَ النابضَ في ثقافتها وفلسفتها في الحياة.

ثالثا: التكاملية:

فالقيمُ توجدُ ضمنَ منظومةٍ متكاملةٍ يشدُّ بعضها بعضا، وتقوي ممارسةَ كل قيمةٍ ما يرتبطُ بها من القيمِ الأخرى، وتحتاجُ ممارسةُ كل قيمة، إلى ما يتصلُ بها من القيمِ الأخرى، وتستدعي اكتسابَ أخلاقها ومقتضياتها السلوكيةِ والانفعاليةِ، وكل إخلالٍ بقيمةٍ ما، يؤدي حتما إلى تصدعِ المنظومةِ برمتها ويعرضها للانهيارِ.

قيم الأمن الفكري

هناكَ العديدُ من القيمِ التي تعملُ على تعزيزِ الأمنِ الفكري، ومن أبرزِ تلك القيم (الأكلبي وأحمد، 2010، ص 98):

 1)        السلامُ.

 2)        المواطنةُ الصالحةُ.

 3)        التفكيرُ.

 4)        احترامُ حقوقِ الإنسانِ.

 5)        أدبُ الدعوةِ.

 6)        أدبُ الحوارِ.

 7)        العدلُ.

 8)       العملُ.

 9)        التسامحُ.

10)       الأمانةُ.

طرق تعزيز قيم الأمن الفكري

إنَّ الحاجةَ إلى تعزيزِ القيمِ يجبُ أن تكونَ في جميعِ المستوياتِ وفي جميعِ المراحلِ العمريةِ، فالقيمُ ليستْ منـحصرةً في طفلٍ صغيرٍ أو طالبٍ مدرسةٍ أو شيخٍ كبير؛ بل إننا بحاجةٍ إلى قيمٍ إسلاميةٍ وسطيةٍ تعالجُ الانحرافاتِ الفكريةَ، وتحققُ الأمنَ الفكري لدى مكوناتِ المجتمعِ كافةً، وهذا الأمرُ يحتاجُ إلى تشاركِ الجميعِ بدءًا من الأسرةِ ثم المدرسةِ والمسجدِ والإعلامِ والثقافةِ ومؤسساتِ المجتمعِ المدني واللجانِ المختلفة؛ حتى نصلَ إلى القيمِ التي تعملُ على تعزيزِ الأمنِ الفكري لكل شخصٍ في المجتمع، الرجلِ والامرأةِ، الكبيرِ والصغيرِ.

ولأنَّ القيمَ تعدًُّ الموجهَ الأساسيَّ لسلوكياتِ الفردِ، فلا بدَّ من وجودِ قيمٍ داخلَ المجتمعِ؛ تؤدي إلى القدرةِ على تأملِ وفحصِ المواقفِ والأفكارِ قبلَ الحكمِ عليها، والقدرةِ على مواجهةِ الأفكارِ المنحرفةِ، أو الداعيةِ إلى التطرفِ والإرهابِ (الأكلبي وأحمد، 2010، ص 79).
 

أدوارُ القيمِ الإسلاميةِ في تعزيزِ الأمنِ الفكري

القيمُ الإسلاميةُ هي صمامُ الأمان لكلِّ مصالحِ البشـريةِ في مختلفِ مجالاتِ الحياةِ، باعتبار قيمِ الإسلامِ مجسدةً لأوامرِ الله العليمِ الحكيمِ.

ومن أدوارِ القيمِ الإسلاميةِ في تعزيزِ الأمنِ الفكري ما يلي: (العنزي، 2019، ص 20):

أولًا: ربطُ الناسِ بربهم، ويكونُ ذلك بتوجِهِ القلبِ إلى اللهِ نيةً ومقصداً، والحثِّ على تقوى الله.

ثانيًا: إشاعةُ الوعي بأهميةِ مصادرِ تلقِّي الأفكارِ، من خلالِ توضيحِ المصادرِ الصحيحةِ التي يجبُ أن يستقيَ الناس منها معارفَهم ، والتحذيرُ من المصادرِ غيرِ المعتبرة.

ثالثًا: التحذيرُ من الأخذِ عن الخرافةِ والدجلِ.

رابعًا: ضبطُ منهجِ الفهمِ ومعرفةِ مقصودِ اللهِ تعالى ورسولهِ ‘.

خامسًا: الوعيُ بالمفاهيمِ والمصطلحاتِ والعملِ على تحريرها؛ لأنَّ العلمَ بحقائقِ الأشياءِ والوعيِ بالمفاهيمِ أساسٌ لسلامةِ الفكرِ والاعتقادِ، وكثيرًا ما نجدُ أنَّ المشكلاتِ الفكريةَ تعودُ إلى خللِ المفاهيم.

سادسًا: بيانُ أنَّ الاختلافَ سنةُ اللهِ في خلقِه، فالخلافُ بينَ الناسِ بالأفكارِ والتصوراتِ والاعتقادِ سنةٌ كونيةٌ.

سابعًا: نشـرُ العلمِ الـشرعيِّ القائمِ على الكتابِ والسنةِ، فكثيرٌ من المشكلاتِ الفكريةِ سبُبها الجهلُ بالعلمِ الشرعيِّ.

ثامنًا: ذكرُ أخبارِ الأممِ السابقةِ لأخذِ العبرةِ.

تاسعًا: التحذيرُ من الفرقِ الضالةِ المخالفةِ لمنهجِ الكتابِ والسنةِ.

عاشرًا: ربطُ الأمةِ بعلمائِها، فالواجبُ الأخذُ عنهم، والدفاعُ عنهم كما يجبُ التحذيرُ من الأئمةِ المضللين.

حادي عـشر: إشاعةُ ثقافةِ الحوارِ؛ لأنَّه وسيلةٌ لإظهارٍ الحقِّ وكشفِ الشبهاتِ وزيغِ فكرِ المنحرفين فكرياً.

 أهمية التنشئة على القيم

إنَّ التنشئةَ القِيَمِيَّةَ هي الدعامةُ الأساسيةُ لتكريسِ الأمنِ الفكريِّ وترسيخِه، فالقيمُ هي محضنُ الهويةِ وحصنُها، وبخاصةٍ في وقتِنا الحالي الذي أصبحَ المجالُ فيه مفتوحًا أمامَ تحدياتٍ جديدةٍ، على رأسٍها سعى العولمةُ إلى إلغاءِ الخصوصياتِ الحضاريةِ والثقافيةِ، عن طريقِ الغزوِ الثقافيِّ، فالصـراعُ في السنواتِ الأخيرةِ أصبحتْ تتركَّزُ على القيمِ والمرجعياتِ، بعدَ أن كان الـصراعُ في القرنِ الماضي ذا طابعٍ عسكري واقتصادي، وهذا ما يتطلبُ رؤًى جديدةً في الأمنِ الفكري للأمة (بلعية وقيرع، 2011، ص 11).

والقيمُ هي معاييرُ عقليةٌ ووجدانيةٌ، تستندُ إلى مرجعيةٍ حضاريةٍ، تمكِّنُ صاحبَها من الاختيارِ بإرادةٍ حرةٍ واعيةٍ، وبصورةٍ متكررةٍ نشاطًا إنسانيًا - يتسقُ فيه الفكرُ والقولُ والفعلُ - يرجِّحُه على ما عداه من أنشطةٍ بديلةٍ متاحةٍ فيستغرقُ فيه، ويسعدُ به، ويحتملُ فيه ومن أجله أكثرَ مما يحتملُ في غيره، دونَ انتظارٍ لمنفعةٍ ذاتية.

وهي بذلكَ مطلقةٌ وكونيةٌ تتبناها كلُّ الجماعاتِ مهما اختلفتْ الأديانُ والمعتقداتُ والمرجعياتُ الحضاريةُ، فالعدلُ –مثلًا - مرغوبٌ لدى الجميعِ، وضدُّه مكروهٌ، والحريةُ والعبوديةُ كذلك (بلعية وقيرع، 2011، ص 14).

والتنشئةُ القيميةُ لها أدوارٌ متعددةٌ، إذا تم استعمالُها فيها كانتْ سدًّا منيعًا للمجتمعِ والفردِ من أي انحراف فكريٍّ، ومنها:  (بلعية وقيرع، 2011، ص 11):

أولًا: تدريبُ أفرادِ المجتمعِ على التفكيرِ العلميِّ المستبـصرِ؛ ليستطيعوا اختبارَ العناصرِ الثقافيةِ القادمةِ إليهم من ثقافاتٍ أخرى واختبارِ المناسبِ منها وفقَ القيمِ والعاداتِ والتقاليدِ.

ثانيًا: تزويدُ أفرادِ المجتمعِ بقدرٍ متنوعٍ ومتجددٍ من الخبراتِ والمعارفِ التي تساعدُهم على اكتسابِ المرونةِ والتغييرِ والتعديلِ في السلوكِ،  وتساعدُهم على مواجهةِ المواقفِ الجديدةِ ومحاولةِ التكيفِ معها.

ثالثًا: معالجةُ المشكلاتِ الاجتماعيةِ التي ترافقُ التغيرَ الثقافيَّ من خلالِ تزويدِ أفرادِه بأنماطٍ شتى من الخبراتِ التي تشاركُ في بناءِ التفكيرِ الناقد.

رابعًا: تبصيرُ الطلبةِ بمفاهيمِ الدينِ الإسلاميِّ الأساسيةِ، وربطِه بحقائقِ الحياةِ المختلفةِ المتنوعةِ، والإعدادُ الخلُقي للإنسانِ القائمِ على القيمِ الإيمانيةِ.

توجيهُ التغيرِ الاجتماعيِّ نحوَ التقدمِ، بغرسِ الاتجاهاتِ الصحيحةِ والمهاراتِ والمعارفِ في نفوسِ أفرادِ المجتمعِ؛ لمواجهةِ التغيراتِ التي تحدث، بحيثُ يتقبلُ الأفرادُ التغيراتِ الجديدةَ دونَ صراعٍ أو مقاومةٍ شديدةٍ.

 

دور الأسرة في تعزيز قيم الأمن الفكري

الأسرةُ هي المؤسسةُ الأولى من مؤسساتِ التنشئةِ الاجتماعيةِ التي يرتبطُ بها الفردُ، ويستقي منها ثقافتَه بما تحويه من عقائدَ وقيمٍ ولغةٍ واتجاهاتٍ وميولٍ وتقاليدٍ وغيرها، وهي المحضنُ الأول للتربيةِ، والوعاءُ الذي تتشكلُ داخله شخصيةُ الطفلِ، بما تحمله من سماتٍ وخصائصٍ (الدوسري، 2013، ص 213).

وتعدُّ الأسرةُ من أهمِ المؤسساتِ الاجتماعيةِ المنوطِ بها تحقيقُ الأمنِ الفكريِّ في المجتمعِ، وتنشئةِ الأبناءِ بطريقةٍ سويةٍ لمواجهةِ المخاطر (جاد الله وآخرون، 2020، ص 270).

 وتبرزُ أهميةُ الأسرةِ ودورُها في مجالِ الأمنِ الفكري في جانبين مهمين:

الجانب الأول: أنَّ الأسرةَ تمثلُ خطَّ الدفاعِ الأولَ ضدَّ الانحرافِ بمختلفِ أشكالِه وصورِه.

الجانب الثاني: أنَّ أفرادَ الأسرةِ يمثلُون نماذجَ حيةً للسلوكِ الذي يتعلمُه الناشئُ، فهو يكتسبُ الكثيرَ من سلوكياتهِ السويةِ أو المنحرفةِ من خلالِ اختلاطِه بأسرته، وتقليده لهم.

ولكي تؤديَ الأسرةُ دورها في تحقيقِ الأمنِ الفكري لأبنائها، وتقومَ بمسئوليتها في تحصينِ أفكارِهم وميولاتِهم ضدَّ مختلفِ الانحرافاتِ الفكريةِ والسلوكيةِ لا بد أن تكونَ متمسكةً بعقيدتها، وقائمةً بواجباتها الدينية، وملتزمةً بمبادئ التربيةِ الإسلاميةِ كأساسٍ في تربيةِ لأبنائها، وأن يكونَ الآباءُ نماذجَ حسنةً لأبنائهم في سلوكياتهم (الدوسري، 2013، ص 213).

ويمكنُ تحقيقُ الأمنِ الفكري من خلالِ الأسرةِ من خلالِ التركيزِ على القيمِ الآتية (جاد الله وآخرون، 2020، ص 282-284):

أولًا: تشجيعُ الأبناءِ على المشاركةِ الاجتماعيةِ الإيجابيةِ مع الآخرين، وتعزيزِ العلاقاتِ والأنشطةِ الاجتماعيةِ معهم، ومشاركةِ أفرادِ الأسرةِ أفراحهم وأتراحهم على أرضِ الواقعِ، وعدمِ الاكتفاءِ بالعلاقات الافتراضيةِ عبرَ شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي.

ثانيًا: تعليمُ الأبناءِ تنظيمَ أوقاتِهم، والالتزامَ بأداء العباداتِ، وعدمَِ الانشغالِ عنها بالحواراتِ عبرَ شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وتعويدَهم على ذلك، مما يولدُ لديهم الالتزامَ والانضباطَ الأخلاقيَّ.

ثالثًا: التربيةُ الفكريةُ الصالحةُ للأبناء، وترسيخُ المبادئِ السليمةِ في أذهانِهم ومعتقداتِهم، وعدمُ تركِهم عرضةً لدعاةِ الفكرِ المنحرفِ الذين يجدون في الشبابِ أرضًا خصبةً لنشرِ انحرافاتهم.

رابعًا: تربيةُ الأبناءِ على الاعتدالِ والأخذِ بمبدأ الوسطيةِ في كلِّ أمرٍ يتعلقُ بأمورِ الدينِ والدنيا، والبعدِ عما يناقضُ ذلك من الغلوِ والتشددِ أو التفريط.

خامسًا: أن يكون الوالدانِ قدوةً مثاليةً في التعاملِ مع أنفسهم ومعَ الأخرينِ، مما يساعدُ على تهيئةِ بيئةٍ أسريةٍ آمنةٍ وهادئةٍ، يجدُ فيها الأولادُ التوافقَ الأسريَّ والحوارَ الهادفَ والاحترامَ المتبادلَ.

سادسًا: تفعيلُ الأمنِ الفكريِّ الوقائيِّ من خلالِ تحصينِ الأبناءِ ووقايتِهم فكريًّا، وتجنيبِهم كلَّ المؤثراتِ التي قدْ تتسببُ في انحرافِهم، كأصدقاءِ السوءِ ، ووسائلِ الاتصالِ والإعلانِ المفسدةِ، وغيرها...

سابعًا: شغلُ أوقاتِ الفراغِ لدى الأبناءِ بما يفيدهم من خلالِ تنميةِ هواياتِهم، وإشراكُهم في مختلفِ المناشطِ الرياضيةِ والثقافيةِ، وربطُهم بالمهنِ المختلفةِ.

ثامنًا: تربيةُ الأبناءِ على التفكيرِ الناقدِ، والذي من خلاله لا يقبلون ما يُلقى إليهم من الأفكارِ والآراءِ إلا بعدَ تمحيصِها ونقدِها ومعرفةِ ما تحملُه من مضامين، خاصةً ما يردُ إليهم من أفكارٍ عبرَ شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي.

تاسعًا: تصحيحُ المفاهيمِ الخاطئةِ لدى الأبناءِ، سواءٌ عن أنفسِهم أو الحياةِ مِن حولِـهم، حتى لا يضطربَ فكرُهم، ويختلَّ فهمُهم.

عاشرًا: مراقبةُ الأبناءِ في مقروءاتِهم ومرئياتِهم، وتبصيرُهم بواجبِ الالتزامِ بأوامر ِالدينِ، كالتحذير من الوقوعِ في الخطأ، أو التساهلِ بشيء من التقليدِ الأعمى لكل ما يشاهدُ ويري.

عاشرًا: تشجيعُ الأبناءِ على التحدُّثِ عن أي شيء يشاهدونه أو يطلعون عليه بشبكةِ الإنترنت، سواءٌ كان جيدًا ومفيدًا، أو سلبيًّا محرجًا أحيانًا.

حادي عـشر: التنبيهُ على الأبناءِ بعدمِ إعطاءِ أي معلوماتٍ شخصيةٍ: (العنوانُ، أو رقمُ الهاتفِ، أو اسمُ المدرسةِ وعنوانها، أو اسمُ أحدِ الوالدين) لأصدقائهم على شبكةِ الإنترنت، كما يجبُ على الأسرةِ أن تعرفَ أصدقاءِ الأبناء على شبكةِ الإنترنت.

كما يجبُ تحذيرًهم من تصديقِ أيِّ حديثٍ أو معلوماتٍ على شبكةِ الإنترنت؛ لأن هناكَ أشخاصًا قد يغيرون هوياتِهم لأغراضٍ فاسدةٍ أو منحرفةٍ، فذلكَ قد يجنبُ الأسرةَ والأبناءَ الوقوعَ في شراكِ مواقعٍ أو جهاتٍ منحرفةٍ.

ثاني عـشر: توعيةُ الأبناءِ حولَ المخاطرِ والمشاكلِ المحتملةِ على شبكةِ الإنترنت، حفاظًا عليهم من الانحرافِ والوقوعِ في مكائدِ الغير.

ثالث عـشر: إيضاحُ ما للأمنِ واستتبابِه من أهميةٍ بالغةٍ باعتباره حاجةً إنسانيةً مهمةً، وتعريفُ الأبناءِ بأخطارِ الإرهابِ والتكفير على الأمنِ الوطني.

دور المؤسسات التربوية في تعزيز قيم الأمن الفكري

تعدُّ المؤسساتُ التربويةُ من أكثرِ المؤسساتِ التي تؤثرُ على العقلِ الإنسانيِّ، فإذا كانت مخرجاتها غيرَ صائبةٍ فإنها لا تعكسُ الانتماءَ ولا تحققُ رسالتها التربويةَ والتعليميةَ، بالإضافةِ إلى ذلك فالطالبُ يتعرضُ للكثير من الانحرافاتِ الفكريةِ بسببِ البيئةِ التعليميةِ التي ينمو فيها، وإلى سوءِ معاملةِ الآخرينَ له (الهذلي، 2019، ص 217).

وتتحملُ المؤسساتُ التعليميةُ جانبًا كبيرًا من مسؤوليةِ التحصينِ الفكريِّ للأجيالِ الناشئةِ، خاصةً في ظلِّ المخاطرِ العديدةِ التي تترقَّبُهم في مختلفِ المجالاتِ.

فالنظامُ التعليمي يساعدُ على تحويلِ القيمِ إلى ممارساتٍ تجسدُ مقوماتِ المجتمعِ الذي قامت فيه والمتعارفِ عليه بأن الدولَّ تستعينُ لمواجهةِ المخاطرِ الفكريةِ بأنظمتها التعليميةِ لعلاجِ ووقايةِ الطلبةِ من مخاطرها (الخليوي، 2018، ص 426).

وقدْ نصتْ سياسةُ التعليمِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ على إعدادِ المواطنِ الصالحِ وِفقًا لقيمِ هذا المجتمعِ التي تنبعُ منْ تعاليمِ الدينِ الإسلامي وقِيمِه الحميدة (سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، 1390).

وقد صارَ من الملحِّ مشاركةُ المؤسساتِ التربويةِ في تحملِ مسؤوليتِها المجتمعيةِ في تعزيزِ الأمنِ الفكريِّ للطلبةِ عبرَ تحصينِهم ورفعِ مستوى الوعي الأمنيِّ لديهم ضدَّ التياراتِ الفكريةِ المنحرفةِ (الخليوي، 2018، ص 428).

وتقعُ على مؤسساتِ التعليمِ مسؤولياتٌ كبرى في ترسيخِ مفهومِ الأمنِ لدى الناشئةِ، ومساندةِ باقي مؤسساتِ المجتمعِ المسؤولةِ عن مواجهةِ الفكرِ المنحرفِ بجانبِ المؤسسةِ الأمنيةِ، فتحقيقُ الأمنِ يمثلُ القيمةَ الأساسيةَ التي تتمحورُ حولها القيمُ الأخرى في نُظمِ التعليمِ الناجحةِ؛ لتكونَ أكثرَ فاعليةً في تكوينِ الشخصيةِ المتوازنةِ والمنتجةِ (الخليوي، 2018، ص 428).

وتعدُّ المدرسةُ من أهمِّ المؤسساتِ التي يُعتمدُ عليها في تشكيلِ بنيةِ الفكرِ وتعلُّمِ طرقِ التفكيرِ والمنهجِ، وبالتالي فإنها تعدُّ الحصنَ الحصينَ للأمنِ، ولها دورٌ كبيرٌ في تكوينِ الفكرِ، وتعزيزِه، وحمايةِ عقولِ الناشئةِ من أي تلوثٍ فكريٍّ.

وهي المكانُ الملائمُ لتربيةِ النشءِ تربيةً متكاملةً، وتزويدِهم بالمهاراتِ والقيمِ والعلومِ والأنماطِ السلوكيةِ؛ ليسهموا في بناءِ وتقدُّمِ المجتمعِ، كما تلعبُ دورًا حيويًا في نـشرِ الوعيِ الأمنيِّ بينَ الطلابِ؛ ليكونوا لبنةً من لبناتِ الأمنِ في المجتمعِ (العنزي، 2019، ص 6).

فالمدرسةُ كمؤسسةٍ تربويةٍ معنيةٍ بغرسِ القيمِ والاتجاهاتِ والمفاهيمِ التي يبتغيها المجتمعُ بشكلٍ مقصودٍ من خلالِ الأنشطةِ المدرسيةِ المختلفةِ بجانبِ خطورةِ وأهميةِ المراحلِ العمريةِ التي يمرُّ بها طلبةُ التعليمِ العام، والذي يتطلبُ التعاملَ معهم بعنايةٍ وحرصٍ ومراعاةِ خصائصِ النموِّ العقليَّةِ والانفعاليَّةِ والاجتماعيَّةِ والدينيَّةِ التي يمرُّون بها؛ لحمايتهم من الانحرافاتِ الفكريةِ (الخليوي، 2018، ص 429).


ويمكنُ تحقيقُ الأمنِ الفكري من خلاِل المدرسةِ من خلالِ التركيز على القيمِ الآتيةِ
(الدوسري، 2013، ص 216):

أولًا: غرسُ العقيدةِ الإسلاميةِ الصحيحةِ في نفوسِ المتعلمين، وربطُهم بها، وجعلُها بما تحويه من مبادئَ وأحكامٍ هي الموجهَ والقائدَ لسلوكَهم وتـصرفاتَهم المختلفةِ.

ثانيًا: بيانُ أهميةِ العلمِ وفضلِه ودورِه في مكافحةِ الجهلِ الذي هو مسببٌ رئيسٌ لانحرافِ الفكرِ؛ وذلك لأنَّ الجاهلَ يسهلُ التأثيرُ عليه واستغلاله والسيطرةُ عليه واسمالتُه لتبنِّي الرؤى والأفكارِ المنحرفةِ التي تخالفُ قيمَ المجتمع.

ثالثًا: إظهارُ وسطيةِ الإسلامِ واعتدالِه، وتربيةُ المتعلمِ عليها، حتى تكونَ جزءاً من شخصيتِه وسلوكِه وفكرِه؛ وذلكَ لتجنيبِه التطرفَ بحدَّيْه: التشددِ والتفريطِ.

رابعًا: إشاعةُ ثقافةِ الحوارِ الهادفِ، وغرسُ قيمِه لدى المتعلمين، وفتحُ مجالِ التعبيرِ عن الرأي، وتقبلِ الآراءِ المختلفةِ وفقَ الضوابطِ الـشرعيةِ؛ وذلكَ من أجلِ معرفةِ كل ما يدورُ في أذهانِ الناشئةِ، وتحمِلُه عقولُهُم من أفكارٍ واتجاهاتٍ وميولاتٍ، وما يعانونه من مشكلاتٍ، وتداركها قبلَ أن تستفحلَ ويصعبَ حلُّها.

خامسًا: تنميةُ مهاراتِ التفكيرِ وطرقِه وأساليبِه، وتدريبُ المتعلمين على ممارسةِ التفكيرِ الناقدِ للوصولِ إلى تحليلِ المواقفِ ومعرفةِ أسبابها، وتنميةُ مهاراتِ القدرةِ على حلِّ المشكلاتِ، وتنميةِ قدراتهم في الحفظِ والفهمِ والاستنتاجِ والتحليلِ والتقويمِ، وترسيخُ النظرةِ الشموليةِ والموضوعيةِ عند مناقشةِ المسائلِ والقضايا.

سادسًا: التوعيةُ ـ بمختلفِ صورِها وأشكالِـها ـ بخطورةٍ الانحرافِ الفكريِّ والسلوكيِّ وما ينتجُ عنه من أضرارٍ، والكشفُ عن مظاهرِه ومؤشراتِه وأعراضِه في بداياتها، والتعاونُ من الأسرةِ وغيرِها من مؤسساتِ التنشئةِ الاجتماعيةِ في القضاءِ على مختلفِ الانحرافاتِ التي قد تظهرُ لدى المتعلمين.

سابعًا: تنميةُ روحِ الولاءِ في نفوسِ المتعلمين ، وغرسُ قيمِ المواطنة فيها، وترسيخُ حبِّ الوطنِ والاعتزازِ به في وجدانهم، حتى يكونَ ذلك جزءًا من شخصيتِهم، فلا يصدرُ منهم سلوكٌ يخالفُ عقيدتَه وقيمَه وثوابتَه، أو يضـرُّ بمقدراتِه ومصالحِه، أو يؤثرَ على وحدتِه وتماسكِه، أو يمسَّ بأمنِه واستقرارِه.

ثامنًا: تبصيرُ المتعلمينَ بالواجباتِ والحقوقِ المترتبةِ عليهم، ومسؤولياتهم تجاهَ والديهم وأسرهِم ومجتمعهم، ووطنِهم، وبيانُ خطورةِ الإخلالِ بتلك الواجباتِ.

تاسعًا: أن يكونَ الطاقمُ المدرسيُّ إدارةً ومعلمين قدوةً حسنةً للمتعلمين في سلوكِهم وطرائقِ تفكيرِهم، حتى يتـشربَ المتعلمون ذلك السلوكَ ويكونَ جزءاً من شخصياتِهم.

عاشرًا: توعيةُ المتعلمين بالمشكلاتِ والتحدياتِ الفكريةِ، والمتمثلةِ بالفلسفاتِ والعقائدِ والمللِ المنحرفةِ التي تسعى للنيلِ من عقيدةِ المجتمعِ وقيمِه، وتبصيرُهم بأساليبِها وطرقِها وأهدافِها، وكيفيةِ الردِّ عليها ؛ وذلك من أجل تحصينِهم ووقايتِهم فكرياً.

حادي عـشر: توجيهُ المتعلمين لحسنِ استغلالِ أوقاتِ الفراغِ بما يعودُ عليهم بالنفعِ والفائدةِ، وإتاحةُ المجالِ للاستفادةِ من مرافقِ المدرسةِ خارجَ وقتِ الدوامِ الرسميِّ لإقامةِ مختلفِ الأنشطةِ الثقافيةِ والاجتماعي والرياضية.

دور وسائل الإعلام في تعزيز قيم الأمن الفكري

في ظلِّ زخمِ الثورةِ التكنولوجيةِ في مجالِ المعلوماتِ والاتصالاتِ، والبثِّ الفضائيِّ المرئيِّ والمسموعِ والمقروءِ، وظهورِ شبكةِ الإنترنت وشبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ، والتي أوجدت أرضًا خصبةً لبث السمومِ القاتلةِ في عقولِ الناشئةِ، أثرت على معظمِ القيمِ السائدةِ في المجتمعاتِ تأثيرًا بالغًا، بتأثيراتِها الإيجابيةِ والسلبيةِ، لا سيما في المجالِ الفكريِّ للفردِ حيثُ أصبحَ هدفًا سهلًا للميلِ والغوايةِ به تحت مسمياتٍ ودعاوى مذهبيةٍ منافيةٍ للفطرةِ السليمةِ وخارجةٍ عن نطاقِ العقولِ السويةِ، وصلتْ إلى حدِّ التطرفِ والتكفير ِوالقتلِ والتدميرِ (جاد الله وآخرون، 2020، ص 268).

وتعدُّ وسائلُ الإعلامِ من أهمِّ المؤثراتِ على التوجهاتِ والسلوكياتِ؛ لقدرتها على الوصولِ بشكلٍ مباشرٍ إلى العقولِ ومخاطبةِ الأفكارِ، وعلى الرغمِ من بعضِ السياساتِ التي تتبعها دولُ مجلسِ التعاونِ الخليجي في الرقابةِ والمتابعةِ لنمطِ الخطابِ الإعلامي فإنَّ حالةَ الانفجارِ الإعلامي الناتجِ من تطورِ البرامجِ والوسائلِ التقنيةِ قد فرضَت كثيرًا من التحدياتِ أمام تحقيقِ الأمنِ الفكري وتحصينِ المجتمعاتِ الخليجيةِ من الانحرافِ والإرهابِ الفكري وتعزيزِ الهويةِ الوطنيةِ (الجوهر والعبد الله، 2019، ص 35).

 

المراجع

1)      الأكلبي، مفلح بن دخيل بن مفلح السعدي، وأحمد، محمد آدم. (2010). إستراتيجية تدريسية مقترحة لغرس قيم الأمن الفكري لدى الطلاب لتحصينهم ضد التطرف والإرهاب. مجلة البحوث الأمنية: كلية الملك فهد الأمنية - مركز البحوث والدراسات، مج 19، ع 46، 76 - 125.

2)      بلعيفة، أمين، وقيرع، سليم. (2011). منظومة القيم في المناهج التربوية ودورها في تعزيز الأمن الفكري. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية: جامعة زيان عاشور بالجلفة، ع 9، 105 - 128.

3)     جاد الله، جيهان عبد الرحمن عبد المعطي، شرف، صبحي شعبان، والدهشان، جمال علي خليل. (2020). دور الأسرة في مواجهة مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي على الأمن الفكري لأبنائها. مجلة كلية التربية: جامعة المنوفية - كلية التربية، مج35، ع3، 262 - 309.

4)     جوهر، حسن عبد الله، والعبد الله، حامد حافظ. (2019). الأمن الفكري والتطرف الديني في دول الخليج العربي: إشكالياته واستراتيجيات تعزيزه. مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية: جامعة الكويت - مجلس النشر العلمي، س45، ع174، 21 - 64.

5)     حسانى، عمر بن محمد بن عمر، والقرني، دخيل محمد مديس. (2017). إسهام مناهج اللغة العربية في تعزيز الأمن الفكري لدى طلاب المرحلة الثانوية. مجلة كلية التربية: جامعة أسيوط - كلية التربية، مج33، ع5، 318 - 349.

6)     حمزة، أحمد محمد عبد الكريم. (2014). نحو إستراتيجية متكاملة لتعزيز قيم الوحدة الوطنية لدى الشباب السعودي. مجلة الإرشاد النفسي: جامعة عين شمس - مركز الإرشاد النفسي، ع38، 457 - 474.

7)     الخليوى، نوف بنت سليمان على. (2018). المسؤولية المجتمعية للتعليم في تعزيز الأمن الفكري لطلبة التعليم العام. الثقافة والتنمية: جمعية الثقافة من أجل التنمية، س18، ع127، 423 - 456.

8)     الدوسري، راشد بن ظافر بن راشد. (2013). دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تعزيز الأمن الفكري لدى المتعلمين في المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية. مجلة رابطة التربية الحديثة: رابطة التربية الحديثة، مج 5، ع 17، 193 - 238.

9)     السنانى، محمد بن مسلم بن سليمان. (2017). دور معلمي المرحلة الثانوية في تعزيز الأمن الفكري من وجهة نظر المديرين. عالم التربية: المؤسسة العربية للاستشارات العلمية وتنمية الموارد البشرية، س18، ع58، 1 - 39.

10)    العنزي، مرام بنت نايف بن علي. (2019). دور الإذاعة المدرسية في تعزيز الأمن الفكري لطالبات المرحلة المتوسطة بمحافظة الخرج من وجهة نظر المعلمات. مجلة كلية التربية: جامعة أسيوط - كلية التربية، مج35، ع3، 483 - 535.

11)    الغامدي، عمير بن سفر عمير، والزهراني، عبد العزيز علي. (2018). دور قادة مدارس محافظة الحجرة في تعزيز الأمن الفكري لدى الطلاب. مجلة كلية التربية: جامعة أسيوط - كلية التربية، مج34، ع7، 420 - 457.

12)    الهذلي، هدى مطر. (2019). دور الكليات الإنسانية في جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز في تعزيز الأمن الفكري لدى الطالبات. المجلة التربوية: جامعة الكويت - مجلس النشر العلمي، مج33، ع132، 211 - 263.

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية