اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/aljuaid/23.htm?print_it=1

أهمية الذكاء الاصطناعي
في العمل الدعوي والخيري

د.عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعدُ: فإنَّه من المعروفِ أن كلَّ حِقبةٍ زمنيةٍ تمتازُ باكتشافٍ أو اختراعٍ متميزٍ، يُسهمُ في إحداثِ تغيُّيرٍ كبيرٍ في طبيعةِ هذهِ الحِقبةِ، كما يؤَدِّي بها إلى الانتقالِ نُقلةً نوعيةً تجاهَ المستقبلِ، ويفتحُ لها آفاقاً جديدةً، لم يسبقْ للعلماءِ التفكيرُ فيها.

ويعتبرُ الذكاءُ الاصطناعيُّ دُرَّةَ تاجِ مستحدثاتِ الثورةِ التكنولوجيةِ الرابعةِ، التي غيَّرتْ مسارَ البشريَّةِ، وأخذتْ بالتطورِ البشريِّ نحوَ مستوياتٍ عُليا.

ويمثلُ الذكاءُ الاصطناعيُّ أحدَ أبرزِ العلومِ الحديثةِ التي ظهرتْ نتيجةً للالتقاءِ بين الثورةِ التقنيةِ في مجالِ علمِ النُّظمِ والحاسوبِ والتحكمِ الآليِّ من جانبٍ، وبين علمِ الرياضياتِ والمنطقِ وعلمِ النفسِ من جانبٍ آخرَ؛ إذْ يهدفُ لفهمِ طبيعةِ الذكاءِ الإنسانيِّ من خلالِ عملِ برامجِ الحاسوبِ الآليِّ، القادرةِ على محاكاةِ السلوكِ الإنسانيِ المتَّسمِ بالذكاءِ؛ لتمكينِ الحاسوبِ من حلِّ المشكلاتِ أو اتِّخاذِ القراراتِ في مواقفَ معيَّنةٍ.

ونظرًا للميزاتِ العديدةِ التي يتَّسمُ بها الذكاءُ الاصطناعيُّ فقدْ تمكَّنَ من اختراقِ العديدِ من مجالاتِ الحياةِ التي نعاصرها اليومَ بدءً بالتطبيقاتِ الإلكترونيةِ، التي تقومُ بتنفيذِ المهامِّ بصورةٍ آليَّةٍ وسريعةٍ، مرورًا بالروبوتاتِ التي تعملُ بالذكاءِ الاصطناعيِّ، وحتى أجهزةِ الحاسوبِ التي تعملُ بنظامِ إدخالِ البياناتِ وحفظِ الملفِّاتِ بذاتها.

ومعَ توسُّعِ دائرةِ الأعمالِ والمجالاتِ التي دخلَ فيها الذكاءُ الاصطناعيُّ فإنّهُ لا بُدَّ مِنْ العملِ على توظيفهِ في ميدانِ العملِ الدعويِّ والخيريِّ.

إن للدعوةِ شأناً عظيماً في صلاحِ المدعوِّ في الدُّنيا والآخرةِ، وهذا يستلزمُ من الدعاةِ إلى اللهِ أنْ يكُونوا حريصينَ على الإعدادِ الجيِّدِ للدعوةِ إلى اللهِ.

ولما كانتْ الدعوةُ جزءً من منظُومةِ الأمَّةِ على مرِّ الزمانِ ـ فإنَّها لابُدَّ من أنْ تَتطوَّرَ وسائلُها وفقاً لتقدُّمِ الحياةِ، وللتطوُّرِ المعرفيِّ الحاصلِ فيها، وأنْ تُواكبَ التقدَّمَ التِّقنيَّ في استراتيجيَّاتِها ووسائلِها، وفي استشرافِها للمستقبلِ، وأن يكونَ ذلك وفقَ رؤيةٍ واضحةٍ متكاملةٍ، بمعزلٍ عن العشوائيَّةِ والارتجاليَّةِ.

وللارتباطِ أهميةِ توظيفِ تقنياتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في العملِ الدعويِّ مرتبط بأهميةِ الدعوةِ إلى اللهِ، فقدْ صارَ لزامًا أنْ يَـجتهدَ الدُّعاةُ إلى اللهِ في الارتقاءِ بذواتِهمْ معرفيًّا، والعملِ على تنميةِ مهاراتِهمْ، وزيادةِ علمِهمْ، وأنْ يسعَوْا من جانبٍ آخرَ لتطويرِ كفاياتهمْ اللازمةِ لفهمِ شخصيَّاتِ المدعوِّوينَ، ووسائلِ جذبِهمْ، والتأثيرِ عليهم.

فقدْ أعطى الإسلامُ المسلمَ مساحةً واسعةً للابتكارِ مالمْ يتجاوز الضوابطَ والقواعدَ الثابتةَ في السيرِ على منهاجِ الدينِ الإسلاميِّ، بلا تفريطٍ أو إفراطٍ.

كما تبرزُ هذهِ الأهميةُ أيضًا في كونِ الذكاءِ الاصطناعيِّ وتقنياتهِ تُسْهمُ بشكلٍ كبيرٍ في تخفيفِ الكثيرِ من الضغوطاتِ عن الدعاةِ؛ لاسيما وأنهمْ يعيشونَ حياةً محفوفةً بضغوطاتٍ جمَّةٍ؛ لكونِهمْ يُخالطونَ مختلفَ شرائحِ المجتمعاتِ، ويَتعاملُونَ مع أصحابِ خَلْفياتٍ ثقافيةٍ واعتقاداتٍ دينيةٍ وتنشِئاتٍ اجتماعيةٍ متعددةٍ؛ الأمرُ الذي قدْ يُعرِّضُهمْ للكثيرِ من الصُّعوباتِ والضُّغوطاتِ التي تَستنزفُ طاقاتِهمْ، وتهدرُ قدراتِهمْ، وتؤثِّرُ على فعاليَّةِ العملِ الدعويِّ.

وكذلك، فإنه من شأنِ الذكاءِ الاصطناعيِّ أنْ يَحميَ الدعاةَ من المخاطرِ، وأن يُسهِمَ في الحفاظِ على الوقتِ والجُهدِ والوصولِ إلى شتَّى بقاعِ الأرضِ، ويُتيحَ إمكانيَّةَ التواصلِ بشتَّى لغاتِ العالمِ.

فالداعيةُ في حاجةٍ ماسَّةٍ للتَّعامُلِ مع كلِّ لغاتِ العالمِ، وهذا يضعهُ أمامَ صعوباتٍ حقيقةٍ تتمثَّلُ في عدمِ إجادةِ هذهِ اللغاتِ؛ ولكنْ باستخدامِ تقنياتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ يمكنُ للدعاةِ من خلالِ الترجمةِ التعاملُ مع كلِّ مدعُوٍّ وفْقاً للغَتهِ؛ لاسيَّما وأنها تتيحُ ابتكارَ أحدثِ الوسائلِ الدعويَّةِ التي تَتَلائمُ مع موضوعاتِ الدعوةِ إلى اللهِ تبعًا لمعطياتِ العصرِ وخصائصِهِ.

ومنْ هنا فإنهُ من الواجبِ علينا كمسلمينَ ودعاةٍ للدينِ القويمِ أنْ نُسخِّرَ كافةَ تقْنياتِ الذَّكاءِ الاصطناعيِّ المتاحةِ، ونَستخدِمَها في الدعوةِ إلى اللهِ؛ بهدفِ زيادةِ رُقعةِ الإسلامِ، والمدافعةِ عن هُويَّتِه ومبادئِه، في زمنٍ يشاهدُ هجمةً شرسةً على الإسلامِ، يسعى مُوَجِّهوها إلى التَّشكيكِ في الإسلامِ وتعاليمِهِ، وبثِّ روحِ الكراهيَّةِ في نفوسِ معتنقِي الدياناتِ الأخرى تجاهِ الإسلامِ والمسلمينَ.

ومن واجبِ الدعاةِ أن يكونَ استعمالُهم للذكاءِ الاصطناعيِّ في الدعوةِ إلى اللِه تعالى وفقَ منهجيةٍ تساعدُ في شدِّ انتباهِ المدعوّوينَ، وتزيدُ دافعَّيتَهمْ تجاهَ المزيدِ من التعلُّمِ والتعرُّفِ على حقيقةِ الإسلامِ ومزاياهُ، وتقومُ على مساعدتِهمْ في فهمِ وإدراكِ المعلوماتِ بتحويلِها إلى المستوى المحسوسِ بالصَّوتِ والصورةِ، من خلالِ إعدادِ الأجهزةِ والمنتجاتِ الإلكترونيةِ والمجسَّماتِ القائمةِ على الذكاءِ الاصطناعيِّ وفقاً للموضوعاتِ المرادِ الدعوةُ فيها.

وبالتوافقِ مع توظيفهِ في العملِ الدعوي، فإن توظيفَ الذكاءِ الاصطناعي وتقنياتِهِ في مجالِ العملِ الخيريِّ من شأنهِ أنْ يُسهمَ في تطويرهِ تطويرًا كبيرًا؛ فوفقًا لمؤسَّسةِ (Charities Aid) يمكنُ للذكاءِ الاصطناعيَّ أنْ يَقودَ لإحداثِ ثورةٍ حقيقيَّةٍ في مجالِ العطاءِ والعملِ الخيريِّ.

ويقولُ رودري ديفيس الكاتبُ في موقعِ (CAF) الإلكتروني: إنهُ من الممكنِ دعمُ قطاعِ العملِ الخيري لسلوكِ بشريٍّ رئيسـيٍّ من خلالِ المشورةِ الآليَّةِ والدائمةِ التي يمكنُ أنْ تُوفِّرَها هذهِ التكنولوجيا والتي تحفِّزُهمْ على تقديمِها، في ضوءِ الأدلَّةِ الدَّامغةِ والتَّجارِبِ الفعليةِ لاستخدامِ تقنيةِ روبوتاتِ الدردشةِ (chatbots) لحثِّ الأفرادِ على دعمِ المشكلاتِ المتعلِّقةِ بهذا القطاعِ، بما في ذلك، على سبيلِ المثالِ، المشروعُ الذي تشاركتْ فيهِ مؤسسةُ (Arthritis Research UK و Microsoft) لتجربةِ روبوتِ محادثةٍ لتقديمِ نصائحَ مخصصةٍ حولَ التهابِ المفاصلِ للمستخدمينَ وقدْ أدَّى إلى خلقِ وعيٍ كبيرٍ بالمشكلةِ.
وهذا يُبشِّرُ بأنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ يمكنُ أنْ يَعملَ بمفردهِ لإيجادِ حلولٍ عاجلةٍ للقضايا الإنسانيةِ الأكثرِ شيوعًا وتعقيدًا مثلَ التَّشرُّدِ، ورعايةِ الأطفالِ، والشيخوخةِ، معَ قدرتِهِ على الأداءِ والاستجابةِ بسرعةٍ لجميعِ حالاتِ الطوارئِ بمرورِ الوقتِ، وفي ظلِ ظروفٍ مختلفةٍ.

يُعدُّ التعلمُ الآليُّ، وسرعةُ الاستجابةِ، وتحليلُ المعلوماتِ، واتخاذُ القرارِ من العواملِ التي تمكِّنُ الأجهزةَ المزوَّدةَ بتقنيةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ من حلِّ جميعِ المشكلاتِ بمفردِها.

في هذا السياقِ، من المتوقعِ أنَّ الشخصَ الذي تحيطُ بهِ أزمةٌ في وقتٍ متأخرٍ من الليلِ لن يضطرَّ إلى الانتظارِ حتى صباحِ اليومِ التالي للتَّحدثِ مع شخصٍ ما للحصولِ على المشورةِ، حيثُ ستقدمُ له الأجهزةُ المجهزةُ بتقنيةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ النصيحةَ التي يحتاجُها أثناءَ ربطهِ مباشرةً مع الأشخاصِ الذين يُمكنهمْ المساعدةُ خلالَ هذا الوقتِ الحرجِ، ولنْ يتوقفَ الأمرُ عندَ مثلِ هذهِ الحالاتِ الخاصَّةِ فقطْ، بلْ سيكونُ عظيمًا ومتوسّعًا، مما يَعني أنَّ المستقبلَ الواعدَ سيجعلُ الذكاءَ الاصطناعيَّ والروبوتاتِ يعملانِ على حلِّ أصعبِ المشكلاتِ الاجتماعيَّةِ، ليسَ في نطاقٍ ميداني محدودٍ، ولكنْ في العالمِ كلِّهِ.

ومنْ بينِ التوقعاتِ الإيجابيَّةِ فيما هو مرتبطٌ بدعمِ الذكاءِ الاصطناعيِّ لمهامِ العملِ الخيريِّ طموحاتٌ كبيرةٌ لإمكانيةِ دعمِ هذهِ التكنولوجيا للمنظماتِ في جوانبِ تحسينِ وتـسريعِ جمعِ التَّبرعاتِ وخدمةِ قضاياها المختلفةِ.

وعلى الرغمِ من الحديثِ المتسارعِ عن الأدواتِ والوسائلِ المختلفةِ التي يمكنُ الاعتمادُ عليها في هذا الجانبِ، تُعتبرُ تجربةُ الهيئةِ السعوديةِ للبياناتِ والذكاءِ الاصطناعيِّ (سدايا) الخيريةِ في استغلالِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في عمليةِ جمعِ التبرعاتِ رائدةً، حيثُ طَوَّرت المنصةَ الإلكترونيةَ (إحسان)، والتي تقومُ على بثِّ الأفكارِ الخيريَّةِ والاستجابةِ للمتبرعينَ. وإقناعِهمْ بالقضايا الخيريةِ، وضرورةِ التبرعِ والمساهمةِ في حلِّها.

وذلك باستخدامِ كافةِ الوسائلِ التي تؤكدُ مصداقيةَ المنظمةِ وجِدِّيتَها، والتي تعتبرُ من البَدَهيَّاتِ التي يطمحُ المتبرعُ في معرفتها، رغمَ صعوبةِ تحقيقِها بالطرقِ العاديةِ ومنها نقلُ الصورِ الحيةِ للإنسانِ.

وقدْ قالَ الدكتور عبدُ اللهِ بنُ شرف الغامدي- رئيسُ الهيئةِ السعوديةِ للبياناتِ والذكاءِ الاصطناعي (سدايا): "إنَّ الهيئةَ بقيادةِ صاحبِ السمو الملكيِّ الأميرِ محمدِ بنِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ وليِّ العهدِ نائبِ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ، رئيسِ مجلسِ إدارةِ سدايا -حفظهُ اللهُ- حققتْ العديدَ من الإنجازاتِ، كما كانَ لتوجيهاتِ سموِّهِ ومتابعتهِ الحثيثةِ بالغُ الأثرِ فيما حقَّقتْهُ الهيئةُ منذُ إنشائِها قبلَ أكثرِ من عامٍ، مستلهمةً من سموِّهِ الكريمِ إصرارًا وعزيمةً وطموحاً يعانقُ عنانَ السماءِ".

وتتجلَّى هذهِ الإنجازاتُ في أنَّ حجمَ التَّبرعِ عبرَ المنصةِ منذُ إنشائِها حتى منتصفِ عامِ (2021) قدْ تجاوزَ (950) مليونَ ريالٍ محققةً نفعاً مباشراً لأكثرِ من( مليونينِ و200 ألفِ) مستفيدٍ في المجتمعِ السعوديِّ.
ومنْ شأنِ العملِ الذي تقودهُ منصةُ (إحسان) بتوجيهِ القيادةِ الرشيدةِ أنْ يُسهمَ في تعزيزِ المسؤوليةِ الاجتماعيةِ بشكلٍ عامٍّ، وتحسينِ كفاءةِ العملِ التنمويِّ، ورفعِ قيمِ الانتماءِ الوطنيِّ والعملِ الإنسانيِّ بينَ الأفرادِ أو المؤسساتِ على حدٍ سواءٍ.

ومن هذا المنطلقِ فإنهُ لابُدَّ من العملِ على توسيعِ دائرةِ توظيفِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في العملِ الخيريِّ بمختلفِ مجالاتِهِ وأبعادهِ بما يعودُ بالنفعِ الواسعِ على المجتمعِ وأبنائِهِ.

وختاماً،
فإن تقنياتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التي تتنافسُ مختلفُ دولِ العالمِ بكلِ قوّةٍ في التطوُّرِ فيها ـ تعدُّ اليومَ بمثابةِ عصًا سحريةٍ تُسهِّلُ عمليةَ التفكيرِ، وتحليلَ البياناتِ، واتخاذَ القراراتِ، والتعاملَ مع العديدِ من المواقفِ في ميادينِ العملِ الدعويِّ والخيريِّ بصورةٍ تعزِّزُ من تنامي الوعيِ والإدراكِ لدى الأفرادِ بأهميةِ العملِ الدعويِّ والخيريِّ وضرورةِ بذلِ أقصى الجهودِ في تعزيزِها من جانبٍ، وفي تعزيزِ انخراطِ المواطنينَ فيها من جانبٍ آخرَ، لاسيَّما وأنها تُحقِّقُ سهولةَ الوصولِ للمانحينَ والمستفيدينَ، و تُحقِّقُ شفافيةً عاليةً في عرضِ الحاجةِ، مع الحفاظِ على كرامةِ المستحقِّينَ للدعمِ في العملِ الخيريِّ، وتُيـسِّرُ العملَ الدعويَّ، وتوسِّعُ رقعةَ الوصولِ لمختلفِ دولِ العالمِ، ومخاطبةِ أبنائها بمختلفِ لغاتهمْ وخلفياتهمْ.

 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية