صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الأعمال بالخواتيم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله العلي الجليل العظيم،رب السموات والأرض ورب العرش الكريم،أحمده سبحانه وأشكره على خيره العميم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له جعل الأعمال بالخواتيم وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد:فيا عباد الله هذا ربكم يناديكم فارعوا سمعكم وقلوبكم للنداء الإلهي العظيم قال الله في محكم التنزيل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}(1).
أخي المؤمن بالله واليوم الآخر لحظة حاسمة في حياتك كم يغفل عنها الغافلون، لحظة قد تقودك لسعادة سرمدية لاشقاء بعدها أو قد تقودك عياذاً بالله إلى شقاء ونار تلظى، أتدري ما هي تلك اللحظة؟. إنها لحظة ختام حياتك الدنيا،إنها اللحظة التي تفارق فيها مالك وعمارتك وسياراتك وجاهك ومنصبك إلى فراقاً ليس بعده لقاء،إنها لحظة فراق أهلك وأولادك ولاتدري هل يجمعك بهم لقاء أم لا؟.استمع أخي معي لنبيك وحبيبك فكأني به وهو آخذ بإذنك ليسكب فيها كلمات ناصح مشفق عليك فيقول:((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ))(2).
هل سمعتها جيداً الأعمال بالخواتيم ولاتدري أخي متى تكون خاتمتك، فأسأل نفسك ماذا عملت لها ؟.
هل أدلك على طريق لحسن الخاتمة احرص على أن تختم أمورك دوماً بخير فهاهو ربك وخالقك قد قدم لك تدريب عملي على ذلك فسن لك إن تختم صلاتك بالاستغفار ، وأن تختم طعامك بالحمد، وأن تختم شهر رمضان بالزكاة والتكبير. وها أنت أخي تعيش ختام هذا الشهر الكريم شهر رمضان، ها أنت وقد خصك الله بمزية يتمناها جميع المسلمين فجمع لك بين فضل الزمان وفضل المكان فبما أنت خاتم شهرك؟.أخي الحبيب أرجوك من أعماق قلبي فاستجب لرجائي أرجوك أن لا تكون ممن أفسد عليهم عدوهم إبليس وتعلقهم بالدنيا خاتمة شهرهم، فقضوا ليالي العشر الفاضلات في الانشغال بملابس العيد وفرش العيد وأكل العيد، وكم والله من الناس أشترى ثوب العيد فما لبسه وإنما ألبس بدلاً عنه ثياباً لا أكمام لها ألبس كفنه وأودع في قبره، كم والله ممن اجتهد في اختيار فرش العيد فما وطأته قدماه، بل سار إلى غيره وهو سار إلى قبره ليفرش له فراشاً من الجنة أو فراشاً من النار نعوذ بالله من سوء الخاتمة،أخي الحبيب إني أرجوك ثم أرجوك ثم أرجوك أن تغتنم هذه العشر، فمتى ما أحييت لياليها كاملة أدركت ليلة القدر قطعاً وما أسعدك إن فزت بقيامها، أتدري ماذا تكسب تكسب ما يزيد على ثلاث وثمانين عاماً في موازين حسناتك، تخيل نفسك أخي وقد قامت القيامة وزلزلت الأرض وخرج الناس من قبورهم فزعين مذعورين وقد اجتمعوا في أرض المحشر ونصبت الموازين فجاء قيامك لليلة القدر ليضع في موازين حسناتك أعمالاً صالحة لما يزيد على ثلاث وثمانين عاماً بيضاء نقية خالية من الشوائب فيثقل ميزانك وتفوز وتفوز وتفوز بجنة عرضها السموات والأرض، وحولك المفرطون يعضون أصابع الندم على تفريطهم وانشغالهم بالدنيا وبالشهوات والملهيات، الله أكبر كأني بك وقتها وقد طرت فرحاً برحمة ربك، فقلي بربك أي دنيا تعدل فرحتك تلك؟. أي ملابس أو فرش أو سهرات رمضانية أو قنوات فضائية تعدل فرحتك تلك؟.فتعال أخي أرجوك واستجب دعوتي لك لنعيش تلك الفرحة، قلي بربك ألست في شوق لتلك الفرحة الغامرة؟. فلما لاتخطو نحوها فلا زال في العشر بقية ولازالت الفرصة مهيئة، فما يدريك أن تصيبك نفحة ربانية فتسعد بها في الدنيا والآخرة؟.
إذا كان نبيك وقدوتك وحبيبك خير البشرية صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يحرص عليها في كل عام فيعتكف عشر أيام بلياليها في المسجد ينقطع عن الدنيا بأسرها،بل بلغ من شدة حرصه صلوات ربي وسلامه عليه أن اعتكف في عام أكثر من عشرين يوماً أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقُلْتُ أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثُ فَخَرَجَ فَقَالَ قُلْتُ حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلْيَرْجِعْ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ))(3). أليس لك في رسولك قدوة؟.فاحرص أخي رعاك الله على ختام شهرك ولا تكن من الغافلين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ()وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ()لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ()تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ()سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.

الخطبة الثانية

الحمدلله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أحمده سبحانه وأشكره أن من علينا ببلوغ العشر الآواخر من رمضان ووفقنا فيه للصيام والقيام ونسأله جل قدره أن يوفقنا للاستقامة على دينه على الدوام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فاعلموا رحمني الله وإياكم أن ربكم وخالقكم جل في علاه ختم لكم شهركم بخير خاتمة؛ فشرع لكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة تتناسب مع عظم شهركم فقال في محكم التنزيل: {.. وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(4).فمن لحظة ثبوت عيد الفطر يسن للرجال والنساء التكبير يجهر به الرجال ويرفعوا أصواتهم به في البيوت والمساجد والأسواق،كما شرع لكم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، تجب بغروب شمس ليلة العيد على الرجل وكل من تلزمه مؤونته صغيراً كان أم كبيراً .من غالب قوت أهل البلد، فاحرصوا رحمني الله وإياكم أن تجتهدوا في طهرة صيامكم بإخراج الجيد من الطعام لا بالبحث عن الرخيص ولو كان رديئاً،وكل على قدر طاقته،كما شرع لكم ربكم صلاة العيد وهي فرحة اجتماعية عظيمة ، يسن للرجل أن يخرج فيها بأكمل زينته، بينما على المرأة أن تخرج لها وهي غير متزينة ولا متعطرة ولا مزاحمة للرجال، كما يسن للمسلم ذكراً كان أو أنثى أن يفطر يوم العيد قبل الخروج لصلاة العيد على تمرات وتراً ، ليظهر كمال الطاعة لربه بالصيام يوم أن أمره بالصوم وبالفطر يوم أن أمره بالفطر، ويحرم صوم يوم العيد، فاحرصوا رحمني الله وإياكم على حسن ختام شهركم ولا تختموه كما يفعل أهل الغفلة عن الله بالموسيقى والغناء وارتكاب المنكرات في يوم العيد بحجة أنه يوم فرحة ولامانع من اللهو المباح،فوالله إن القلب المؤمن لا يفرح إلا بما يرضي الله قال الله جل في علاه : {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}(5).

--------------------
(1)  لقمان: 33.(2)البخاري،القدر،ح(6117).(3)البخاري ،الأذان،ح(771).(4) البقرة: 185.(5) يونس:58.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية