صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حقوق الجار

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله ذي الجود والإحسان،والعظمة والامتنان،يعلم ماهو كائن وماقد كان،أحمده سبحانه وأشكره أعلا وأعظم من حقوق الجيران،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له لايخرج عن تدبيره وقهره إنس ولاجان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعى إلى دين ربه وبينه خير بيان فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أمابعد:فاتقوا الله عباد الله فإن الدنيا دار أمل ودار عمل،فالسعيد من اشتغل بالعمل ولم يلهه الأمل،يقول ربكم وخالقكم جل وعظم:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } (لقمان:33).عباد الله علاقة اجتماعية عظيمة لو صلحت والله لسعد المجتمع بأكمله أتدرون ما هي؟.دعوني أبتدر كل واحد منكم بسؤال:كيف أنت مع جارك؟وكيف جارك معك؟. معاشر المؤمنين كانت علاقة الجوار في مجتمعنا قبل أن تفتح علينا الدنيا بزينتها مثال يقتدى في التماسك والترابط فكان كل جار يعرف أحوال جاره،ويشاركه همومه وأفراحه،وكان رقيباً على أولاد جاره فلا تُفْتَقَدُ التربية بغياب الابن عن عين أبيه،ولا تفتقد الأسرة عائلها إذا ما غاب عنها بموت أو سفر،كانوا يربون أولادهم على خدمة الجار واحترامه،فإذا اشتكى الابن يؤدب ويقال له لو لم تخطيء ما فعل بك ما فعل، فكبف حالنا اليوم إذا اشتكى الولد من الجار؟.تلك الصور تطبيق عملي لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:(( مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ))البخاري، استشعار بأن الإحسان إلى الجار هو جزء من إيماننا كما أخبرنا بذلك من لاينطق عن الهوى بقوله:((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ))متفق عليه،مع أن العلم لم ينتشر في ذلك الوقت كما أن المال لم يفض كما هو حالنا اليوم؟ فكيف حالنا اليوم وقد انتشر العلم وفاض المال؟.أصبحت جُلُّ شكوى المجالس تقصير الجار في حق جاره،أصبحت تدخل إلى الحي فتسأل عن الرجل من أهله فلا يعرفه جيرانه،أصبحت تسمع أن سكاناً في عمارة واحدة لم يدخل بعضهم دار جاره ولو لدقائق،ولكم أن تتصورا ثمرات ذلك،وإليكم أحبتي هذه القصة كأحد تلك الثمرات المرة للقطيعة بين الجيران،رجل سُرق أثاثه في وضح النهار والجيران ينظرون ظناً منهم أن جارهم ينتقل عنهم ولم يكلف أحدهم نفسه عناء سؤال الجار لم ينتقل أو إن أراد مساعدة أم لا،ومما يزيد الحسرة والألم أن الجار لم يعد يطلب إكرام جاره له وإنما بقول كفوا أذى جاري عني!، وعِرضُ الجار وماله أشد حرمة من غيره؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لِأَصْحَابِهِ:((لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ)) وقَالَ: ((لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ))،بل قد تكون أذية الجار سبب لحرمان عظيم عن أبي هريرة رضي الله عنه :((لَايَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))(مسلم،بيان تحريم أذية الجار،ح(66))،وكم من مسلم يصلي الليل ويصوم النهار ثم يضيع ذلك كله بأذية جاره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ(( هِيَ فِي النَّارِ ))قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ:((هِيَ فِي الْجَنَّةِ))،فهذه التي تؤذي جيرانها بلسانها فقط فما بالكم بمن يؤذيهم بلسانه ويده؟.بلغ بن المقفع أن جاراً له يبيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظل بيت ذلك الجار،فقال:ماقمت إذاً بحرمة ظل داره إن باعها معدماً فدفع إليه ثمن الدار وقال:لاتبعها!!.الله أكبر راعى حرمة الظل فأين نحن اليوم من مثل هذا؟.وشكى رجل كثرة الفأر في بيته فقيل له لو اقتنيت هراً؟ فقال:أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران!. أيها الحبيب أنت مدعو لمشاركة جيرانك حتى في اللقمة التي تأكلها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ)) هذا إذا كانت أحوال الجيران متساوية،أما إذا كان الجار فقيراً لايجد مايشبعه فلا يحل لجاره أن يشبع دونه أخرج البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به))،.بل ومن سلفنا من كان يجمع فتات طعامه يطعمها نمل بجوار باب بيته،والجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب فله حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة،وجار له حقان وهو الجار المسلم فله حق الجوار وحق الإسلام،وجار له حق واحد وهو الجار الكافر.أخي الحبيب أحذر أن يأتي جارك يوم القيامة خصيم لك أخرج الإمام أحمد في المسند عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ ))،ومن أكبر ما يخاصمك فيه أن تركت نصحه في أمر دينه،يأخذ بك من عنقك يقول يارب رآني لا أصلي فلم ينصحني،يارب رآني أدخل أدوات الفساد لبيتي فلم ينصحني،يارب رأى فساداً في أهلي فلم ينصحني يارب.. يارب..فاحرص رحمني الله وإياك أن تعد العدة لذلك الموقف،وليست النصيحة هي الكلمة العابرة بل أن تستنفذ ما في وسعك لنصيحته معذرة إلى الله،ومما تجدر الإشارة إليه هو أن معظم مشاكل الجيران إنما تتأتى من قبيل النساء والأطفال حيث تقع بينهم اشكالات بسيطة يمكن حلها إن وجدت الرجل الحكيم الحازم ، لكنها تكبر وتتسع إن وجدت رجلاً أعطى لزوجته أذن صاغية وقام ينفذ ما تملي عليه،أو أخذته الشفقة على ولده فتصرف بتصرف أحمق لاروية فيه فيخسر جاره ويندم على تصرفه .{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا }(النساء 36).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا جوار جيرانكم تسعدوا في الدنيا والآخرة،واعلموا أن مِن أعلى درجات حسن الجوار احتمال أذى الجار؛فمن ابتلي بجار يؤذيه فعليه أن يصبر على أذى جاره يقول الحسن البصري رحمه الله:ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار احتمال الأذى،أخرج الإمام أحمد عَنِ ابْنِ الْأَحْمَسِي قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ فَقُلْتُ لَهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تُحَدِّثُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لَا تَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَمَا الَّذِي بَلَغَكَ عَنِّي؟.قُلْتُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قُلْتُ وَسَمِعْتَهُ قُلْتُ فَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّ اللَّهُ؟.قَالَ الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ ،وأخرج أبو داود وغيره عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ،بل وجعل صلى الله عليه وسلم من ثناء الجيران على جارهم مقياس له يعرف به نفسه فعن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ((إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ قَدْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ)) أحمد، أيها الأحبة في الله وليس الجار هو الملاصق لدارك فهناك من حده بأربعين دارا ومنهم من قال أن كل سكان المدينة جيرانك مستدلاً بقول الباري جلت قدرته في شأن المنافقين:((ثم لايجاورنك فيها إلا قليلاً))،أخي الحبيب ومن بين جيرانك الذي يلزمك أداء حقه المسجد فكم من جار للمسجد يسمع الأذان فلايجيب، فيا أهل مكة وياسكان البلد الحرام وياجيران البيت الحرام أنتم والله أحق من يحسن الجوار،فأحسنوا إلى جيرانكم،وأحسنوا جوار بيت ربكم الذي اصطفاكم لجواره فلايرى منكم رب هذا البيت إلا مايرضيه.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية