صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الجدية في حياة الطلاب
(joma533) 27/1/1433هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ذي العزة والجبروت والعظمة والملكوت إليه المعاد،خلق الأرض بقدرته فجعل منها الجبال والوهاد،أحمده جل شأنه وأشكره أمر بالجد والاجتهاد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة أرجو بها النجاة يوم التناد،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً متصلا إلى قيام الأشهاد.أمابعد:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً } (النساء:1).
أحبتي في الله قصة حدثت معي أردت أن أعرضها عليكم،ولا أدري أتشاركوني نفس التحليل والاستنتاج أم تخالفوني؛أدرس في هذا العام مجموعتين من الطلاب،وكنت قد وضَّحت لهم من المحاضرة الأولى أسلوب الاستذكار لتحقيق النجاح؛بأن تكون القراءة قبل المحاضرة ثم بعدها وتسجيل النقاط التي لم يتم فهمها والعودة إلي لأشرحها لمن لم يفهمها،ثم جاء الامتحان النصفي وكانت المفاجأة المؤلمة معظم الطلاب لم يحققوا حتى نصف الدرجة،قصصت همي على أخٍ لي يدَّرس بالمرحلة المتوسطة فشكا لي بأن لديه طلاب من بداية الفصل الدراسي إلى بداية المحرم وهم لم يحفظوا أحد عشر آية من القرآن مع استخدامه لمختلف أساليب الترغيب و الترهيب!.فجلست أتأمل هل هذا الأمر ظاهرة في مجتمعنا شملت كافة المراحل التعليمية؟.ما سبب ذلك؟.هل شُغِلَ أبناؤنا بالألعاب والنت والقنوت وغيرها مما فُتِحَ عليهم من زهرة الدنيا فقدموها على مستقبلهم؟.هل هو ضعف الجدية وعدم الإحساس بالمسؤولية؟. كيف يكون حالة أمة الإسلام إذا تولى مثل هؤلاء زمام أمورها ؟.يا قوم أيحدث هذا في أمة دينها دين الجد والاجتهاد!.تعالوا واسمعوا معي إلى ربنا جل في علاه وهو يخاطب يحي بقوله:{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّ }(مريم:12).يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآيات:" أي:تعلم الكتاب{بِقُوَّةٍ}بجد وحرص واجتهاد{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}أي:الفهم والعلم والجد والعزم،والإقبال على الخير،والإنكباب عليه،والاجتهاد فيه وهو صغير حدث [السن]. قال عبد الله بن المبارك:قال معمر:قال الصبيان ليحيى بن زكريا:اذهب بنا نلعب.قال:ما للعب خلقت،قال:فلهذا أنزل الله:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}ويخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله:{ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ()قُمْ فَأَنْذِرْ } (المدثر:1-2).أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس،فلا يمكن لمن أراد العزة والكرامة والعيشة الهنية أن يحقق ذلك وهو في حال من الدعة والراحة والسكينة واللهو واللعب والانكباب على الشهوات؛نقول لأبنائنا أنتم اليوم تبنون مستقبلكم الذي ستعيشونه غداً،ولن يخلد لكم هذا الثدي الذي ترضعون منه اليوم،فلا كسب لك إلا من كدك وعرق جبينك،وسيدرك مرارة التفريط اليوم من سيعجز غداً عن ثمن حليب لابنه، أو ثمن دواء لمرضه،نقول لهم إقرأوا كتاب الله الذي بين أيديكم؛فهذه مريم امرأة ضعيفة وفي حال ولادة ومع ذلك لم يساقط القوي المقتدر عليها الرطب دون أن تبذل مجهوداً بل خاطبها وهو الرحيم بها بقوله:{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا }(مريم:25). ما يفعل ساعد امرأة ضعيفة في حالة ولادة مع جذع نخلة ضخم غليظ لكنها سنة الله في خلقه التي اقتضت أن يأخذ الإنسان بالسبب ثم يتكل على الله في النتيجة،وهذا موسىيوم أن أدركه ومن معه من المؤمنين فرعون بجيش عظيم وتلاشت كل فرص النجاة أمامهم حتى أيقن من معه بالهلاك:{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }(الشعراء :16).فجاء الأمر الإلهي لموسى: { ..أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }(الشعراء :63).ما تفعل عصى في بحر لجي متلاطم الموج؟.أما كان القدير العظيم قادراً على أن يفلق البحر لموسى بدون ضربة العصى؟. بلى والله لكنها سنة الله في خلقه التي جعلت لكل شيءٍ سبباً { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }(الأحزاب:62).يا خير أمة أخرجت للناس يجب أن نغرس في أبنائنا أننا مأمورون بالعمل حتى في أحلك الظروف والساعات فهذا يوسف عليه السلام يدعو إلى توحيد الله وهو في السجن:{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }(يوسف:39).بل حتى إذا تأكدنا بأننا لن نجني ثمرة عملنا فعلينا أن نعمل فهذا نبين صلى الله عليه وسلم يوجهنا بقوله:((إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))(مسند أحمد،مسند أنس،ح(12512)).فيا أيها المربون،يا أيها المدرسون،يا أيها الموجهون،معاشر الآباء والأمهات أغرسوا وربوا أبناءكم على هذه المعاني على الجدية في الحياة،على الحرص على العمل والإنتاج المفيد بدلاً من الكسل واللعب والانشغال بتوافه الأمور تسعدوا بهم وتسعد بهم أمتهم وإن فرطنا وفرطتم في ذلك فذنب الأمة في رقبة من فرط،وانظر لتفضيل الله للعاملين المجتهدين بقوله:{ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } (النساء:95).

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله،وإني أخاطب أبنائي الطلاب ونحن على أبواب الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول من هذا العام فأقول لهم حان وقت الجد والعمل وانفضوا عن أنفسكم غبار اللعب والكسل،فأنتم تملكون مفاتيح النجاح والتميز،بيد أن النجاح يحتاج لجهد وكد وعمل؛تعالوا لنتأمل سوياًفي سير العظماء من القديم والحديث هل وجدتم أحدهم بلغ علا المجد بغير جد واجتهاد ومثابرة،اجتهد واجعل نصب عينيك وصية نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم وهو يخاطبك بقوله: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))(مسلم،ترك العجز والاستعانة بالله،ح(4816)). أترك عنك الأفكار المثبطة بأنك لا تستطيع التفوق واليك قصة واقعية تثبت لك أن العمل والدأب يصنع المستحيلات،كان شاباً كسولاً موقناً بأنه غير نافع للدراسة، فكان يحضر بالجامعة في أخر الصف ويستسلم للنوم،وفي محاضرة للرياضيات استسلم للنوم كعادته ولم يستسيقظ إلا على جلبة خروج التلاميذ،فرأى على اللوح معادلتين رياضيتين فكتبها وذهب ليحل الواجب فاستعصى عليه فبحث في المكتبة والمراجع واستهلكت منه العملية ما يقرب من ثلاثة أيام متواصلة،ثم حضر المحاضرة التالية،وانتظر أن يطلب المحاضر الواجب أو يسأل عنه فلم يذكر المحاضر للمعادلتين أمراً،وبعد أن انتهت المحاضرة توجه للمحاضر معاتباً وقال في حنق:لقد أخذ مني الواجب وقتاً وجهداً حتى أنجزته ثم لم تسأل عنه،فالتفت إليه المحاضر مدهوشاً فقال:أي واجب تتحدث عنه؟.قال:المعادلتان الرياضيتان التي كتبتهما في نهاية المحاضرة السابقة،فقال له المحاضر:تلك لم تكن واجباً بل هما معادلتان عجز علماء الرياضيات قاطبة عن حلها.فانظروا كيف استطاع طالب ظن بنفسه الغباء أن يحل معادلات عجز علماء الرياضيات عن حلها.فكيف بك أنت أيها الطالب الحبيب وأنت مجتهد ومتوكل على ربك؟.كم تستطيع من الإنجاز فلا تحتقر نفسك؟.واعلم أن أباك وأمك ومجتمعك وأمتك كلها تعلق آمالاً عظيمة عليك بعد الله وتسعد بتفوقك،وأنتم معاشر الآباء هل ربيتم أبناءكم على مهام ولو صغيرة لتعودوهم على الجدية في الحياة؟

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية