اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/aljefri/8.htm?print_it=1

رب رمضان حي دائم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الحي الدائم الذي لا يحول ولايزول، الحمدلله الذي يعلم سر المرء وما يقول،أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على نعم عدها يطول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تفرد بالعظمة والعز والكبرياء أعظم مجير وأكرم مسؤول، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله اصطفاه ربه فكان خير رسول، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله في كل الأزمان والدهور فهي والله نعم العدة لأهوال القبور قال الله في محكم التنزيل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}(1).
أخي الحبيب مر شهر رمضان ولا أظنك إلا من الرابحين في ذلك الشهر العظيم،أخي الحبيب إن كان قد أنقضى شهر رمضان فإن رب رمضان حي قيوم لا يزول ولا يحول،ربك رب رمضان الواحد الأحد الذي كم تضرعت إليه في رمضان أن يغفر ذنبك وأن يقبل توبتك وأن يقيل عثرتك وأن يفرج كربتك لا زال جل في علاه فاتحاً لك الباب طوال العام لأن تسأله فيجيبك فها هو ربك العظيم في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله وعظمته سبحانه وبحمده فينادي في عباده وأنت منهم واستمع لنبيك وحبيبك يخبرك عن ذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ))(2).
فقلي بربك..قلي بربك..كيف كان حالك في الأسبوع الماضي في الثلث الأخير من الليل؟.هل كنت راكعاً ساجداً باكياً خاشعاً؟. لا أظنك إلا كذلك فما أسعدك ما نسيت رب رمضان بينما غيرك مع الأسف من ناداهم الغني عنهم ناداهم رحمة بهم ورأفة ولكن أعمت عيونهم الشهوة وأصمت آذانهم السكرة وأغرقت قلوبهم الغفلة!. هذا ربك رب رمضان الذي لا يحول ولايزول يبسط يده لك بالليل لتتوب من ذنب النهار ويبسط لك يده بالنهار لتتوب من ذنب الليل عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))(3)( مسلم).فالله أكبر ما أرحم الله بك وما أرأفه بك، ووالله ثم والله ثم والله لا تنفع الله العظيم توبتك شيئاً ؛وإنما يعطيك الله ذلك رحمة بك فكن أخي،كن ممن قال الله فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(4).
وليكن دأبك أخي أنك إذا أحدثت ذننباً سارعت وأحدثت بعده توبة وندماً ، بادر أخي بتطهير صحائفك قبل أن تفجأ بها في يوم يجعل الوالدان شيباً وقد ملئت ذنوباً وآثاماً وقد تكون سبباً في هلاكك أجارني الله وإياك من عاقبة السوء.أخي المؤمن بربه الموحد له هذا كتاب ربك نعم أنزله الله في رمضان لكن لا ليقرأ في رمضان ويهجر بعده كتاب قال ربك وخالقك ورازقك فيه:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(5).
كتاب أنزله الله لا ليقرأ في رمضان فقط وبعده يوضع على الأرفف تعلوه الأتربة ويشكو لربه الهجران ، قلي بربك أما أهتز بدنك وارتجف قلبك وأنت تسمع خلف الإمام في صلاة التراويح قول الله العظيم:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(6).أترضى وحاشاك أن ترضى أن تكون ممن شكاهم الرسول بتلك الشكوى، فاحرص أخي على أن لا تهجر القرآن تلاوة وأن لا تهجره تدبراً وأن لا تهجره تطبيقاً في حياتك، أخي المؤمن الحبيب قلي بربك لوجاءتك رسالة من حبيب أو حبيبة غالية كيف يكون حالك معها أتهجرها وترمي بها ، أم أنك تتأمل فيه بين الفينة والأخرى وتتلذذ بالكلمات التي بين سطورها،فهل هناك أحب إلى قلبك من الله؟.هل هناك أحب إلى قلبك من الله؟.هل هناك أحب إلى قلبك من الله؟.فيامن امتلأ قلبه بحب الله،أقبل على كتاب الله وتلذذ بقراءته وكلماته. أخي الحبيب إن كان شهر رمضان شهر القرآن قد أنقضى فإن أجر القرآن لازال باقٍ ؛عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ))(7)[الترمذي].
أخي الحبيب قلي بربك كيف كان حالك مع كتاب ربك خلال الأسبوع الذي مضى؟ هل شغلت بالعيد عنه؟.فما رأيك أخي هلم من الآن هلم لنعاهد ربنا أن نتلوا كتابه ونتدبره ونبذل جهدنا للعمل به.
أخي الحبيب إن كان شهر رمضان شهر الجود والإحسان قد أنتهى فإن الزكاة والصدقة والإحسان لاينتهي وقتها لأن ربك الذي يقبلها حي موجود لا يزول ولا يحول؛فمتى ما حال الحول على مالك الذي وجبت فيه الزكاة سارع لإخراجها حتى لا يتحقق فيك وعيد الله لمانعي الزكاة ، وأكثر من الصدقة وأختر أعظمها أجراً أتدري ما هي ؟.استمع يارعاك الله عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ :((أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ))(8)[البخاري].أتدري ما يُفعل بصدقتك عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ] وَ[يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ]))(9)[الترمذي].ثم أتدري ما هو ثمن تلك الصدقة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ))(10). فأخيَّ إني أرجوك ثم أرجوك ثم أرجوك أن لا تبدل بعد رمضان وأن تكون ممن استقام على الأعمال الصالحة بعد رمضان .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(13)أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(11).

الخطبة الثانية

الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه من علمات قبول الطاعة التوفيق للطاعة بعدها، فأبشر أخي الذي وفق للطاعة والاستمرار على العمل الصالح بعد رمضان بسعدك، وأشكر ربك على ما وفقك وتقبل منك، أما ذاك الذي بدل بعد رمضان واتبع الحسنة بسيئات عظام فقل له رفقاً أخي فإنه لامجال لليأس مع رب كريم ؛ فقد تاب الله على من قتل تسعة وتسعين نفساً وكمل بالراهب تمام المئة وأدخله جناته، وتاب على وحشي الذي قتل حمزة رضي الله عنه عم خير البرية صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأسد الله وأسد رسوله ، قل له أخي مهما عظمت ذنوبك فعفو الله أعظم ، فعفو الله أعظم فهاهو الله العظيم الرحيم يناديك بنداء المحب المشفق فيقول:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(12).فعود نفسك أخي وزوجك وأبنائك التوبة واللجوء إلى الله فإن ربنا حي قيوم لا يزول ولايحول وهو رحمان رحيم.

-------------------
(1) لقمان :33.(2) البخاري،الجمعة،ح(1077).(3)مسلم،التوبة،ح(4954).(4) الأعراف :201.(5) ص:29.(6)الفرقان:30.(7)الترمذي،فضائل القرآن،ح(2835)[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَمِعْت قُتَيْبَةَ يَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يُكْنَى أَبَا حَمْزَةَ].(8)البخاري،الزكاة،ح(1330).(9)الترمذي،الزكاة،ح(598)[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].(10)الترمذي،الزكاة،ح(600).[ قَالَ أَبُو عِيسَى  هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ].(11)الأحقاف:14.(12) الزمر :53.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية