صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المتغيرات العالمية بين التأثير السلبي والإيجابي على العمل الخيري

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المتغيرات العالمية بين التأثير السلبي والإيجابي على العمل الخيري

نشــر موقع
http://www.saaid.net/Doat/aljuaid/index.htm
 


التأصيل للاهتمام بالمستقبل والتخطيط له في نصوص الشريعة
اهتمامُ المسلمين وعنايتُهم بالأعمالِ الخيريةِ
من جوانبِ التطورِ الإيجابي للأعمالِ الخيريةِ من خلالِ المتغيراتِ المعاصرة
أهم المتغيرات التي طرأت على الأعمال الخيرية
أولاً: العلاقة بين القائمين على الأعمال الخيرية والمستفيدين منها:
ثانيًا: المتغيرات في الجوانب السياسية وأثرها على الأعمال الخيرية:
ثالثا: المتغيرات في الجوانب الاقتصادية وأثرها على الأعمال الخيرية:
ثالثا: المتغيرات في الجوانب الاجتماعية وأثرها على الأعمال الخيرية:
خامسًا: المتغيراتُ في الجوانبِ التكنلوجيةِ وأثرُها على الأعمالِ الخيريةِ:
سادسا: المتغيراتُ في القانونيةِ وأثرُها على الأعمالِ الخيريةِ:
سابعا: المتغيراتُ البيئيةُ وأثرُها في الأعمالِ الخيريةِ:
الخاتمة


الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فإنَّ قراءةَ المستقبلِ والتفكيرَ فيه يعتبر أساسَ نجاحِ الأعمالِ باختلافِ أنواعِها، وهو القاعدةُ الرئيسةُ التي تُنبني عليها الخططُ والاستراتيجياتُ التي تحكمُ سيرَ الأعمالِ، والتي يتم من خلالها التنبؤُ بنجاحِها أو فشلِها.

ولما كان التفكيرُ في المستقبلِ والتخطيطُ له أمرًا في غايةِ الأهميةِ جاءتْ القاعدةُ الإداريةُ التي تقولُ: إنَّ عدمَ التخطيطِ هو تخطيطٌ للفشل.

وتكمنُ مشكلةُ التفكيرِ في المستقبلِ في أولئك الذين يفضلون إهمالَ التفكيرِ به وبمتغيراته والاكتفاءَ بما اعتادوا عليهِ من سلوكياتٍ ونجاحاتٍ سابقة أو تجاربهم السابقةِ مع الفشل.
 

التأصيل للاهتمام بالمستقبل والتخطيط له في نصوص الشريعة

الاهتمامُ بالمستقبلِ والتخطيطُ لهُ كانَ أحدَ مراكزِ الاهتمامِ في ديننا الإسلامي سواءٌ في نصوصِ القرآنِ والسنةِ أو في ثقافةِ السابقين من أعلامِ أمتنا.
فلا نكادُ نقرأ في تراثِنا إلا ونجدُ الاهتمامَ في المستقبلِ بجوانبه المختلفةِ، ومن هنا تتجلى حقيقةُ أن المسلمَ يجبُ أن يوليَ الزمنَ والمستقبلَ اهتمامًا أكبر.

ومنِ الأمثلةِ على ذلكَ:

أولًا:
أنَّ مِن أركانِ الإسلامِ: الإيمانُ باليومِ الآخرِ، وهو أقصى غاياتِ المستقبلِ إلى المؤمنِ من جهةٍ وأقربُها إليه منِ جهةٍ أخرى، وكلُّ ما يؤديه به المؤمنُ من عباداتٍ وقرباتٍ تعدُّ مِن العملِ للمستقبلِ والتخطيطِ له.

ثانيا:
حثَّ الإسلامُ على وجودِ النسلِ، وشرَّع تـشريعاتٍ كثيرةً لتنظيمِه؛ حفاظًا على مستقبلِ البشريةِ، وحرصًا على بقاءِ النسلِ وعدمِ انقطاعِه في المستقبل.

ثالثا: حثَّ الإسلامُ على عمارةِ الأرضِ بالزراعةِ ونحوها مما تترتبُ عليه مصالحُ الأجيالِ القادمةِ، وفي ذلك حفظٌ لمستقبلِهم.

هذا على سبيلِ الإجمالِ، ومن حيثُ التفصيلُ فنكتفي بمثالٍ واحدٍ وهو حديثُ سعدِ بنِ وقاص رضي الله عنه فعنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». متفق عليه.

ففي هذا الحديثِ لفتةٌ كريمةٌ في تخطيطِ الإنسانِ لمستقبلِ أبنائه، حتى وهو يريدُ أن يتصدقَ بماله، فكيفَ بما سوى ذلك.
 

اهتمامُ المسلمين وعنايتُهم بالأعمالِ الخيريةِ

وقدْ أولى المسلمونَ على مرِّ الزمانِ اهتمامًا كبيرًا بالأعمالِ الخيريةِ وتطويرِها وتنميتِها، وذلكَ لِما لهذه الأعمالِ من أثر بالغِ الأهميةِ، سواءٌ للمجتمع المسلمِ أو للبشريةِ بعامةِ، حيثُ إن الأعمالَ الخيريةَ تقدَّمُ للمحتاجينَ من الناس كافةً بهدفِ مدِّ يدِ العونِ والمساعدةِ لهم، كما أنها لا تفرقُ بينَ الناسِ على أساسِ الدينِ أو العرقِ أو القُطرِ أو اللونِ، بل هي تستهدِفُ تجميلَ المجتمعِ البشريِّ بالمحبةِ والتراحم، وينبعُ العملُ الخيري من أعماقِ النفسِ البشريةِ وفطرتِها السليمةِ، بلْ ويتعدى هذا الاهتمامُ عالمَ الإنسانِ، إلى عالمِ الحيوانِ وكلِّ ذي نفسٍ منفوسةٍ، بل ويتعدى ذلك إلى البيئةِ، وكلِّ ما يحيطُ بالإنسانِ، فالإنسانُ ومحيطُه محلُّ الاهتمامِ بالأعمالِ الخيريةِ من المنظورِ الإسلامِ تنظيرا وتطبيقا.


من جوانبِ التطورِ الإيجابي للأعمالِ الخيريةِ من خلالِ المتغيراتِ المعاصرة

تطورت الأعمالُ الخيريةُ في عصرنا الحالي بصورةٍ نوعيةٍ عما كانتْ عليه في القرونِ والعقودِ السابقة.
فقد تحولتْ من كونها أعمالًا تقومُ على الجهودِ الفرديةِ غير المنظمةِ إلى أعمال أكثرَ تنظيمًا تشرفُ عليها منظماتٌ وهيئاتٌ عالميةٌ وإقليميةٌ مختصةٌ بها، وهو ما أضافَ إلى هذه الأعمالِ صورةً أكثرَ هيبةً وجدِّيةً.

وقد ترتب على هذهِ التطوراتِ ازدهارٌ في قطاعِ الأعمالِ الخيريةِ، مما كانت لَه ثمراتٌ ملموسةٌ في خدمةِ المجتمعاتِ الإنسانيةِ في مختلفِ المجالاتِ، منها:


أولاً:
  أنها أسهمتْ في حمايةِ الإنسانِ وحفظِ أرواحِ ملايين من البشرِ، بتوفيرِ الاحتياجاتِ الأساسيةِ لهم من مأكلٍ ومشربٍ ومسكنٍ وملبسٍ، خاصةً أولئك الذين يعيشون في المجتمعاتِ التي تعاني من الكوارثِ والحروبِ.

ثانيًا:
الاهتمامِ بجوانبِ التعليمِ والصحةِ وغيرها من الجوانبِ المهمةِ في حياةِ الإنسانِ والتي من شأنها أن تسهِمَ في الوصولِ إلى التنميةِ وضمانِ مستقبلٍ أفضلَ لهم ولأجيالهم المستقبلية.

ثالثًا:
دورُ الأعمالِ الخيريةِ المهمُّ في تنميةِ المجتمعاتِ الإنسانيةِ، فقد بينتْ مختلفُ الوقائعِ التاريخيةِ أن التنميةَ ما هي إلا عمليةٌ قائمةٌ على المجهوداتِ الإنسانيةِ التي تعتبرُ العنصرَ الأساسيَّ للتنميةِ، ولذلك فإنَّ الهدفَ الرئيسَ والأهمَّ للتنميةِ هو تحسينُ حياةِ الإنسانِ في مختلفِ المجالاتِ، ولذلك فإنَّ مشاركةَ الإنسانِ في التنميةِ من خلالِ خططٍ واضحةٍ ومحددةٍ أمرٌ في غايةِ الأهميةِ.

وتبرزُ أهميةُ الأعمالِ الخيريةِ في تنميةِ المجتمعاتِ في أنها تقومُ على الاستفادةِ من المواردِ البشريةِ التي تمتلكُها المجتمعاتُ وتحقيقِ الاستثمارِ الأمثلِ لمواردِها المتاحةِ.
 

أهم المتغيرات التي طرأت على الأعمال الخيرية

بالنظرِ إلى واقعِنا العاصرِ، وطبيعةِ الأعمالِ الخيريةِ ومستوى تطوُّرِها عالميًا يظهرُ أن هناك العديدَ من المتغيراتِ التي طرأتْ على الأعمالِ الخيريةِ وطبيعتها ورسالتها، فالمتغيراتُ العالميةُ التي أثرتْ في المجتمعاتِ البشريةِ كان لها أثرٌ كبيرٌ على الأعمالِ الخيريةِ، فلم يعدْ تقديمُ الدعمِ أو التبرعاتِ أمرًا كافيًا لنجاحِ الأعمالِ الخيريةِ وتحقيقِ أهدافها ورسالتها، ومن ذلك:

أولاً: العلاقة بين القائمين على الأعمال الخيرية والمستفيدين منها:


إن من المتغيراتِ العالميةِ التي لها واضحُ الأثرِ في الأعمالِ الخيريةِ ما يتعلقُ بالعلاقةِ التي تربطُ المتبرعين والقائمين على الأعمالِ الخيريةِ بالمستفيدين منها، فالحضورُ الإنساني أصبحَ واحدًا من أهمِّ أسسِ العملِ الخيري، ولذلك فإننا نجدُ أنَّ الكثيرَ من المؤسساتِ الغربيةِ القائمةِ على الأعمالِ الخيريةِ تهتمُّ بالمشاريعِ التي تمولها من خلالِ الزياراتِ الميدانيةِ والإقامةِ في مواقعِ تنفيذها ومتابعةِ نتائجِها وتقييمهِا.

ولذلك فقد أصبحَ من الضروريِّ أن تقرأ المؤسساتُ الإسلاميةُ القائمةُ على الأعمالِ الخيريةِ المتغيراتِ العالميةِ لتتعرفَ على التأثيراتِ المحتملةِ لهذه المتغيراتِ على الأعمالِ الخيرية التي تقدمها هذه المؤسساتُ سواءً كانت هذه التأثيراتُ إيجابيةٌ أم سلبيةٌ.

ثانيًا: المتغيرات في الجوانب السياسية وأثرها على الأعمال الخيرية:


شهدت العقودُ الماضيةُ العديدَ من العواملِ السياسيةِ التي أثرتْ في قطاعِ الأعمالِ الخيريةِ الإسلاميةِ، وخاصةً بعد أحداثِ الحادي عشرَ من سبتمبر، حيثُ تبنت الكثيرُ من دولِ العالمِ الغربيِّ، وفي مقدمتها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ ـ توجهاتٍ أسهمتْ في إعاقةِ وتكبيلِ الأعمالِ الخيريةِ التي تشرفُ عليها المؤسساتُ الإسلاميةُ في مختلفِ دولِ العالم، وهو ما تسببَ في حظرِ نشاطِ الكثيرِ من المؤسساتِ الخيريةِ في العديدِ من دولِ العالمِ، وذلك نتيجةً لتشويه صورةِ ونوايا هذه المؤسساتِ التي وصف بعضُها بممارسةِ الإرهابِ ورعايتِه.

وقد كانت العواملُ السياسيةُ في العقدين الماضيين سلبيةَ التأثيرِ على الأعمالِ الخيريةِ التي تنفذها المؤسساتُ الخيريةُ الإسلاميةُ، ولهذا كانَ لزامًا على المؤسساتِ الخيريةِ الإسلاميةِ أن تنطلقَ من شفافيةٍ واضحةٍ في الأهدافِ وأن تكون بمرأى ومسمعٍ محيطها المحلي بحيثُ تكونُ أنشطتُها وبرامجُها مرخصةَ من الدولةِ التي تنطلقُ منها والتي تعمل فيها، وهذا ما يسبغُ عليها طمأنينةً محليةً وعالميةً من سلامةِ أهدافِها وأنشطتِها مما يعكرُ الأمنَ المحلي والعالمي.


ثالثا: المتغيرات في الجوانب الاقتصادية وأثرها على الأعمال الخيرية:


برزتِ العديدُ من المتغيراتِ الاقتصاديةِ التي أثرتْ وبصورةٍ واضحةٍ في طبيعةِ العملِ الخيري والمؤسساتِ المشرفةِ عليه، سواءٌ الإسلاميةُ أو غيرُ الإسلامية، حيثُ كانتْ الأعمالُ الخيريةُ في السابقِ تعتمدُ وبصورةٍ كبيرةٍ على التبرعاتِ التي تقدمها طبقةُ الأغنياءِ وقد تمحورتْ جهودُ المؤسساتِ الخيريةِ حولَ هذه الطبقةِ لفترةٍ طويلةٍ.

أما اليومُ فقد زادتْ نسبةُ المشاركين في تقديمِ الدعمِ والتبرعاتِ للمؤسساتِ الخيريةِ من مختلفِ الطبقاتِ الاقتصاديةِ المكونةِ للمجتمعاتِ المسلمةِ وغيرِها، وهو ما أثرَ بصورةٍ إيجابيةٍ في نموِ الأعمالِ الخيريةِ وزيادةِ تأثيرها في مختلفِ المجتمعاتِ البشريةِ، فقد أصبحتْ المؤسساتُ الخيريةُ تتوجه إلى كافةِ طبقاتِ المجتمعِ لتسهم في تقديمِ الدعمِ والتمويلِ للمشاريعِ الخيريةِ التي تنفذها.


ثالثا: المتغيرات في الجوانب الاجتماعية وأثرها على الأعمال الخيرية:


أسهمَ التغيرُ في طبيعةِ نمطِ الحياةِ الاجتماعيةِ في المجتمعاتِ البشريةِ والمجتمعاتِ المسلمةِ في التأثيرِ وبقوةٍ في الأعمالِ الخيريةِ وطبيعةِ المشاريعِ التي تنفذُها مختلف ُمؤسساتِ العملِ الخيري وبخاصةٍ الإسلامية ، كدخولِ المرأةِ إلى سوقِ العملِ في المجتمعاتِ المسلمةِ، فقد أسهمَ في زيادةِ مستوياتِ الدعمِّ المقدمِ للمؤسساتِ الخيريةِ، حيثُ أدى إلى زيادةِ مشاركةِ المرأةِ في دعمِ وتمويلِ الأعمالِ الخيريةِ، إضافتها إلى دورِها في إدارةِ وتنظيمِ قطاعِ الأعمالِ الخيريةِ.

كما أن تقديمَ المؤسساتَ والجمعياتِ الخيريةِ لمشاريعَ خِدْمِيةٍ ذاتِ دورٍ بارزٍ ومهمٍ في المجتمعٍ الذي تجمعُ منه هذه المؤسساتُ الأموالَ وتقيمُ فيه مؤسساتها ـ يُعد أمرًا في غايةِ الأهمية، فمثلُ هذه المشاريعُ والأعمالِ الخيريةِ من شأنها أن تزيدَ من توطيدِ العلاقاتِ بين المؤسسةِ والمجتمعِ المحلِّـيِّ والدوليِّ، ومع المؤسساتِ الدوليةِ المختلفةِ وفي مقدمتها الأممُ المتحدةُ.

وبذلك فإن التغيراتِ الاجتماعيةَ بصورةٍ عامةٍ كان لها تأثيرٌ إيجابيٌّ على الأعمالِ الخيريةِ في عصرنا الحالي، إلا أن هناك بعضَ العواملِ سلبيةِ التأثيرِ على العملِ الخيري.

ومن ذلك زيادةُ مستوى البطالةِ في صفوفِ الشبابِ في عددٍ من الدولِ، وخاصةً تلكَ الدولُ التي شهدتْ موجةً من الصراعاتِ الناتجةِ عن فتنِ الثوراتِ التي شهدتها الساحةُ العربيةُ في العقدِ الماضي، فقد نتجَ عن هذه الـصراعاتِ العديدُ من الآثارِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ السلبيةِ التي أثرتْ في قطاعِ الأعمالِ الخيرية.


خامسًا: المتغيراتُ في الجوانبِ التكنلوجيةِ وأثرُها على الأعمالِ الخيريةِ:


إن التقدمَ التكنولوجيَّ الذي نشهدُه في عصرنا الحاليِّ فقد كانَ له أثرٌ إيجابيُّ قويٌّ على الأعمالِ الخيريةِ، وخاصةً أن هذا التقدمَ عزَّزَ من وسائلِ التواصلِ بين المؤسساتِ الخيريةِ والمتبرعين والمموِّلين لأعمالها.

كما أن توظيفَ التقنياتِ المختلفةِ التي أفرزها التقدمُ التكنولوجي في توثيقِ نتائجِ الأعمالِ الخيريةِ ونشرها عبر المنصاتِ المختلفةِ كان له أثرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ في زيادةِ الثقةِ في المؤسساتِ الخيريةِ وزيادةِ إقبالِ المتبرعين عليها لتمويلِ أعمالها المختلفةِ وهو ما أدى إلى زيادةِ حجمِ الأعمالِ للكثيرِ من هذه المؤسساتِ، وذلكَ نتيجةً لزيادةِ الشفافيةِ في المؤسساتِ الخيريةِ وأعمالها.

كما خدمَ التقدمُ التكنولوجيُّ التوجهاتِ الحديثةِ للمتبرعين، والذين أصحبَ اهتمامُهم وتركيزُهم ينصبُّ أكثرَ على الأثرِ الذي تتركُه الأعمالُ التي يتبرعون لها في المجتمعاتِ والفئاتِ المستفيدةِ من الأعمالِ الخيرية.


سادسا: المتغيراتُ في القانونيةِ وأثرُها على الأعمالِ الخيريةِ:


على الرغمِ من وجودِ العديدِ من الجوانبِ السلبيةِ للمتغيراتِ العالميةِ التي شهدها العالمُ في العقدين السابقين إلا أنَّ هناكَ العديدَ من الجوانبِ الإيجابيةِ التي تركتها هذه المتغيراتُ على الأعمالِ الخيريةِ، وخاصةً فيما يتعلقُ بالوضعِ القانوني للمؤسساتِ الخيريةِ.

حيث إن الاهتمامَ بالوضعِ القانونيِّ للمؤسسة يعتبرُ أحدَ أهمِّ الطرقِ التي أصبحَ من شأنها أن تزيدَ من تأثيرِ المؤسساتِ والجمعياتِ التي تقدمُ الأعمالَ الخيريةَ في المجتمعاتِ.

ولذلك فإن الجمعياتِ الخيريةَ الإسلاميةَ يجبُّ أن تهتمَ بالحصولِ على غطاءٍ قانونيٍّ من المؤسساتِ العاملةِ وذلك بعد التأكدِ من أهدافها وطبيعةِ الأعمالِ التي تقدمها، وهذا الأمرُ يضيفُ العديدَ من المزايا والفوائدِ للمؤسساتِ الخيرية.

وقدْ كانَ للعواملِ القانونيةِ أثرٌ كبيرٌ في العملِ الخيري ومؤسساتِه، حيثُ إنَّ مثلَ هذه العواملِ تسهمُ في زيادةِ قوةِ المؤسساتِ وحضورِها في مختلفِ المجتمعاتِ، فبموجبِ امتلاكِ المؤسسةِ واستيفائها للشروطِ والمتطلباتِ القانونيةِ المعتمدةِ دوليًا فإنه يمكن أن تتلافى الكثيرُ من القيودِ والشبهاتِ التي تثارُ حولَها وحولَ نواياها، فهي من خلالِ تصحيحِها لوضعِها القانونيِّ تكتسبُ صفةَ الشرعيةِ والثقةِ في ممارسةِ أعمالِها وتنفيذِ مشاريعها المختلفة.


سابعا: المتغيراتُ البيئيةُ وأثرُها في الأعمالِ الخيريةِ:


أما فيما يتعلقُ بالمتغيراتِ والعواملِ البيئيةِ فإن لها تأثيرًا واضحًا على الأعمالِ الخيريةِ ونشاطِ المؤسساتِ الخيريةِ في مختلفِ المجتمعاتِ، فمثلُ هذهِ العواملِ ـ وخاصةً فيما يتعلقُ بالأمراضِ والأوبئةِ ـ يجبُ أن تؤخذَ بعينِ الاعتبارِ والاهتمامِ الكبيرِ في المؤسساتِ الخيريةِ، وخاصةً بعدما شهدهُ العالمُ مؤخرًا من انتشارِ وباءِ كورونا، حيثُ أدى انتشارُ هذا الوباءِ إلى ظهورِ العديدِ من العواملِ التي أثرتْ في الأعمالِ الخيريةِ وطبيعةِ أنشطةِ المؤسساتِ الخيريةِ.

فقد ظهرتْ فئاتٌ جديدةٌ بحاجةٍ إلى الدعمِ والتبرعِ لمساعدتها في التغلبِ على العوائقِ والمشاكلِ التي واجهتها، بالإضافةِ إلى أن مثلَ هذهِ العواملِ وما يرافقها من إجراءاتٍ وقائيةٍ وصحيةٍ تفرضُ على المؤسساتِ الخيريةِ المزيدَ من الاشتراطاتِ التي ينبغي عليها استيفاؤها لتمارسَ أنشطتها المختلفة.

فهي بصورةٍ عامةٍ ذاتُ تأثيرٍ سلبي على الأعمالِ الخيرية، حيثُ أدتْ الإجراءاتُ التي أقرتها أغلبُ دولِ العالمِ إلى إيقافِ عملِ الكثيرِ من المؤسساتِ الخيريةِ ومشاريعها؛ لحمايةِ المشاركين فيها من الإصابةِ بالأمراضِ، أو الحدِّ منَ مساهمةِ المشاركين فيها من نشـرها في المجتمعاتِ التي تسافرُ إليها.

وعليه فإنَّ العواملَ البيئيةَ قد يكون لها تأثيرًا سلبيًا على المؤسساتِ الخيريةِ وأعمالها، وقد تؤدي إلى عرقلتها أو توقفها.

الخاتمة

وفي الختامِ فإنَّ المؤسساتِ الخيريةَ الإسلاميةَ بحاجةٍ إلى إجراءِ مراجعاتٍ مستمرةٍ؛ لتصحيحِ مسارِها من خلالِ التعاطي مع المتغيراتِ العالميةِ، والانسجامِ معها، من خلالِ المشاركةِ والانفتاحِ بما يخدمُ هذه المؤسساتِ وأهدافَها، ويزيدُ من تأثيرِها في المجتمعاتِ الإسلاميةِ والعالميةِ، وبما يخدمُ الدعوةَ الإسلاميةَ ونشرَها في أرجاءِ المعمورةِ، وذلك من خلالِ الاهتمامِ بالحاضرِ والمستقبلِ، ودراستِهما جيدًا، والاستفادةِ من تجاربِ الماضي والحاضرِ، وتوظيفِها في التخطيطِ للمستقبلِ؛ لحمايةِ هذهِ المؤسساتِ ومشاريعِها من الفشلِ.

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية